بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذا تخريج الأثر المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: (اللهم اجعلني من الأقلين):
روى عنه رضي الله عنه من طرق:
الطريق الأول: عن أبي الغضين الكناني:
روى أبو الغضين الكناني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلاً وهو يصلي بالناس وهو يقول من خلفه: (اللهم اجعلني من عبادك الأقلين)، فلما انصرف عمر رضي الله عنه قال: من صاحب الدعوة؟! قال الرجل: أنا وما أردت بها إلا خيرًا، قال: وما أردت بهذه الدعوة؟ قال: إني سمعت الله يقول: (وقليل من عبادي الشكور)، وقال: (الذين أمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم).
أخرجه: ابن فضيل في الدعاء (213)، قال: حدثنا محمد بن سعد الأنصاري، حدثنا أبو الغصين الكناني به.
الطريق الثاني: طريق إبراهيم التيمي:
روى العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، قال: قال رجل عند عمر رضي الله عنه: (اللهم اجعلني من القليل)، قال: فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا الذي تدعو به؟ فقال: إني سمعت الله يقول: (وقليل من عبادي الشكور)، فأنا أدعو أن يجعلني من أولئك القليل، قال: فقال عمر رضي الله عنه: (كل الناس أعلم من عمر رضي الله عنه).
أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (10/105)، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن العوام به.
الطريق الثالث: علي بن زيد بن جدعان:
روى سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، قال: سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: (اللهم اجعلني من الأقلين) فقال: يا عبدالله وما الأقلون؟ قال: سمعت الله يقول: (وما آمن معه إلا قليل)، و (قليل من عبادي الشكور)ـ وذكر آيات أخر فقال عمر رضي الله عنه: (كل أحد أفقه من عمر).
أخرجه: عبدالله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد (94)، قال: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا سفيان به.
وخالف محمود بن غيلان: محمد بن عباد المكي، فرواه عن سفيان، عن مسعر، قال: سمع عمر رضي الله عنه ... إلى آخره.
أخرجه: عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد (تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف 3/141)، قال: ثنا محمد بن عبادة -هكذا وقع في المطبوع- ثنا سفيان، عن مسعر به.
وخالفهما جميعًا: خالد بن خداش، فرواه عن ابن عيينة قال: دعا رجل بعرفات إلى جنب عمر بن عبدالعزيز فقال في دعائه: (اللهم اجعلني من الأقلين)، فقال له عمر: ما هذا الدعاء؟ قال: سمعت الله يقول: (وقليل ما هم)، وسمعته يقول: (وقليل من عبادي الشكور)، فقال له: عليك من الدعاء بما يعرف، فقال الرجل: لو دعون مخلوقًا لدعوته بما يعرف، ولكني أدعو من يعلم ما في القلوب من غير أن ينطق به لسان، فقال: عمر: صدقت.
أخرجه: الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (5/23)، قال: حدثنا إبراهيم بن دازيل، نا خالد بن خداش، قال: سمعت ابن عيينة به.
الكلام على الروايات:
أولاً: الطريق الأولى عن عمر رضي الله عنه في سندها أبو الغضين الكناني لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً.
ولا أدري هل سمع من عمر رضي الله عنه أو لا؟.
والطريق الثانية فيها انقطاع إبراهيم التيمي لم يلق عمر رضي الله عنه.
ثانيًا: المحفوظ عن ابن عيينة هي رواية محمود بن غيلان، وأما رواية محمد بن عباد المكي فهي خطأ، لمخالفته من هو أوثق منه.
وكذلك رواية خالد بن خداش، قال عنه الحافظ: "صدوق يخطيء".
وفي سندها أيضًا الدينوري صاحب المجالسة، متكلم فيه.
ثالثًا: الرواية المحفوظة عن ابن عيينة، معلولة من وجهين:
الوجه الأول: في سندها زيد بن علي بن جدعان وهو ضعيف.
الوجه الثاني: فيها انقطاع، ابن جدعان لم يلق عمر رضي الله عنه.
الخلاصة:
الأثر لا يصح من جميع طرقه.
والحمد لله رب العالمين.