الأحد، 10 أبريل 2022

تخريج حديث التبشير بقدوم رمضان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه وأصحابه والتابعين.

فهذا تخريج حديث أي هريرة رضي الله عنه في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقدوم رمضان، وهو أجود حديث في الباب مع ضعفه، فأقول وبالله أستعين:

روى أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يبشر أصحابه: (قد جاءكم رمضان شهر مبارك، افترض عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم).

أخرجه: ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان واللفظ له([1])، وإسحاق بن راهويه عنه وعن الثقفي([2])، وأحمد عن ابن علية ومن طريق حماد بن زيد([3])، وعبد بن حميد عنه([4])، وابن أبي الدنيا من طريق حماد بن زيد وطريق معتمر([5])، والنسائي من طريق عبدالوارث بن سعيد([6])، والطوسي من طريق معتمر([7])، والسمرقندي من طريق حماد بن زيد([8])، وأبو بكر ابن المقرئ من طريقه([9])، وأبو الحسن الأسواري من طريق حماد بن سلمة([10])، وابن شاهين من طريق إبراهيم بن طهمان([11])، والمخلص من طريق ابن علية وطريق حماد بن زيد وطريق عبدالوارث وطريق معتمر([12])، والجوهري من طريق حماد بن زيد([13])، والبيهقي من طريقه([14])، وابن عبدالبر من طريق عبدالوارث وطريق المعتمر([15])، والشجري من طريقه وطريق عبدالوارث([16])، وأبو الحسن الخلعي من طريق حماد بن زيد وطريق حماد بن سلمة([17])، والجورقاني من طريق إبراهيم([18])، وابن عساكر من طريق حماد بن زيد وطريق عبدالوارث وطريق معمر([19])، كلهم عن أيوب به.  

وليس عند النسائي والأسواري وابن شاهين والجورقاني، ولا في رواية عند إسحاق ولا ابن عبدالبر ولا عند الشجري ولا الخلعي موضع الشاهد، وفي لفظ لأحمد (لما حضر رمضان).

وتابع أيوب: قتادة بن دعامة، فرواه عن أبي قلابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان قال لأصحابه:  (إن هذا شهر مبارك، تغل فيه الشياطين، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتفتح فيه أبواب الجنة، ويستجاب فيه الدعاء، فيه ليلة خير من ألف شهر -من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر- من حرم خيرها فقد حرم).

أخرجه: الطبراني قال: حدثنا محمد بن هارون بن محمد بن بكار، ثنا عثمان بن سعيد الدمشقي، ح وحدثنا أحمد بن المعلى، ثنا صفوان بن صالح قالا: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة به.

وتابعهما: يونس بن عبيد، فرواه عن أبي قلابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (جاءكم رمضان، شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم).

أخرجه: أبو الحسين محمد بن طلحة النعالي، قال: حدثنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحراني إملاء، ثنا أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى العسكري، ثنا يزيد بن الحريش، ثنا محمد بن راشد، عن يونس بن عبيد به([20]).

الكلام على الرواية:

أولاً: الحديث حسنه الجورقاني.

وقال الأسواري: "هذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقال الشيخ الألباني: "هو منقطع، فإنهم أخرجوه من طريق أبي قلابة عنه، قال المنذري: "ولم يسمع منه فيما أعلم"، قلت: لكنه صحيح لغيره، فإن قضية (فتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النيران، وغل الشياطين) ثابتة في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه([21])"([22]).

أقول: الحديث ضعيف بسبب الانقطاع، أبو قلابة لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الحاكم: "أبو قلابة لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه"([23]).

وقال المنذري: "لم يسمع منه فيما أعلم"([24]).

وقال الدمياطي: "أبو قلابة لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه"([25]).

وقال المزي: "وقيل: لم يسمع من أبي هريرة"([26]).

وقال العلائي: "وعن حذيفة في سنن أبي داود، وعن أبي ثعلبة، وابن عباس في جامع الترمذي، وعن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وابن عباس، ومعاوية، وسمرة، والنعمان بن بشير في سنن النسائي رضي الله عنهم، والظاهر في ذلك كله الإرسال"([27]).

وقال الذهبي: "حديثه عن عمر وأبي هريرة وعائشة معاوية وسمرة رضي الله عنهم في سنن النسائي، وتلك مراسيل"([28]).

ومع كل تلك النقول القاضية بعدم سماع أبي قلابة من أبي هريرة رضي الله عنه إلا أن الدكتور الهاجري -حفظه الله- رجح سماعه منه، فقال: "وأبو قلابة تابعي من أهل البصرة وأبو هريرة رضي الله عنه كان بالمدينة، ولكن هذا لا يمنع أن يكون سمع منه في حج أو عمرة، وقد وقفت على حديث إسناده جيد، صرح فيه أبو قلابة بالسماع من أبي هريرة رضي الله عنه، وذلك فيما رواه أبو القاسم عبدالله بن محمد البغوي من حديث أبي سعيد عيسى بن سالم الشاشي، قال: عيسى، قال: نا عبيدالله بن عمرو الجزري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (ما احتذى النعال، ولا انتعل، ولا ركب الكُور أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه)"([29]).

ومن طريق البغوي أخرجه المزي في تهذيب الكمال([30]).

الجواب عن كلامه من وجوه:

أولاً: قضية القول بالاحتمال في اللقاء، مردودة لفقد شرطها وهو الحكم من أهل العلم بعدم السماع، وهذا الاحتمال لا يقاوم النفي.

قال ابن حجر([31]): "ولا يقال: (اكتفى بالمعاصرة)، لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين، إذا كان النافي واسع الاطلاع"([32]).

وقال العيني: "... وقال بعضهم: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، قلت: كونه مدنيًا وسماعه من خلق ماتوا قبله لا يستلزم سماعه من عمرو، وبالاحتمال لا يثبت ذلك"([33]).

ثانيًا: أن أهل العلم ما زالوا يستدلون باختلاف البلدان على عدم السماع.

قال ابن رجب: "... البخاري لا يرى أن الإسناد يتصل بدون ثبوت لقي الرواة بعضهم لبعض، وخصوصًا إذا روى بعض أهل بلد عن بعض أهل بلد ناء عنه، فإن أئمة أهل الحديث مازالوا يستدلون على عدم السماع بتباعد بلدان الرواة([34])"([35]).

ثالثًا: الأثر الذي ذكره في إثبات السماع لا يصح، فقد خالف عبيدالله بن عمرو الجزري: وهيب بن خالد، وعبدالوهاب الثقفي، وعلي بن عاصم، وخارجة بن مصعب، وخالد بن عبدالله الواسطي، وعبدالعزيز بن المختار، كلهم رووه عن خالد الحذاء، فقالوا: عن عكرمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه([36])، وهو المحفوظ عن خالد الحذاء، أنه عن عكرمة لا عن أبي قلابة.

قال الدارقطني: "يرويه خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وغيره يرويه عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة، وهو المحفوظ"([37]).

وقال المزي بعد أن أخرج رواية عبيدالله بن عمرو الجزري: "ورواه وهيب بن خالد، وعبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبدالله الواسطي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه([38])"([39]).

ثانيًا: متابعة قتادة لأيوب لا تصح في سندها سعيد بن بشير، وهو ضعيف.

وبهذا تعلم أن من صححه قد اغتر بظاهر سنده، والله أعلم.

ثالثًا:  متابعة يونس بن عبيد لا تصح، في سندها زيد بن الحريش ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً([40]).

وفيها: صاحب الجزء محمد بن طلحة النعالي، قال عنه الخطيب: "شيخ كان يكتب معنا الحديث إلى أن مات، ويتبع الغرائب والمناكير، كتبت عنه وكان رافضيًا"([41]).

وقال ابن حبان: "ربما أخطأ"([42]).

وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"([43]).

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

 


 



([1]) المصنف (6/93).

([2]) المسند (61).

([3]) المسند (12/59، و14/541).

([4]) المسند (المنتخب 418).

([5]) فضائل رمضان (37، و40).

([6]) المجتبى (4/209).

([7]) مختصر الأحكام (265).

([8]) تنبيه الغافلين (321).

([9]) الأربعين (ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية 115).

([10]) جزء فيه مجلس من أمالي أبي الحسن علي بن محمد بن علي الأسواري (ق 2/أ).

([11]) فضائل شهر رمضان (153).

([12]) المخلصيات (1/457، و458).

([13]) الأمالي (ق5/أ).

([14]) شعب الإيمان (5/218).

([15]) التمهيد (6/319).

([16]) الأمالي (2/2، و3).

([17]) الفوائد المنتقاة من الصحاح والغرائب (327).

([18]) الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (2/111).

([19]) مجلس في فضائل شهر رمضان (127).

([20]) جزء فيه من حديث أبي الحسين محمد بن طلحة النعالي عن شيوخه (128/أ).

([21]) يفهم من كلام الشيخ أنه يحكم بالانقطاع على قضية التبشير بقدوم رمضان، لعدم وجود ما يشهد لها.

([22]) تمام المنة (395).

([23]) سؤالات السجزي لأبي عبدالله الحاكم (154).

([24]) الترغيب والترهيب (1/427).

([25]) المتجر الرابح 1/165).

([26]) تهذيب الكمال (14/544).

([27]) جامع التحصيل في أحكام المراسيل (211).

([28]) الكاشف (1/555).

([29]) التابعون الثقات (577).

([30]) تهذيب الكمال (5/55).

([31]) قاله في غير هذا الحديث.

([32]) نتائج الأفكار (2/161).

([33]) عمدة القاري (3/101).

([34]) انظر مصداقًا لذلك كتاب المراسيل لابن أبي حاتم (33، و42، و63، و88، و126، و127، و187).

([35]) فتح الباري (1/32).

([36]) أخرجه: ابن سعد في الطبقات (4/41)، وأحمد في المسند من طريقه (15/206)، والترمذي في جامعه من طريق الثقفي (6/112)، والبلاذري في أنساب الأشراف (2/800)، والنسائي في الكبرى من طريق الثقفي (7/313)، والطبراني في الأوسط من طريق خارجة بن مصعب (7/130)، وأبو الفضل الزهري من طريق الواسطي (1/393)، والمخلص في المخلصيات من طريقه (1/181)، والحاكم في المستدرك من طريق الثقفي (5/197، و469)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة من طريقه كذلك وطريق وهيب (2/511).

وزاد أحمد في روايته (بعنب في الجود والكرم).

([37]) العلل (11/218).

([38]) أما الذهبي فقد عكس القضية، وجعل رواية عبيدالله علة رواية الجماعة، والعكس هو الصواب، قال في السير (1/217): رواه الجماعة عن خالد الحذاء، وله علة، يرويه عبيدالله بن عمرو، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([39]) تهذيب الكمال (5/55).

([40]) الجرح والتعديل (3/561).

([41]) تاريخ مدينة السلام (3/371).

([42]) الثقات (8/251).

([43]) بيان الوهم والإيهام (3/383).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق