الأربعاء، 24 مارس 2021

تخريج حديث (اللهم اجعلني من الأقلين)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذا تخريج الأثر المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: (اللهم اجعلني من الأقلين):

روى عنه رضي الله عنه من طرق:

الطريق الأول: عن أبي الغضين الكناني:

روى أبو الغضين الكناني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلاً وهو يصلي بالناس وهو يقول من خلفه: (اللهم اجعلني من عبادك الأقلين)، فلما انصرف عمر رضي الله عنه قال: من صاحب الدعوة؟! قال الرجل: أنا وما أردت بها إلا خيرًا، قال: وما أردت بهذه الدعوة؟ قال: إني سمعت الله يقول: (وقليل من عبادي الشكور)، وقال: (الذين أمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم).

أخرجه: ابن فضيل في الدعاء (213)، قال: حدثنا محمد بن سعد الأنصاري، حدثنا أبو الغصين الكناني به.

 

الطريق الثاني: طريق إبراهيم التيمي:

روى العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، قال: قال رجل عند عمر رضي الله عنه: (اللهم اجعلني من القليل)، قال: فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا الذي تدعو به؟ فقال: إني سمعت الله يقول: (وقليل من عبادي الشكور)، فأنا أدعو أن يجعلني من أولئك القليل، قال: فقال عمر رضي الله عنه: (كل الناس أعلم من عمر رضي الله عنه).

أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (10/105)، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن العوام به.

 

الطريق الثالث: علي بن زيد بن جدعان:

روى سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، قال: سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: (اللهم اجعلني من الأقلين) فقال: يا عبدالله وما الأقلون؟ قال: سمعت الله يقول: (وما آمن معه إلا قليل)، و (قليل من عبادي الشكور)ـ وذكر آيات أخر فقال عمر رضي الله عنه: (كل أحد أفقه من عمر).

أخرجه: عبدالله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد (94)، قال: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا سفيان به.

وخالف محمود بن غيلان: محمد بن عباد المكي، فرواه عن سفيان، عن مسعر، قال: سمع عمر رضي الله عنه ... إلى آخره.

أخرجه: عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد (تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف 3/141)، قال: ثنا محمد بن عبادة -هكذا وقع في المطبوع- ثنا سفيان، عن مسعر به.

وخالفهما جميعًا: خالد بن خداش، فرواه عن ابن عيينة قال: دعا رجل بعرفات إلى جنب عمر بن عبدالعزيز فقال في دعائه: (اللهم اجعلني من الأقلين)، فقال له عمر: ما هذا الدعاء؟ قال: سمعت الله يقول: (وقليل ما هم)، وسمعته يقول: (وقليل من عبادي الشكور)، فقال له: عليك من الدعاء بما يعرف، فقال الرجل: لو دعون مخلوقًا لدعوته بما يعرف، ولكني أدعو من يعلم ما في القلوب من غير أن ينطق به لسان، فقال: عمر: صدقت.

أخرجه: الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (5/23)، قال: حدثنا إبراهيم بن دازيل، نا خالد بن خداش، قال: سمعت ابن عيينة به.

 

 

الكلام على الروايات:

أولاً: الطريق الأولى عن عمر رضي الله عنه في سندها أبو الغضين الكناني لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً.

ولا أدري هل سمع من عمر رضي الله عنه أو لا؟.

والطريق الثانية فيها انقطاع إبراهيم التيمي لم يلق عمر رضي الله عنه.

ثانيًا: المحفوظ عن ابن عيينة هي رواية محمود بن غيلان، وأما رواية محمد بن عباد المكي فهي خطأ، لمخالفته من هو أوثق منه.

وكذلك رواية خالد بن خداش، قال عنه الحافظ: "صدوق يخطيء".

وفي سندها أيضًا الدينوري صاحب المجالسة، متكلم فيه.

ثالثًا: الرواية المحفوظة عن ابن عيينة، معلولة من وجهين:

الوجه الأول: في سندها زيد بن علي بن جدعان وهو ضعيف.

الوجه الثاني: فيها انقطاع، ابن جدعان لم يلق عمر رضي الله عنه.

 

الخلاصة:

الأثر لا يصح من جميع طرقه.

  والحمد لله رب العالمين.

 

الثلاثاء، 23 مارس 2021

تخريج حديث (لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما).

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تخريج حديث (لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما).

روى أبو يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

قال الزيلعي في تخريج الأحاديث الآثار الواقعة في الكشاف (2/124): "ورواه ابن مردويه في تفسيره في سورة الحج من حديث قطبة بن عبدالعزيز، عن أبيه، عن جده، ثنا الأعمش، عن أبي يحيى القتات به.

وخالف سياه: فطر بن خليفة، فرواه عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه: وكيع في الزهد (3/742)، وابن المبارك في البر والصلة (تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي 2/123)، وهناد في الزهد عن وكيع (2/643)، كلاهما عن فطر به مرسلاً.

وخالفهما: أبو نعيم الفضل بن دكين، وخلاد بن يحيى، فروياه عن فطر بن خليفة، عن أبي يحيى، سمعت مجاهدًا، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما).

أخرجه: البخاري في الأدب المفرد عن أبي نعيم (201)، وأبو نعيم الأصبهاني في الحلية من طريق خلاد (3/322)، كلاهما عن فطر به موقوفًا.

وتابع فطرًا على هذا الوجه: سفيان الثوري، فرواه عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو أن جبلين بغى أحدهما على الآخر لدك الباغي منهما).

أخرجه: وكيع في الزهد (3/743)، وعنه هناد في الزهد (2/643)، قال وكيع: حدثنا سفيان به.

وتابعهما: الأعمش فرواه عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو بغى جبل ...).

أخرجه: ابن وهب في الجامع من طريق عبيدالله بن زحر (الضعيفة 4/418)، وعلي بن حرب في جزء من حديثه من طريق أبي معاوية (ق 79/ب)، وابن أبي الدنيا في ذم البغي من طريق قيس بن الربيع (54)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث من طريق أبي معاوية (2/602)، وابن حبان في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء من طريقه (63)، كلهم عن الأعمش به.

وخالفهما: علي بن مسهر، فرواه عن الأعمش، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان (9/64)، قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، نا أبو العباس -هو الأصم-، نا محمد بن إسحاق، حدثنا إسماعيل بن الخليل، حدثنا علي بن مسهر به.

 

الكلام على الروايات:

أولاً: رواية قطبة بن عبدالعزيز عن أبيه عن جده لا تصح عندي من وجهين:

الوجه الأول: إني لم أجد حديثًا بهذا السند إلا ما وقع في رواية ابن مردويه هذه -إن كان ما وقع في كتاب الزيلعي على الصواب-، وسياه جد قطبة لم أقف له على رواية.

والوجه الثاني: أن قطبة من الرواة عن الأعمش كما في تهذيب الكمال (23/607) فكيف يروي عن أبيه عن جده عنه؟!!.

ثانيًا: فطر بن خليفة اضطرب في الحديث فمرة يرويه عن أبي يحيى عن مجاهد مرسلاً، ومرة يرويه عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنه قوله.  

ثالثًا: الرواية المحفوظة عن مجاهد هي الرواية الموقوفة. قال ابن أبي حاتم في العلل (6/307): "وسألت أبي عن حديث : اختلف فيه عن أبي يحيى القتات: فروى فطر بن خليفة، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لو بغى جبل على جبل لذل الباغي منهما)، ورواه الثوري، وإسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقال أبي: حديث مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله أصح".

رابعًا: الحديث حديث أبي يحيى القتات عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأما متابعة الأعمش له فلا تصح عندي، وأظن أنه إنما أخذه عن أبي يحيى القتات، وذلك لأمور:

1/ أن الأعمش مدلس وقد عنعن الحديث.

2/ إني لم أقف له على تصريح بالسماع في هذا الأثر من مجاهد، وهو لم يسمع منه إلا عدة أحاديث.

قال وكيع (الجرح والتعديل1/224): "لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث".

وقال (1/227): "كنا نتتبع ما سمع الأعمش من مجاهد فإذا هي سبعة أو ثمانية".

وقال يحيى بن سعيد القطان (السابق 1/241): "كتبت عن الأعمش أحاديث عن مجاهد كلها ملزقة لم يسمعها".

وقال ابن معين في تاريخ الدوري (3/327): "سمعت يحيى يقول: إنما سمع الأعمش من مجاهد أربعة أحاديث أو خمسة، وسمع من سعيد بن جبير خمسة فقط".

وقال يعقوب بن شيبة (إكمال تهذيب الكمال 6/92): "ليس بصحيح الأعمش من مجاهد إلا أحاديث يسيرة خمسة أو نحوها، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال سمعت، هي نحو من عشرة، وإنما أحاديثه عن مجاهد: عن أبي يحيى القتات، وحكيم بن جبير وهؤلاء".

وقال الترمذي في العلل (388): "حدثنا حسين بن مهدي البصري، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا ابن المبارك قال: قلت لهشيم: ما لك تدلس وقد سمعت؟! قال: كان كبيراك يدلسان، وذكر الأعمش والثوري، وذكر أن الأعمش لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث".

وقال الترمذي في العلل (388): "قلت لمحمد: يقولون لم يسمع الأعمش عن مجاهد إلا أربعة أحاديث؟ قال: ريح، ليس بشيء، لقد عددت له أحاديث كثيرة نحوًا من ثلاثين أو أقل أو أكثر يقول فيها: حدثنا مجاهد".

وقال عبدالله في العلل (1/255): "قلت لأبي أحاديث الأعمش عن مجاهد عمن هي؟ قال: قال أبو بكر بن عياش: قال رجل للأعمش: ممن سمعته في شيء رواه عن مجاهد؟ قال: مر كزاز، مر بالفارسية، حدثنيه ليث عن مجاهد".

وقال ابن أبي حاتم في العلل (5/471): "... وأنا أخشى أن لا يكون سمع الأعمش من مجاهد، إن الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروى عن مجاهد مدلس".

وقال الدارقطني في العلل (8/234): "وقيل: إن الأعمش لم يسمع من مجاهد".

3/ أنه ورد في رواية علي بن مسهر عنه، عن أبي يحيى القتات.

وجاء في كلام الزيلعي ما يدل على أنه ذلك من رواية الثوري، فإنه قال بعد أن ذكر رواية قطبة بن عبدالعزيز من عند ابن مردويه: "ثم رواه من حديث سفيان، عن الأعمش به موقوفًا".

والذي سبقه هو من رواية الأعمش، عن أبي يحيى القتات، فلو كان الإسناد يختلف عن سابقه لبينه الزيلعي.

أما العلامة الألباني فلم يلتفت إلى هذه العلة وجعل رواية الأعمش متابعة لرواية أبي يحيى فصحح الأثر موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما.

قال رحمه الله في الضعيفة (4/418): "قلت: وأبو يحيى القتات لين الحديث، فهو ضعيف مرفوعًا وموقوفًا، لكنه قد توبع على وقفه، فقال ابن وهب في الجامع: أخبرني يحيى بن أيوب، عن عبيدالله بن زحر، عن سليمان، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: فذكره، وسليمان هو الأعمش، وابن زحر ضعيف، لكنه قد توبع، فقال علي بن حرب الطائي في حديثه: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش به، وتابعه الثوري عن الأعمش به، رواه ابن مردويه، وهذا إسناد صحيح، فالصواب في الحديث الوقف، وبالله التوفيق".

 خامسًا: الأثر في سنده أبي يحيى القتات. قال عنه ابن معين في رواية الدوري (3/361): "وأبو يحيى القتات ضعيف".

ومرة وثقه.

وقال عبدالله في العلل (2/51): "قال أبي: وكان شريك يضعف أبا يحيى القتات".

وقال أبو زرعة في سؤالات البرذعي (): "ضعيف الحديث".

وقال النسائي في الضعفاء (): "ليس بالقوي".

وقال الحافظ في التقريب: "لين الحديث".

فالأثر لا يصح لا موقوفًا ولا مرفوعًا، والله أعلم