الخميس، 24 يوليو 2025

الإتكاء باليد اليسري خلف الظهر وعجن اليدين عند النهوض من السجود

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذا بحث في تخريج حديث وضع اليد اليسرى خلف الظهر، وحديث العجن عند النهوض للقيام في الصلاة، فأقول مستعينًا بالله.

روى عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا -قد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على أَلية يدي- فقال: (أتقعد قِعْدة المغضوب عليهم).

أخرجه: أحمد في المسند عن علي بن بحر واللفظ له (32/204)، وأبو داود في السنن عنه (5/176)، والطبراني في المعجم الكبير من طريق عمرو بن خالد الحراني (7/316)، وابن حبان في الصحيح من طريق المغيرة بن عبدالرحمن الحراني (12/488)، والحاكم في المستدرك من طريق عمرو بن خالد (7/492)، والبيهقي في السنن من طريق علي بن بحر وطريق عبدالوهاب بن نجدة (3/226)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع من طريق سليمان بن عمر الرقي (1/402)، كلهم عن عيسى بن يونس ... به.

وزاد ابن حبان (قال ابن جريج: وضع راحتيه على الأرض وراء ظهره)، وقال الحاكم في لفظه: (يده خلف ظهره)، وفي رواية للبيهقي (وأنا جالس في المسجد، وقال: قال أبو داود: قال القاسم: ألية الكف أصل الإبهام وما تحته)، ولم يصرح منهم أحد عن عيسى بن يونس بالتحديث بين ابن جريج وإبراهيم بن ميسرة.

وخالف عيسى: عبدالرزاق، فرواه عن ابن جريج، قال أخبرني: إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة: (هي قعدة المغضوب عليهم).

أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (2/198) -ومن طريقه ابن حزم في المحلى (4/15)- قال عبدالرزاق: عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة ... به.

وتابع عيسى بن يونس: مندل بن حبان، فرواه عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه رضي الله عنه قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد جلس فاتكأ على يده اليسرى فقال: (هذه جلسة المغضوب عليهم).

أخرجه: الطبراني في الكبير (7/316): حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا يحيى الحماني، ثنا مندل به.

الكلام على الروايات:

أولاً: المحفوظ عن ابن جريج هي رواية عبدالرزاق المرسلة، وأما رواية عيسى بن يونس فخطأ، لما يلي:

1. أن عبدالرزاق أثبت في ابن جريج من عسى بن يونس. قال الإمام مسلم في التمييز (شرح العلل لابن رجب 2/683): "عبدالرزاق وهشام بن سليمان أكبر في ابن جريج من ابن عيينة وعبدالله بن فروخ".

وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/457): "قلت لأحمد بن حنبل: كان عبدالرزاق يحفظ حديث معمر؟ قال: نعم، قيل له: فمن أثبت في ابن جريج: عبدالرزاق أو محمد بن بكر البرساني؟ قال: عبدالرزاق".

وقال يعقوب بن شيبة (تهذيب الكمال 18/58): "عن علي بن المديني، قال لي هشام بن يوسف: كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا، قال يعقوب: وكلاهما ثقة ثبت".

2. أنه مما يدل على أن عبدالرزاق ضبط الرواية عن ابن جريج أنه ذكر الأخبار في روايته عنه.

3. أن رواية عيسى بن يونس ليس فيها التصريح بسماع ابن جريح من إبراهيم بن ميسرة، وابن جريج مدلس.

قال الذهلي (إكمال تهذيب الكمال6/323): "وابن جريج إذا قال: (حدثني) و (سمعت) فهو محتج بحديثه".

وقال أبو بكر الأثرم (تهذيب الكمال 18/348): "إذا قال ابن جريج (قال فلان) و (أخبرت) جاء بمناكير، وإذا قال: (أخبرني)، و (سمعت) فحسبك به".

وقال يحيى بن سعيد (السابق 18/351): "كان ابن جريج صدوقًا، فإذا قال: (حدثني) فهو سماع، وإذا قال: (أخبرنا) أو (أخبرني) فهو قراءة، وإذا قال: (قال) فهو شبه الريح".

وقال الدراقطني في العلل (15/14): "وابن جريج ممن يعتمد عليه إذا قال: (أَخبرني)، و (سمعت) كذلك قال: أَحمد بن حنبل".

ولا تنفع عيسى بن يونس متابعة مندل بن علي العَنزي، فإن مندلاً متكلم فيه. قال ابن نمير (الجرح والتعديل 8/435): "حبان وأخوه مندل أحاديثهما فيها بعض الغلط".

وقال عبدالله بن أحمد في العلل (1/412): "سألته عن مندل بن علي؟ فقال: ضعيف".

وقال ابن أبي حاتم (السابق): "سئل أبو زرعة عن مندل؟ فقال: لين".

وقال: "سئل أبي عن مندل؟ فقال: شيخ".

وقال النسائي في الضعفاء (230): "ضعيف".

وقال ابن عدي في الكامل (8/216): "ولمندل غير ما ذكرت، وله أحاديث أفراد وغرائب، وهو ممن يكتب حديثه".

وقال ابن حبان في المجروحين (2/363): "كان مرجئًا من العباد، إلا أنه كان يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات، ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه، فلما سلك غير مسلك المتقنين مما لا ينفعك منه البشر من الخطأ، وفحش ذلك منه، عدل به غير مسلك العدول فاستحق الترك".

وقال البرقاني: "سألت الدارقطني عن حبان بن علي وأخيه مندل؟ فقال: متروكان، وقال مرة أخرى: ضعيفان، ويخرج حديثهما".

وقال أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (5/234): "ليس بالقوي عندهم".

وقال الحافظ في التقريب (970): "ضعيف".

وفي السند إليه يحيى بن عبدالحميد الحماني. قال الحافظ في التقريب عنه (1060): "حافظ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث".

فالرواية الراجحة هي رواية عبدالرزاق المرسلة، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/695): "وذكر -يعني عبدالحق الإشبيلي- الاعتماد على اليسرى أنها قعدة المغضوب عليهم والضالين([1]) ولم يبين إرساله".

 

·           الأحاديث الدالة على أن الاعتماد المذكور منهي عنه داخل الصلاة:

والاعتماد المذكور المنهي عنه هو داخل الصلاة، وهذا ما أيدته الروايات الأخرى.

فروى عبدالرزاق في المصنف (2/197) -ومن طريقه السراج في المسند (86)- عن ابن جريج قال: أخبرني نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً جالسًا معتمدًا على يديه فقال: ما يجلسك في صلاتك جلوس المغضوب عليهم).

وتابع ابن جريج: هشام بن سعد، فرواه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يديه اليسرى وهو قاعد في الصلاة، فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون).

أخرجه: أبو داود في السنن من طريق زيد بن أبي الزرقاء وطريق ابن وهب واللفظ له (1/605)، والبيهقي في السنن من طريق جعفر بن عون (2/136)، كلهم عن هشام بن سعد ... به موقوفًا.

وفي لفظ أحمد (رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة)، وفي لفظ لأبي داود (ساقطًا على شقه الأيسر)، وفي لفظ البيهقي (رأى عبدالله رجلاً يصلي ساقطًا على ركبتيه متكئًا على يده اليسرى)، وصرح بالسماع من نافع.

وخالفهم: محمد بن عبدالله بن الزبير، فرواه عن هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة، فقال: لا تجلس هكذا، هذه جلسة الذين يعذبون).

 أخرجه: ابن أبي شيبة (إتحاف المهرة2/218)، وأحمد في المسند (10/180)، كلاهما عن محمد بن عبدالله، عن هشام بن سعد ... به مرفوعًا.

والمحفوظ هي رواية الجماعة الموقوفة عن هشام بن سعد.

 

 

·           الرواية المخالفة لرواية ابن جريج وهشام بن سعد:

وخالفهما في اللفظ: محمد بن عجلان، فرواه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه رأى رجلاً جالسًا معتمدًا بيده على الأرض، فقال: جلست جلسة قوم عذبوا).

أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (2/197)، قال: عن ابن عيينة، عن محمد بن عجلان ... به.

فقصر به ولم يقيده بالصلاة، وتقيده بها هو المحفوظ عن ابن عمر رضي الله عنهما.

 

·           الرواية المرفوعة عن ابن عمر رضي الله عنه:    

وروى هشام بن يوسف، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية -ثقة ثبت-، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلاً وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة فقال: (إنها صلاة اليهود).

أخرجه: الحاكم في المستدرك (2/167) -وعنه البيهقي (2/136)- قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق وعبدالله بن محمد بن موسى، قالا: ثنا محمد بن أيوب -هو ابن الضريس-، ثنا إبراهيم بن موسى -ثقة حافظ-، ثنا هشام بن يوسف، عن معمر به.

وتابعه: عبدالرزاق (المصنف 2/197)، فرواه عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد علي يديه).

أخرجه: أحمد في المسند واللفظ له (10/416)، وأبي داود في السنن عن أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبدالملك الغزّال (1/604)، والبزار في البحر الزخار عن أحمد بن زهير (12/191)، وابن خزيمة في الصحيح عن محمد بن سهل بن عسكر والحسين بن مهدي (1/343)، والسراج في المسند عن محمد بن رافع وأحمد بن منصور (86)، وابن المنذر في الأوسط عن إسحاق بن إبراهيم (3/368)، وتمام في الفوائد من طريقه (2/297)، والحاكم في المستدرك من طريق أحمد وطريق إسحاق (1/127)، وابن حزم في المحلى من طريق الدبري (4/15)، والبيهقي في السنن من طريق أحمد بن يوسف السلمي (2/135)، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق محمد بن رافع وأحمد بن منصور (36/162)، والبغوي في شرح السنة من طريق أحمد وطريق محمد بن عبدالملك الغزال (3/169)، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية ... به.

وفي لفظ أحمد والسراج وابن المنذر وتمام وابن عساكر والبغوي (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يديه)، وبنحوه ابن حزم لكنه قال: (يده)، وفي لفظ لأبي داود والبيهقي (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)، وبنحوه البزار وابن خزيمة والحاكم لكنهم قالوا: (يديه)، وفي لفظ آخر لأبي داود (نهى أن يصلي الرجل وهو يعتمد على يده)، قال: (وذكره في باب الرفع من السجود)، وفي لفظ له وللبغوي (نهى أن يعتمد الرجل علي يديه إذا نهض في الصلاة)، وفي لفظ لابن خزيمة (إذا جلس الرجل في الصلاة أن يعتمد على يده اليسرى)، وفي لفظ للحاكم والبيهقي (أن يعتمد على يده اليسرى).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل بن أمية إلا معمر".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

الكلام على الروايات:

أولاً: الراجح من الروايات عن عبدالرزاق هي رواية الأمام أحمد ومن تبعه. قال البيهقي في السنن (2/135): "وفي رواية أبي داود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وهذه أبين الروايات، ورواية غير ابن عبدالملك لا تخالفه، وإن كان أبين منها ... والذي يدل على أن رواية أحمد بن حنبل هي المراد بالحديث أن هشام بن يوسف رواه عن معمر كذلك".

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/39): "ورواياتهم وإن اختلفت ألفاظها تجتمع على معنى واحد، وهو المفسر في رواية ابن حنبل منهم، وهو النهي عن الاعتماد على اليد حال الجلوس، فأما رواية محمد بن عبدالملك هذا فمقتضاها النهي عن الاستعانة باليدين في حين النهوض، وذلك شيء لا يحتمل من مثله، فإنه حاله لا تعرف، ولو لم يخالفه غيره".

وقال العلامة الألباني في الضعيفة (2/390): "وإن مما لا شك فيه أن الوجه الأول هو الراجح، وذلك ظاهر من النظر في الراوي له عن عبدالرزاق، وهو الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فإنه من الأئمة المشهورين بالحفظ والضبط والإتقان، فلا يقوم أمامه أيًا من الثقات عند المخالفة، لا سيما إذا كان فيه كلام مثل راوي الوجه الآخر محمد بن عبدالملك الغزال هذا، فإنه وإن وثقه النسائي وغيره، فقد قال مسلمة: (ثقة كثير الخطأ)، قلت: فمثله لا يحتج به إذا خالفه ثقة، فكيف إذا كان المخالف له إمامًا ثبتًا كالإمام أحمد؟! فكيف إذا توبع فيه الإمام أحمد، وبقي الغزال فريدًا غريبًا".

ثانيًا: رواية محمد بن عبدالملك الغزال بلفظ (نهى أن يعتمد الرجل علي يديه إذا نهض في الصلاة) غير محفوظة، من وجهين:

الوجه الأول: أنه خالفه فيه الحفاظ عن عبدالرزاق، وهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن محمد بن شبويه، والدبري، وأحمد بن منصور، ومحمد بن رافع، وأحمد بن يوسف السلمي، ومحمد بن سهل بن عسكر، والحسين بن مهدي.

قال البيهقي في السنن (2/135): "ورواية ابن عبدالملك وهم".

وقال في معرفة السنن (3/43): "والذي روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)، فذاك تقصير وقع فيه من بعض الرواة".

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/38): "وقال ابن عبدالملك (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) كذا ذكره، ولم يبين من أمر شيخ أبي داود هذا، الذي هو: محمد بن عبدالملك الغزال شيئًا، وهو رجل مجهول الحال، لم أجد له ذكرًا، وخالفه الثلاثة المذكورون، وهم الثقات الحفاظ".

وقال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود (5/281) عن رواية الغزال: "وأجابوا عن حديث ابن عمر رضي الله عنه بأنه ضعيف من وجهين: أحدهما: أن راويه محمد بن عبدالملك مجهول، والثاني: أنه مخالف لرواية الثقات، لأن أحمد بن حنبل رفيق الغزال في الرواية لهذا الحديث عن عبدالرزاق وقال فيه (نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يده)، ولم يقل بالاعتماد على إحدى اليدين دون الأخرى أحد، وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم أن من خالف الثقات كان حديثه شاذًا مردودًا".

وقال العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/391): "فتبين مما سبق أن الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الاعتماد في الجلوس في الصلاة وهذا هو المحفوظ، وأن رواية الغزال إياه في النهي عن الاعتماد إذا نهض شاذ بل منكر، لمخالفته الثقات على سوء حفظه".

وقول أبي الحسن ابن القطان الفاسي عن الغزال إنه مجهول -وتبعه عليه النووي في المجموع-، فيه نظر، فقد وثقه النسائي، وقال ابن أبي حاتم عنه (8/5): "صدوق".

وقال مسلمة في كتاب الصلة (الإكمال10/257): "ثقة ... وهو كثير الخطأ".

وقال ابن الأخضر (السابق 258): "ثقة صدوق".

قال العراقي في ذيل الميزان (403): "هذا عجيب من أبي الحسن وهو كثير النقل من كتاب ابن أبي حاتم، وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه".

الوجه الثاني: أنه روي عن ابن عمر رضي الله عنه خالف ذلك.

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/43): "ورواه محمد بن عبدالملك، عن عبدالرزاق فقال: (إذا نهض في الصلاة)، وذلك خطأ لمخالفته سائر الرواة، وكيف يكون صحيحًا وقد روينا عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه (أنه كان يعتمد على يديه إذا نهض)؟!!".

وسيأتي بإذن الله إيراد هذه الروايات عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ثالثًا: قال مُظهر الدين الزيداني في المفاتيح في شرح المصابيح: (وهو معتمد على يده) أي: وهو متكئ على يده، يعني إذا جلس للتشهد لا يضع يده على الأرض، بل يضعها على ركبتيه".

وقال ابن رسلان (5/279): "ويدخل في النهي عن وضع يديه على الأرض إذا جلس بين السجدتين".

وقال قبل ذلك: "والرواية الصحيحة على يديه".

وفيما قاله نظر، فإن في الرواية الراجح عن عبدالرزاق (يده) بالإفراد، وجاء في رواية عنه تفسيرها بـ (يده اليسرى)، وهي رواية إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن سهل بن عسكر، وكذلك جاء في رواية هشام بن يوسف، مما يدل على أن الرواية التي جاء فيها (يديه) بالتثنية وقع فيها تصحيف من الرواة، أو النساخ، والله أعلم.

 

·           الآثار الواردة عن ابن عمر رضي الله عنهما في الاعتماد عند القيام في الصلاة:

روى ابن أبي شيبة في المصنف (2/343) في باب: "في الرجل يعتمد على يديه في الصلاة" قال: حدثنا وكيع، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يعتمد على يديه).

وروى الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه، فقلت لولده ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر([2])؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون).

أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع (2/343)، وابن المنذر في الأوسط من طريقه (3/367)، والبيهقي في السنن من طريق كامل بن طلحة (2/135)، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس ... به موقوفًا.

وفي لفظ ابن أبي شيبة (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما ينهض في الصلاة ويعتمد على يديه).

وخالفه: عطية بن قيس، فرواه عن الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنه يعجن في الصلاة يعتمد على يديه إذا قام، فقلت له: فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).

أخرجه: إبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث عن عبيدالله([3]) بن عمر (2/525)، والطبراني في الأوسط من طريق عبدالله بن عمر بن أبان (4/213)، كلاهما عن يونس بن بكير، عن الهيثم، عن عطية بن قيس ... به مرفوعًا.

ولفظ الطبراني (رأيت عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وهو يعجن في الصلاة يعتمد على يديه إذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبدالرحمن؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة يعني يعتمد).

وخالف يونس بن بكير: عبدالحميد بن عبدالرحمن الحِمّاني، فرواه عن الهيثم بن علية البصري، عن الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة يعتمد إذا قام، فقلت: ما هذا؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).

أخرجه: الطبراني في الأوسط (3/432)، قال: حدثنا جعفر -هو ابن محمد الفريابي-، قال: نا الحسن بن سهل الحناط، قال: نا عبدالحميد الحماني به.

 

الكلام على روايات الأزرق:

أولاً: المحفوظ عن الأزرق بن قيس هي رواية حماد بن سلمة الموقوفة، أما رواية الهيثم فهي خطأ، الهيثم هذا هو: ابن عمران الدمشقي. ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/82) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعدلاً.

وذكره ابن حبان في الثقات (7/577) على عادته في توثيق المجاهيل.

وقال ابن رجب في فتح الباري (5/148): "والهيثم هذا غير معروف".

ثم إن في سماعه من عطية بن قيس نظر، فإن ابن أبي حاتم قال عنه: "الهيثم بن عمران الدمشقي: روى عن إسماعيل بن عبيدالله، ويونس بن ميسرة، والمطلب بن عبدالله بن حنطب المخزومي، وعمر بن يزيد النصري، وعن جده عبدالله بن أبى عبد الله، ورأى عطية بن قيس".

ولو كان سمع منه لم يكتف ابن أبي حاتم بالرؤية له فقط، وقد أخرج ابن حبان ما يدل على ذلك، فقال في ثقاته: حدثنا الهيثم بن خارجة، ثنا الهيثم بن عمران، قال: (رأيت عطية بن قيس الكلابي يصلى على مرفقة محشوة بالريش جالسًا متربعًا).

وفوق هذا فإنه قد تفرد به عن عطية قاله الطبراني.

ثانيًا: رواية عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني، عن الهيثم بن علية البصري، هكذا وقع في المعجم الأوسط، والذي يغلب على ظني أن هذا تصحيف، صوابه (الهيثم، عن عطية البصري)، وإلا فإن هذه الرواية خطأ، وقد يكون من الهيثم بن عمران كان يضطرب فيه، ويحتمل أن يكون من الحسن بن سهل الحناط، ذكره ابن حبان في الثقات (8/181).

ثم وجدت الشيخ ناصر الدين رحمه الله في الصحيحة يقول (6/382): "أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق عبدالحميد الحماني، قال: نا الهيثم بن عطية البصري ... والهيثم بن عطية هذا لم أعرفه أيضًا، ولعله (عن عطية) كما تقدم في رواية أبي إسحاق الحربي، والله أعلم".

تنبيه: وقع في المعجم الأوسط في الموضع الآخر الإسناد هكذا (الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة)، وهذا تصحيف فاحش، صوابه (الهيثم، عن عطية بن قيس بن ثعلبة) من سند الحربي، ثم وجدت الحديث في فتح الباري لابن رجب (5/147) وذكره على الصواب، ونبه محقق الكتاب هناك على هذا التصحيف في تحقيقه للأوسط.

ثالثًا: وصف الاعتماد عند القيام بهيئة العاجن لا يصح من وجهين:

الوجه الأول: أن راويها هو الهيثم بن عمران، واختلف عليه فيها، فمرة يذكرها، ومرة لا يذكرها، وحاله لا تحتمل ذلك.

الوجه الثاني: أنه لم يذكرها حماد بن سلمة في روايته.

قال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/141): "قوله ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن) هذا حديث لا يعرف ولا يصح، ولا يجوز أن يحتج به، وقد نسب إلى رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وقد صار في هذا الكتاب، وفي الوجيز مظنة للغلط، فمن غالط في لفظه بقوله (العاجز) بالزاي، وإنما هو بالنون، وقد جعله صاحب الكتاب فيما علق عنه من درسه بالزاي أحد الوجهين فيه، وليس كذلك، ومن غالط في معناه غير غالط في لفظه يقول: هو بالنون، ولكنه عاجن عجين الخبز، فيقبض أصابع كفيه ويضمها كما يفعله عاجن العجين، ويتكي عليها ويرتفع، ولا يضع راحته على الأرض، وهذا جعله المصنف في درسه الوجه الثاني فيه، وعمل به كثير من عامة العجم وغيرهم، وهو إثبات شرعية هيئة في الصلاة لا عهد بها، بحديث لم يثبت، ولو ثبت لم يكن ذلك معناه، فإن العاجن في اللغة الرجل المسن الكبير الذي إذا قام اعتمد على الأرض بيديه من الكبر، وأنشدوا:

فأصبحت كنتيًا وأصبحت عاجنًا          وشر خصال المرء كنت وعاجن

فإن كان وصف الكبير بذلك مأخوذًا من عاجن العجين، فالتشبيه في شدة الاعتماد عند وضع اليدين، لا في كيفية ضم أصابهما، وأما الذي في كتاب المحكم في اللغة للمغربي المتأخر الضرير من قوله في العاجن (إنه المعتمد على الأرض بجُمعه، وجُمع الكف بضم الجيم هو أن يقبضها كما ذكروه)، فغير مقبول، فإنه ممن لا يقبل ما يتفرد به، فإنه كان يغلط، ويغلطونه كثيرًا، وكأنه أضر به في كتابه مع كبر حجمه ضرارته".

وقال النووي في المجموع (3/442): "وإذا اعتمد بيديه جعل بطن راحتيه، وبطون أصابعه على الأرض بلا خلاف، وأما الحديث المذكور في الوسيط وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن)، فهو حديث ضعيف، أو باطل لا أصل له، وهو بالنون، ولو صح كان معناه: قائم معتمد ببطن يديه كما يعتمد العاجز، وهو الشيخ الكبير، وليس المراد عاجن العجين".

 قال ابن رجب في فتح الباري (5/148): "وقال بعضهم: العاجن هو الشيخ الكبير الذي يعتمد إذا قام ببطن يديه، ليس هو عاجن العجين".

وقال ابن الملقن عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في البدر المنير (3/678): "ولا يحضرني من خرجه من المحدثين من هذا الوجه بعد البحث عنه".

تنبيه: قال الألباني في الضعيفة (2/392): "فأخرجه أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث ... وهو هكذا: حدثنا عبيدالله (الأصل: عبدالله وهو خطأ من الناسخ) بن عمر، حدثنا يونس بن بكير، عن الهيثم بن عطية عن قيس بن الأزرق بن قيس به".

ثم عاد فقال في الصحيحة (6/382): "ولابد من التنبيه هنا على خطأ وقع لي ثمة، وذلك أنني رجحت أن (عبدالله بن عمر) شيخ الحربي الصواب فيه (عبيدالله) مصغرًا، فلما وقفت على رواية الطبراني ومطابقتها لرواية الحربي، بل زاد فسمى جده (أبان) تبين لي الخطأ، وأن الصواب كما وقع في الروايتين: (عبدالله بن عمر)، وهو (ابن محمد بن أبان الأموي مولاهم الكوفي)، وهو ثقة أيضًا من رجال مسلم".

ولعل محقق كتاب الغريب اغتر بما وجده في السلسلة الضعيفة فغير ما في الأصل لذلك، والله أعلم.

تم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 



([1]) كذا في المطبوع وليست في شيء من الروايات فلعلها سبق قلم من الناسخ.

([2]) المراد به أنه كبر في السن. قال العيني في نخب الأفكار (4/342): بكسر الكاف وفتح الباء، أراد إنك لم تقنت في الصبح لأجل كونك شيخًا كبيرًا.

([3]) كذا في المطبوع (عبيدالله).

الأربعاء، 23 يوليو 2025

الإشارة باليد والتكبير عند استقبال الحجر الأسود في الطواف

 

الإشارة باليد والتكبير عند استقبال الحجر الأسود في الطواف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وآله وأصحابه وزوجاته الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

فهذا بحث في تكبير الطائف وإشارته باليد إلى الحجر الأسود، فأقول وبالله التوفيق: 

روى خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على بعير([1])، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر).

أخرجه: أحمد من طريق إبراهيم بن طهمان([2])، والدارمي عن خالد بن عبدالله واللفظ له([3])، والبخاري من طريقه([4])، والفاكهي من طريق يزيد بن زريع([5])، والطبري من طريقه وطريق هياج بن بسطام([6])، والطوسي من طريق خالد بن عبدالله([7])، وابن خزيمة من طريقه([8])، وأبو عبدالله الحسين بن عياش القطان من طريق يزيد بن زريع([9])، والجرجاني من طريق ابن طهمان([10])، وهلال بن محمد الحفار من طريق يزيد([11])، والبيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان وطريق خالد بن عبدالله وطريق يزيد([12])، ومحمد بن عبدالباقي الأنصاري من طريق يزيد([13])، كلهم عن خالد الحذاء ... به.

وفي لفظ أحمد وللطبري والجرجاني (أشار إليه وكبر)، وفي لفظ البخاري (أشار إليه بشيء كان عنده وكبر)، وفي لفظ للطبري (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على راحلته، كلما أتى على ركن أشار بشيء في يده إليه وكبر ثم قبله، قال: ثم سار حتى أتى زمزم، فقال: إنكم على عمل صالح، ولولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضعه على هذه -يعني عاتقه-، قال: ثم سار حتى أتى السقاية، فقال: يا عباس رضي الله عنه اسقني، فقال: يا فضل اذهب إلى أمك فاسقه، قال: لا، اسقني من هذا، قال: إن الأيدي تخوض فيه، قال: اسقني من هذا([14]))، وبنحوه رواية القطان والحفار والأنصاري وزادوا (... ثم قبله قال يزيد: يقبل ذلك الشيء الذي في يده ... حتى أضع الحبل على هذه ... اسقني من هذا، قال: إن هذا بيدي، قال يزيد: يعني قد خضضته ...)، وفي رواية الجرجاني (إن الأيدي -قال يزيد: يعني- قد خضخضته)، وفي رواية الأنصاري (إن هذا قد خضخضته الأيدي([15]))، ولم يسق الفاكهي لفظه وأحال على لفظ يزيد بن أبي زياد قبله، وقال الطبري والقطان والحفار في روايتهم: (قال يزيد في روايته: عن عكرمة أظنه عن ابن عباس رضي الله عنهما)، وكلهم رووه عن خالد عن عكرمة معنعنًا.

وخالفهم في لفظة التكبير: عبدالوهاب الثقفي، وعبدالوارث بن سعيد،  ومخلد بن هلال، كلهم عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه).

أخرجه: البخاري من طريق الثقفي واللفظ له([16])، والترمذي من طريقه وطريق عبدالوارث بن سعيد([17])، والنسائي من طريقه([18])، والفاكهي من طريق عبدالوهاب([19])، والطبري من طريقه([20])، وابن خزيمة من طريق عبدالوهاب وطريق عبدالوارث([21])، وابن حبان من طريقهما([22])، والطبراني من طريق عبدالوهاب([23])، والخطيب من طريق مخلد بن هلال([24])، كلهم عن خالد الحذاء ... به، ولم يذكروا فيه لفظة التكبير.   

وفي لفظ الترمذي والنسائي (... على راحلته فإذا انتهى إلى الركن ..)، وبنحوه ابن حبان لكنه قال: ( .. فإذا أتينا إلى الركن ..)، ولم يسق الفاكهي لفظه وأحال على لفظ يزيد بن أبي زياد قبله، وكلهم رووه عن خالد عن عكرمة معنعنًا.

وخالفهم في إسناده: ابن علية، فرواه عن خالد الحذاء، عن عكرمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على بعير، فكان إذا أتى على الحجر الأسود أشار إليه).

أخرجه: ابن أبي شيبة واللفظ له([25])، والطبري عن يعقوب بن إبراهيم([26])، كلاهما عن ابن علية، عن خالد ... به مرسلاً.

ولم يقل الطبري في روايته (الأسود)، ولم يصرح ابن علية بالسماع بين خالد وعكرمة.

الكلام على الروايات وفقهها:

أولاً: المحفوظ عن خالد هي رواية الجماعة الموصولة، وأما ابن علية فقد قصر به فأرسله.

قال الطبري: "وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح، لعلل: إحداها: أنه خبر قد حدث به عن خالد، عن عكرمة، غير من ذكرت فأرسله، ولم يجعل بين عكرمة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما".

ثانيًا: أن المحفوظ في لفظه هي رواية خالد الطحان ويزيد بن زريع (أشار إليه بشيء في يده)، ويؤيدها ما جاء في الصحيحين من رواية ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ (طاف النبي في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن)، وقد حمل أهل العلم تلك الراوية على هذه كما سيأتي، وأما رواية البخاري (أشار إليه بشيء كان عنده) فلعلها من باب الرواية بالمعنى([27])، ويؤيده أن عمرو بن عون وإسحاق بن شاهين كلاهما رواه عن خالد الطحان فقالا في لفظ: (بشيء في يده)، وأما رواية إبراهيم بن طهمان وعبدالوهاب الثقفي وعبدالوارث بن سعيد وابن علية ومخلد بن هلال وهياج بن بسطام (أشار إليه) حسب فهي مختصرة، ومخلد في عداد المجاهيل، وهياج واه([28]).

 

إشارة الطائف باليد إلى الحجر الأسود:

استدل من قال بالإشارة باليد برواية الجماعة التي جاء فيها (أشار إليه) لعمومها، قال ابن قدامة: "... فإن لم يمكنه استلامه أشار إليه وكبر لما روى البخاري بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما ..."([29]).

وقال ابن مفلح: "(وإن شاء أشار إليه) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره فلما أتى الركن أشار إليه وكبر) رواه البخاري، والإشارة أعم من أن تكون باليد أو غيرها"([30]).

وبوب عليه البخاري فقال: "باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه".

وقد ذهب بعض السلف رحمهم الله إلى الإشارة باليد للحجر.

قال زيد بن السائب: "رأيت خارجة بن زيد إذا حاذى الركن فلم يستلم رفع يديه وأشار بيديه إلى منكبيه"([31]).

وقال يحيى بن سليم، عن ابن أبي رواد: "أنه رأى طاووسًا إذا مر بالركن فلم يستلم رفع يديه وكبر"([32]).

وقال ابن عيينة: "رأيت ابن طاووس وطفت معه، وكلما حاذى بالركن رفع يديه وكبر"([33]).

وقال الإمام أحمد: "... فإن قدر على الحجر استلمه، وإلا حاذى به وكبر، ورفع يديه ومضى ..."([34]).

وقال في رواية المروذي: " ... ثم ائت الحجر الأسود، فاستلمه إن استطعت وقبله، وإن لم تستطع فقم بحياله، وارفع يديك، وقل: الله أكبر الله أكبر ..."([35])، وذكر دعاء طويلاً.

قال المحب الطبري: "والظاهر أن الرفع المشار إليه عند استلام الحجر([36]) يكون كالرفع عند افتتاح الصلاة، لأن الظاهر أنه أراد استلامه عند افتتاح الطواف([37])، والمشروع فيه تكبير لا دعاء"([38]).

وقال: "والظاهر في كيفية الرفع مع التكبير أنه كهيئته في الصلاة إذ لم ينقل في التكبير بخلافها"([39]).

وقال السروجي: "... ويقف بحاليه ويستقبله بوجهه رافعًا يديه حذاء أذنيه كما في الصلاة هكذا ذكره الكرماني، وفي التحفة: يرفعهما كما في الصلاة، ثم يرسلهما ثم يستلمه([40])، وفي البدائع والإسبيجابي والينابيع: يرفع يديه كما في الصلاة، لكن حذو منكبيه وهو الصحيح"([41]).

وقال ابن بلبان: "ويقف بحياله ويستقبله بوجهه رافعًا يديه حذاء أذنيه كما في الصلاة ثم يرسلهما ..."([42]).

وقال أبو البقاء محمد بن أحمد المكي الحنفي: "ويستقبله بوجهه ويدنو منه ... ويرفع يديه عند استقبال الحجر بوجهه حذاء أذنيه كما في الصلاة ... ثم يرسلهما ويكبر ويهلل ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله على وسلم .."([43]).

وقال رحمة الله السندي: "ويرفع يديه عند التكبير حذاء منكبيه أو أذنيه مستقبلاً بباطن كفيه الحجر"([44]).

قال الملا علي القاري شرحًا لكلامه: "(ويرفع يديه عند التكبير) مقابلاً للحجر، (حذاء منكبيه  أو أذنيه) أي كما في الصلاة، وهو الأصح"([45]).

وقد جاء إفراد اليد في بعض كلام أهل العلم، قال عبدالله بن طاووس عن أبيه: "أنه كان إذا وجد على الركن زحامًا كبر ورفع يده ومضى ولم يستلم"([46]).

وقال ابن تيمية: "كذلك قال القاضي: (إن لم يمكن استلامه لأجل الزحمة قام حياله، ورفع يده وكبر)، هكذا قال: في رواية الأثرم"([47]).

وهو اختيار العلامة ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال في الشرح الممتع: "مسألة: كيفية الإشارة؟ هل الإشارة كما يفعل العامة!!! أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة([48])، أي: ترفع اليدين قائلاً (الله أكبر)؟ الجواب: لا، بل الإشارة باليد اليمنى، كما أن المسح يكون باليد اليمنى([49])"([50]).

وهذه الصفة ذكرها كثير من الفقهاء، ولكن الحديث لا دليل فيه على الإشارة باليد، لأن الرواية المحفوظة فيه (أنه أشار إليه بشيء في يده)، وهذه الرواية حملها أهل العلم على أنه أشار بمحجن كان معه، بدلالة الرواية الأخرى في الصحيحين السابق ذكرها وغيرها من الروايات.

قال ابن التين: "وقال هنا: (يستلم الركن بمحجن)، وقال في رواية عكرمة بعد هذا: (أشار إليه)، فيحتمل أن تلك الإشارة هي استلامه الحجر يشير إليه([51])، وقيل: يمسه بالمحجن، وهو أظهر، ويحتمل أنه إذا كثر الناس على الركن أشار إليه ولم يستلم"([52]).

وقال المحب الطبري: "ويحتمل أنه يريد بالاستلام بالمحجن في الذكر قبله: الإشارة، توفيقًا بين الروايتين، ويؤيده قوله في رواية الإشارة (كلما أتي الركن) وكلما للتكرار، فمنع ذلك من حمله على أنه فعل ذلك في بعض الطوفات هذا، وفي بعضها هذا، ويجوز أن تكون (الإشارة) أكثر فيصير الآخر مغمورًا فيه وتكون كالمعدوم، فأتى بكلما تغليبًا للأكثر، وكان الاستلام بالمحجن في البعض"([53]).

وقال العلائي: "قوله: (أشار إليه بشيء) الظاهر أنه المحجن"([54]).

وقال الحافظ ابن حجر: "(أشار إليه بشيء كان عنده وكبر) والمراد بالشيء المحجن الذي تقدم في الرواية الماضية قبل بابين"([55]).

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإشارة باليد تكون عند عدم وجود شيء معه يشير به، وإليه ذهب العيني([56]).

وذهب آخرون إلى التخيير في الإشارة إما باليد أو بما معه.

قال ابن الصلاح: "... فإن لم يمكنه أن يستلم الحجر أو يقبله إلا بالزحام، ترك ذلك وأشار إليه بيده أو بشيء في يده، ثم قبل ما أشار إليه به، ولا يشير بالفم إلى القبلة"([57]).

وقال ابن جماعة: "... فإن عجز عن ذلك أشار بيده أو بشيء في يده"([58]).

وقد ذهب بعض أهل العلم من السلف إلى عدم رفع اليدين عند التكبير، وهو الأظهر عندي، لعدم صحة الدليل.

قال عبدالملك بن أبي سليمان: "رأيت سعيد بن جبير حين استفتح الطواف استقبل الحجر([59]) ولم يمسه، ورفع يديه وكبر([60])، فسألت عطاء؟ فقال: كبر ولا ترفع يديك([61]) بالتكبير([62])"([63]).

وقال ابن جماعة: "فإن لم يَصِل كبر إذا حاذاه ومضى ولا يشير بيده"([64]).

وقال محمد بن علي القيسي السبتي: "... فإن لم يَصِل كبر إذا حاذاه ولا يرفع يديه، يعني: لا يشير بها، واختار القاضي عياض رحمه الله تعالى الإشارة مع التكبير، والأكثر([65]) على عدمها وهو مذهب المدونة"([66]).

وبوب ابن أبي شيبة في المصنف: "من كان إذا حاذى بالحجر نظر إليه فكبر"([67]). يعني دون إشارة إليه باليد، وذكر تحته آثار، منها:

قال عاصم بن سليمان الأحول: "رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه يطوف بالبيت، حتى إذا حاذى بالحجر نظر إليه أو التفت إليه، فكبر نحوه"([68]).

وقال هشام بن عروة: "كان أبي([69]) إذا غُلب استقبله وكبر ومضى"([70]).

وقال محمد بن برجان([71]): "رأيت مجاهدًا إذا مر بالحجر نظر إليه فكبر"([72]).

وهذا الرفع غير الرفع عند بدأ الطواف، قال المحب الطبري بعد أن ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "والمراد به -والله أعلم- عند افتتاح الطواف بالتكبير رافعًا يديه حينئذ، ثم يستلم، وهذا ذكره الشيخ أبو حامد في كتابه الرونق([73])"([74]).

وتعقبه ابن جماعة فقال: "ولا يسن ولا يستحب رفع اليدين عند نية الطواف قبل استقبال الحجر على المذاهب الأربعة، ولا يسن عند استقبال الحجر إلا عند أبي حنيفة فقط([75])، وإنما نبهت على ذلك لأن كثيرًا من العوام يرفعون أيديهم عند نية الطواف والحجر عن يمينهم بكثير، ويزيد بعضهم في الجهل فيوسوس عند النية مع الرفع كما يوسوس عند افتتاح الصلاة، فليتجنب ذلك فإنه بدعة، وكل بدعة ضلالة" ثم نقل كلام أبي حامد السابق ثم قال: "فلا تغتر بذلك ولا بمن تبعه، فإن ذلك ليس مذهب الشافعي رحمه الله"([76]).

ثالثًا: ما وقع في رواية يزيد بن زريع من تقبيل الذي أشار به إلى الحجر شاذة، لمخالفتها جميع من رواه عن خالد الحذاء، ومما يدل على أن يزيد بن زريع لم يضبط أنه شك في وصله.

قال البيهقي: "ورواه يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، وزاد فيه (ثم قبله) ... فذكره بمعناه وبزيادته، ثم قال يزيد: يقبل ذلك الشيء الذي في يده".

وهذه الرواية لو كانت محفوظة لكانت دليلاً من أدلة من ذهب إلى أن الذي أشار به إلى الحجر كان مع الملامسة، وليس مجرد إشارة فقط.

قال الطبري: "فمعنى الكلام: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته يومئ بالمحجن الذي معه إلى الحجر الأسود حتى يصيبه ويكبر، ثم يقبل من محجنه الموضع الذي أصاب الحجر منه"([77]).

وقال أبو يعلى الفراء: "... ولأنه لما استحب تقبيله تعظيمًا له استحب تقبيل ما باشره تعظيمًا له"([78]).

وقال ابن تيمية بعد أن ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "ومعنى هذه الرواية: أنه يشير إليه إشارة يمس بها الحجر كما جاء مفسرًا (أنه استلم الركن بمحجن)، ولو لم يمس المحجن الحجر لكانت الإشارة باليد أولى"([79]).

وقال: "... ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمه بالمحجن ويقبل المحجن، فتقبيل اليد إذا استلمه بها أولى"([80]).

وتقبيل المحجن قد جاء عند الإمام مسلم من رواية معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا الطفيل رضي الله عنه، يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن)، وقد رواه بلفظ التقبيل عن معروف جماعة من الحفاظ.

رابعًا: قوله (وكبر) كذا وقع في رواية خالد الطحان وإبراهيم بن طهمان ويزيد بن زريع عن خالد الحذاء، وهي دالة على مشروعية التكبير عند محاذاة الحجر.

قال الحافظ ابن حجر: "قوله (تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد) يعني في التكبير، وأشار بذلك إلى أن رواية عبدالوهاب عن خالد المذكورة في الباب الذي قبله الخالية عن التكبير لا تقدح في زيادة خالد بن عبدالله لمتابعة إبراهيم"([81]).

كذا قال رحمه الله، ولعل ذلك ليس من خالد الطحان، إنما هو من خالد الحذاء، مرة يذكر التكبير، ومرة لا يذكره، ومرة يطلق الإشارة، ومرة يقيدها بشيء كان معه، ولم يَذكر التكبير عن عكرمة إلا هو حسب المصادر التي وقفت عليها ولم يكن من الملازمين لعكرمة، وقد رواه يزيد بن أبي زياد -مع ضعفه- عن عكرمة وذكر المحجن([82])، ولكنه لم يذكر التكبير مع الإشارة([83])، وأرجو أن يكون خالد الحذاء قد حفظه عن عكرمة، وإلا فهناك من تكلم في روايته، قال الطبري: "القول في علل هذا الخبر: وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح لعلل ... والثالثة: أن راويه عن عكرمة، خالد، وكان شعبة يغمص عليه"([84]).

وخالد الحذاء ثقة قد تغير حفظه لما قدم من الشام([85])، وكان شعبة يتكلم فيه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وخالد لم يكن يكتب إلا الأحاديث الطوال([86])، والحديث قد صححه البخاري والترمذي والطبري وابن خزيمة وابن حبان، وفيهم الأسوة.

وفي الحديث استحباب التكبير عند محاذاة الحجر الأسود، وبوب عليه البخاري "باب التكبير عند الركن".

وقال ابن خزيمة: "باب التكبير كلما انتهى إلى الحجر"([87]).

وقال الحافظ: "وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة"([88]).

وقال العيني: "... فدل هذا على استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة"([89]).

وأما ابن بطال فرأى أن ذلك عند العجز عن الاستلام، فقال: "قد تقدم أن التكبير عند الركن دون استلام لا يفعل اختيارًا، وإنما يفعل لعذر مرض أو زحام الناس عند الحجر"([90]).

وفيه نظر لعدم تقييد ذلك في الحديث.

وقد قال بالتكبير عند محاذاة الحجر الأسود جماعة من السلف رحمهم الله:

قال عاصم الأحول: "رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه يطوف بالبيت، حتى إذا حاذى بالحجر نظر إليه أو التفت إليه، فكبر نحوه"([91]).

وقال هشام بن عروة: "كان أبي إذا غُلب استقبله وكبر ومضى"([92]).

وقال ابن عيينة: "رأيت ابن طاووس وطفت معه، وكان كلما حاذى بالركن رفع يديه وكبر"([93]).

قال هشام، عن الحسن : "كان يعجبه أن يستلم الحجر حين يستفتح، وحين يختم، فإن لم يقدر على ذلك كبر، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ومضى"([94]).

وقال عبدالملك بن أبي سليمان: "رأيت سعيد بن جبير وهو يطوف بالبيت، فإذا حاذى بالركن ولم يستلمه استقبله وكبر"([95]).

وروى هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: "إن استطعت أن تستلم الركن وإلا فاستقبله وهلل وكبر"([96]).

قال الشافعي: "أحب أن يقول الرجل عند ابتداء الطواف ويقول كلما حاذى الركن بعد  الله أكبر ولا إله إلا الله ..."([97]).

وقال الإمام أحمد: "... وإن لم تستطع فقم بحياله وارفع يديك، وقل: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم تصديقًا بكتابك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم إليك بسطت يدي، وفيما لديك عظمت رغبتي، فاقبل دعوني، وأقلني عثرتي، وارحم تضرعي، وجد لي بمغفرتك يا إلهي، أمنت بك، وكفرت بالطاغوت"([98]).

وبعضهم روي عنه التكبير أيضًا عند استلام الحجر([99]):

عن نافع: "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا استلم الركن قال: بسم الله والله أكبر"([100]).

وعن عبيد بن مهران المكتب، عن إبراهيم: "أنه كان يقول عند استلام الحجر: لا إله إلا الله والله أكبر، اللهم تصديقًا بكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم"([101]).

عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء: بلغك من قول يستحب عند استلام الركن؟ قال: كأنه يَأمر بالتكبير"([102]).

وقال ابن جريج: "سأل سليمان بن موسى عطاء: هل يعلم من قول يقال عند استلام الحجر؟ قال: لا، إلا التكبير ودعاء الله عز وجل"([103]).

قال محمد بن رشد: "قد استحب ابن حبيب أن يقول الحاج عند استلام الركن: باسم الله والله أكبر اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بما جاء به محمد عليه السلام"([104]).

وقال ابن الصلاح: "ثم إنه يستحب كلما حاذى الحجر الأسود في كل طوفة أن يكبر ويستلمه ويقبله ويقبل يده التي استلمه بها"([105]).

ولم ير الإمام مالك أن يقال غير التكبير. جاء في المدونة: "... فإذا حاذاه كبر ومضى، قال: فقيل لمالك: فهذا الذي يقوله الناس إذا حاذوه (إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك)، فأنكر ذلك ورأى أن ليس عليه العمل، وقال: إنما يكبر ويمضي ولا يقف"([106]).

وقال ابن الحاج: "سئل مالك رحمه الله عن قول الطائف: (إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك)، فقال: هذه بدعة([107])، ولم يحد في ذلك حدًا من قول مخصوص أو دعاء، بل يدعو بما تيسر له"([108]).

وهو الأولى، وقوفًا عند الدليل([109])، فإن زاد البسملة فلا بأس، لثبوتها عن ابن عمر رضي الله عنهما([110]).

قال ابن جماعة: "واستحب الشافعي وأصحاب مذهبه والحنابلة أن يقول عند ابتداء الطواف واستلام الحجر (بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة بنيك صلى الله عليه وسلم) ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم"([111]).

وذكر أدعية قال بها بعض أهل العلم، ثم قال: "ولم يثبت شيء من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم([112]) إلا (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)([113]) بين الركنيين اليماني والحجر الأسود"([114]).

وقد روى الفاكهي من طريق يحيى بن سليم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: "قول الناس في الطواف: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، شيء أحدثه أهل العراق"([115]).

والأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة، وكذلك المروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم لا يصح.

 

 

الخلاصة:

أن الإشارة للحجر الأسود في بدء الطواف لم يثبت بها دليل.

 

والله أعلم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

 

كتبه: أ. د. عبدالله بن غالي أبو ربعة السهلي.





([1]) قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/177): فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير، ولكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف، الأول: طواف القدوم، والثاني: طواف الإفاضة، وهو طواف الفرض، وكان يوم النحر، والثالث: طواف الوداع، فلعل ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما. وانظر: حجة الوداع لابن جزم (263).

([2]) المسند (4/208).

([3]) المسند (2/266).

([4]) الصحيح (2/152).

([5]) أخبار مكة (2/144).

([6]) تهذيب الآثار مسند ابن عباس رضي الله عنهما (1/56).

([7]) مختصر الأحكام (331).

([8]) الصحيح (4/215).

([9]) مائة حديث من أحاديث الجزء لأبي عبدالله الحسين بن يحيى القطان (278).

([10]) الأمالي (1/484).

([11]) جزء هلال بن محمد الحفار (121)، وهو جزء أبي عبدالله ابن القطان من رواية هلال عنه.

([12]) السنن الكبرى (5/84، و99).

([13]) أحاديث الشيوخ الثقات (2/803).

([14]) وهذه الجملة قد رويت عن خالد الحذاء من رواية: إسحاق بن شاهين عند البخاري، وعند ابن خزيمة، ووهب بن بقية عند ابن حبان، ويحيى بن يحيى عند الحاكم، كلهم عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورويت من طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما عند الطبراني في الكبير (11/33) بسند ضعيف قاله العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (3/1269).

([15]) وفي مرسل طاووس قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم السقاية، فقال: اسقوني، فقال عباس رضي الله عنه: إنهم قد مرثوه وأفسدوه أفأسقيك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقوني منه، فسقوه منه، ثم نزعوا له دلوًا، فغسل فيه وجهه وتمضمض فيه، فقال: أعيدوه فيها، ثم قال: إنكم على عمل صالح، لولا أن يتخذ سنة لأخذت بالرشاء والدلو). أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (2/58)، واختصره الفاكهي في أخبار مكة (2/56) فذكر الجملة الأخيرة منه.

 

([16]) الصحيح (2/152).

([17]) الجامع (2/208).

([18]) المجتبى (5/238).

([19]) أخبار مكة (1/244).

([20]) تهذيب الآثار مسند ابن عباس رضي الله عنهما (1/55).

([21]) الصحيح (4/216).

([22]) الصحيح (9/133).

([23]) المعجم الكبير (11/272).

([24]) تلخيص المتشابه في الرسم (1/109).

([25]) المصنف (8/131).

([26]) تهذيب الآثار مسند ابن عباس رضي الله عنهما (1/57).

([27]) والبخاري ربما روى بالمعنى، فهو يكتب من حفظه. قال الحافظ في الفتح (7/409): ... أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك. وانظر مثالاً على ذلك: الفتح (6/464)، ونتائج الأفكار (1/66).

([28]) انظر: تاريخ مدينة السلام (16/124).

([29]) المغني (3/395).

([30]) المبدع شرح المقنع (4/250).

([31]) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/106)،

([32]) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/107)، وسنده ضعيف، لأجل ليث بن أبي سليم.، لكن سيأتي ما يشهد له إلا في تثنية اليد.

([33]) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/103)، والأزرقي في أخبار مكة (1/446)، لكنه قال: (يده)، وقال (عبدالله بن طاووس).

([34]) مسائل عبدالله (2/679).

([35]) شرح العمدة (5/157).

([36]) كلام أهل العلم يدل على أن الإشارة بدلاً عن الاستلام كما سيأتي توضيحه.

([37]) وسيأتي ما فيه.

([38]) القرى لقاصد أم القرى (2/663).

([39]) السابق (2/783).

([40]) وكلام بعض أهل العلم يدل على أن رفع اليدين بدل عن الاستلام. قال ابن خزيمة في الصحيح (4/216): باب الإشارة إلى الركن عند الانتهاء والبدء إذا لم يمكن استلامه.

وقال ابن حبان: ذكر إباحة الإشارة إلى الركن للطائف حول البيت إذا عدم القدرة على الاستلام. 

وقال المحب الطبري في القرى (2/782) بعد أن نقل قول هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا طاف بالبيت وحيل بينه وبين الحجر كبر ورفع يديه قال: ودل على أن ذلك عند الحيلولة بينه وبين الحجر الأسود. وبوب عليه: ما جاء في (رفع) اليدين بالتكبير عند محاذاة الحجر إذا حيل بينه وبينه. وسيأتي مزيد بيان له.

([41]) الغاية في شرح الهداية (8/237)، وانظر: هداية السالك لابن جماعة (2/821).

([42]) عمدة السالك في المناسك (315)

([43]) البحر العتيق في مناسك المعتمر والحاج إلى البيت العتيق (2/1199).

([44]) لباب المناسك وعباب المسالك (103).

([45]) مناسك ملا علي القاري (130).

([46]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (5/37).

([47]) شرح العمدة (5/157).

([48]) فعل العامة هذا له أصل من كلام أهل العلم كما سبق.

([49]) قال صاحب إتحاف الناسك (123): (المشهور عن السلف رفع يد واحدة لا اليدين)، ولا يخفى ما فيه.

([50]) (7/239).

([51]) ولا يخفى أن الاستلام غير الإشارة.

([52]) الخبر الفصيح الجامع لفوائد مسند البخاري الصحيح (2/196).

([53]) غاية الإحكام في أحاديث الأحكام (10/319).

([54]) التوضيح لمبهمات الجامع الصحيح (103).

([55]) فتح الباري (3/476).

([56]) عمدة القاري (9/257).

([57]) صلة الناسك في صفة الناسك (164).

([58]) هداية السالك إلى مذاهب الأربعة في المناسك (2/816).

([59]) واستقبال الحجر ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه (إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله فهلل وكبر) ولا يصح.

وقد قال ابن الصلاح في صلة الناسك (158): ... وهو غير الاستقبال المستحب عند لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف، فذلك مستحب لا كلام فيه.

قال ابن جماعة في هداية السالك (2/757) شارحًا قول ابن الصلاح (لا كلام فيه): يعني لا خلاف فيه.

ثم ذكر ابن الصلاح صفة الاستقبال في منسكه و(152) ورد عليه فيها ابن جماعة (2/758) فراجعه إن شئت.

([60]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (5/31) عن عبدالملك بن أبي سليمان عن ابن جبير ولم يذكر فيه الرفع، وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/107) عن يعقوب بن حميد، عن عبدالرزاق به وذكر الرفع.

([61]) وخالف عبدالملك: ابن جريج، فرواه عن عطاء قال: (إن لم تستلمه فارفع يديك أول ما تفتتح وآخره)، أخرجه: الفاكهي في أخبار مكة (1/108) عن سعيد بن عبدالرحمن، عن عبدالله بن الوليد، عن الثوري، عن ابن جريج به، ورواية عبدالملك أثبت، ففي سند الفاكهي: عبدالله بن الوليد العدني، قال أبو حاتم في الجرح والتعديل: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي في الكامل: روي عن الثوري غرائب غير الجامع.

([62]) وجاء في القرى للمحب الطبري (2/782) الأثر بلفظ (عن عطاء أنه كان إذا لم يقدر على الحجر الأسود أن يستلمه كبر ولم يرفع يديه، وكان سعيد بن جبير يكبر ويرفع يديه) وعزاهما لسعيد بن منصور.

([63]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/135).

([64]) هداية الناسك إلى مذاهب الأربعة في المنسك (2/822).

([65]) يقصد المالكية.

([66]) غنية الناسك في علم المناسك (224).

([67]) (8/134).

([68]) المصنف (8/135).

([69]) وقال المحب الطبري في القرى (2/783): عن هشام بن عروة عن أبيه (أنه كان إذا طاف بالبيت وجيل بينه وبين الحجر كبر ورفع يديه)، وعزاه لسعيد بن منصور، فإن كان سنده صحيحًا فهو أولى مما ذكره ابن أبي شيبة عن عروة، لتنصيصه على الرفع.

([70]) السابق.

([71]) محمد بن برجان في عداد المجاهيل. انظر: الجرح والتعديل (7/213).

([72]) المصنف لابن أبي شيبة (8/135).

([73]) شكك في نسبة هذا الكتاب لأبي حامد ابن جماعة في هداية الناسك (2/824).

([74]) غاية الإحكام في أحاديث الأحكام (10/311).

([75]) وسبق أنه قول الإمام أحمد.

([76]) هداية السالك (2/823).

([77]) تهذيب  الآثار (1/87).

([78]) التعليقة الكبيرة (1/501).

([79]) شرح العمدة (5/156).

([80]) السابق (5/155).

([81]) الفتح (3/477).

([82]) وأشار إلى متابعته الطبري في تهذيبه (1/58) ثم خرجها من جهات عنه.

([83]) قد ورد في رواية من حديث جابر رضي الله عنه، وفيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركن الذي فيه الحجر وكبر). قال ابن الملقن في البدر المنير (6/196): قال ابن عساكر في تخريجه لأحاديث المهذب: هذا مختصر من حديث جابر رضي الله عنه في المناسك، وهو غريب من هذا الوجه، وليس بالقوي.

 وقال ابن جماعة في هداية السالك (2/831): رواه عبدالله بن محمد بن ناجية في فوائده بإسناد غريب.

([84]) تهذيب الآثار (1/57).

([85]) التقريب (292).

([86]) انظر: تهذيب الكمال (8/180) وما بعدها.

([87]) الصحيح (4/215).

([88]) الفتح (2/ 476)

([89]) عمدة القاري (9/ 256).

([90]) شرح صحيح البخاري (4/293).

([91]) مصنف ابن أبي شيبة (8/135)، وسنده صحيح.

([92]) مصنف ابن أبي شيبة (8/135).

([93]) أخبار مكة للفاكهي (1/103)، وسنده صحيح.

([94]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (5/31)، وسنده صحيح.

([95]) السابق.

([96]) السابق (5/30)، صحيح إن كان هشيم سمعه من المغيرة.

([97]) الأم (2/428).

([98]) شرح العمدة لابن تيمية (5/157).

([99]) وقد ورد التكبير مع الاستلام في حديث عند أبي داود عن محمد بن سليمان الأنباري، عن يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس رضي الله عنهم ولفظه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر، ثم رمل ثلاثة أطواف)، ولفظ التكبير فيه لا يصح، فيحيى بن سليم سيء الحفظ، ولم يذكرها عنه محمد بن الحسن الزعفراني، وكذا لم يذكرها الرواة عن ابن خثيم: حماد بن سلمة ومعمر وعلي بن عاصم وعبدالرحيم بن سليمان في حديثهم عنه، وكذا لم يذكرها الرواة عن أبي الطفيل رضي الله عنه: ابن أبي حسين وفطر بن خليفة وعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي الحسين النوفلي وأبو عاصم الغنوي.

([100]) أحرجه عبدالرزاق في المصنف (5/33)، وأحمد في المسند (8/247)، والفاكهي في أخبار مكة (1/103)، والطبراني في الدعاء (2/1129)،  والبيهقي في السنن الكبرى (5/79)، وسنده صحيح كما قال الحافظ في نتائج الأفكار (5/264).

([101]) أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (5/33)، والفاكهي في أخبار مكة (1/104)، والطبراني في الدعاء (2/1130)، وسنده صحيح.

([102]) مصنف عبدالرزاق (5/33)، والفاكهي في أخبار مكة (1/103).

([103]) أخبار مكة للفاكهي (1/104)، وسنده حسن.

([104]) البيان والتحصيل (17/221).

([105]) صلة الناسك في صفة المناسك (163).

([106]) المدونة (1/396)، وانظر: البيان والتحصيل (17/221)..

([107]) ولذلك اعتبرها الشيخ الألباني رحمه الله من بدع الطواف في حجة النبي صلى الله عليه وسلم (115)، وهو مردود من وجهين: الأول: أن الإمام مالك لم يصرح بكونه بدعة، بل قال: (ليس عليه العمل)، وفرق بينهما، فكل بدعة ليس عليها العمل، وليس كل ما ليس عليه العمل بدعة.

قال ابن رشد في البيان والتحصيل (17/221) بعد نقل قول الإمام ومالك: ... فلا يكره مالك لأحد أن يقوله، وإنما أنكر أن يكون هذا من القول أمرًا قد جرى العمل به فلا يتعدى إلى ما سواه من الذكر والدعاء.

الثاني: أن بعض السلف قال به، وهذا يخرجه عن كونه بدعة، وتبديع الناس شديد كما قال الإمام أحمد. انظر: السنة للخلال (2/378).

([108]) المدخل (4/ 225)، وانظر: هداية السالك لابن جماعة (2/838).

([109]) قال ابن جماعة في هداية السلك (2/837): وحكى صاحب الهداية وغيره من الحنفية عن محمد بن الحسن أنه لم يذكر أدعية خاصة لمشاهد الحج، لأن التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب.

([110]) وإتباع الصحابة رضي الله عنهم مشروع. قال أبو داود في مسائله (368): سمعت أحمد يقول: الإتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضي الله عنهم، ثم هو في التابعين مخير.

([111]) ونقل ذلك عن ابن المنذر.

([112]) وقد استحب بعض الفقهاء أدعية في الطواف لم يثبت بها دليل. قال المحب الطبري في القرى (2/781): وقد ذكر الغزالي في الإحياء أنه يقول عند ابتداء الطواف ... ثم ذكر عند كل ركن، وعند الباب، وتحت الميزان أذكارًا معينة لم أعرف لأكثرها أصلاً.

أقول: وكثيرًا من استحسانات أصحاب المذاهب لا يثبت بها دليل فلا تغتر بها، وخاصة في باب الأدعية. قال صديق حسن خان في دليل الطالب على أرجح المطالب (343): ... فكل اجتماع يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو القرون الثلاثة يقتدى به على الصفة الثابتة، بدون زيادة أو نقص، وما لم يثبت ولو كان مستحسنًا في ظاهره يعد بدعة وينبغي الاحتراز والاجتناب منه، كيف لا، فغالب استحسانات أرباب المذاهب فيما لم يرد عليه دليل من الشرع من جملة البدع كما لا يخفى على العارف المجرب.  

([113]) قال القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (3/170): قال ابن المنذر: لا نعلم خبرًا ثابتًا عنه عليه الصلاة والسلام يقال في الطواف غيره.

وقد تكلم فيه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (4/284)، ورد عليه ابن الملقن في البدر المنير (6/198)، والحافظ في نتائج الأفكار (5/266).

([114]) هداية السالك (2/836).

([115]) أخبار مكة (1/101)، ويحيى صدوق سيء الحفظ كمال قال الحافظ، فإن كان ضبطه فهو حسن إن شاء الله.