بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فإن
من الأمور المهمة لطالب العلم أن تكون مصادره التي يستقي منها المعلومات مأخوذة من
مصادرها الأصلية، لتكون تلك المعلومات التي يعتمدها ويسجلها في كتبه أكثر صوابًا، وأقرب
إلى الدقة، وأبعد عن الخطأ والتحريف.
وإنه
مما يقبح بطالب العلم، ويعاب به أشد العيب أن تكون المصادر الأصلية قريبة منه، بل
وفي متناول يديه، ثم تجده لا يقف عليها ولا يراجعها، وينقل بواسطة عنها، وربما
كانت واسطته تلك الموسوعات الحاسوبية، التي يقع في بعضها الخلل كثيرًا، فتجده
يكتفي بالتحويل منها دون تأكيد، وبالنقل دون تحريص، وما ذاك منه إلا كسلاً واستعجالاً
لتسويد الصفحات، وطي الأوراق ودفعها إلى المكتبات، خاصة إذا انضاف إلى ذلك قلة
الرغبة في البحث والتفتيش، اللذان هما من أهم صفات طالب العلم الحقيقي.
قال
ابن أبي حاتم: "حضرت أحمد بن سنان، وقد حدثنا عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة،
عن أبي جمرة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عطس فقيل له: يرحمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يهديكم الله ويصلح بالكم
..)، فقال أبي لأحمد بن سنان: إنما هو عن أبي حمزة، عن أبي بردة، فأبي أن يقبل، ثم
صار أبي إلى محمد بن عبادة فسأله أن يخرج له حديث يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة،
فأخرج كتابه فإذا هو حماد بن سلمة، عن أبي حمزة كما قال أبي، فكتبنا عن ابن عبادة هذا
الحديث، ثم أخبر أبي ابني أحمد بن سنان بأنه وجد في كتاب ابن عبادة: عن يزيد، عن حماد
بن سلمة، عن أبي حمزة كما قال أبي، فتحيرا وقالا: ننظر في الأصل، فلما كان الغد حملوا
إلى أبي أصل أحمد بن سنان، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة معجمًا
على الحاء والزاي كما قال أبي، وقالا: وقع الغلط في التحويل".
وقال
عباس بن محمد الدوري (تهذيب الكمال 29/471): "سمعت يحيى بن معين يقول: حضرنا نعيم
بن حماد بمصر فجعل يقرأ كتابًا من تصنيفه، قال: فقرأ ساعة ثم قال: حدثنا ابن المبارك،
عن ابن عون بأحاديث، قال يحيى: فقلت له: ليس هذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد علي؟
قال: قلت: إي والله أرد عليك أريد زينك، فأبى أن يرجع، فلما رأيته هكذا لا يرجع، قلت:
لا والله ما سمعت أنت هذا من ابن المبارك قط، ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قط،
فغضب وغضب من كان عنده من أصحاب الحديث، وقام نعيم فدخل البيت فأخرج صحائف، فجعل يقول
وهي بيده: أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس أمير المؤمنين في الحديث، نعم يا أبا
زكريا غلطت، وكانت صحائف، فغلطت فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك، عن ابن عون، وإنما
روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك".
وقال
يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/406): "وكان سليمان -يعني ابن عبدالرحمن
بن بنت شرحبيل- صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحول، فإن وقع فيه شيء فمن النقل"([1]).
وهذا
هو السبب الذي جعل ابن معين يقلل من قدر أصناف حماد بن سلمة، حيث قال رحمه الله (تهذيب
الكمال 7/262): "من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع من
حماد بن سلمة نسخًا فهو صحيح".
وقال
البيهقي في بيان من أخطأ على الشافعي (95): "... كنت قد نظرت في كتب أهل العلم
بالحديث والفقه، وجالست أهلها وذاكرتهم، وعرفت شيئًا من علومهم، فوجدت في بعض ما نقل
من كتبه، وحول منها إلى غيره، خللاً في النقل، وعدولاً عن الصحة بالتحويل، فرددت مبسوط
كتبه القديمة والجديدة إلى ترتيب المختصر، ليتبين لمن تفكر في مسائله من أهل الفقه
ما وقع فيه من التحريف والتبديل، ويظهر لمن نظر في أخباره من أهل العلم بالحديث ما
وقع فيه الخلل بالتقصير في النقل".
فانظر
إلى وقوع الخطأ والتحريف من أهل العلم في القديم بسبب التحويل من الأصول والنسخ إلى
المصنفات، والمختصرات، مع دقتهم وسعة علمهم، وقلة أسانيدهم وقرب زمانهم، وقارنه
بحالنا اليوم؟! لا شك أنه سيتبين لك بوضوح أهمية الرجوع إلى المصادر الأصلية لنقل
المعلومات منها، ولربما احتاج طالب العلم أن يراجع النسخ والأصول ليتأكد من صحة
النقل([2]).
قال
ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (1/10) وهو ينتقد من ينقل من كتاب
عبدالحق دون الرجوع إلى المصادر التي نقل منها قال رحمه الله: "والذي يحصل من
علم صحة هذا الذي وصفناه للمزاول، أكثر وأبين مما وصفنا منه، فالكتاب المذكور من حيث
حسنه وكثرة ما فيه، قد جر الإعراض عن النظر الصحيح، والترتيب الأولى، من تحصيل الشيء
من معدنه، وأخذه من حيث أخذه هو وغيره، هذا على تقدير سلامته من اختلال نقل، أو إغفال،
أو خطأ في نظر أهل هذا الشأن، فأما والأمر على هذا، فقد يجب أن يكون نظر من يقرؤه وبحثه
أكثر وأكبر من بحث من يقرأ أصلاً من الأصول، لا كما يصنعه كثير ممن أكب عليه: من اعتمادهم
على ما نقل، وتقليدهم إياه فيما رأى وذهب إليه من تصحيح، أو تسقيم".
وقال
مغلطاي في إكماله وهو يتعقب المزي (1/260) بذلك: "وذكر المزي هذا عن الكلاباذي
من غير أن يعزوه لقائله الأصلي، على أن الكلاباذي نفسه عزاه لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل
البخاري، وذلك موجود في تاريخه الكبير الذي هو بيد غالب طلبة الحديث، فالعدول عن النقل
منه إلى غيره قصور، إذ لو كان الكلاباذي استقل بذكر ذلك، كيف وقد خرج من عهدته بعزوه
لأستاذ الدنيا الذي يفتخر العلماء بنقل كلامه".
وقال
في (2/51): "قال المزي مقلدًا اللالكائي:لم يذكره البخاري في تاريخه، وهذا كما
أنبأتك إنه في غالب أحواله يقلد غيره ولا يراجع الأصول".
وقال
الذهبي في السير معلقًا على طريقة ابن الجوزي في مؤلفاته (21/378): "هكذا هو له
أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف، وصنف شيئًا لو عاش عمرًا ثانيًا
لما لحق أن يحرره ويتقنه".
وقال
برهان الدين الناجي في عجالة الإملاء (137): "وقد وهم الحاكم في مستدركه على
البخاري ومسلم فنسب إليهما أنهما اتفقا على إخراج هذا الحديث، وإنما هو مما انفرد
بروايته البخاري عن مسلم قطعًا، وهو أحد ما استدرك عليه فيما استدركه، وهو عجيب
كثير قلده المصنف فيه استرواحًا في مواضع، وأعجب منه أن حافظ عصره الشيخ زين الدين
العراقي في إملائه المستخرج على المستدرك -وهو محل التعقب والاستدراك- لم يتنبه
لعزوه إليه، بل حكاه عنه وأقره عليه تقليدًا له، ولا خلاف بل ولا خفاء أن مسلمًا
لم يرو الحديث ... فتنبه لما وقع لهذين الإمامين، لا سيما شيخ شيوخنا الإمام
العراقي من الغفلة والتقليد، ولا تغتر فتقلد، فكل شيء من هذه الأشياء يحتاج إلى
تعب وكثرة مراجعة وتحرير، واعلم أن الكمال المطلق للواسع المحيط الذي لا يضل ولا
ينسى".
ولا
شك أن الناقل بواسطة عن المصادر الأصلية قد يقع في أوهام وأخطأ وتصحيفات بسبب ذلك،
وربما كان الخطأ محيلاً للكلام عن وجهه، مغيرًا له عن مراده، مغلقًا لقارئه عن
فهمه، وقد وقفت على شيء منها أثناء مطالعتي لبعض كتب أهل العلم، فجمعت منها ما قد
يكون فيه عظة وعبرة لي ولغيري من طلاب العلم في الاهتمام بالمصادر الأصلية،
والرجوع إليها عند نقل المعلومات وتوثيقها، وقد قسمت هذه المقالة على أبواب تيسيرًا
على قارئها، وتذليلاً لطالبها، فأقول مستعينًا بالله:
·
باب أسانيد الأحاديث ومتونها:
روى
ابن ماجه في السنن (2/546) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا
ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن موسى بن سرجس، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي
الله عنها، قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت ...) الحديث.
فنسب
ابن ماجه يزيد بقوله: (ابن أبي حبيب)، والذي في مصنف شيخه ابن أبي شيبة (15/167)
يزيد مهملاً، قال ابن أبي شيبة: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد، عن
موسى بن سرجس به.
والصواب
أنه (يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد)، هكذا جاء في رواية أحمد (40/478،
و41/30، و42/96)، والترمذي (2/298)، والنسائي (6/389)، وأبو يعلى (8/9)، والطبراني
(23/34) وغيرهم.
قال
ابن حجر في نتائج الأفكار (4/250): "وخالفهم جميعًا ابن ماجه، فأخرجه عن أبي
بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد كما أخرجناه، لكن قال: (عن يزيد بن أبي حبيب)،
وكأنه نسبه من قبل نفسه، لكونه مصريًا والليث مصري"([3]).
مثال
آخر: أخرج الضياء في المختارة (9/327) حديثًا من طريق الإمام أحمد قال: حدثنا يحيى
بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما قال: ( كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات ...) الحديث.
وبالرجوع
إلى مسند الإمام أحمد الذي ساق منه الضياء الحديث نجده وقع فيه الأمر على ما يلي:
قال
الإمام أحمد في المسند (26/34، و35): حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا عبدالرحمن بن أبي
الموالي، قال: أخبرني نافع بن ثابت، عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: ( كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات ...) الحديث.
ثم
قال بعده مباشرة في إثره: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، عن عبدالله
بن الزبير رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحرم من الرضاعة المصة
والمصتان).
وكذلك
وقع في أطراف المسند لابن حجر (3/8، و11).
فيكون
وقع في نسخة الضياء تركيب متن حديث نافع بن ثابت على متن سند حديث هشام بن عروة،
والله أعلم.
مثال آخر: قال عبدالحق الإشبيلي في الأحكام
الوسطى في كتاب التيمم (1/222): "وذكر العقيلي عن صالح الناجي، عن محمد بن
سليمان، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (يمسح المتيمم هكذا)، ووصف صالح من وسط رأسه إلى جبهته".
هكذا
ورد فيه، وبالرجوع إلى المصدر الأصلي وهو كتاب الضعفاء للعقيلي (5/279) بعد أن ساق
سنده من رواية محمد بن سليمان بن علي أمير البصرة، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمسح اليتيم هكذا) ووصفه صالح من
وسط رأسه إلى جبهته".
قال
ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2/198): "هذا نص ما أورد، وهو خطأ
وتصحيف من عمله، وحققه عليه إدخاله إياه في التيمم، ولقد كان زاجرًا عن ذلك أنه لم
يسمع قط لا في رواية، ولا في رأي بمسح الرأس في التيمم".
وقال
ابن حجر في اللسان (7/178): "وأغرب عبد الحق في الأحكام، فأورد حديثه هذا في كتاب
الطهارة في باب التيمم، وصحف فيه تصحيفًا شنيعًا، تعقبه ابن القطان وبالغ في الإنكار
عليه([4])،
وهو معذور".
·
باب تصحيح الأحاديث والكلام عليها:
مثال:
قال عبدالحق في الأحكام الوسطى له (2/154): "وذكر الدارقطني عن ابن عباس رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (موت الغريب شهادة)، ذكره في كتاب
العلل في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وصححه".
كذا
قال، والدارقطني لم يصححه وإنما رجح طريقًا على طريق، وهذا نص كلامه في العلل له
(12/): "وسئل عن حديث يروى عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (موت الغريب شهادة)؟ فقال: يرويه عبدالعزيز بن أبي رواد، واختلف
عنه: فرواه هذيل بن الحكم،
واختلف عنه، حدث به يوسف بن محمد العطار، عن عمرو بن علي، عن هذيل بن الحكم، عن عبدالعزيز
بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، والصحيح ما حدثناه إسماعيل الوراق، قال: حدثنا حفص
بن عمرو، وعمر بن شبة، قالا: حدثنا الهذيل بن الحكم، عن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن
عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: (موت الغريب شهادة)".
قال
ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2/263): "وليس فيه التصحيح للحديث
لا من رواية ابن عمر ولا من رواية ابن عباس رضي الله عنهم، وإنما فيه تصحيحه عن
هذيل بن الحكم ومن طريق ابن عباس لا من طريق ابن عمر رضي الله عنهم، وهو إذ قال: الصحيح
عن هذيل بن الحكم أنه عنده عن ابن عباس لا عن ابن عمر، بمثابة ما لو قال: الصحيح عن
ابن لهيعة، أو عن محمد بن سعيد المصلوب، أو عن الواقدي، فإن ذلك لا يقضي بصحة ما رووا([5])،
لكن ما روى عنهم، وإنما سلك الدارقطني سبيل غيره من ذكر الخلاف على هذيل بن الحكم،
وترجيح بعض ما روي عنه على بعض".
مثال
آخر: قال النووي في الأذكار (1/388): "وروينا في سنن أبي داود، والترمذي
بإسناد ضعيف ضعفه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (اذكروا محاسن موتاكم ...).
والذي
وقع في سنن الترمذي (2/328): "هذا حديث غريب".
قال
ابن حجر (الفتوحات الربانية 4/11): "لم أر في شيء من نسخ الترمذي تصريح
الترمذي بتضعيفه".
مثال
آخر: قال الحافظ ابن حجر في الدارية في تخريج أحاديث الهداية (1/31):
"ولأصحاب السنن الثلاثة وصححه الترمذي والحاكم من حديث أبي الدرداء رضي الله
عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ)".
وبالرجوع
إلى كلام الترمذي على الحديث نجده قال في السنن (1/131): "وحديث حسين أصح شيء
في هذا الباب".
وفرق
بين الجملتين ولا شك.
مثال
أخر: قال ابن الملقن في البدر المنير (4/299): "وقال البيهقي في خلافياته: (وهم
في رفعه، والصحيح وقفه على أبي أيوب رضي الله عنه)".
وهذا
اختصار مخل لكلام البيهقي، والذي في الخلافيات (2/218): "وهم في رفعه،
والصحيح رواية الحميدي وغيره عن ابن عيينة موقوفًا على أبي أيوب رضي الله
عنه".
فالبيهقي
قيد الوقف في كلامه برواية الحميدي وغيره عن ابن عيينة.
·
باب الجرح والتعديل:
وهذا
من أكثر الأمور التي ينبغي مراجعة المصادر الأصلية فيها، لكثرة ما يقع فيها من خلل
أثناء النقل، وإليك الأمثلة.
قال
الترمذي في السنن (2/390): "وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة قال:
قال وكيع: زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث".
والذي
في تاريخ البخاري (3/360): "وقال ابن عقبة السدوسي عن وكيع: هو أشرف من أن يكذب".
وكذا
وقع في الضعفاء للعقيلي، والكامل لابن عدي، والمجروحين لابن حبان، وتهذيب الكمال
للمزي.
وقال
ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/269): "والذي في تاريخ البخاري قال وكيع:
"زياد أشرف من أن يكذب في الحديث، فلعل (لا) سقطت من جامع الترمذي".
واعتبره
الذهبي في تاريخ الإسلام وهم من الترمذي (12/163).
مثال
آخر: قال العقيلي في الضعفاء (5/57): "حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي قال:
كنا بالبصرة وعرعرة حي فلم نكتب عنه شيئًا".
ووقع
في العلل ومعرفة الرجال لعبدالله (2/317): "كنا بالبصرة وعرعرة حي فلم نقدر
نكتب عنه شيئًا".
وفرق
بين العبارتين، فالأولى: ظاهرها تركهم الكتابة عنه رغبة فيه، والثانية: ظاهرها
أنهم تركوا الكتابة عنه لعدم تمكنهم من ذلك، لا رغبة عنه.
ومما
يوضح ذلك أنه جاء في سؤالات أبي داود (344): "قلت لأحمد: عرعرة بن البرند؟ قال:
ليس به بأس".
مثال
أخر: قال ابن عدي في الكامل في ترجمة إسماعيل بن شروس (1/520): "قال عبدالرزاق:
قال معمر: كان يضع الحديث".
وورد
في كتاب التاريخ للبخاري (1/359): "قال عبدالرزاق: عن معمر: كان يثبج
الحديث".
وكذا
وقع في المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان وفي الضعفاء للعقيلي.
ومعنى
يثبج يخلط.
مثال
أخر: قال أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (157): "أبو هارون كلاب بن أمية
الليثي، ويقال: كلاب بن علي، سمع أبا عبدالله عثمان بن أبي العاص الثقفي ... حديثه
في البصريين، ولم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما".
ونقله
ابن عساكر في تاريخ دمشق (50/275)، ولم يتعقبه، وقال في أول ترجمته: "كلاب بن
أمية أبو هارون الليثي، روى عن واثلة بن الأسقع، وعثمان بن أبي العاص، روى عنه إبراهيم
بن أبي عبلة ...".
وقد
ذكره البخاري في التاريخ الكبير (7/235) فقال: "كلاب بن أمية، روى عنه إبراهيم
بن أبي عبلة، قال: قدم علينا واثلة بن الأسقع ...".
مثال
أخر: قال المقدسي في الكمال (1/43): "وقال أبو حاتم: هو ثقة صدوق، وقال ابنه عبدالرحمن:
هو إمام أهل زمانه".
وتبعه
المزي في تهذيب الكمال (1/323).
والذي
في الجرح والتعديل (2/53): "وكان ثقة صدوقًا". حسب.
قال
ابن حجر في تهذيبه (1/33): "ونقل المزي عن ابن أبي حاتم أنه قال فيه: (إمام أهل
زمانه)، وهو وهم، فليس هذا في الجرح والتعديل، وقد نقله اللالكائي بسنده إلى أبي حاتم
نفسه".
والمزي
إنما قلد فيه صاحب الكمال.
مثال
آخر: قال عبدالحق الأشبيلي في الأحكام الوسطى له (2/267): "قال أبو حاتم:
يحيى بن أبي سفيان يعني الأخنسي هذا شيخ من شيوخ أهل المدينة ليس بالمشهور ممن
يحتج به".
كذا
وقع فيه، والذي في الجرح والتعديل (9/155) قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه؟ فقال:
شيخ من شيوخ أهل المدينة ليس بالمشهور".
وليس
فيه (ممن يحتج به).
مثال
أخر: قال ابن الجوزي في التحقيق له (3/51) بعد أن ذكر حديثًا من طريق صخر بن عبدالله
بن حرملة ثم قال: "وأما الخامس ففيه صخر بن عبدالله قال ابن عدي: يحدث عن
الثقات بالأباطيل، عامة ما يرويه منكر، أو من موضوعاته"([6]).
وبالرجوع
إلى الكامل والوقوف على ترجمة صخر هذا يتبين أن ابن عدي تكلم على صخر بن عبدالله
الكوفي وليس ابن حرملة الحجازي([7]).
قال
ابن عدي: "صخر بن عبدالله الكوفي، سكن مرو وكان على المظالم بجرجان، يعرف
بالحاجبي".
مثال
آخر: قال الذهبي في الميزان في ترجمة أبان بن الوليد بن هشام المعيطي (1/16):
"قال أبو حاتم: مجهول".
والذي
في الجرح والتعديل (2/300): "مجهول الدار".
وكذا
في تاريخ دمشق (6/162).
قال
الحافظ في اللسان (1/230): "كذا هو في نسخة معتمدة".
مثال
آخر: قال ابن حجر في تعجيل المنفعة (1/513): "وذكره الترمذي عقب حديث (الوضوء
من لحوم الإبل)، وقال: ذو الغرة لا يدرى من هو".
وبالرجوع
إلى جامع الترمذي (1/123) تحت هذا الحديث لا نجد شيئًا مما ذكره الحافظ رحمه الله،
ولم يشر الحافظ إلى ذلك في الإصابة.
مثال
أخر: قال مغلطاي في الإكمال له (1/321): "قال أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري
في التاريخ الأوسط: قال يحيى بن سليم: لا يحتجون بحديثه".
والذي
في التاريخ الأوسط هكذا (3/250): "إبراهيم بن يزيد أبو إسماعيل الخوزي مكي، وقال
يحيى بن سليم: (إبراهيم بن يزيد بن مردانبة القرشي)، لا يحتجون بحديثه".
وأراد
البخاري بذلك أن يبين أن يحيى بن سليم يسميه (إبراهيم بن يزيد بن مردانبة القرشي)،
ثم استأنف الكلام فقال من عنده: (لا يحتجون بحديثه).
ومما
يدل عليه أن البخاري قال في التاريخ الكبير (1/336): "... وقال يحيى بن سليم: إبراهيم بن يزيد بن مرذانبة
القرشي)، ولم يزد بعده شيئًا.
وقال
ابن عدي في كامله (1/266): "... البخاري قال: إبراهيم بن يزيد أبو إسماعيل الخوزي
مكي لا يحتجون بحديثه".
فأضاف
الكلام للبخاري لا ليحيى بن سليم.
تم
بحمد الله ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
([1])
قال المعلمي في الفوائد المجموعة (43): يعني أنه أصول كتبه كانت صحيحة، ولكنه كان
ينتقي منها أحاديث يكتبها في أجزاء، ثم يحدث عن تلك الأجزاء، فقد يقع له خطأ عند
التحويل، فيقع بعض الأحاديث في الجزء خطأ فيحدث به.
([2])
انظر مثالاً على ذلك: تهذيب الكمال (35/113)، وتحفة الأشراف للمزي (1/28)، وإتحاف
المهرة لابن حجر (5/400).
([3])
ووقع مثل هذا الخطأ لمحمد بن منصور الطوسي في حديث أخر فنسب فيه يزيد إلى (ابن أبي
حبيب). انظر: المختارة للضياء (3/131).
([4])
وهذا ما جعل ابن دقيق العيد يغمز ابن القطان بذلك، فقال في الإمام له (3/160): قد
بين ما ذكر، ولكنه في بعض ألفاظه خشن، ولو ترك ذلك في حق هذا الرجل الصالح لكان
حسنًا.