السبت، 28 نوفمبر 2020

قول دعاء كفارة المجلس بعد الصلاة وقراءة القران

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

وبعد:

فهذا بحث حديثي حول صحة حديث عائشة رضي الله عنها الوارد في قول دعاء كفارة المجلس بعد قراءة القرآن وبعد الصلاة، فأقول مستعينًا بالله:

روى خلاد بن سليمان الحضرمي، عن خالد بن أبي عمران، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلسًا أو صلى تكلم بكلمات، فسألته عن الكلمات؟ فقال: (إن تكلم بخير كان طابعًا عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفر الله وأتوب إليه).

أخرجه: أحمد في المسند عن أبي سلمة منصور بن سلمة واللفظ له (41/34)، والنسائي في السنن من طريقه (319)، وفي الكبرى من طريق سعيد بن الحكم (9/123)، وأبو العباس الأصم من طريق أبي سلمة (مجموع فيه مصنفاته 234)، والطبراني في الدعاء من طريق عبدالله بن عبدالحكم وطريق يحيى بن بكير (3/1566)، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي سلمة (2/142)، وقوام السنة في الترغيب والترهيب من طريقه (1/312)، وأبو سعد السمعاني في الإملاء والإستملاء كذلك (2/358)، والضياء المقدسي في المنتقى من مسموعاته بمرو أيضًا (2/452، و774)، وابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه من طريق سعيد بن الحكم (9/281)، والحافظ ابن حجر في فتح الباري من طريق أبي سلمة (13/546)، كلهم عن خلاد بن سليمان به. 

وفي رواية للنسائي (ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا قط، ولا تلا قرآنًا، ولا صلى صلاة إلا ختم ذلك بكلمات ... من قال خيرًا ختم له طابع على ذلك الخير، ومن قال شرًا كن له كفارة ...)، وبنحوه السمعاني والطبراني لكن قال فيه: (ولا قرأ قراءة)، وفيه (سبحانك اللهم وبحمدك ولا إله إلا أنت ...)، وكذا السمعاني لكنه لم يذكر الواو قبل (لا)، وفي لفظ قوام السنة (سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك).

وخالف خلادًا: عبيدالله بن زَحْر، فرواه خالد بن أبي عمران أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلسه إلا دعا بهؤلاء الدعوات: (اللهم اقسم لنا من خشية ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به رحمتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا).

أخرجه: ابن المبارك في الزهد واللفظ له (120)، والترمذي في السنن عن علي بن حجر (5/481)، وابن قتيبة في عيون الأخبار عن حسين بن حسن (2/305)، وابن أبي الدنيا في اليقين عن داود بن عمرو (31)، والنسائي في الكبرى عن سويد بن نصر (9/155)، والدينوري في المجالسة من طريق نعيم بن حماد (3/99)، وأبو الشيخ في الطبقات من طريقه (4/200)، والشجري في الأمالي من طريق محمد بن حاتم (1/238)، والبغوي في شرح السنة من طريق إبراهيم بن عبدالله الخلال (5/174)، والمقدسي في الترغيب في الدعاء والحث عليه من طريق داود بن عمرو (193)، والذهبي في معجم شيوخه الكبير من طريقه (239)، وابن جماعة في المشيخة كذلك (2/478)، كلهم عن ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبيدالله بن زحر به.

وفي لفظ ابن أبي الدنيا وأبي الشيخ والمقدسي والذهبي وابن جماعة (قَل ما كان يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه ...)، وبنحوه البغوي وقالوا: (تبلغنا به جنتك).

وخالف يحيى بن أيوب: بكر بن مضر، فرواه عن عبيدالله بن زحر، عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو بهذه الدعوات، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه: (اللهم اقسم لنا اليوم من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ...)

أخرجه: البزار في البحر عن محمد بن الليث (12/243)، والنسائي في الكبرى عن الربيع بن سليمان (9/154)، والطبراني في الدعاء عن المقدام بن داود (3/1565)، وابن السني في عمل اليوم والليلة من طريقه (العجالة 2/506)، وأبو سعد السمعاني من طريق الربيع (2/437)، والقاضي عياض في الإلماع من طريق محمد بن سهل (248)، كلهم عن عبدالله بن عبدالحكم، عن بكر بن مضر، عن عبيدالله بن زحر به.

وتابع بكرًا: الليث بن سعد، فرواه عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما به.

أخرجه: الطبراني في الدعاء (3/1566)، قال: حدثنا المقدام بن داود، ثنا عبدالله بن عبدالحكم، ثنا بكر بن مضر، عن خالد بن أبي عمران. ح وحدثنا مطلب بن شعيب، ثنا عبدالله بن صالح، عن الليث، عن خالد بن أبي عمران. ح وحدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحيى بن بكير، ثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما به.  

وتابعهما: ابن لهيعة، فرواه عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان إذا جلس مجلسًا لم يقم حتى يدعو لجلسائه بهؤلاء الكلمات ...).

أخرجه: الطبراني في الدعاء من طريق يحيى بن بكير (3/1566)، وتمام في الفوائد من طريق عمرو بن هاشم (1/214)، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريقه (16/186)، كلاهما عن ابن لهيعة به.

الكلام على الروايات: 

أولاً: رواية يحيى بن أيوب عن عبيدالله بن زحر منقطعة، خالد بن أبي عمران لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنهما.

قال المزي في تحفة الإشراف (5/343): "خالد بن أبي عمران عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يسمع منه".

وكذا في تهذيب الكمال (8/142).

ثانيًا: المحفوظ عن خالد بن أبي عمران هي رواية خلاد بن سليمان، أما رواية عبيدالله بن زحر فقد اضطرب فيها مرة يذكر نافعًا، ومرة يسقطه، وربما يكون إسقاطه من يحيى بن أيوب، فإن يحيى متكلم في حفظه. قال الإمام أحمد في العلل (3/52): "كان سيء الحفظ".

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (9/127): "ومحل يحيى الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به".

وقال ابن سعد في الطبقات (7/516): "كان منكر الحديث".

وقال النسائي في الضعفاء (249): "ليس بذاك القوي".

قال الحافظ في التقريب (1049): "صدوق ربما أخطأ".

وعبيدالله بن زحر أيضًا هو في نفسه متكلم فيه. قال ابن المديني في العلل (168): "منكر الحديث".

وقال ابن معين في التاريخ رواية الدوري (2/382): "ليس بشيء".

وقال العجلي في معرفة الثقات (2/109): "يكتب حديثه وليس بالقوي".

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (5/315): "لين الحديث".

وضعف الإمام أحمد كما في الجرح والتعديل.

وقال يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/434): "ضعيف".

وقال ابن عدي في الكامل (5/524): "ولعبيد الله بن زحر غير ما ذكرت من الحديث، ويقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه، وأروى الناس عنه يحيى بن أيوب من رواية ابن أبي مريم عنه".

وقال ابن حبان في المجروحين (2/29): "منكر الحديث جدًا، يروي الموضوعات عن الأثبات".

وقال الحافظ في التقريب (638): "صدوق يخطئ".

وقد تفرد به. قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

وقال البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي r بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه".

وبه أعل الحديث ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (5/657).

ولا تنفع متابعة ابن لهيعة، فهو ضعيف ومدلس ولم يصرح بالسماع.

ثالثًا: رواية المطلب بن شعيب، عن عبدالله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن خالد بن أبي عمران خطأ، خالفه فيها: محمد بن خزيمة وفهد بن سليمان، فروياها عن عبدالله بن صالح، عن الليث، عن يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد - كما سيأتي- أقول: هذا إذا صح ما وقع في طبعة الدعاء للطبراني.

رابعًا: رواية خلاد بن سليمان عندي خطأ، من وجوه:

الوجه الأول: أن خلاد بن سليمان أمي لا يكتب. قال أبو سعيد بن يونس (تهذيب الكمال (8/355): "كان خياطًا، وكان أميًا لا يكتب".

والحفظ خوان.

ولم أقف على توثيق له إلا عن علي بن الحسين بن الجنيد، فقال (الجرح والتعديل 3/365): "كان مصريًا يقرأ القرآن، وكان ثقة".

وذكره ابن خلفون في الثقات له (إكمال تهذيب الكمال 4/233)، وابن حبان في ثقاته (8/224)، ولكنه سماه خالدًا، وقال عنه: "شيخ".

الوجه الثاني: أنه اختلف عليه في لفظه، فمرة يقول: ( كان إذا جلس مجلسًا أو صلى تكلم بكلمات)، ومرة يزيد فيه (أو تلا قرآنًا).

الوجه الثالث: أني لم أجد الحديث إلا من طريقه، عن خالد بن أبي عمران، وهما مصريًا، فأين أهل الحجاز عن هذا الحديث لا يروونه عن عروة؟!.

أما قول الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح (92/733): "إسناده صحيح".

فهو اغترار منه بظاهر السند، تابعه عليه الألباني في الصحيحة (7/493) رحمهما الله.

الوجه الرابع: أنه خالفه الثقات في لفظه عن عائشة رضي الله عنها ولفظهم هو الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، فقد رواه مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يكثر أن يقول قبل موته (سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه)، قالت: وكان يكثر أن يقوله، فقلت: يا رسول الله r إنك تدعو بدعاء لم تكن تدعو به قبل اليوم، فقال: (إن ربي U أخبرني أني سأرى علمًا في أمتي، وإني إذا رأيت ذلك العلم أن أسبح بحمده وأستغفره، فقد رأيت ذلك (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)).

وما رواه ابن جريج قال: قلت لعطاء: كيف تقول: أنت في الركوع؟ قال: أما سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، فأخبرني ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنهما قالت: افتقدت النبي r ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه فتحسست ثم رجعت فإذا هو راكع أو ساجد يقول: (سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت)، فقلت: بأبي أنت وأمي إني لفي شأن وإنك لفي آخر).

وهما في الصحيحين.

أقول: فلعل خلاد بن سليمان دخل عليه حديث في حديث.

ولم يرد -فيما أعلم- قول هذا الدعاء بعد تلاوة القرآن وبعد الصلاة إلا في هذه الرواية.

الوجه الخامس: أنه لم يعمل به أحد من السلف من القرون الفاضلة علمته بعد الصلاة، ولا بعد قراءة القرآن، وعدم قول أحد به دليل على خطأ الرواية، وعدم صحتها.

قال ابن أبي حاتم في العلل (2/361): "سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عائشة، عن محمد بن الحارث، عن محمد بن عبدالرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (لا شفعة لغائب ولا لصغير)؟ فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، لا أعلم أحدًا قال بهذا، الغائب له شفعة، والصبي حتى يكبر، فلم يقرأ علينا هذا الحديث".

وقال البيهقي في جماع أبواب وجوب قراءة القرآن في الصلاة (166): "... فلا يجوز حمل الخبر على ما لا يقول به أحد، ولا يساعده لسان العرب".

وقال في (490): "ولا نعلم أحدًا يقول ذلك، فدل على ضعف الخبر".

وقال الذهبي في السير (16/405): "قال ابن خلكان: كان يتهم بالاعتزال، وكان ربما يختار في الفتوى، فيقال له في ذلك، فيقول: (ويحكم حدث فلان، عن فلان، عن رسول الله r بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة).
قلت: هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام من نظراء الإمامين مثل مالك أو سفيان أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتًا سالمًا من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة، والشافعي حديثًا صحيحًا معارضًا للآخر، أما من أخذ بحديث صحيح، وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد فلا، كخبر (فإن شرب في الرابعة فاقتلوه)، وكحديث (لعن الله السارق يسرق البيضة
فتقطع يده)".

وقال المعلمي في أحكام الحديث الضعيف (مجموع الرسائل الحديثية 15/200): "ولا يظن بالصحابة والتابعين وسلف الأمة أن تفوتهم سنة من سنن النبي r فينفرد بها بعض الضعفاء، والمنفرد بها إن كان واحدًا فذلك حديث غريب، وقد أبلغ الأئمة في ذم الغرائب".

 

 

تنبيه:

قال الحافظ في النكت الظراف (6/94): "ذكر الترمذي عقب رواية خالد بن أبي عمران أي عن ابن عمر رضي الله عنهما ما نصه: (روى بعضهم هذا الحديث عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما)، قوله -يعني المزي- (وروى سي عن خالد بن أبي عمران، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها) قلت: هو حديث آخر، ليس فيه شيء مما في الأول، فحديث ابن عمر رضي الله عنهما أول الخبر (اللهم اقسم لنا من خشيتك ...) إلى آخر الدعاء، وحديث عائشة رضي الله عنها في ختم المجلس (سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ... الحديث".

أقول: بل هو حديث واحد اختلف الرواة فيه على خالد بن أبي عمران في سنده كما أوضحته، فمنهم من رواه عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومنهم من أسقط منه نافعًا، ومنهم من رواه عن خالد بن أبي عمران، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، واختلفوا في لفظه أيضًا عليه، فظهر بذلك صواب صنيع الحافظ المزي رحمه الله حيث ذكرهما في باب واحد، والله أعلم.

 

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2020

تخريج حديث النهي عن تغطية الفم في الصلاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين صلى الله عليه وآله وأصحابه والتابعين.

 

وبعد

فهذا بحث مختصرة في تخريج حديث تغطية الفم في الصلاة وحكم ذلك، فأقول وبالله استعين.

·       الحديث الأول:

روى الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة r (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطى الرجل فاه).

أخرجه: أبو داود في السنن عن محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى واللفظ له (1/423)، وابن خزيمة في الصحيح عن محمد بن عيسى (1/379، و2/60)، وابن المنذر في الأوسط من طريق يحيى (3/450، و5/28)، وابن حبان في الصحيح من طريق حبان بن موسى (6/117)، وابن عدي في الكامل من طريق محمد بن عيسى (3/159)، والحاكم في المستدرك من طريق عبدان بن عثمان (2/133)، والبيهقي في السنن من طريقه وطريق سريج بن النعمان (2/242)، والبغوي في شرح السنة من طريق محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى (2/426)، كلهم عن ابن المبارك به.

وفي لفظ الحاكم والبيهقي (نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه).

وخالف ابن المبارك: محمد بن راشد، وميمون بن زيد، فروياه عن الحسن بن ذكوان، عن عطاء، عن أبي هريرة t قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه في الصلاة).

أخرجه: ابن ماجه في السنن من طريق محمد بن راشد واللفظ له (1/112)، والبزار في البحر الزخار من طريق محمد بن ميمون (16/186) به.

وزاد البزار (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة).

وخالفهم جميعًا: يحيى بن أبي كثير، فرواه عن الحسن بن ذكوان، عن سليمان، عن عطاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي فاه).

أخرجه: ابن حيويه في الجزء السادس من حديثه تخريج الدارقطني (132/أ) قال: أخبرنا أبو عبيد الصيرفي، ثنا الحسين بن منصور، ثنا أيوب بن النجار، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن الحسن بن ذكوان به مرسلاً.

ورجال إلى ابن أبي كثير كلهم ثقات.

وتابع ابن أبي كثير: هشيم، فرواه عن عامر الأحول قال: (سألت عطاء عن السدل؟ فكرهه، فقلت: أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم).

أخرجه: أبو عبيد في غريب الحديث (3/482)، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/242)، قال أبو عبيد: حدثناه هشيم، قال: أخبرنا عامر الأحول به.

الكلام على الروايات:

أولاً: الحديث اضطرب فيه الحسن بن ذكوان مرة يصله كما في رواية ابن المبارك، ومرة يرسله كما في رواية ابن أبي كثير، ومرة يذكر فيه سليمان الأحول كما في روايتهما عنه، ومرة يحذفه كما في رواية محمد بن راشد وميمون بن زيد -وفيهما مقال- إن كان حفظاها عنه.

ثانيًا: الحديث في النهي عن تغطية الفم في الصلاة رواه الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء بن أبي رباح، وهو معلول بأربع علل:

العلة الأول: فيه الحسن بن ذكوان وقد تكلم فيه.

قال ابن معين (الجرح والتعديل 3/12): "ضعيف".

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (3/12): "ضعيف الحديث، ليس بالقوي".

وقال علي بن المديني (الضعفاء للعقيلي1/575): "حدث يحيى بن سعيد عن الحسن بن ذكوان، ولم يكن عنده بالقوي".

وقال أحمد بن محمد بن هانئ (السابق): "قلت لأبى عبدالله: الحسن بن ذكوان ما تقول فيه؟ فقال: أحاديثه أباطيل".

وقال في علل الحديث للمروذي (82): "الحسن بن ذكوان ليس بذاك، وقد روى عنه يحيى".

وقال أبو داود في سؤالات البرذعي (130): "ضعيف الحديث".

وقال النسائي في الضعفاء (88): "ليس بالقوي".

وقال ابن عدي في الكامل (3/160): "وللحسن بن ذكوان أحاديث غير ما ذكرت وليس بالكثير وفي بعض ما ذكرت لا يرويه غيره، على أن يحيى القطان، وابن المبارك قد رويا عنه كما ذكرته، وناهيك للحسن بن ذكوان من الجلالة أن يرويا عنه، وأرجو أنه لا بأس به".

قال الحافظ في مقدمة الفتح (397): "الحسن بن ذكوان أبو سلمة البصري ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن المديني".

وقال الحافظ في التقريب: "صدوق يخطيء".

والحديث لم أجده عن عطاء إلا من روايته عنه، وفي كلام ابن عدي ما يشير إلى ذلك، وحاله لا تتحمل أن ينفرد عن عطاء بذلك.

العلة الثانية: إنه مدلس وقد عنعن الحديث.

قال الحافظ في تعريف أهل التقديس (133): "الحسن بن ذكوان مختلف في الاحتجاج به، وله في صحيح البخاري حديث واحد، وأشار ابن صاعد إلى أنه كان مدلسًا".  

العلة الثالثة: أنه روي عن عطاء مخالفة الحديث في جزءه الأول، فقد قال ابن هانئ في مسائله (472): "وسئل عن عسل بن سفيان؟ فقال: نعم أعرفه، وقد روى عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكان عطاء يسدل، فمثل هذا يروي عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه؟ وكان عطاء يسدل. كأنه أنكر هذا".

وقال أبو داود في السنن (2/432): حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: (أكثر ما رأيت عطاء يصلى سادلاً)، قال أبو داود: وهذا يضعف ذلك الحديث.

وتابع حجاجًا: عبدالرزاق في المصنف واللفظ له (1/362)، وابن علية عند ابن أبي شيبة في المصنف (4/417)، فروياه عن ابن جريج قال: "رأيت عطاء يسدل ثوبه في الصلاة).

وقال الدارقطني في العلل (8/338) وهو يتكلم على حديث السدل: "وروي هذا الحديث عن عطاء، عن النبي r مرسلاً، وفي رفعه نظر، لأن ابن جريج روى عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يسدل في الصلاة".

العلة الثالثة: أنه تلون في روايته فمرة يطلقه، ومرة يقيده بالصلاة، ومرة يصله، ومرة يرسله، وهذا يدل على أنه لم يضبط الحديث.

قال الترمذي في العلل الصغير (49): "فإذا تفرد أحد بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به ... وأشد ما يكون إذا لم يحفظ الإسناد، فزاد في الإسناد، أو نقص، أو غير الإسناد، أو جاء بما يغير فيه المعنى".

وكل ذلك اجتمع للحسن بن ذكوان في هذا الحديث.

العلة الرابعة: أخرج عبدالرزاق في المصنف (2/454) عن ابن جريج قال: سئل عطاء أيصلي الرجل وهو مخمر فاه؟ قال: أحب إلي أن تنزعه من فيك، إني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إذا صليت فإنك تناجي ربك).

فلو كان عند عطاء في المسألة حديث لما احتج بأثر بعيد عن نص المسألة.

والحديث ضعفه بعض أهل العلم.

قال الخلال (نيل الأوطار2/77): "سئل أحمد عن حديث السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة t؟ فقال: ليس هو بصحيح الإسناد".

وقال ابن المنذر في الأوسط (5/41): "وأما حديث ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان فقد دفعه بعض أصحابنا، وضعف الحس بن ذكوان".

تنبيهات:

الأول: الشطر الأول من الحديث قد رواه عسل بن سفيان، عن عطاء، عن أبي هريرة t، وزاد الحسن بن ذكوان فيه النهي عن تغطية الفم.

قال أبو داود: "رواه عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن السدل في الصلاة)".

قال ابن عدي: "وقوله (نهى عن السدل في الصلاة) كنا نعرفه من حديث عسل بن سفيان، عن عطاء، عن أبي هريرة t".

قال الترمذي في السنن (1/403): "حديث أبي هريرة t لا نعرفه من حديث عطاء، عن أبي هريرة t مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان".

وأخشى أن يكون الحسن بن ذكوان إنما أخذه عن عسل بن سفيان، وزاد فيه ما يخص تغطية الفم.

الثاني: قول ابن عدي في الحسن بن ذكوان "وناهيك للحسن بن ذكوان من الجلالة أن يرويا عنه".

فيه نظر من جهتين:

الجهة الأول: أن رواية ابن القطان عنه لا تدل على أنه ثقة عنده، فقد قال ابن المديني: "ولم يكن عنده بالقوي".

الجهة الثانية: أن رواية الثقة عن الضعيف لا تعني أنه ثقة عنده إلا على قول من يقول: (إنه لا يروي إلا عن ثقة).

قال الترمذي في العلل الصغير (43): "... فلا تغتر برواية الثقات عن الناس".

الثالثة: جاء في تحفة الأشراف للمزي (عن ابن المبارك، عن الحسين بن ذكوان)، وهذا خطأ، ويبدو أن الخطأ من المؤلف بدليل أنه لم يرقم رقم أبي داود على رواية ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان في تهذيب الكمال (6/146)، ورقم له برقم أبي داود في ترجمة الحسين بن ذكوان (6/373))، وقد فرق بينهما الخطيب في تالي تلخيص المتشابة (1/246، و248).

الربعة: قال البيهقي في السنن (2/242) يعد أن أخرج رواية هشيم، عن سليمان الأحول السابق ذكرها: "وهذا الإسناد وإن كان منقطعًا (يعني مرسلاً) فيه قوة للموصولَيْن قبله، (وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى سادلاً) وكأنه نسي الحديث، أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء، وكان لا يفعله خيلاء، والله أعلم".

فيه ملاحظتان:

الأول: الإسناد المرسل يعل به الإسناد المتصل، بل المرسل هو المحفوظ عن عطاء، لأن راويه -وهو هشيم- عن سليمان الأحول أحفظ ممن روى الموصول -وهو الحسن بن ذكوان-، فكيف يكون مقوٍ له؟!!.

الثاني: الرواية عن عطاء أنه كان يصلي سادلاً أرجح من الرواية عنه أنه كره ذلك، فقد رواها ابن جريج كما سبق وهو من أثبت الناس فيه.

وتابعه: ثور الهمداني، وعبدالملك بن أبي سليمان، فروياه عن عطاء أن كان يقول: (لا بأس بالسدل).

أخرجه: عبدالرزاق في المصنف من طريق ثور واللفظ له (362)، وابن أبي شيبة في المصنف من طريق عبدالملك (4/416)، كلاهما عن عطاء.

وروايتهم مقدمة على رواية عاصم الأحول، ومما يدل عليه تعليل أحمد، وأبو داود، والدارقطني بذلك.

 

·       الحديث الثاني:

روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/103)، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو بكر عمن أخبره (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخمر الرجل الفم في الصلاة).

وأبو بكر هو ابن عبيدالله بن أبي مليكة القرشي، وشيخه فيه مبهم لا يدرى من هو.

ولم يذكروا في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة إلا عائشة رضي الله عنها.

قال أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (2/288): "سمع من عائشة رضي الله عنها".

ثم قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن مسلم، نا محمد بن علي الوراق، نا أبو نعيم، نا عبدالله بن أبي ثابت، نا أبو بكر بن عبيدالله بن أبي مليكة قال: (حدثتنا عائشة رضي الله عنها)، ولم يذكر متنه.

وهو حديث أخرجه أبو بكر محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري في جزء الأول من حديثه (ق126/ب)، وعنه أبو نعيم في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن أبي نعيم الفضل بن دكين عاليًا (37)، قال الأنباري: حدثنا جعفر، قثنا أبو نعيم، قثنا عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت،، قثنا أبو بكر بن عبيدالله بن أبي مليكة قال: حدثتنا عائشة رضي الله عنها أو سمعتها تحدث قال: (ربما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الغداة ورأسه يقطر ماء، ثم يصوم يومه ذلك).

وفي كونه في هذا السند هو أبو بكر بن عبيدالله نظر عندي، فإن السند الذي استفاد منه أبو أحمد الحكم سماع أبي بكر بن عبيدالله من عائشة رضي الله عنها جاء عند إسحاق بن راهوية مصرحًا أنه عبدالله أخوه.

قال إسحاق في مسنده (3/659): أخبرنا الملائي، نا عبدالله -وهو ابن حبيب بن أبي ثابت-، نا عبدالله بن أبي مليكة قال: حدثتنا عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه ربما خرج إلى الصلاة ورأسه يقطر، ثم يتم صومه).

وأما الأثر الذي أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/86): حدثنا وكيع، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبي بكر بن أبي مليكة (أن عائشة رضي الله عنها أعتقت غلامًا لها عن دبر ...).

وأخرجه ابن أبي داود في المصاحف (718)، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي الخصيب، قال: أخبرنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبي بكر بن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها به.

فهذا والذي قبله ليس فيه تصريح بالسماع، وربما أخذه عن أخيه عبدالله فهو الذي سمع من عائشة رضي الله عنها.

فقد أخرج عبدالرزاق في المصنف (2/394) عن ابن جريج قال: أخبرني عبدالله بن أبي مليكة (أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأعلى الوادي هو، وأبوه، وعبيد بن عمير، والمسور بن مخرمة رضي الله عنه، وناس كثير، فيؤمهم أبو عمر مولى عائشة، وأبو عمرو غلامها لم يعتق ...".

ولم أقف على من ذكر قبل الحاكم أنه سمع من عائشة رضي الله عنها.

ولما ذكره الإمام أحمد لم يبين أنه سمع منها، ولو كان سمع منها لم يفته ذلك.

قال عبدالله في العلل ومعرفة الرجال (3/98): "سمعت أبي يقول: أبو بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن أبي مليكة أخ لابن أبي مليكة، كان يكون بالمدينة، يقال له: أبو بكر الأحول، روى عنه ابن جريج، ويحيى بن سعيد الأنصاري".

وعبدالله أخوه هو المعروف وهو الذي كان يطلق عليه ابن أبي مليكة، أما أبو بكر فغير مشهور، لذا كان يعرف بأخيه عبدالله في ترجمته.

قال ابن سعد في الطبقات (5/473): "وقد روي عن أبي بكر، وكان قليل الحديث".

وعبارة ابن سعد هذا تدل على عدم شهرته.

ثم على فرض كون المبهم هو عائشة رضي الله عنها فإنه لا يصح لتفرده به عنها، وحاله لا تحتمل مثل هذا.

فقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/346) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.

وذكره ابن حبان في ثقاته كما في تهذيب الكمال (33/121).

وقال عنه الذهبي في الكاشف: ثقة.

وقال الحافظ في التقريب: مقبول.

وربما خلط من لا يميز بينه وبين أخيه عبدالله بن أبي مليكة، لكونه يكنى بأبي بكر كما فعل صاحب كتاب (تذكرة الأنام بحكم القراءة في المصحف للإمام 55)، فظن أن الذي في سند ابن أبي شيبة هو عبدالله، وإنما هو أبو بكر أخو.

قال المزي في تهذيب الكمال (33/121): "أبو بكر بن عبيدالله بن أبي مليكة أخو عبدالله بن أبي مليكة".

وذكر في الرواة عنه هشام بن عروة، ولما ذكر عبدالله (15/258) لم يذكر في الرواة عنه هشام بن عروة.

 

الحديث الثالث:

روى الوليد بن المغيرة أن وهب بن عبدالله المعافري حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يضعن أحدكم ثوبه على أنفه في الصلاة، فإن ذلك خطم الشيطان).

أخرجه: ابن وهب في الجامع (254)، وأبو داود في المراسيل من طريقه (117)، قال ابن وهب: أخبرنا الوليد بن المغيرة به.

وهذا مرسل.

 

حكم تغطية الفم في الصلاة:

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (32/210): "والتلثم عند الشافعية هو تغطية الفم، وقال الحنفية والحنابلة: هو تغطية الفم والأنف، وهو عند المالكية ما يصل لآخر الشفة السفلى".

قال الخطابي في معالم السنن (1/260): "وقوله (وأن يغطي الرجل فاه)، فإن من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه، فنهوا عن ذلك في الصلاة إلا أن يعرض للمصلي التثاؤب فيغطي فمه عند ذلك للحديث الذي جاء فيه".

ذهب بعض أهل العلم إلى كراهية تغطية الفم في الصلاة.

قال ابن المنذر في الأوسط (3/451): "كثير من أهل العلم يكره تغطية الفم في الصلاة، وممن روي عنه أنه كره ذلك: ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما، وبه قال عطاء، وابن المسيب، والنخعي، وسالم بن عبدالله، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، واختلف فيه عن الحسن، فروي عنه أنه كره ذلك، وذكر الأشعث أنه كان لا يرى به بأسًا".

وتابع الأشعث: قتادة، فقد أخرج ابن أبي شيبة من طريقه عن الحسن أنه ( كان يكره أن يغطي أنفه وفمه جميعًا، ولا يرى بأسًا أن يغطي فمه دون أنفه).

ولعل الجمع بينهما أن الحسن يرى الكراهة في حالة الجمع بين الأنف والفم في التغطية، أما إذا أفرد أحدهما بالتغطية فلا كراهة على ما حكاه قتادة عنه.

وقد روى ذلك ابن أبي شيبة في المصنف (5/103) في كتاب الصلاة "في تغطية الفم في الصلاة" عن بعض من ذكرهم ابن المنذر.

وأخرج أيضًا (5/104) بسند صحيح عن ابن سيرين (أنه كان يكره أن يغطي الرجل فاه وهو يصلي".

وممن كان لا يرى به بأس قتادة أخرج ذلك عنه ابن أبي شيبة في المصنف (5/107).

ولا شك أنه على القول بالكراهة فإنه يستثنى من ذلك إذا كانت التغطية: من أجل التثاؤب، وقد أشار إلى ذلك ابن خزيمة في صحيحه (2/60)، وتبعه ابن المنذر في الأوسط (3/451)، أو كان لضرورة من مرض: كالزكام أو فيروس كورونا، أو بخر، أو لكونه أكل ما يتقذر من رائحته: كالثوم والبصل ونحوهما.

أخرج عبدالرزاق في المصنف (2/455) عن معمر، عن قتادة (أن الحسن كان يرخص في أن يصلي الرجل وهو متلثم إذا كان من برد أو عذر)..

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

 

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

مقدمة في تعريف التخريج

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم

وبعد:

 

·           تعريف التخريج لغة:

قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (295): "الخاء والراء والجيم أصلان ... فالأول: النفاذ عن الشيء، والثاني: اختلاف لونين، فأما الأول، فقولنا: خرج يخرج خروجًا ... وأما الأصل الآخر: فالخَرَج لونان بين سواد وبياض".

والأصل الآخر بمعنى: اختلاف لونين، أو اجتماع أمرين متضادين في شيء واحد.

تقول: عام فيه تخريج: أي خصب وجدب.

وتقول: أرض مخَرّجة، أي نبتها في مكان دون مكان.

وتقول: خرج اللوح تخريجًا، أي كتب بعضًا وترك بعضًا.

ونعامة خرجاء، وظليم أخرج. 

والمراد في مادة التخريج هو المعنى الأول.

 

·           التخريج اصطلاحًا:

للتخريج عند أهل الحديث معاني:

1/ عزو الحديث إلى مصادره من كتب السنة وغيرها ممن يخرج الحديث بسنده، وتتبع طرقه والكشف عن أسانيدها، وبيان حال رجاله، ودرجته صحة وضعفًا.

2/ تصنيف معجم أو مشيخة أو جزء حديثي منتقى من مسموعاته، أو مسموعات غيره ممن عاصره، فإن كان من مسموعاته قيل: خرج لنفسه.

وإن كان من مسموعات غيره، قيل: خرج لغيره، كفوائد المزكّي تخريج الدارقطني.

قال السخاوي في فتح المغيث (2/382): "التخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه، أو أقرانه، أو نحو ذلك، والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب، والدواوين..".

وعليه يحمل كلام الذهبي في تذكرة الحافظ (3/867) في ترجمة أحمد بن عبيد بن إسماعيل الحافظ الثقة أبو الحسن البصري الصفار قال: "مصنف السنن الذي يكثر أبو بكر البيهقي من التخريج منه في سننه".

3/ ويطلقون التخريج على الإشارة إلى كتابة الساقط من المتن في الحواشي، وهو المسمى باللحق، أو التنبيه إلى شرح، أو غلط، أو اختلاف الرواية، أو النسخ، أو غير ذلك.

 

·           معنى التخريج عند المتقدمين:

والتخريج عند المتقدمين بمعنى التصنيف والتأليف.

قال الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/282): "وكان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ، وليأخذ قلم التخريج".

والتخريج هنا في كلام شيخ الخطيب بمعنى (التأليف) بدليل أن الخطيب أخرج هذا الأثر في (باب البيان والتعريف لفضل التصنيف).

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/353): "وحضرت أحمد بن سنان وقد حدثنا عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي جمرة، عن أبي بردة، عن أبي موسى t (أن رسول الله r عطس) الحديث. فقال أبي لأحمد بن سنان: إنما هو (عن أبي حمزة، عن أبي بردة)، فأبي أن يقبل، ثم صار أبي إلى محمد بن عبادة فسأله أن يخرج له حديث يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة فأخرج كتابه، فإذا هو حماد بن سلمة، عن أبي حمزة كما قال أبي، فكتبنا عن ابن عبادة هذا الحديث، ثم أخبر أبي ابني أحمد بن سنان بأنه وجد في كتاب ابن عبادة عن يزيد، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة كما قال أبي، فتحيرا وقالا: ننظر في الأصل، فلما كان الغد حملوا إلى أبي أصل أحمد بن سنان، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة -معجمًا على الحاء والزاي- كما قال أبي، وقالا: وقع الغلط في التحويل، فحدثنا أحمد بن سنان من الرأس، عن يزيد، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن أبي بردة، عن أبي موسى t كما قال أبي، واعتذروا من ذلك".

والمعنى أن أحمد بن سنان أراد أن يحول الحديث من أصله إلى الأصناف فأخطأ في النقل.

 

·           المراد بالتخريج في هذه المادة:

والمراد بالتخريج في هذه المادة هو المعنى الأول.

قال المناوي في فيض القدير (1/27) عند شرح قول السيوطي (وبالغت في تحرير التخريج)، قال: "اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله، وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين".

 

·           العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

بما أن الباحث في تخريج حديثٍ ما يسعى إلى معرفة مصدر هذا الحديث وإخراجه من بطون الكتب، وبيان حاله وإبرازه للناس، فذلك هو الإخراج والإظهار، وهو ما تضمنه قوله (النفاذ عن الشيء).

فعندما نقول: أخرجه فلان، أو خرجه فهذا يعني أنه أبرز هذا الحديث للناس وأظهره لهم.

 

·           التخريج عند الفقهاء والأصوليين:

قال يعقوب الباحسين في كتابه التخريج عند الفقهاء والأصوليين (14): "يمكن القول إن التخريج يتنوع إلى الآتي:

1- تخريج الأصول من الفروع.

2- تخريج الفروع على الأصول.

3- تخريج الفروع من الفروع.

 

·           الفرق بين أخرجه وخرّجه:

البعض يرى عدم التفريق بين أخرجه وخرجه.

قال السيوطي في البحر الذي زخر (3/918): "ومنه قولهم (خرّجه البخاري ومسلم)، وهذه العبارة تقع للمغاربة كثيرًا، وأكثر ما يقوله غيرهم (أخرجه) بالهمزة.

ويرى البعض أن هناك فرقًا.

فخرجه بمعنى/ عزو الحديث إلى الكتب.

وأخرجه بمعنى/ رواية الحديث بالسند إلى منتهاه.

 

·           الفرق بين رواه وأخرجه:

أما رواه/ فقد يكون في من يروي الحديث بإسناده عن شيخه إلى منتهاه مشافهة.

وقد يكون في من يروي الحديث عن شيخه إلى منتهاه في كتابه.

وأما أخرجه/ فهو خاص بمن يروي الحديث عن شيخه إلى منتهاه في كتابه.

فمثلاً، يقال: رواه ابن سيرين، عن أبي هريرة t، ولا يقال: أخرجه ابن سيرين.

ويقال: رواه البخاري، وأخرجه البخاري.

 

·           العزو إلى الكتب:

1/ العزو إلى الكتب هو المرحلة الأولى من التخريج، فبين التخريج والعزو عموم وخصوص (فكل تخريج عزو، وليس كل عزو تخريج).

قال السيوطي في البحر الذي زخر (3/918): "عزو الأحاديث إلى من أخرجها من الأئمة".

2/ عند عزو الأحاديث إلى مصنفيها الأفضل أن يرتبوا حسب الأقدم وفاة، لمعرفة الرواة عن المدار، وعدم تقديم التلميذ على الشيخ.

3/ العزو إلى الكتب التي جمعت الأحاديث بدون أسانيد يعتبر من العيوب الفاحشة التي يقع فيها بعض الباحثين، كالعزو إلى مجمع الزوائد للهيثمي، أو تحفة الأشراف للمزي، أو تفسير ابن كثير.

4/ العزو إلى الكتب المتأخرة مع وجود الحديث في الكتب المتقدمة يعتبر قصور من الباحث كعزو الحديث إلى مسند البزار مع وجوده في الصحيحين أو أحدهما، أو عزو الحديث إلى علل الدارقطني مع وجوده في السنن الأربعة أو أحدها.

 

·           أنواع التخريج:

هذا يختلف باختلاف نوع العلم والفن الذي يؤلف فيه، فالتخريج في كتاب ألف في التفسير أو الفقه أو التاريخ أو اللغة يختلف عن التخريج في كتاب ألف في الحديث.

وحتى التأليف في الحديث يختلف فن التخريج فيه من علم إلى علم، فمثلاً إذا كان الكتاب في فن التعليل، فإنه يتوسع في جمع الطرق والكلام على رجاله وشرح أحوالهم، وبيان درجته قوة وضعفًا.

وكذلك في علم الفقه، فإنه يختلف باختلاف الفن المصَنّف فيه، فلو كان المصَنّف في مسألة فقهية معينة، فإنه قد يحتاج في رد دليل الخصم تخريج الحديث وبيان طرقه ونقل كلام أهل العلم فيه للتدليل على عدم صحته، أو العكس.

بينما قد لا يحتاج إلى ذلك في علم التفسير أو التاريخ أو اللغة إلا عزو الحديث وبيان صحته وضعفه ليس إلا.