الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

مقدمة في تعريف التخريج

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم

وبعد:

 

·           تعريف التخريج لغة:

قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (295): "الخاء والراء والجيم أصلان ... فالأول: النفاذ عن الشيء، والثاني: اختلاف لونين، فأما الأول، فقولنا: خرج يخرج خروجًا ... وأما الأصل الآخر: فالخَرَج لونان بين سواد وبياض".

والأصل الآخر بمعنى: اختلاف لونين، أو اجتماع أمرين متضادين في شيء واحد.

تقول: عام فيه تخريج: أي خصب وجدب.

وتقول: أرض مخَرّجة، أي نبتها في مكان دون مكان.

وتقول: خرج اللوح تخريجًا، أي كتب بعضًا وترك بعضًا.

ونعامة خرجاء، وظليم أخرج. 

والمراد في مادة التخريج هو المعنى الأول.

 

·           التخريج اصطلاحًا:

للتخريج عند أهل الحديث معاني:

1/ عزو الحديث إلى مصادره من كتب السنة وغيرها ممن يخرج الحديث بسنده، وتتبع طرقه والكشف عن أسانيدها، وبيان حال رجاله، ودرجته صحة وضعفًا.

2/ تصنيف معجم أو مشيخة أو جزء حديثي منتقى من مسموعاته، أو مسموعات غيره ممن عاصره، فإن كان من مسموعاته قيل: خرج لنفسه.

وإن كان من مسموعات غيره، قيل: خرج لغيره، كفوائد المزكّي تخريج الدارقطني.

قال السخاوي في فتح المغيث (2/382): "التخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه، أو أقرانه، أو نحو ذلك، والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب، والدواوين..".

وعليه يحمل كلام الذهبي في تذكرة الحافظ (3/867) في ترجمة أحمد بن عبيد بن إسماعيل الحافظ الثقة أبو الحسن البصري الصفار قال: "مصنف السنن الذي يكثر أبو بكر البيهقي من التخريج منه في سننه".

3/ ويطلقون التخريج على الإشارة إلى كتابة الساقط من المتن في الحواشي، وهو المسمى باللحق، أو التنبيه إلى شرح، أو غلط، أو اختلاف الرواية، أو النسخ، أو غير ذلك.

 

·           معنى التخريج عند المتقدمين:

والتخريج عند المتقدمين بمعنى التصنيف والتأليف.

قال الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/282): "وكان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ، وليأخذ قلم التخريج".

والتخريج هنا في كلام شيخ الخطيب بمعنى (التأليف) بدليل أن الخطيب أخرج هذا الأثر في (باب البيان والتعريف لفضل التصنيف).

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/353): "وحضرت أحمد بن سنان وقد حدثنا عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي جمرة، عن أبي بردة، عن أبي موسى t (أن رسول الله r عطس) الحديث. فقال أبي لأحمد بن سنان: إنما هو (عن أبي حمزة، عن أبي بردة)، فأبي أن يقبل، ثم صار أبي إلى محمد بن عبادة فسأله أن يخرج له حديث يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة فأخرج كتابه، فإذا هو حماد بن سلمة، عن أبي حمزة كما قال أبي، فكتبنا عن ابن عبادة هذا الحديث، ثم أخبر أبي ابني أحمد بن سنان بأنه وجد في كتاب ابن عبادة عن يزيد، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة كما قال أبي، فتحيرا وقالا: ننظر في الأصل، فلما كان الغد حملوا إلى أبي أصل أحمد بن سنان، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة -معجمًا على الحاء والزاي- كما قال أبي، وقالا: وقع الغلط في التحويل، فحدثنا أحمد بن سنان من الرأس، عن يزيد، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن أبي بردة، عن أبي موسى t كما قال أبي، واعتذروا من ذلك".

والمعنى أن أحمد بن سنان أراد أن يحول الحديث من أصله إلى الأصناف فأخطأ في النقل.

 

·           المراد بالتخريج في هذه المادة:

والمراد بالتخريج في هذه المادة هو المعنى الأول.

قال المناوي في فيض القدير (1/27) عند شرح قول السيوطي (وبالغت في تحرير التخريج)، قال: "اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله، وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين".

 

·           العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

بما أن الباحث في تخريج حديثٍ ما يسعى إلى معرفة مصدر هذا الحديث وإخراجه من بطون الكتب، وبيان حاله وإبرازه للناس، فذلك هو الإخراج والإظهار، وهو ما تضمنه قوله (النفاذ عن الشيء).

فعندما نقول: أخرجه فلان، أو خرجه فهذا يعني أنه أبرز هذا الحديث للناس وأظهره لهم.

 

·           التخريج عند الفقهاء والأصوليين:

قال يعقوب الباحسين في كتابه التخريج عند الفقهاء والأصوليين (14): "يمكن القول إن التخريج يتنوع إلى الآتي:

1- تخريج الأصول من الفروع.

2- تخريج الفروع على الأصول.

3- تخريج الفروع من الفروع.

 

·           الفرق بين أخرجه وخرّجه:

البعض يرى عدم التفريق بين أخرجه وخرجه.

قال السيوطي في البحر الذي زخر (3/918): "ومنه قولهم (خرّجه البخاري ومسلم)، وهذه العبارة تقع للمغاربة كثيرًا، وأكثر ما يقوله غيرهم (أخرجه) بالهمزة.

ويرى البعض أن هناك فرقًا.

فخرجه بمعنى/ عزو الحديث إلى الكتب.

وأخرجه بمعنى/ رواية الحديث بالسند إلى منتهاه.

 

·           الفرق بين رواه وأخرجه:

أما رواه/ فقد يكون في من يروي الحديث بإسناده عن شيخه إلى منتهاه مشافهة.

وقد يكون في من يروي الحديث عن شيخه إلى منتهاه في كتابه.

وأما أخرجه/ فهو خاص بمن يروي الحديث عن شيخه إلى منتهاه في كتابه.

فمثلاً، يقال: رواه ابن سيرين، عن أبي هريرة t، ولا يقال: أخرجه ابن سيرين.

ويقال: رواه البخاري، وأخرجه البخاري.

 

·           العزو إلى الكتب:

1/ العزو إلى الكتب هو المرحلة الأولى من التخريج، فبين التخريج والعزو عموم وخصوص (فكل تخريج عزو، وليس كل عزو تخريج).

قال السيوطي في البحر الذي زخر (3/918): "عزو الأحاديث إلى من أخرجها من الأئمة".

2/ عند عزو الأحاديث إلى مصنفيها الأفضل أن يرتبوا حسب الأقدم وفاة، لمعرفة الرواة عن المدار، وعدم تقديم التلميذ على الشيخ.

3/ العزو إلى الكتب التي جمعت الأحاديث بدون أسانيد يعتبر من العيوب الفاحشة التي يقع فيها بعض الباحثين، كالعزو إلى مجمع الزوائد للهيثمي، أو تحفة الأشراف للمزي، أو تفسير ابن كثير.

4/ العزو إلى الكتب المتأخرة مع وجود الحديث في الكتب المتقدمة يعتبر قصور من الباحث كعزو الحديث إلى مسند البزار مع وجوده في الصحيحين أو أحدهما، أو عزو الحديث إلى علل الدارقطني مع وجوده في السنن الأربعة أو أحدها.

 

·           أنواع التخريج:

هذا يختلف باختلاف نوع العلم والفن الذي يؤلف فيه، فالتخريج في كتاب ألف في التفسير أو الفقه أو التاريخ أو اللغة يختلف عن التخريج في كتاب ألف في الحديث.

وحتى التأليف في الحديث يختلف فن التخريج فيه من علم إلى علم، فمثلاً إذا كان الكتاب في فن التعليل، فإنه يتوسع في جمع الطرق والكلام على رجاله وشرح أحوالهم، وبيان درجته قوة وضعفًا.

وكذلك في علم الفقه، فإنه يختلف باختلاف الفن المصَنّف فيه، فلو كان المصَنّف في مسألة فقهية معينة، فإنه قد يحتاج في رد دليل الخصم تخريج الحديث وبيان طرقه ونقل كلام أهل العلم فيه للتدليل على عدم صحته، أو العكس.

بينما قد لا يحتاج إلى ذلك في علم التفسير أو التاريخ أو اللغة إلا عزو الحديث وبيان صحته وضعفه ليس إلا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق