بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه وأزواجه والتابعين.
أما
بعد:
فهذا
تخريج حديث (ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم) فأقول وبالله التوفيق:
روى
شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم: رجل أعطى ماله سفيهًا,
وقد قال الله عز وجل: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}([1])،
ورجل داين بدين ولم يشهد، ورجل له امرأة سيئة الخلق فلا يطلقها).
أخرجه:
حرب بن إسماعيل الكرماني من طريق معاذ بن معاذ العنبري([2])،
والطحاوي من طريق عمرو بن حكام واللفظ له([3])، ومحمد بن بشر
العكري من طريقه([4])، والحاكم من طريق
معاذ العنبري([5])، وابن شاذان من
طريقه([6])،
وأبو نعيم من طريق داود بن إبراهيم الواسطي وطريق عثمان بن عمر وابن حكام([7])،
والبيهقي من طريق العنبري([8]) ، والبندهي في شرح
المقامات من طريق روح بن عبادة([9])، والذهبي من طريق معاذ([10])
العنبري([11])، كلهم عن شعبة ...
به مرفوعًا.
وفي
لفظ لأبي نعيم من رواية داود بن إبراهيم (... ورجل له جار سوء فلا يتحول عنه ورجل
له غريم سوء فأعطاه البعض فلم يأخذه فذهب الكل)، ولم يذكر جملة السفيه.
وخالفهم:
القطان، ومحمد بن جعفر، ومعاذ بن معاذ العنبري -في رواية موسى بن هارون عنه-، كلهم
عن شعبة، عن فراس ، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (ثلاثة يدعون فلا
يستجاب لهم: رجل آتى سفيها ماله وقال الله تبارك وتعالى : {ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم}، ورجل كانت عنده امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، أو لم يفارقها، ورجل كان
له على رجل حق فلم يشهد عليه).
أخرجه:
ابن أبي شيبة عن القطان واللفظ له([12])، وأحمد عن محمد بن
جعفر([13])،
والطبري من طريقه([14])، وابن المنذر من
طريقه وطريق معاذ([15]) العنبري([16])،
وأبو نعيم من رواية روح بن عبادة تعليقًا([17])، كلهم عن شعبة ...
به موقوفًا.
واختصره
ابن المنذر في رواية.
وتابع
الجماعة على الرفع: بشير بن أبي بشير، فرواه عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى
رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم:
رجل أعطى سفيها ماله، وقد قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، ورجل كانت
له امرأة سيئة الخلق لا يطلقها، ورجل كان له على رجل حق فلم يشهد عليه).
أخرجه:
السمعاني([18])، قال: أبنا
أحمد بن عبدالوهاب بقراءتي عليه بنيسابور، أبنا أبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري
قراءة عليه وأنا حاضر، أبنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود الحسني قراءة
عليه، أبنا محمد بن محمد بن علي الأنصاري أبو الحسن، ثنا أبو العباس محمد بن
العباس بن سهل بن عبيدة بمرو، ثنا جدي محمد بن عبيدة، ثنا إسماعيل بن عبد الله أبو
إبراهيم المهدي المروزي وكان من العباد، ثنا بشير الكوسج -وأثنى عليه ابن المبارك
خيرًا-، عن الشعبي ... به مرفوعًا.
وتابعهم:
الصلت بن بهرام، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل أعطى ماله سفيهًا
وقد قال الله عز وجل (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم)، ورجل له امرأة سيئة الخلق فلا
يطلقها، ورجل بايع ولم يشهد).
أخرجه:
ابن عساكر([19]) قال: أخبرنا أبو
المعالي عبدالله بن أحمد بن محمد الحلواني، نا أبو بكر بن خلف، أنا الحاكم الإمام
أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، حدثني خلف بن محمد الكرابيسي ببخارى، ثنا
الحسين بن الحسن بن الوضاح، حدثني أخي -وهو محمد بن أبي الوضاح-، حدثني جدي -وهو
الوضاح بن الحسن-، نا عيسى -وهو الغنجار-، عن مخلد بن عمرو قاضي بخارى، عن إسحاق
بن وهب -وهو بخاري-، عن الصلت بن بهرام، عن الشعبي ... به.
الكلام
على الروايات:
أولاً:
المحفوظ عن شعبة هي رواية الوقف، لأن الجلة من أصحاب شعبة رووه موقوفًا، وهم
القطان، ومحمد بن جعفر، وروح بن عبادة، وأما رواية الرفع ففي بعض رواتها مقالاً:
فعمرو بن حكام ضعيف([20]).
ورواية
داود بن إبراهيم الواسطي، في سندها محمد بن جعفر الرازي، ضعفه بعض النقاد كالإمام
أحمد في رواية عنه، وأبو حاتم، وابن قانع، وابن عبدالبر([21]).
وأما
روية معاذ بن معاذ العنبري ففيها خلاف كما سيأتي.
قال
حرب الكرماني: "قلت([22]): حديث شعبة، عن
فراس، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: (ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم...)، قال: ليس هو عندنا مسندًا، وحدثنا
غندر غير مسند".
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، لتوقيف أصحاب شعبة هذا
الحديث على أبي موسى رضي الله عنه".
ويحتمل
أن يكون الاختلاف في الحديث من فراس كان يضطرب فيه مرة يرفعه ومرة يوقفه.
ثانيًا:
المحفوظ من رواية معاذ بن معاذ، هي رواية المثنى بن معاذ وعبيدالله بن معاذ عنه،
وأما رواية موسى بن هارون فهي خطأ، ويحتمل أن يكون من معاذ العنبري كان يرويه على
الوجهين.
ثالثًا:
اختلف الرواية عن روح بن عبادة، فذكر أبو نعيم أنه ممن روى الموقوف، وروى عنه
البندهي المرفوع، ولكن في السند إليه: أبو سعيد فضل بن أبي الخير الميهني ذكره
الذهبي في السير ولم يذكر في جرحًا ولا تعديلا([23]).
والبندهي
ما عرفته.
ولعل
الرواية الموقوفة هي المحفوظة عن روح لجزم أبي نعيم بها عنه.
رابعًا:
قوله في رواية داود بن إبراهيم الواسطي (... ورجل له جار سوء فلا يتحول عنه ورجل
له غريم سوء فأعطاه البعض فلم يأخذه فذهب الكل) خطأ لمخالفتها باقي الرواة عن شعبة،
ولعله ممن دونه، فإنه ثقة.
خامسًا:
رواية بشير بن أبي بشير لا تصح، فيهم من لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلاً.
سادسًا:
رواية الصلت بن بهرام فيها من لم أعرفه.
وفيها:
إسحاق بن وهب، قال الخليلي: "يروي عنه ما يعرف وما ينكر، ونسخ رواها
الضعفاء"([24]).
سابعًا:
الحديث المحفوظ فيه الوقف، والموقوف منكر.
قال
الذهبي: "مع نكارته إسناده نظيف"([25]).
تنبيه:
قال
عبدالحق الإشبيلي بعد أن ذكر الحديث: "... ومثنى روى عنه يحيى بن سعيد القطان
وأبو زرعة الرازي"([26]).
فتعقبه
أبو عبدالله ابن المواق فقال: "وهذا أيضًا وهم، لم يرو يحيى بن سعيد، عن
المثنى بن معاذ، وإنما روى عنه المثنى، فعكس (ق)([27]) ما ألفى من ذلك في
كتاب ابن أبي حاتم، فإنه قال: (مثنى بن معاذ العنبري، وهو ابن نصر بن حسان، روى عن
يحيى بن سعيد القطان، وأبيه معاذ، روى عنه أبو زرعة)، انتهى ما ذكر ابن أبي حاتم،
ولا يتخالج قارئ هذا الموضع شك في أنه الذي أراد (ق) أن ينقل فوهم، فهو وإن لم
ينسب ذلك القول إلى غيره، فهو بين أنه مراده"([28]).
والله أعلم، والحمد
لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق