بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين صلى الله عليه وآله وأصحابه والتابعين.
وبعد
فهذا بحث مختصرة في
تخريج حديث تغطية الفم في الصلاة وحكم ذلك، فأقول وبالله استعين.
·
الحديث الأول:
روى
الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة r (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
السدل في الصلاة، وأن يغطى الرجل فاه).
أخرجه:
أبو داود في السنن عن محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى واللفظ له (1/423)، وابن
خزيمة في الصحيح عن محمد بن عيسى (1/379، و2/60)، وابن المنذر في الأوسط من طريق
يحيى (3/450، و5/28)، وابن حبان في الصحيح من طريق حبان بن موسى (6/117)، وابن عدي
في الكامل من طريق محمد بن عيسى (3/159)، والحاكم في المستدرك من طريق عبدان بن
عثمان (2/133)، والبيهقي في السنن من طريقه وطريق سريج بن النعمان (2/242)، والبغوي
في شرح السنة من طريق محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى (2/426)، كلهم عن ابن
المبارك به.
وفي
لفظ الحاكم والبيهقي (نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه).
وخالف
ابن المبارك: محمد بن راشد، وميمون بن زيد، فروياه عن الحسن بن ذكوان، عن عطاء، عن
أبي هريرة t قال: (نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه في الصلاة).
أخرجه:
ابن ماجه في السنن من طريق محمد بن راشد واللفظ له (1/112)، والبزار في البحر
الزخار من طريق محمد بن ميمون (16/186) به.
وزاد
البزار (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة).
وخالفهم
جميعًا: يحيى بن أبي كثير، فرواه عن الحسن بن ذكوان، عن سليمان، عن عطاء (أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي فاه).
أخرجه:
ابن حيويه في الجزء السادس من حديثه تخريج الدارقطني (132/أ) قال: أخبرنا أبو عبيد
الصيرفي، ثنا الحسين بن منصور، ثنا أيوب بن النجار، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن الحسن
بن ذكوان به مرسلاً.
ورجال
إلى ابن أبي كثير كلهم ثقات.
وتابع
ابن أبي كثير: هشيم، فرواه عن عامر الأحول قال: (سألت عطاء عن السدل؟ فكرهه، فقلت:
أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم).
أخرجه:
أبو عبيد في غريب الحديث (3/482)، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/242)، قال أبو
عبيد: حدثناه هشيم، قال: أخبرنا عامر الأحول به.
الكلام
على الروايات:
أولاً:
الحديث اضطرب فيه الحسن بن ذكوان مرة يصله كما في رواية ابن المبارك، ومرة يرسله
كما في رواية ابن أبي كثير، ومرة يذكر فيه سليمان الأحول كما في روايتهما عنه،
ومرة يحذفه كما في رواية محمد بن راشد وميمون بن زيد -وفيهما مقال- إن كان حفظاها عنه.
ثانيًا:
الحديث في النهي عن تغطية الفم في الصلاة رواه الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن
عطاء بن أبي رباح، وهو معلول بأربع علل:
العلة
الأول: فيه الحسن بن ذكوان وقد تكلم فيه.
قال
ابن معين (الجرح والتعديل 3/12): "ضعيف".
وقال
أبو حاتم في الجرح والتعديل (3/12): "ضعيف
الحديث، ليس بالقوي".
وقال
علي بن المديني (الضعفاء للعقيلي1/575):
"حدث يحيى بن سعيد عن الحسن بن ذكوان، ولم يكن عنده بالقوي".
وقال أحمد بن محمد بن هانئ (السابق): "قلت لأبى عبدالله:
الحسن بن ذكوان ما تقول فيه؟ فقال: أحاديثه أباطيل".
وقال في علل الحديث للمروذي (82): "الحسن بن ذكوان ليس
بذاك، وقد روى عنه يحيى".
وقال أبو داود في سؤالات البرذعي (130): "ضعيف الحديث".
وقال النسائي في الضعفاء (88): "ليس بالقوي".
وقال ابن عدي في الكامل (3/160): "وللحسن بن ذكوان أحاديث غير ما ذكرت
وليس بالكثير وفي بعض ما ذكرت لا يرويه غيره، على أن يحيى القطان، وابن المبارك قد
رويا عنه كما ذكرته، وناهيك للحسن بن ذكوان من الجلالة أن يرويا عنه، وأرجو أنه لا
بأس به".
قال الحافظ في مقدمة الفتح (397): "الحسن بن ذكوان أبو
سلمة البصري ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن المديني".
وقال الحافظ في التقريب: "صدوق يخطيء".
والحديث لم أجده عن عطاء إلا من روايته عنه، وفي كلام ابن عدي
ما يشير إلى ذلك، وحاله لا تتحمل أن ينفرد عن عطاء بذلك.
العلة الثانية: إنه مدلس وقد عنعن الحديث.
قال الحافظ في تعريف أهل التقديس (133): "الحسن بن ذكوان
مختلف في الاحتجاج به، وله في صحيح البخاري حديث واحد، وأشار ابن صاعد إلى أنه كان
مدلسًا".
العلة
الثالثة: أنه روي عن عطاء مخالفة الحديث في جزءه الأول، فقد قال ابن هانئ في
مسائله (472): "وسئل عن عسل بن سفيان؟ فقال: نعم أعرفه، وقد روى عن عطاء، عن
أبي هريرة رضي الله عنه، وكان عطاء يسدل، فمثل هذا يروي عن عطاء، عن أبي هريرة رضي
الله عنه؟ وكان عطاء يسدل. كأنه أنكر هذا".
وقال
أبو داود في السنن (2/432): حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا حجاج، عن ابن جريج
قال: (أكثر ما رأيت عطاء يصلى سادلاً)، قال أبو داود: وهذا يضعف ذلك الحديث.
وتابع
حجاجًا: عبدالرزاق في المصنف واللفظ له (1/362)، وابن علية عند ابن أبي شيبة في
المصنف (4/417)، فروياه عن ابن جريج قال: "رأيت عطاء يسدل ثوبه في الصلاة).
وقال
الدارقطني في العلل (8/338) وهو يتكلم على حديث السدل: "وروي هذا الحديث عن
عطاء، عن النبي r مرسلاً، وفي رفعه نظر، لأن ابن جريج روى عن
عطاء بن أبي رباح أنه كان يسدل في الصلاة".
العلة
الثالثة: أنه تلون في روايته فمرة يطلقه، ومرة يقيده بالصلاة، ومرة يصله، ومرة
يرسله، وهذا يدل على أنه لم يضبط الحديث.
قال
الترمذي في العلل الصغير (49): "فإذا تفرد أحد بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج
به ... وأشد ما يكون إذا لم يحفظ الإسناد، فزاد في الإسناد، أو نقص، أو غير الإسناد،
أو جاء بما يغير فيه المعنى".
وكل
ذلك اجتمع للحسن بن ذكوان في هذا الحديث.
العلة الرابعة: أخرج عبدالرزاق في المصنف (2/454) عن ابن جريج قال: سئل عطاء أيصلي الرجل وهو مخمر فاه؟ قال: أحب إلي أن تنزعه من فيك، إني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إذا صليت فإنك تناجي ربك).
فلو كان عند عطاء في المسألة حديث لما احتج بأثر بعيد عن نص المسألة.
والحديث
ضعفه بعض أهل العلم.
قال
الخلال (نيل الأوطار2/77): "سئل أحمد عن حديث السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة
t؟ فقال: ليس هو بصحيح الإسناد".
وقال
ابن المنذر في الأوسط (5/41): "وأما حديث ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان فقد
دفعه بعض أصحابنا، وضعف الحس بن ذكوان".
تنبيهات:
الأول:
الشطر الأول من الحديث قد رواه عسل بن سفيان، عن عطاء، عن أبي هريرة t، وزاد الحسن بن ذكوان فيه النهي عن تغطية
الفم.
قال
أبو داود: "رواه عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أَن النبي صلى الله
عليه وسلم (نهى عن السدل في الصلاة)".
قال
ابن عدي: "وقوله (نهى عن السدل في الصلاة) كنا نعرفه من حديث عسل بن سفيان،
عن عطاء، عن أبي هريرة t".
قال الترمذي في السنن
(1/403): "حديث أبي هريرة t لا نعرفه من حديث
عطاء، عن أبي هريرة t مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان".
وأخشى أن يكون الحسن بن ذكوان إنما أخذه عن عسل بن سفيان، وزاد فيه ما يخص
تغطية الفم.
الثاني:
قول ابن عدي في الحسن بن ذكوان "وناهيك للحسن بن
ذكوان من الجلالة أن يرويا عنه".
فيه
نظر من جهتين:
الجهة
الأول: أن رواية ابن القطان عنه لا تدل على أنه ثقة عنده، فقد قال ابن المديني:
"ولم
يكن عنده بالقوي".
الجهة الثانية: أن رواية الثقة عن الضعيف لا تعني أنه ثقة عنده
إلا على قول من يقول: (إنه لا يروي إلا عن ثقة).
قال الترمذي في العلل الصغير (43): "... فلا تغتر برواية
الثقات عن الناس".
الثالثة: جاء في تحفة الأشراف للمزي (عن ابن المبارك، عن الحسين
بن ذكوان)، وهذا خطأ، ويبدو أن الخطأ من المؤلف بدليل أنه لم يرقم رقم أبي داود على
رواية ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان في تهذيب الكمال (6/146)، ورقم له برقم أبي
داود في ترجمة الحسين بن ذكوان (6/373))، وقد فرق بينهما الخطيب في تالي تلخيص
المتشابة (1/246، و248).
الربعة: قال البيهقي في السنن (2/242) يعد أن أخرج رواية هشيم،
عن سليمان الأحول السابق ذكرها: "وهذا الإسناد وإن كان منقطعًا (يعني مرسلاً)
فيه قوة للموصولَيْن قبله، (وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى سادلاً) وكأنه نسي
الحديث، أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء، وكان لا يفعله خيلاء، والله
أعلم".
فيه ملاحظتان:
الأول: الإسناد المرسل يعل به الإسناد المتصل، بل المرسل هو
المحفوظ عن عطاء، لأن راويه -وهو هشيم- عن سليمان الأحول أحفظ ممن روى الموصول -وهو
الحسن بن ذكوان-، فكيف يكون مقوٍ له؟!!.
الثاني: الرواية عن عطاء أنه كان يصلي سادلاً أرجح من الرواية
عنه أنه كره ذلك، فقد رواها ابن جريج كما سبق وهو من أثبت الناس فيه.
وتابعه: ثور الهمداني، وعبدالملك بن أبي سليمان، فروياه عن عطاء
أن كان يقول: (لا بأس بالسدل).
أخرجه: عبدالرزاق في المصنف من طريق ثور واللفظ له (362)، وابن
أبي شيبة في المصنف من طريق عبدالملك (4/416)، كلاهما عن عطاء.
وروايتهم مقدمة على رواية عاصم الأحول، ومما يدل عليه تعليل
أحمد، وأبو داود، والدارقطني بذلك.
·
الحديث الثاني:
روى
ابن أبي شيبة في المصنف (5/103)، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن جريج، قال: أخبرني
أبو بكر عمن أخبره (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخمر الرجل الفم في
الصلاة).
وأبو
بكر هو ابن عبيدالله بن أبي مليكة القرشي، وشيخه فيه مبهم لا يدرى من هو.
ولم
يذكروا في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة إلا عائشة رضي الله عنها.
قال
أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (2/288): "سمع من عائشة رضي الله
عنها".
ثم
قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن مسلم، نا محمد بن علي الوراق، نا أبو نعيم، نا
عبدالله بن أبي ثابت، نا أبو بكر بن عبيدالله بن أبي مليكة قال: (حدثتنا عائشة رضي
الله عنها)، ولم يذكر متنه.
وهو
حديث أخرجه أبو بكر محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري في جزء الأول من حديثه (ق126/ب)،
وعنه أبو نعيم في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن أبي نعيم الفضل بن دكين
عاليًا (37)، قال الأنباري: حدثنا جعفر، قثنا أبو نعيم، قثنا عبدالله بن حبيب بن
أبي ثابت،، قثنا أبو بكر بن عبيدالله بن أبي مليكة قال: حدثتنا عائشة رضي الله
عنها أو سمعتها تحدث قال: (ربما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الغداة
ورأسه يقطر ماء، ثم يصوم يومه ذلك).
وفي
كونه في هذا السند هو أبو بكر بن عبيدالله نظر عندي، فإن السند الذي استفاد منه
أبو أحمد الحكم سماع أبي بكر بن عبيدالله من عائشة رضي الله عنها جاء عند إسحاق بن
راهوية مصرحًا أنه عبدالله أخوه.
قال
إسحاق في مسنده (3/659): أخبرنا الملائي، نا عبدالله -وهو ابن حبيب بن أبي ثابت-،
نا عبدالله بن أبي مليكة قال: حدثتنا عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم (أنه ربما خرج إلى الصلاة ورأسه يقطر، ثم يتم صومه).
وأما
الأثر الذي أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/86): حدثنا وكيع، قال: حدثنا هشام بن
عروة، عن أبي بكر بن أبي مليكة (أن عائشة رضي الله عنها أعتقت غلامًا لها عن دبر
...).
وأخرجه
ابن أبي داود في المصاحف (718)، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي الخصيب، قال:
أخبرنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبي بكر بن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها
به.
فهذا
والذي قبله ليس فيه تصريح بالسماع، وربما أخذه عن أخيه عبدالله فهو الذي سمع من
عائشة رضي الله عنها.
فقد
أخرج عبدالرزاق في المصنف (2/394) عن ابن جريج قال: أخبرني عبدالله بن أبي مليكة (أنهم
كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأعلى الوادي هو، وأبوه، وعبيد بن عمير،
والمسور بن مخرمة رضي الله عنه، وناس كثير، فيؤمهم أبو عمر مولى عائشة، وأبو عمرو غلامها
لم يعتق ...".
ولم
أقف على من ذكر قبل الحاكم أنه سمع من عائشة رضي الله عنها.
ولما
ذكره الإمام أحمد لم يبين أنه سمع منها، ولو كان سمع منها لم يفته ذلك.
قال
عبدالله في العلل ومعرفة الرجال (3/98): "سمعت أبي يقول: أبو بكر بن عبيدالله
بن عبدالله بن أبي مليكة أخ لابن أبي مليكة، كان يكون بالمدينة، يقال له: أبو بكر الأحول،
روى عنه ابن جريج، ويحيى بن سعيد الأنصاري".
وعبدالله
أخوه هو المعروف وهو الذي كان يطلق عليه ابن أبي مليكة، أما أبو بكر فغير مشهور، لذا
كان يعرف بأخيه عبدالله في ترجمته.
قال
ابن سعد في الطبقات (5/473): "وقد روي عن أبي بكر، وكان قليل الحديث".
وعبارة
ابن سعد هذا تدل على عدم شهرته.
ثم
على فرض كون المبهم هو عائشة رضي الله عنها فإنه لا يصح لتفرده به عنها، وحاله لا
تحتمل مثل هذا.
فقد
ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/346) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
وذكره
ابن حبان في ثقاته كما في تهذيب الكمال (33/121).
وقال
عنه الذهبي في الكاشف: ثقة.
وقال
الحافظ في التقريب: مقبول.
وربما
خلط من لا يميز بينه وبين أخيه عبدالله بن أبي مليكة، لكونه يكنى بأبي بكر كما فعل
صاحب كتاب (تذكرة الأنام بحكم القراءة في المصحف للإمام 55)، فظن أن الذي في سند
ابن أبي شيبة هو عبدالله، وإنما هو أبو بكر أخو.
قال
المزي في تهذيب الكمال (33/121): "أبو بكر بن عبيدالله بن أبي مليكة أخو
عبدالله بن أبي مليكة".
وذكر
في الرواة عنه هشام بن عروة، ولما ذكر عبدالله (15/258) لم يذكر في الرواة عنه
هشام بن عروة.
الحديث
الثالث:
روى
الوليد بن المغيرة أن وهب بن عبدالله المعافري حدثه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (لا يضعن أحدكم ثوبه على أنفه في الصلاة، فإن ذلك خطم الشيطان).
أخرجه:
ابن وهب في الجامع (254)، وأبو داود في المراسيل من طريقه (117)، قال ابن وهب:
أخبرنا الوليد بن المغيرة به.
وهذا
مرسل.
حكم
تغطية الفم في الصلاة:
جاء
في الموسوعة الفقهية الكويتية (32/210): "والتلثم عند الشافعية هو تغطية
الفم، وقال الحنفية والحنابلة: هو تغطية الفم والأنف، وهو عند المالكية ما يصل
لآخر الشفة السفلى".
قال
الخطابي في معالم السنن (1/260): "وقوله (وأن يغطي الرجل فاه)، فإن من عادة العرب
التلثم بالعمائم على الأفواه، فنهوا عن ذلك في الصلاة إلا أن يعرض للمصلي التثاؤب فيغطي
فمه عند ذلك للحديث الذي جاء فيه".
ذهب
بعض أهل العلم إلى كراهية تغطية الفم في الصلاة.
قال
ابن المنذر في الأوسط (3/451): "كثير من أهل العلم يكره تغطية الفم في
الصلاة، وممن روي عنه أنه كره ذلك: ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما، وبه قال
عطاء، وابن المسيب، والنخعي، وسالم بن عبدالله، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان،
والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، واختلف فيه عن الحسن، فروي عنه أنه كره ذلك،
وذكر الأشعث أنه كان لا يرى به بأسًا".
وتابع
الأشعث: قتادة، فقد أخرج ابن أبي شيبة من طريقه عن الحسن أنه ( كان يكره أن يغطي
أنفه وفمه جميعًا، ولا يرى بأسًا أن يغطي فمه دون أنفه).
ولعل
الجمع بينهما أن الحسن يرى الكراهة في حالة الجمع بين الأنف والفم في التغطية، أما
إذا أفرد أحدهما بالتغطية فلا كراهة على ما حكاه قتادة عنه.
وقد
روى ذلك ابن أبي شيبة في المصنف (5/103) في كتاب الصلاة "في تغطية الفم في
الصلاة" عن بعض من ذكرهم ابن المنذر.
وأخرج
أيضًا (5/104) بسند صحيح عن ابن سيرين (أنه كان يكره أن يغطي الرجل فاه وهو
يصلي".
وممن
كان لا يرى به بأس قتادة أخرج ذلك عنه ابن أبي شيبة في المصنف (5/107).
ولا شك أنه على القول بالكراهة فإنه يستثنى من ذلك إذا كانت التغطية: من أجل التثاؤب، وقد أشار إلى ذلك ابن خزيمة في صحيحه (2/60)، وتبعه ابن المنذر في الأوسط (3/451)، أو كان لضرورة من مرض: كالزكام أو فيروس كورونا، أو بخر، أو لكونه أكل ما يتقذر من رائحته: كالثوم والبصل ونحوهما.
أخرج عبدالرزاق في المصنف (2/455) عن معمر، عن قتادة (أن الحسن كان يرخص في أن يصلي الرجل وهو متلثم إذا كان من برد أو عذر)..
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
أشرف الأنبياء والمرسلين.