بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد
فهذا تخريج لحديث جابر رضي الله عنه في دعاء النبي صلى الله
عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاث أيام واستجيب له في يوم الأربعاء.
فأقول وبالله التوفيق: (الحديث لا يصح من
جميع طرقه)، وله عدة روايات، وإليك تفصيلها والكلام عليها:
الرواية الأولى:
الحديث رواه كثير بن زيد، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب بن
مالك، عن جابر رضي الله عنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح
ثلاثًا: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين
الصلاتين، فعرف البشر في وجهه). قال جابر t: (فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك
الساعة، فأدعو فيها فأعرف الإجابة).
أخرجه: أحمد في المسند واللفظ له (22/425)، والبزار عن محمد بن
المثنى وعمرو بن علي ومحمد بن معمر ( كشف الأستار 1/216)، وابن عبدالبر في التمهيد
من طريقهم وطريق محمد بن بشار (7/595، و596)، وابن الجوزي في مثير الغرام الساكن
إلى أشرف الأماكن من طريق أحمد (2/312)، وابن النجار في الدرة الثمينة في أخبار
المدينة من طريقه (346)، والمطري في التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة
كذلك (140)، كلهم عن أبي عامر العقدي، عن كثير بن زيد به.
وفي لفظ للبزار من رواية ابن المثنى (في مسجد قباء).
وخالفه: عبيدالله بن عبدالمجيد الحنفي، وسفيان بن حمزة،
وعبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد، وأبو عامر العقدي -من رواية محمد بن مروان
عنه- فرووه عن كثير بن زيد، فقالوا: عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر رضي
الله عنه
(دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب: يوم الإثنين،
ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء، بين الصلاتين: الظهر
والعصر، فعرفنا البشر في وجهه)، قال جابر رضي الله عنه: (فلم ينزل بي
أمر مهم غائظ إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت الله، فأعرف الإجابة).
أخرجه: ابن سعد في الطبقات عن عبيدالله بن عبدالمجيد واللفظ له
(2/73)، والبخاري في الأدب المفرد من طريق سفيان بن حمزة (243)، والغَطْريف في
جزءه من طريق عبيدالله (107)، والبيهقي في الشعب من طريق عبدالمجيد بن عبدالعزيز
بن أبي رواد (5/387)، وابن عبدالبر في التمهيد من طريق محمد بن مروان (7/596)، وعبدالواحد
المقدسي في الترغيب في الدعاء من طريق عبيدالله (87)، كلهم عن كثير بن زيد به.
وفي لفظ البخاري (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا
المسجد مسجد الفتح ... بين الصلاتين) ولم يبينهما.
وخالفهم جميعًا: الواقدي، فرواه في المغازي (2/488)، قال: حدثني
كثير بن زيد، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبدالله رضي
الله عنه، قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب في مسجد الأحزاب: يوم
الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء)،
قال: (فعرفنا السرور في وجهه)، قال جابر رضي الله عنه: (فما نزل بي أمر غائظ مهم إلا
تحينت تلك الساعة من ذلك اليوم، فأدعو الله فأعرف الإجابة).
وخالفهم أيضًا: عبدالعزيز بن عمران، فرواه عن كثير بن زيد، عن
المطلب بن حنطب قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الأعلى على
الجبل، يوم الأثنين، ويوم الثلاثاء، واستجيب يوم الأربعاء بين الصلاتين).
أخرجه: أبو غسان الكناني في أخبار المدينة (98)، وعنه عمر بن
شبة في تاريخ المدينة (1/58)، قال أبو غسان: أخبرني عمران بن عبدالعزيز به.
الكلام على الروايات:
أولاً: الحديث قال عنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/509):
"رواه أحمد والبزار وغيرهما، وإسناد أحمد جيد".
وقال الهيثمي في المجمع (4/12): "رواه أحمد والبزار، ورجال
أحمد ثقات".
وحسنه العلامة الألباني في تحقيق الأدب المفرد.
أقول: الحديث معلول من وجوه:
الوجه الأول: في سنده كثير بن زيد، وقد تكلم فيه جمهور النقاد، وإن
وثقه بعضهم.
قال ابن المديني في سؤالات
ابن أبي شيبة (95): "صالح،
وليس بالقوي".
وقال ابن أبي خيثمة: "وسئل يحيى بن معين عن كثير بن زيد
يروي عنه عبدالحميد الخثعمي؟ قال: ليس بذلك القوي، وكان قال أولاً: ليس
بشيء".
وقال في رواية ابن محرز (1/70): "ضعيف".
وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (7/150): "صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه".
قال أبو زرعة:
"هو صدوق، فيه لين".
وقال يعقوب بن شيبة:
"ليس بذاك الساقط، وإلى الضعف ما هو"([1]).
وقال النسائي في الضعفاء (206): "ضعيف".
وقال أبو جعفر الطبري: "وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج
بنقله"([2]).
وقال ابن حبان في المجروحين (2/227): "كثير بن زيد، يروي
عن عبدالله بن كعب بن مالك([3])، وهو الذي يقال له:
كثير بن النضر، روى عنه عبيدالله بن عبدالمجيد، كان كثير الخطأ على قلة روايته، لا
يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد"([4]).
وقال الحافظ في التقريب (808): " صدوق
يخطئ".
وقد تفرد به وحاله لا
تحتمل ذلك.
قال البزار: "لا
نعلمه يروى عن جابر رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد".
الوجه الثاني: أنه
اضطرب في سنده، فمرة يقول: (عن عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك)، ومرة يقول: (عبدالرحمن
بن كعب بن مالك)، ومرة يقول: (عبدالرحمن
بن عبدالله بن كعب بن مالك)، ومرة يقول: (عن المطلب بن حنطب)، وهذا
الوجه الأخير راويه عبدالعزيز بن عمران، قال عنه الحافظ (615): "متروك".
الوجه الثالث: فيه شيخه
عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري كما وقع في رواية أبي عامر العقدي،
وهي أشبه الروايات عندي كما سيأتي تقريره إن شاء الله.
قال البخاري في
التاريخ الكبير (5/133): "عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، روى عنه عبدالله
بن محمد بن عقيل، وعاصم بن عبيدالله".
وتبعه
ابن حبان في ثقاته (7/3).
وذكره ابن أبي حاتم في
كتابه ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، فقال (5/95): "عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، روى عن أبيه، روى عنه عبدالله
بن محمد بن عقيل، سمعت أبي يقول ذلك".
ولم
يذكروا جابرًا رضي الله عنه فيمن روى عنه، ولا كثير بن زيد في الرواة عنه.
وقال الحسيني في
الإكمال (1/467): "عبدالله
بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، عن أبيه، وجابر t، وعنه كثير بن زيد، وعبدالله بن محمد بن
عقيل فيه نظر".
وأقره ابن حجر كما
سيأتي، لكنه فرق بين الذي روى عن أبيه، وروى عنه ابن عقيل، وبين الذي روى عن جابر
رضي الله عنه، وروى عنه كثير بن زيد.
قال السخاوي في
التحفة اللطيفة (2/52): "مات مقتولاً يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه".
ولم أقف على مستنده
في ذلك.
وأما الدمياطي فلم
يذكر في كتاب أخبار قبائل الخزرج (2/846) لعبدالرحمن ابن اسمه: عبدالله، مع أنه
ذكر ذريته حتى البنات، فيستدرك به عليه.
الوجه الرابع: أن
القلب لا يسكن لسماع كثير بن زيد من جابر رضي الله عنه، فإن البخاري وابن أبي حاتم
وابن حبان لم يذكروا جابرًا ضمن من روى عنهم، ولو كان روى عنه ما أغفلوا ذلك أبدًا.
ثانيًا: قال عبيدالله
بن عبدالمجيد الحنفي، وسفيان بن حمزة، وعبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد في روايتهم عن كثير بن زيد: (عن
عبدالرحمن بن كعب بن مالك) وهو خطأ، وعندي أنه من كثير بن زيد كان يضطرب فيه، ومما
يؤيد ذلك أن الزهري لم يرو عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك وهو أكبر من كثير بن زيد،
فكيف يروي كثير بن زيد عنه؟! وقد توفي كثير في آخر حلافة المنصور، والمنصور مات
حاجًا سنة (158 هـ)([5])، والزهري مات سنة (125هـ)، وقيل قبلها
بسنة أو سنتين.
قال أحمد بن صالح:
"لم يسمع الزهري من عبدالرحمن بن كعب بن مالك شيئًا، والذي يروي عنه: عبدالرحمن
بن عبدالله بن كعب بن مالك"([6]).
قال ابن حجر في
تهذيبه (6/232): "ولم يذكره النسائي في شيوخ الزهري، إنما ذكر ابن أخيه حسب([7])".
وعبدالرحمن بن كعب بن
مالك توفي في خلافة سليمان بن عبدالملك، وسليمان توفي سنة (99هـ)([8]).
وبما سبق تقريره تعلم
مجانبة الذهبي للصواب في تاريخ الإسلام (9/579) عندما أدرج اسم (عبدالرحمن بن كعب
بن مالك) ضمن من روى عنهم كثير بن زيد، وهذا منه رحمه الله اغترار بظاهر السند.
ثالثًا: وقع في رواية الواقدي (عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن
مالك)، وأظنه انقلب عليه اسم الراوي، وهو متروك، وقد خالفه: أبو عامر العقدي، وهو
أحفظ منه، اللهم إلا يكون هذا الاضطراب من كثير بن زيد، ولا أبعده.
قال ابن حجر في تعجيل
المنفعة (153): "(عبدالله
بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، عن أبيه، وجابر t، وعنه كثير بن زيد، وعبدالله بن محمد بن
عقيل فيه نظر). قلت: أما الذي روى عن جابر t، وروى عنه كثير بن زيد فهو كما ذكر، وحديثه
عن جابر t في الدعاء في مسجد الفتح، وأما الذي روى عن
أبيه، وروى عنه ابن عقيل، فالذي أظنه أنه انقلب، وأنه (عبدالرحمن بن عبدالله بن
كعب بن مالك)([9]) شيخ الزهري، وهو
مترجم في التهذيب، ولكن ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات كالذي وقع هنا،
فلعله ابن عمه، والله أعلم".
وعبدالرحمن هذا ترجمه
ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/249)، فقال: "عبدالرحمن بن عبدالله
بن كعب بن مالك السلمي الأنصاري المديني، روى عن أبيه، وجابر رضي الله عنه، روى عنه
الزهري سمعت أبي يقول ذلك".
ولم
يزد على ذلك، ومن ترجم له لم يذكر فيمن روى عنه: كثير بن زيد.
ثالثًا: المحفوظ عن أبي عامر العقدي رواية الجماعة عنه، عن
عبدالله بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، وأما رواية محمد بن مروان البصري عنه، عن
عبدالرحمن بن كعب بن مالك، فهي خطأ منه لمخالفته رواية الجماعة.
رابعًا: قوله (في مسجد قباء) خطأ من محمد بن المثنى، فقد خالف
فيه كل من رواه عن أبي عامر العقدي: الإمام أحمد، وعمرو بن علي، ومحمد بن معمر، ومحمد
بن بشار، ومجمد بن مروان.
وبهذا التقرير تعلم أنه الحديث لا يصلح للتحسين من هذا الوجه فضلاً
عن التصحيح.
الرواية الثانية:
روى أبو غسان الكناني في أخبار المدينة (99)، وعنه عمر بن شبة
في تاريخ المدينة (1/58)، قال أبو غسان: عن سعيد بن معاذ الديناري، عن ابن أبي عتيق،
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
الأعلى يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، واستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين).
الكلام على الرواية:
ابن أبي عتيق المعروف به هو: عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، قال
المزي في تهذيبه (16/65): "عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي
التيمي المدني، المعروف بابن أبي عتيق".
قال عنه الحافظ في التقريب (865): "صدوق".
ولم يذكر في ترجمته أنه روى عن جابر رضي الله عنه، وأخشى أن
يكون وقع تصحيف في اسمه.
وسعيد بن معاذ الديناري لم أجد له ترجمة، ووقع في طبعة أخبار
المدينة لابن شبة (سعد) طبعة دار التراث، فالله أعلم بحقيقة أمره.
الرواية الثالثة:
روى أبو غسان الكناني في أخبار المدينة (100)، وعنه عمر بن شبة
في أخبار المدينة (1/60)، قال أبو غسان: عن ابن أبي يحيى، عن خالد بن رباح، عن المطلب
بن عبدالله بن حنطب (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين في مسجد الفتح، واستجيب
له عشية الأربعاء بين الصلاتين).
الكلام على الرواية:
الحديث لا يصح، فيه علل:
الأول: في سنده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك
قاله ابن حجر في التقريب (115).
الثاني: في سنده خالد بن رباح في عداد المجهولين.
قال ابن ماكولا في الإكمال (4/12): "خالد بن رباح الحجازي،
حدث عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، روى عنه أبو بكر بن عبدالله بن أبى سبرة المديني".
وقال الحسيني في التذكرة (1/409): "خالد بن رباح الحجازي، عن
المطلب بن عبدالله بن حنطب، وعنه أبو بكر بن عبدالله بن أبي سبرة، وإبراهيم بن محمد
بن (أبي) يحيى وغيرهما".
وذكره الحافظ في تعجيل المنفعة (1/489)، ولم يزد على ما ذكره
الحسيني.
الثالث: أنه مرسل.
الرواية الرابعة:
روى ابن أبي ذئب، عن رجل من بني سلِمة، عن جابر بن عبدالله رضي
الله (أَن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد -يعني الأَحزاب- فوضع رداءه وقام، ورفع
يديه مدا، يدعو عليهم، ولم يصل، قال: ثم جاء ودعا عليهم وصلى).
أخرجه: أبو غسان الكناني في أخبار المدينة (100)، الواقدي في
المغازي تعليقًا (2/488)، والطيالسي
(3/323)، وأحمد في المسند عن حسين بن محمد المَرُّوذي واللفظ له (23/392)، وابن شبة من طريق
الواقدي (1/61)، كلهم عن ابن أبي ذئب به.
وفي لفظ الواقدي (قام رسول الله e على الجبل الذي
عليه المسجد، فدعا في إزار ورفع يديه مدًا، ثم جاء مرة أخرى فصلى ودعا)، وفي لفظ
الطيالسي (لما أصابه الكرب يوم الأحزاب، ألقى رداءه، وقام متجردًا، ورفع يديه مدًا،
ودعا ولم يصلي، قال: ثم أتانا ففعل مثل ذلك وصلى)، وفي لفظ ابن شبة (دعا رسول الله
e في المسجد المرتفع
ورفع يديه مدًا).
الكلام على الروايات:
إسناد الحديث ضعيف، فيه الرجل المبهم، ولا أدري هل سمع من جابر
رضي الله عنه أو لا؟.
وليس فيه تعين للوقت على ضعفه.
الخلاصة:
الحديث لا يصح من جميع طرقه، والله أعلم.
التعريف بمسجد الفتح:
قال ابن النجار في الدر الثمينة (349): "وهذا المسجد على رأس
جبل يصعد إليه بدرج، وقد عمر عمارة جديدة، وعن يمينه في الوادي نخل كثير، ويعرف ذلك
الموضع: بـ (السيح)، ومساجد حوله وهي ثلاثة: قبلة الأول منها خراب، قد هدم وأخذت حجارته،
والآخران معموران بالحجارة والجص، وهما في الوادي عند النخل".
وقال
الفيروزآبادي في المغانم المطابة في معالم طابه (2/647): "مسجد الفتح: وهو
مسجد على قطعة من جبل سلع جهة الغرب، وغربيه وادي بطحان، وفيه عيون تجري بعضها،
وبعضها لا ماء فيه، وهذا الموضع يعرف بالسيح، ويصعد إلى هذا المسجد من درجتين
طويلتين إحداهما شمالية والأخرى شرقية، وكان فيه ثلاث أسطوانات قبل هذا
البناء الذي هو عليه اليوم من يوم بناه
عمر بن عبدالعزيز فتهدم على ممر السنين، إلى أن جدد بناءه الأمير سيف الدين الحسين
بن أبي الهيجاء أحد وزراء العبيدين بمصر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وكذلك جدد بناء المسجدين اللذين بقربه على وجه
الأرض من جهة قبلة مسجد الفتح، ويعرف الأول بمسجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه، والثاني يلي الشمال ويعرف بمسجد سلمان الفارسي رضي الله عنه، جدد
بناء هذين المسجدين في سنة سبع وسبعين وخمسمائة".
وقال
السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار المصطفى (3/181): "... والمساجد التي حوله في
قبلته، وتعرف اليوم كلها بمساجد الفتح، والأول المرتفع على قطعة من جبل سلع في
المغرب، غربيه وادي بطحان، وهو المراد بمسجد الفتح حيث أطلقوه، ويقال له: مسجد
الأحزاب، والمسجد الأعلى".
سبب
تسميته بمسجد الفتح:
قال
الفيروزآبادي في المغانم (2/647): (وأما تسميته بمسجد الفتح فيحتمل أنه سمي به
لأنه أجيب فيه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، فكان فتحًا على
الإسلام، أو أنزل الله عليه صلى الله عليه وسلم سورة الفتح هناك).
قال
السمهودي في وفاء الوفاء (3/187): "وبالثاني جزم ابن جبير في رحلته".
أما
الاحتمال الأول فظاهره أنه سمي بذلك في العهد النبوي وهذا لا يصح، فالأحاديث التي
وردت بذلك كلها ضعيفة، وأما الثاني فإن سورة الفتح إنما نزلت بعد ذلك في سنة ست
للهجرة، وغزوة الأحزاب في قول الجمهور كانت في سنة خمس، وقيل: في سنة أربع.
قال
ابن كثير في التفسير (4/185): "نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الحديبية من سنة ست من الهجرة".
ثم
قال الفيروزآبادي (2/648): "فينبغي للمصلي بمسجد الفتح أن يدعو بدعاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم هناك".
أقول:
هذا يعتمد على صحة الخبر، والخبر لم يصح، فلا ينبغي زيارته فضلاً عن الدعاء فيه.
قال
ابن تيمية: "وليس بالمدينة مسجد يشرع إتيانه إلا مسجد قباء، وأما سائر
المساجد فلها حكم المساجد، ولم يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان، ولهذا كان
الفقهاء من أهل المدينة لا يقصدون شيئًا من تلك الأماكن إلا قباء خاصة".
وقال
العلامة بكر أبو زيد في كتابه تصحيح الدعاء (103): "قصد المساجد المكذوبة
والمحدثة للدعاء ولغيره من أنواع التعبد، ومن هذه المساجد التي لا يصح فيها شيء،
ولا يجوز قصدها للدعاء لزعم خصوصية لا تثبت لها ... المساجد السبعة ... فهذه لا
تشرع زيارتها بل هي بدعة".
ثم
قال الفيروزآبادي (2/645) عن استجابة الدعاء فيه: "قال بعض العلماء: وذلك
مجرب فيه".
أقول:
العبادات لا تشرع بالتجربة، بل بالدليل الشرعي.
قال
الشوكاني في تحفة الذاكرين (215): "السنة لا تثيب بمجرد التجربة، ولا يخرج
بها الفاعل للشيء معتقدًا أنه سنة عن كونه مبتدعًا".
وقال
المعلمي رحمه الله في كتابه العبادة (668): "لم يقل أحد من أهل العلم إن
الدين يؤخذ بالتجربة، ولكن كثيرًا ممن يظن بهم الصلاح وهم عن حقيقة الدين غافلون،
أخذوا يشرعون في دين الله بغير إذنه، ويعتمدون في ذلك على التجربة".
ولعل
من نقل عنهم الفيروزآبادي هذا الكلام من هذا الصنف، وإلا لو كانوا علماء حقيقيون
لم يشرع في دين الله بلا دليل.
دعاء
النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب:
أخرج
البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما يقول: (دعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين، فقال: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم
اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم).
وأخرجا
من حديث علي رضي الله عنه قال: (لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا شغلونا عن الصلاة).
وليس
فيهما بيان لمكان ولا لزمان.
والله
أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق