بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فهذا
تخريج حديث (من فطر صائمًا فله مثل أجره)، وقد قسمته إلى أربع مباحث، فأقول وبالله
أستعين:
المبحث
الأول: حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه:
روى
عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن خالد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فطر
صائما كتب له مثل أجره، إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء، ومن جهز غازيا في سبيل
الله، أو خلفه في أهله، كتب له مثل أجره إلا أنه لا ينقص من أجر الغازي شيء).
أخرجه:
أحمد عن يعلى بن عبيد وعن إسحاق بن يوسف وعن يحيى بن سعيد القطان واللفظ له([1])،
وعبد بن حميد عن يعلى بن عبيد([2])، والدارمي عنه([3])،
والترمذي من طريق عبدالرحيم بن سليمان([4])، وابن ماجه من طريق
يعلى([5])،
والنسائي من طريق خالد بن الحارث([6])، والبزار من طريق
القطان([7])،
وابن خزيمة من طريق ابن فضيل([8])، والعقيلي من طريق
يعلى([9])،
والطبراني من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق([10]) وطريق ابن المبارك
وطريق جرير وعبدالرحيم([11])، وابن حبان من
طريق القطان([12])، والبيهقي من طريق
زائدة([13])،
والبغوي من طريق عبدالرحيم([14])، وابن عساكر من
طريق أسباط وطريق يعلى([15])، والضياء المقدسي
من طريقه([16])، كلهم عن عبدالملك
بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح ([17]) به([18]).
وزاد
أحمد في لفظ له (لا تتخذوا بيوتكم قبورًا صلوا فيها)، واقتصر الدارمي والترمذي وابن
ماجه والنسائي والعقيلي والبغوي وابن حبان في رواية على موضع الشاهد منه.
وتابع
عبدالملك: محمد ين عبدالرحمن بن أبي ليلى([19])، فرواه عن عطاء بن
أبي رباح، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (من فطر صائمًا، أو جهز غازيًا، أو حاجًا، أو خلفه في أهله، كان له مثل
أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
أخرجه:
عبدالرزاق عن جعفر بن سليمان([20])، وابن أبي شيبة عن
وكيع واللفظ له([21])، وابن ماجه من
طريق وكيع([22])، والنسائي من طريق
الثوري([23])،
وابن خزيمة من طريق الثوري([24])، والطبراني من
طريقه وطريق روح بن القاسم وطريق جعفر بن سليمان([25]) وطريق أبي عوانة
وطريق أبي شهاب عبد ربه بن نافع([26])، وأبو محمد ابن
ماسي من طريق الثوري([27])، وأبو نعيم
الأصبهاني من طريق الثوري وروح([28])، والبيهقي من طريق
الثوري وطريق أبي عوانة([29])، والشجري من طريق
الثوري وطريق أبي شهاب وطريق جعفر بن سليمان([30])، وأبو الحسن
الخلعي من طريق روح والثوري([31])، والسلفي من طريق
الثوري([32])،
والسبكي من طريقه([33])، كلهم عن ابن أبي
ليلى به.
ولم
يقل ابن خزيمة في روايته (أو جهز حاجًا)، وفي لفظ للطبراني (أو جهز حاجًا أو جهز
غازيا أو خلفه في أهله ...)، وبنحوه البيهقي والسلفي والسبكي، وفي رواية لم يذكر الطبراني
ولا الخلعي (أو خلفه في أهله)، وفي لفظ عبدالرزاق والطبراني (من فطر صائمًا: أطعمه
وسقاه ...)، واقتصر ابن ماجه على موضع الشاهد منه.
وتابعهما:
عمر بن قيس المكي([34])، فرواه عن عطاء،
عن زيد بن خالد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازيًا في
سبيل الله، أو خلفه في أهله، كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا، ومن جهز
حاجًا أو خلفه في أهله، كان له مثل أجر الحاج من غير أن ينقص من أجره، ومن فطر صائمًا
كان له مثل أجره).
أخرجه:
ابن قانع عن إسحاق بن الحسن الحربي واللفظ له([35])، والطبراني عن بشر
بن موسى ومحمد بن العباس المؤدب([36])، وأبو بكر
الأنباري عن حامد بن سهل([37])، وأبو بكر القطيعي
عن بشر بن موسى([38])، وأبو نعيم من
طريق حامد بن سهل([39])، والشجري من طريق
بشر ومحمد([40])، وابن عساكر من
طريق إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي([41])، كلهم عن هوذة بن
خليفة([42])،
عن عمر([43])
بن قيس المكي به.
ولم
يذكر الطبراني ولا الشجري تجهيز الحاج.
وتابعهم:
معقل بن عبيدالله الجزري([44])، فرواه عن عطاء بن
أبي رباح، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من فطر صائمًا كان له مثل أجره، ولا ينقص من أجره شيء، ومن جهز غازيًا في سبيل الله
كان له مثل أجره، ولا ينقص من أجره شيء).
أخرجه:
الطبراني عن أحمد بن سعيد العسكري واللفظ له([45])، وابن عدي عن أحمد
بن عبدالرحمن التميمي([46])، وأبو الفضل
الزهري عن جعفر بن محمد الفريابي([47])، وابن بشران من
طريقه([48])،
والقضاعي من طريقه أيضًا([49])، والبيهقي كذلك([50])،
كلهم عن أبي جعفر النفيلي سعيد بن حفص([51]) به.
واقتصر
ابن عدي وأبي الفضل الزهري والقضاعي على موضع الشاهد، وقرن الطبراني مع عطاء:
عكرمة([52]).
وتابعهم:
حجاج بن أرطاة([53])، فرواه عن عطاء،
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من
جهز حاجًا، أو معتمرًا، أو غازيًا، أو خلفه في أهله، أو فطر صائمًا كان له مثل
أجورهم).
أخرجه:
سعيد بن منصور واللفظ له([54])، وابن ماجه عن علي
بن محمد([55])، كلاهما عن أبي
معاوية، عن حجاج به.
وتابعهم
أيضًا: يعقوب بن عطاء بن أبي رباح([56])، فرواه عن أبيه عطاء،
عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائمًا، أو
جهز حاجًا، أو غازيًا كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
أخرجه:
الطبراني([57]) -ومن طريقه الخطيب
([58])-
قال الطبراني: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدثنا سريج بن يونس([59])،
حدثنا أبو إسماعيل المؤدب([60])، عن يعقوب بن عطاء،
عن أبيه به.
وتابعهم:
عبدالملك بن جريج([61])، فرواه عن عطاء،
عن زيد بن خالد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فطر صائمًا،
أو جهز غازيًا فله مثل أجره).
أخرجه:
الجرجاني([62])، والبيهقي عن
الحاكم وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر أحمد بن الحسين([63])،
وقوام السنة من طريق الجرجاني([64])، والبغوي من طريق
أبي القاسم السراج([65])، كلهم عن يعقوب بن
محمد الأصم، عن حميد بن عياش الرملي، عن مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، عن ابن جريج
به.
الكلام
على الروايات:
أولاً:
رواية ابن جريج، عن عطاء، عن زيد بن خالد رضي الله عنه خطأ، فقد رواها مؤمل بن
إسماعيل، عن الثوري، عن ابن جريج، وخالفه باقي الرواة عن الثوري: يزيد بن زريع،
ومحمد بن بشر العبدي، ومحمد بن كثير العبدي، كلهم رووه عن الثوري، عن محمد بن
عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء، وهو المحفوظ.
قال
البيهقي: "هذا هو المحفوظ من حديث الثوري، ورواه مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري
فخالف الجماعة في إسناده"([66]).
ومع
هذا فقد صحح روايته البغوي رحمه الله اعتمادًا منه على ظاهر السند([67]).
ثانيًا:
أجود الروايات عن عطاء هي رواية: عبدالملك بن أبي سليمان.
وقيل
عنه: "إنه رواية عن عطاء بن أبي رباح"([68]).
ثم
معقل بن عبيدالله، وابن أبي ليلى، ويعقوب بن عطاء، ولم يسلم واحد منهم من كلام فيه.
وأما
حجاج بن أرطأة فمع ما فيه من كلام فهو مدلس وقد عنعن.
وعمر
بن قيس المكي متروك.
ثالثًا:
الحديث من رواية عطاء بن أبي رباح في ذكر (ثواب من فطر صائمًا) صححه الترمذي وابن
خزيمة وابن حبان، وعندي أنه معلول من وجهين:
الوجه
الأول: أنه منقطع، عطاء بن أبي رباح لم يسمع من زيد بن خالد رضي الله عنه.
قال
ابن المديني: "لم يسمع من زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه"([69]).
وأثبت
له أبو نعيم السماع من زيد رضي الله عنه، فقال: "أسند أبو محمد عطاء بن أبي رباح
-واسم أبي رباح أسلم- عن عدة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وسمع من ابن عباس، وابن
عمر، وابن الزبير، وعبدالله بن عمرو، وأبا هريرة، وأبا سعيد، وزيد بن خالد الجهني
رضي الله عنهم"([70]).
ولم
يُثبت ذلك من خلال الحديث الذي ساقه له، وعطاء لم يرو عن زيد بن خالد رضي الله عنه
إلا حديثًا واحدًا فقط، اشتمل على عدة جمل، فرقها أصحاب كتب السنة، وساقه الإمام
أجمد في موضع من كتابه مساقًا واحدًا([71])، فقال رحمه الله: حدثنا
إسحاق بن يوسف، أخبرنا عبدالملك، عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا بيوتكم قبورًا صلوا فيها، ومن فطر صائمًا، كتب له مثل
أجر الصائم لا ينقص من أجر الصائم شيء، ومن جهز غازيًا في سبيل الله، أو خلفه في أهله،
كتب له مثل أجر الغازي في أنه لا ينقص من أجر الغازي شيء)، ولم أقف في شيء من طرق
الحديث على إثبات السماع بينهما.
فإن
قيل: باحتمال السماع للمعاصرة وإمكان اللقاء بينهما؟، فإن عطاء أدرك زيد بن خالد
رضي الله عنه، فعطاء ولد باليمن سنة ست أو سبع وعشرين، ونشأ بمكة، وزيد بن خالد
مات بالمدينة سنة ثمان وسبعين، ويقال: بالكوفة، وذلك في آخر خلافة معاوية رضي الله
عنه، ويقال: مات سنة ثمان وستين، ويقال: سنة اثنتين وسبعين، وقيل: مات بمصر سنة
خمسين، وصحح الذهبي القول الأول([72]).
فالجواب
من وجهين:
أولاً:
أن السماع لا يثبت بالاحتمال.
قال
العيني: "... وقال بعضهم: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة
ستين وأبو سلمة مدني، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، قلت: كونه مدنيًا وسماعه من خلق
ماتوا قبله لا يستلزم سماعه من عمرو، وبالاحتمال لا يثبت ذلك"([73]).
ثانيًا:
أنه لا يقال بالاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقي بينهما هنا، لأنه فاقد لشرطه، وهو
إلا يحكم إمام من الأئمة بعدم السماع بينهما.
قال
ابن حجر([74]): "ولا يقال:
(اكتفى بالمعاصرة)، لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين، إذا
كان النافي واسع الاطلاع مثل علي بن المديني"([75]).
الوجه
الثاني: أن الحديث قد رواه بسر بن سعيد، عن خالد بن زيد رضي الله عنه ولم يذكر فيه
جملة تفطير الصائم، وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما([76])،
وهو أشهر من حديث عطاء.
المبحث
الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
روى
الحسن بن رشيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائمًا فله مثل أجره).
أحرجه:
الطبراني([77])، والعقيلي([78])،
والشجري من طريق الطبراني([79])، كلاهما عن أحمد بن
شعيب النسائي، أخبرنا الحسين بن حريث([80])، حدثنا نصر بن حاجب([81])،
عن الحسن بن رشيد به.
وفي
رواية الطبراني والشجري (نصر بن خالد([82])).
الكلام
على الرواية:
الحديث
منكر، في سنده الحسن بن رشيد، قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول:
هو مجهول، قال أبو محمد يدل حديثه على الإنكار"([83]).
وقال العقيلي: "في حديثه وهم، ويحدث بمناكير".
وقال الذهبي: "فيه لين"([84]).
وقد تفرد به عن ابن جريج قاله العقيلي.
المبحث
الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
وفيه
مطلبان:
المطلب
الأول: رواية صالح مولى التوأمة:
روى
عبدالرزاق، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (من فطر صائمًا أطعمه أو سقاه كان له مثل
أجره).
أخرجه:
عبدالرزاق من رواية إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه موقوفًا([85]).
وخالف
الدبري: إبراهيم بن محمد بن برة، ومحمود بن غيلان، وأبو الأزهر أحمد بن الأزهر، فرووه
عن عبدالرزاق، عن ابن جريج، عن صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
أخرجه:
العقيلي عن إبراهيم بن محمد بن برة([86])، وأبو نعيم من
طريق محمود بن غيلان([87])، والبيهقي من طريق
أبي الأزهر([88])، كلهم عن
عبدالرزاق به مرفوعًا.
الكلام
على الرواية:
أولاً:
المحفوظ عن عبدالرزاق رواية الجماعة المرفوعة، وأما الدبري فقد قصر به.
الثاني:
الحديث لا يصح، فيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس وقد عنعن.
قال
العقيلي بعد أن روى حديث عبدالملك بن أبي سليمان: "هذا أولى، وحديث عبدالرزاق
لم يبين ابن جريج شيئًا فيه السماع من صالح، وأحسب أن حجاج بن محمد([89])
يرويه عن ابن جريج، عن إبراهيم بن محمد([90])، عن صالح".
أقول:
إن صدق ظن العقيلي فيكون ابن جريج أخذ الحديث من إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى
الأسلمي، وهو متروك.
المطلب
الثاني: رواية عطاء بن أبي رباح:
روى
عبدالملك بن أبي كريمة([91])، عن ابن جريج، عن
عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج عن
ميت فللذي حج عنه مثل أجره، ومن فطر صائمًا فله مثل أجره، ومن دل على خير فله مثل أجر
فاعله).
أخرجه:
الطبراني عن محمد بن عبدالله الحضرمي([92])، والخطيب من طريق
الحسن بن الطيب الشجاعي([93])، كلاهما عن علي بن
بهرام، عن عبدالملك بن أبي كريمة به.
الكلام
على الرواية:
الحديث
لا يصح، في سنده علي بن بهرام بن يزيد ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً([94]).
وقد
تفرد به قاله الطبراني.
المبحث
الثالث: حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
روى
بهلول بن عبيد، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائمًا كان له مثل أجر
الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء).
أخرجه:
الخلال([95])،
قال: ثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز([96])،
ثنا عثمان بن سهل بن مخلد([97])، ثنا الحسن بن
صباح([98])،
ثنا بهلول بن عبيد به.
الكلام
على الرواية:
الحديث
واه بهذا لإسناد، فيه بهلول بن عبيد. قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن بهلول بن
عبيد؟ فقال: هو ضعيف الحديث ذاهب".
وقال:
"سئل أبو زرعة عن بهلول بن عبيد؟ فقال: ليس بشيء، منكر الحديث حسبك به ضعفًا،
وترك حديثه ولم يقرأه علينا، وكان عنده عن أبي عبيدة الفضل بن الفضل عنه"([99]).
وقال
ابن يونس: "من أهل فارس منكر الحديث"([100]).
وقال
ابن عدي: "ولبهلول هذا غير ما ذكرت من الحديث قليل، وأحاديثه عمن روى عنه فيه
نظر، وحديثه عن أبي إسحاق أنكر منه عن غيره، وإنما ذكرته لأبين أن أحاديثه ليس مما
يتابعه الثقات عليها"([101]).
وقال
ابن حبان: "بهلول بن عبيد شيخ يسرق الحديث، لا يجوز الاحتجاج به بحال"([102]).
المبحث
الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها:
وفيه
مطلبان:
المطلب
الأول: رواية عطاء عنها رضي الله عنها.
روى
حسين بن ذكوان([103])، عن عطاء، عن
عائشة رضي الله عنها قالت: (من فطر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر
الصائم شيء).
أخرجه:
النسائي([104])، قال: أخبرنا
أحمد بن سليمان([105])، قال: حدثنا يزيد([106])،
قال: أخبرنا حسين به موقوفًا.
الكلام
على الرواية:
الحديث
من هذا الوجه لا يصح، خالف حسين بن ذكوان كل من رواه عن عطاء، عن زيد بن خالد، وهم:
عبدالملك بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، ومعقل بن عبيدالله، وحجاج بن أرطأة،
ويعقوب بن عطاء.
المطلب
الثاني: رواية سعيد بن المسيب عنها رضي الله عنها:
روى
الحكم بن عبدالله الأيلي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة قالت: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا،
وما عمل من أعمال البر إلا كان أجره كصاحب الطعام ما كان من قوة الطعام فيه).
أخرجه:
الطبراني من طريق خالد بن محمد وهذا لفظه، وطريق محمد بن بكير الحضرمي([107])،
كلاهما عن كثير بن هشام([108])، عن عيسى بن إبراهيم،
عن الحكم بن عبدالله الأيلي به.
وفي
اللفظ الأخر (من فطر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا).
الكلام
على الرواية:
وهذا
منكر جدًا، في سنده الحكم بن عبدالله بن سعد الأيلي متروك، قال ابن معين: "لا
شيء"([109]).
وقال
البخاري: "تركوه"([110]).
وقال
أبو حاتم: "متروك الحديث، لا يكتب حديثه، كان يكذب"([111]).
وقال
ابن أبي حاتم: "ضعيف لا يحدث عنه، ولم يقرأ علينا حديثه، وقال: اضربوا عليه"([112]).
وقال
النسائي: "متروك الحديث"([113]).
وقد
تفرد به عن الزهري قاله الطبراني.
وفيه:
عيسى بن إبراهيم. قال ابن معين: "ليس بشيء"([114]).
وقال
البخاري: "منكر الحديث"([115]).
وقال
أبو حاتم: "متروك الحديث"([116]).
وقال
النسائي: "منكر الحديث"([117]).
وقد
تفرد به عن الحكم قاله الطبراني.
الخلاصة:
الحديث
لا يصح في ثواب من فطر صائمًا أن له مثل أجره، وأجود حديث في الباب حديث زيد بن
خالد رضي الله عنه، وهو منقطع، والشواهد له كلها لا تصح.
والحمد
لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواج وأصحابه والتابعين لهم
بإحسان.
([18])
ذكر الحافظ ابن حجر في إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي (2/410)، وفي
إتحاف المهرة (5/14) أن ممن روى حديث فضل تفطير الصائم عن عبدالملك أيضًا: (ابن
نمير ويزيد بن هارون) ولم أقف على روايتهما لحديث تفطير الصائم في المسند، وأظن أن
رويتهما سقطت من المسند، بدليل أنه جاء في المسند (28/261) بعد أن ذكر رواية يعلى
قال: (ويزيد قال: أخبرنا، إلا أنه قال: (من غير أن ينتقص)، ويزيد لم يسبق له ذكر
في السند، ويؤيده أن ابن كثير في جامع المسانيد والسنن (3/171) قال: حدثنا ابن نمير،
قال أبى: ويعلى، قال أبى: ويزيد. قال: حدثنا عبدالملك ... ثم ذكر الحديث.
([25])
تصحف في المعجم الكبير (ابن أبي ليلى) إلى (ابن أبي ذئب)، وهو في المصنف عن جعفر
بن سليمان عن ابن أبي ليلى بنفس اللفظ.
([71])
ثم وجدت له حديثًا آخر (ما يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ...). أخرجه: الجوهري
في جزء فيه السابع والحادي عشر من أماليه عن شيوخه (ق9/ب)، وهو منكر من هذا الوجه،
ومع هذا فليس فيه أيضًا التصريح بالسماع.