الخميس، 9 أبريل 2020

الكلام على زيادة لفظة (وما تأخر من ذنبه ) في حديث ابي هريرة رضي الله عنه


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذه تخريج حديث (إذا أمن الإمام فأمنوا ...)، وفيه (... غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).

 فأقول وبالله التوفيق:

قال الجرجاني في الأمالي له (ق 127/ب): حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم، ثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني بمصر، قال: قرئ على عبدالله بن وهب وأنا أسمع، أخبرك مالك بن أنس ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).

وخالف الجرجاني في لفظه: محمد بن يعقوب الأصم، وابن الجارود، فروياه عن بحر بن نصر، عن ابن وهب، عن مالك ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمنه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).

أخرجه: يعقوب بن محمد الأصم في الموطأ (123)، وابن الجارود في المنتقى (1/273)، والبيهقي في السنن الكبرى من طريق الأصم (2/56)، كلاهما عن بحر بن نصر به.

وتابعهما: حرملة بن يحيى، وأحمد بن عمرو بن السرح، وهاشم بن القاسم الحراني، ويونس بن عبدالأعلى، ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم، كلهم عن ابن وهب، عن مالك بن أنس ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).

أخرجه: مسلم في الصحيح عن حرملة (2/17)، وابن ماجه في السنن عن أحمد بن عمرو بن السرح وهاشم بن القاسم الحراني (2/36)، وابن خزيمة في الصحيح عن يونس بن عبدالأعلى (3/37)، وابن المنذر في الأوسط عن محمد بن عبدالله واللفظ له (3/130)، والجوهري في مسند الموطأ من طريق يونس (142)، والدارقطني في العلل عن أبي بكر النيسابوري (8/89)، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم من طريق حرملة (2/33)، كلهم عن ابن وهب به.

ولم يذكر مسلم ولا ابن ماجه ولا ابن خزيمة ولا أبو نعيم مع يونس: مالكًا، ولم يذكر الجوهري ولا الدارقطني مع مالك: يونس.

·           الكلام على الروايات:

أولاً: المحفوظ عن بحر بن نصر هو لفظ الأصم وابن الجارود عنه، وأما لفظ الجرجاني بزيادة (ما تأخر) في لفظ فشاذ.

قال الحافظ في النكت (1/274): " قوله ع: (صحح المنذري حديثًا في غفران ما تقدم وتأخر، والدمياطي حديثًا في ماء زمزم) فيه نظر؛ وذلك أن المنذري أورد في الجزء المذكور عدة أحاديث بين ضعفها، وأورد في أثنائه حديثًا من طريق بحر بن نصر، عن ابن وهب، عن مالك ويونس، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال بعده: (بحر بن نصر ثقة، وابن وهب ومن فوقهم محتج بهم في الصحيحين)، قلت: ولا يلزم من كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث الوارد به صحيحًا، لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة، وقد وجد هذا الاحتمال هنا، فإنها رواية شاذة".

وقال في الفتح (2/265): "وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم، عن بحر بن نصر، عن ابن وهب، عن يونس في آخر هذا الحديث (... وما تأخر ...)، وهي زيادة شاذة".

ثانيًا: ظن محقق كتاب النكت أن المقصود بالحديث هو حديث (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)، وإنما الحديث المعني بذلك هو حديث (تأمين الملائكة) كما هو بين من طرقه.

ثالثًا: قول المحقق غفر الله له في الحاشية (فعاد الحديث مرسلاً).

أقول: لا دخل للإرسال في العلة المشار إليه في كلام الحافظ.

رابعًا: قال المحقق في الحاشية عند التعريف بـ (سعيد): "يحتمل أن يكون سعيد بن المسيب... ويحتمل أن يكون سعيد بن أبي سعيد المقبري".

أقول: هو سعيد بن المسيب يقينًا كما هو ظاهر من الأسانيد هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الرواة غالبًا ما يقرنوا بين سعيد بن المسيب وبين أبي سلمة في الأسانيد، وأخرج البخاري جملة منها في صحيحه.

خامسًا: قال الحافظ في الفتح (2/265): "إلا أني وجدته في بعض النسخ من ابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها، ولا يصح، لأن أبا بكر قد رواها في مسنده ومصنفه بدونها، وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة: الحميدي وابن المديني وغيرهما".

والله أعلم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

   

  

عدم عمل السلف بالحديث دليل على ضعفه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.

 

وبعد:

فقد تعددت طرق نقد الأئمة لمتون الأحاديث، ولهم في ذلك عدة مسالك، منها على سبيل المثال:

-       أن يكون الحديث مخالفًا للإجماع، فهذا يدل على عدم صحة الحديث عندهم.

قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/354): "إذا روى الثقة المأمون خبرًا متصل الإسناد رد بأمور: ... والثالث: أن يخالف الإجماع، فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ، وتجتمع الأمة على خلافه".

قال أبو شامة المقدسي في كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (125): "وأئمة الحديث المعتبرون هم القدوة في فنهم، فوجب الرجوع إليهم في ذلك، وعرض أراء الفقهاء على السنن والآثار الصحيحة، فما ساعده الأثر فهو المعتبر وإلا فلا، ولا نبطل الخبر بالرأي، بل نضعفه إن كان على اختلاف وجوه الضعف من علل الحديث المعروفة عند أهله، أو إجماع الكافة على خلافه".

وقال الشاطبي في الاعتصام (2/16): "والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي r قالها فلا يمكن أن يسند إليها حكم، فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب؟ نعم الحامل على اعتمادها في الغالب إنما هو ما تقدم من الهوى المتبع، وهذا كله على فرض أن لا يعارض الحديث أصل من أصول الشريعة، وأما إذا كان له معارض فأحرى أن لا يؤخذ به، لأن الأخذ به هدم لأصل من أصول الشريعة، والإجماع على منعه إذا كان صحيحًا في الظاهر، وذلك دليل على الوهم من بعض الرواة، أو الغلط من بعض الرواة، أو النسيان، فما الظن به إذا لم يصح؟".

وقال الشيرازي في اللمع (45): "إذا روي الخبر ثقة رد بأمور: منها ... والثالث: أن يخالف الإجماع، فيستدل به على أنه منسوخ، أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه".

وقال السبكي (توالي التأسيس لابن حجر 148): "إذا وجد شافعي حديثًا صحيحًا يخالف مذهبه إن كملت فيه آلة الاجتهاد في تلك المسألة فليعمل بالحديث، بشرط أن لا يكون الإمام اطلع عليه وأجاب عنه، وإن لم يكمل ووجد إمامًا من أصحاب المذاهب عمل به فله أن يقلده فيه، وإن لم يجد وكانت المسألة حيث لا إجماع ... فالعمل بالحديث أولى، وإن فرض الإجماع فلا".  

ولكن لابد أن يكون الإجماع صحيحًا لا موهومًا.

قال ابن عبدالبر في التمهيد (8/368): "أما السنة فثابتة بحمد الله، وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة، لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة، كانت الحجة في قول من وافقته السنة".

ولذلك لا ينظر إلى الإجماع الذي يحكيه بعضهم في مسألةٍ ما قد وقع الخلاف فيها بين أهل العلم.

قال ابن تيمية في الفتوى (19/271): "وإذا نقل عالم الإجماع ونقل آخر النزاع: إما نقلا سمي قائله، وإما نقلاً بخلاف مطلقًا ولم يسم قائله، فليس لقائل أن يقول: نقلاً لخلاف لم يثبت، فإنه مقابل بأن يقال: ولا يثبت نقل الإجماع، بل ناقل الإجماع ناف للخلاف، وهذا مثبت له، والمثبت مقدم على النافي، وإذا قيل: يجوز في ناقل النزاع أن يكون قد غلط فيما أثبته من الخلاف: إما لضعف الإسناد، أو لعدم الدلالة، قيل له: ونافي النزاع غلطه أجوز، فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه، أو بلغته وظن ضعف إسنادها وكانت صحيحة عند غيره، أو ظن عدم الدلالة وكانت دالة، فكل ما يجوز على المثبت من الغلط يجوز على النافي مع زيادة عدم العلم بالخلاف، وهذا يشترك فيه عامة الخلاف، فإن عدم العلم ليس علمًا بالعدم لا سيما في أقوال علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا يحصيها إلا رب العالمين".

قال الحافظ في الفتح (13/172): "وقال ابن العربي: (لا يقضي الحاكم بعلمه، والأصل فيه عندنا الإجماع، على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود، ثم أحدث بعض الشافعية قولاً مخرجًا أنه يجوز فيها أيضًا حين رأوا أنها لازمة لهم) كذا قال، فجرى على عادته في التهويل والأقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف".

وقال (9/292): "وقد نقل ابن عبدالبر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس، وفيه نظر".

قال محمد بن محمد المقري في القواعد (349): "حذر الناصحون من أحاديث الفقهاء، وتحميلات الشيوخ، وتخريجات المتفقهين، وإجماعات المحدثين، وقال بعضهم: احذر أحاديث عبدالوهاب والغزالي، وإجماعات ابن عبدالبر، واتفاقات ابن رشيد، واحتمالات الباجي، واختلاف اللخمي".

فإذا صح السند بالسنة وجب الأخذ بها، وترك قول ما سواه كائنًا من كان.

قال الشافعي رحمه الله (الروح لابن القيم 264): "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد".

وقال (مناقب الشافعي لابن أبي حاتم 232): "وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد به فهو سنة".

وقال محمد بن يحيى الذهلي (المعرفة للبيهقي 1/302): "لا أعلم فيمن غسل ميتا فليغتسل حديثا ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله".

وقال الزعفراني (المؤمل في الرد للأمر الأول 130): "كنا ولو قيل لنا: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله رضي الله عنه -يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم- قلنا: هذا مأخوذ وهذا غير مأخوذ، حتى قدم علينا الشافعي فقال لنا: ما هذا؟ إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مأخوذ به لا يترك لقول غيره".

قال أبو شامة في كتابه المؤمل (130): "وقال أبي بكر الأثرم: كنا عند البويطي فذكرت حديث عمار رضي الله عنه في التيمم، فأخذ السكين وحته من كتابه وصيره ضربة، وقال: هكذا أوصانا صاحبنا: إذا صح عندكم الخبر فهو وقولي".

قال الإمام أحمد (مناقب الشافعي 82): "كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه".  

وقال يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي (الكفاية للخطيب 3/93): "لا يكتب الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرويه ثقة عن ثقة حتى يتناهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، ولا يكون فيهم رجل مجهول، ولا رجل مجروح، فإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الصفة وجب قبوله، والعمل به، وترك مخالفته".

ذكر الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة الحسين بن الفضل البجلي (2/308) أنه قال: "من سئل عن مسألة فيها أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليه أن يجيب بجوابه، ولا يلتفت إلى من خالف ذلك من قياس أو استحسان، فإن السند لا يعارض بشيء من ذلك".

وقال ابن القيم في تهذيب السنن (2/243): "وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالإتباع، وهي حجة على من خالفها وليس قول من خالفها حجة عليها".

ولكن صحت السند وحدها لا تكفي في العمل بالحديث، بل لابد مع هذا سلامته من العوارض والقوادح التي تقدح فيه.

قال أبو حاتم (الفقيه والمتفقه1/432): "العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق, ناسخ غير منسوخ, وما صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا معارض له".

وقال الخطابي في معالم السنن (3/425): "أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه، ولم يذهب إلى هذا الحديث من العلماء فيما بلغنا إلاّ إبراهيم النخعي، وقد روي في ذلك أيضًا شيء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخًا أو معارضًا بما هو أولى منه".

وقال المرداوي في الإنصاف (8/298) : "من أصل الإمام أحمد الذي لا خلاف عنه فيه ... ولا يجوز ترك الحديث الصحيح من غير معارض له من جنسه، وكان شديد الإنكار على من خالف ذلك".

وقال عبدالحق في الأحكام الوسطى (1/69): "وإن الحديث إذا جاء من طريق واحد صحيح، ولم يجيء ما يعارضه فإنه يوجب العمل، وتلزم به الحجة، كما يوجب العمل وتلزم به الحجة إذا حاء من طرق كثيرة".

وقال ابن المواق في بغية النقاد النقلة (1/215): "فإن الواجب على كل من صحت عنده سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتي بها من استفتاه إذا سلمت من المعارض، وسائر القوادح".

وقال أبو شامة المقدسي في كتابه المؤمل (135): "فقد وضح من أقوال الأئمة أنه متى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ثابت فوجب المصير إلى ما دل عليه ظاهره، مالم يعارضه بدليل آخر".

وقال (150): "ثم ليبحث عن ذلك الحديث هل له معارض أو ناسخ أو مانع من العمل به، ولا يتأتى ذلك إلا من عالم بعلوم الاجتهاد ... وليس هذا لكل أحد، فكم في السنة من أحاديث كثيرة صحيحة والعمل والفتوى على خلاف ظاهرها إما إجماعًا وإما اختيارًا لمانع منع من ذلك مما ذكرناه من المعارض والناسخ أو غير ذلك".

وقال ابن العربي في القبس (2/623): "وبه ترجم الإمام مالك حين قال: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، ثم ذكر الحديث وعقبه بعد ذلك بأن قال: (وهو الأمر عندنا)، فأخبر أن العمل اطرد مع الأثر، وقد اختلف العلماء إذا خالف العمل الأثر، فمنهم من قدم الأثر وهم الأكثر، ومنهم من طرح الأثر وقدم العمل وهو مالك رحمه الله والنخعي، وقد قال النخعي: (لو وجدت أصحاب محمد صلى الله علهم وسلم يتوضؤون إلى الكوعين لتوضأت كذلك)، وصدق لأنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يتركون العمل بما سمعوا إذا ثبت سماعهم له إلا عند دليل آخر مثله".

وقال الذهبي في السير في ترجمة عبدالعزيز بن عبدالله الدَّارَكي (16/405): "قال ابن خلكان: كان يتهم بالاعتزال، وكان ربما يختار في الفتوى، فيقال له في ذلك، فيقول: (ويحكم حدث فلان، عن فلان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة). قلت: هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام من نظراء الإمامين مثل: مالك أو سفيان أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتًا سالمًا من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة، والشافعي حديثًا صحيحًا معارضًا للآخر، أما من أخذ بحديث صحيح، وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد فلا، كخبر (فإن شرب في الرابعة فاقتلوه)، وكحديث (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)".

ولكن لا يتوقف عن العمل بالحديث الصحيح حتى يوجد المعارض، بل يعمل به فإن وجد ترك العمل به للمعارض الراجح.

قال محمد حياة السندي في تحفة الأنام في العمل بحديث النبي عليه السلام (51): "ومن هنا عرفت أنه لا يتوقف العمل بعد وصول الحديث الصحيح على معرفة النسخ، أو عدم الإجماع على خلافه، أو عدم المعارض، بل ينبغي العمل به إلى أن يظهر شيء من الموانع فينظر في ذلك، ويكفي في العمل كون الأصل عدم هذه العوارض المانعة عن العمل".

 

مثال على أن صحة السند وحدها لا تكفي:

أخرج: الطبري في تفسيره (28/153)، والحاكم في المستدرك واللفظ له (4/467)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/268)، كلهم من طرق عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (سبع سموات ومن الأرض مثلهن) قال: في كل أرض نحو إبراهيم).

وأخرجه: الحاكم (4/466) وعنه البيهقي (2/267) من طريق شريك، عن عطاء السائب، عن أبي الضحى به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

وقال البيهقي: "إسناد هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيح، وهو شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا".

وقال الذهبي في العلو (1/75): "شريك وعطاء فيهما لين، لا يبلغ بهما رد حديثهما، وهذه بلية تحير السامع، كتبتها استطرادًا للتعجب، وهو من قبيل اسمع واسكت".

وقال السيوطي ( كشف الخفاء 1/113): "هذا من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، لاحتمال ... أن في المتن شذوذًا أو علة تمنع صحته".

وقال في تدريب الراوي (1/233): "ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال: إسناده صحيح، ولكنه شاذ بمرة".

وقال الحافظ في الفتح (10/37): "ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان، عن أنس رضي الله عنه (أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا فيهم)، وهو منكر مع نظافة سنده".

-       ومنها أيضًا: عدم عمل السلف -أصحاب القرون الفاضلة- بالحديث، فهو دليل عندهم على عدم صحة الحديث.  

قال محمد بن عيسى الطباع (الفقيه والمتفقه 1/354): "كل حديث جاءك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغك أن أحدًا من أصحابه رضي الله عنهم فعله فدعه".

وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/361): "سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عائشة، عن محمد بن الحارث، عن محمد بن عبدالرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شفعة لغائب ولا لصغير)؟ فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، لا أعلم أحدًا قال بهذا، الغائب له شفعة، والصبي حتى يكبر، فلم يقرأ علينا هذا الحديث".

وقال الأثرم: "ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضًا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائمًا أن يستقيء".

وقال ابن دقيق العيد في الإمام له (3/56, 57): "واعتل الأثرم في هذا الحديث بعلل منها: الغسل من الحجامة، وهذا ينكر عن النبي صلى الله عليه وسلم لإجماع الأمة على أنه لا يجب في الدم غسل".

وقال الإمام مسلم في كتاب التمييز له (160): "فقد تواطأت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أن إدراك الحج هو: أن يطأ المرء عرفات مع الناس أو بعد ذلك إلى أقرب الصبح من ليلة الفجر، فإن أدركه الصبح ولما يدخل عرفات قبل ذلك فقد فاته الحج، ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك، ودل بما ذكرنا من تواطؤ الأخبار، واتفاق العلماء على ما وصفنا أن رواية ابن إسحاق التي رواها فجعل إدراك الحج فيها إلى بعد الصبح قبل طلوع الشمس رواية ساقطة، وحديث مطرح، إذ لو كان محفوظًا وقولاً مقولاً بمثل سائر الموجبات لم يذهب عن جميعهم".

وقال الترمذي في السنن (2/255) بعد أن ذكر حديث من طريق أشعث بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه (كنا إذا حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء...) قال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها".

وقال البزار في البحر الزخار (7/15): "وحديث أسامة رضي الله عنه الذي روي في ذلك، لا نعلم أحدًا قال به إلا الناقل له، وقد أنكر أبو سعيد الخدري ذلك على ابن عباس رضي الله عنهم، وحدثه في ذلك بما توقف عنه ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك الوقت، برواية أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحدًا بعد من فقهاء الأمصار في جميع الأقطار قال بحديث أسامة رضي الله عنه، وإنما معنى حديث أسامة لو ثبت: أن الدرهم بالدرهمين يدًا بيد لا بأس به، وهذا القول فقد استغنينا عن الاحتجاج عنه إذ كان لا يعلم مفتي يظهر فتياه بذلك".

وقال ابن خزيمة في الصحيح (1/329): "وهذا الخبر لم يُسمع في الدعاء، لا في قديم الدهر ولا في حديثه، استعمل هذا الخبر على وجهه، ولا حكي لنا عن من لم نشاهده من العلماء: أنه كان يكبر لافتتاح الصلاة ثلاث تكبيرات، ثم يقول : (سبحانك اللهم وبحمدك) إلى قوله (ولا إله غيرك، ثم يهلل ثلاث مرات، ثم يكبر ثلاثًا).

قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/417): "وإذا لم ينقل عن أحد منهم استعماله استلزم ذلك توهينه".

وقال البيهقي في جماع أبواب وجوب قراءة القرآن في الصلاة (166): "... فلا يجوز حمل الخبر على ما لا يقول به أحد، ولا يساعده لسان العرب".

وقال في (490): "ولا نعلم أحدًا يقول ذلك، فدل على ضعف الخبر".

وقال ابن رجب في الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (45): "وكان السلف رضي الله عنهم لقرب عهدهم بزمن النبوة، وكثرة ممارستهم كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضي الله عنهم يعرفون الأحاديث الشاذة التي لم يعمل بها ويطرحونها، ويكتفون بالعمل بما مضى عليه السلف، ويعرفون من ذلك ما لم يعرفه من بعدهم، ممن لم تبلغهم السنن إلا من كتب الحديث لطول العهد وبعده".

وقال في فضل علم السلف على الخلف (140): "فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولاً به عند الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم، أو عند طائفة منهم، فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به، لأنهم ما تركوه إلا عن علم أنه لا يعمل به".

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/71): "قال الخطابي: (لا أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب، ليحوز فضيلة الوقت في الفضاء) انتهى، ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضًا، بل عدوا الحديث غلطًا من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري".

ولقد فهم الحافظ أن حكاية الإجماع على مخالفة حديث دليل على تضعيفه، فقال في الفتح (10/83): "وأما قول عياض: (لا خلاف بين أهل العلم في أن من شرب قائمًا ليس عليه أن يتقيأ)، أشار به إلى تضعف الحديث".

 

مثال  على ذلك:

روى عبدالرزاق في المصنف (2/68): عن الثوري، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه في الصلاة حين كبر، ثم حين كبر رفع يديه، ثم إذا قال سمع الله لمن حمده رفع، قال: ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، وذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى حلق بها، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه).

وأخرجه من طريق عبدالرزاق: الطبراني في الكبير (22/34)، والخطيب في الفصل (1/430).

وخالفه: عبدالله بن الوليد العدني، فرواه عن الثوري به فقال في لفظه: (... فلما جلس حلق بالوسطى والإبهام وأشار بالسبابة ...).

أخرجه: أحمد في المسند (31/ 164)، قال: حدثنا عبدالله بن الوليد به.

وخالفه أيضًا: محمد بن يوسف الفريابي، فرواه عن الثوري بسنده وقال في لفظه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله اليسرى ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة يدعو بها).

أخرجه: النسائي عن محمد بن علي الرقي واللفظ له (205)، والطبراني في الكبير عن عبدالله بن سعيد بن أبي مريم (22/33)، كلاهما عن الفريابي به.

ولم يذكر الطبراني في لفظه (في الصلاة).

الكلام على الروايات:

ظاهر رواية عبدالرزاق يدل على أن الإشارة بالسبابة كان بين السجدتين.

قال الرافعي في شرح مسند الشافعي (1/362): "واعلم أن ظاهر الحديث يقتضي أن يكون وضع اليدين على الفخذين في الجلوس بين السجدتين كوضعها في الجلوس للتشهد، لإطلاق قوله ( كان إذا جلس في الصلاة)، لكن الذي ذكره الأصحاب في الفقه أنه ينشر أصابعهما جمعيًا". 

وخالف عبدالرزاق: الفريابي والعدني فقيدا هذا الإطلاق بجلوس التشهد، ويؤيده ما يلي:

أولاً: أنه جاء في رواية هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل رضي الله عنه ما يوضح المراد صراحة وأنه في جلسة التشهد، ففي روايته (فلما قعد يتشهد)، وفي رواية محمد بن جعفر عنه (يعني في الجلوس في التشهد)، وكذلك في رواية أسد بن موسى ويوسف بن عدي، عن أبي الأحوص (فلما قعد يتشهد)، وأيضًا في رواية علي بن محمد بن أبي شداد، عن ابن إدريس (يدعو بها في التشهد)، وفي رواية موسى بن أبي عائشة (فلما قعد للتشهد)، وفي رواية موسى بن أبي كثير (وكان إذا جلس للتشهد)، فهذه الروايات كلها تدل على أن ذلك كان في جلسة التشهد.

ووقع في رواية محمد بن عبدالله المقرئ، عن ابن عيينة ما يدل عليه وهو قوله (وإذا جلس في الركعتين)، وفي رواية محمد بن عبدالملك القرشي عن بشر بن المفضل (فلما جلس في الثانية)، وفي رواية أبي عوانة (ثم صلى ركعة أخرى مثلها ثم جلس فافترش).  

  ثانيًا: تقييد الأئمة هذا الإطلاق في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه بالجلوس للتشهد، فبوب عليه الدارمي في سننه (2/66): "باب الإشارة في التشهد".

وقال أبو داود في السنن (1/602): "باب الإشارة في التشهد".

وقال النسائي في السنن (189): "باب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول".

وقال: "باب الإشارة بالأصبع في التشهد الأول".

وقال ابن ماجه في السنن (2/76): "باب الإشارة في التشهد".

وقال ابن خزيمة في صحيحه (1/345): "باب إدخال القدم اليسرى بين الفخذ اليمنى والساق في الجلوس في التشهد".

وقال: "باب وضع الفخذ اليمنى على الفخذ اليسرى في الجلوس في التشهد".

وقال ابن حبان في الصحيح (5/271): "ذكر العلة التي من أجلها كان يشير المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسبابة في الموضع الذي وصفناه".

وقد ذكر قبله ترجمة فقال: "ذكر وصف ما يجعل المرء أصابعه عند الإشارة في التشهد".

وقال البغوي في شرح السنة (3/174): "باب كيفية وضع اليدين في التشهدين".

قال ابن حجر في الفتح (2/362): "قال ابن رشيد: إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد".

قال أبو الحسن اللخمي في التبصرة (1/289): "وإذا جلس بين السجدتين بسط يديه على ركبتيه، وإذا جلس للتشهد بسط اليسرى وقبض اليمنى وأشار بالسبابة".

ثالثًا: أن القول بالإشارة في الجلوس بين السجدتين لم يقل به أحد من أهل العلم، قال الألباني رحمه الله في الصحيحة (5/314): "وفي الحديث مشروعية الإشارة بالأصبع في جلسة التشهد، وأما الإشارة في الجلسة بين السجدتين التي يفعلها بعضهم اليوم فلا أصل لها إلا في رواية لعبدالرزاق في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وهي شاذة".

وقال الشيخ بكر أبو زيد في رسالته لا جديد في أحكام الصلاة (41): "ولم يصرح بمشروعية الإشارة بين السجدتين أحد من علماء السلف، ولم تعقد أي ترجمة على مقتضاها، وعمل المسلمين المتوارث على عدم الإشارة والتحريك بين السجدتين، فهي من الروايات التي تواطأ المسلمون على عدم العمل بها، إما لضعفها، أو لأنها على خلاف ظاهرها في الترتيب الحكمي".

قال العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (5/313): "وهذا هو الصحيح الذي أخذ به جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء، ولا أعلم أحدًا قال بشرعيتها في الجلوس بين السجدتين إلا ابن القيم، فإن ظاهر كلامه في زاد المعاد مطابق لحديث عبدالرزاق".

وإذا انفرد المتأخر بقول لم يسبق إليه فهذا يعني أنه خطأ.

قال ابن تيمية في الفتاوى (21/291): "وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام".

والحمد لله رب العالين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه والتابعين.

 

 

 


الجمعة، 3 أبريل 2020

الكلام على حديث المغفرة ليلة النصف من شعبان


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.



أما بعد:

فهذا بحث مختصر في الكلام على حديث المغفرة ليلة النصف من شعبان:



فأقول مستعينًا بالله:

إن من القواعد المقررة شرعًا (أن العبادة توقيفية)، فلابد فيها من دليل من الكتاب أو السنة الصحيحة ليصح العمل بها، وإلا كانت مردودة على صاحبها، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ومن تلك الأعمال التي لم يرد فيها دليل صحيح ما ورد في ليلة النصف من شعبان.

قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم (البدع والحوادث 100): "ما أدركنا أحدًا من مشيختنا، ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحدًا منهم يذكر حديث مكحول، ولا يرى لها فضلاً على سواها من الليالي".

وقال الدارقطني في العلل بعد أن سرد طرق الحديث (6/51): "والحديث غير ثابت".

وقال في (6/324): "والحديث مضطرب غير ثابت".

وقال في (16/218): "وإسناد الحديث مضطرب غير ثابت".

وقال العقيلي في الضعفاء (3/489): "وفي النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين".

وقال ابن دحية الكلبي في رسالته في فضائل شهر شعبان (43): "قال أهل التعديل والجرح: وليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح، فتحفظوا -عباد الله- من مفتر يروي لكم حديثًا يسوقه في معرض الخير، واستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا صح أنه كذب خرج عن المشروعية، وكان مستعمله من خدمة الشيطان، لاستعماله حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل الله به من سلطان".

وقال القرطبي في تفسيره (16/128): "ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليه".

وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي (3/216): "وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه".

وقال الشيخ القاسمي في إصلاح المساجد (100): "وقال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح".

وحديث (إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك، أو مشاحن لأخيه) قد صححه بعض أهل العلم.

قال ابن رجب في لطائف المعارف (216): "وفي فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث أخر متعددة، وقد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه".

وحديث نزول الرب ليلة النصف من شعبان معلول لا يصح شيء من طرقه، وإليك البيان لأمثل طرقه، والكلام عليها بشيء من التفصيل:



·       حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

روى عبدالله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبدالملك بن عبدالملك، عن مصعب بن أبي ذئب، عن القاسم بن محمد، عن أبيه أو عمه، عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك، أو مشاحن لأخيه).

أخرجه: الدارمي في الرد على الجهمية عن الأصبغ بن الفرج (81)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان عن خالد بن خداش (25)، وابن أبي عاصم في السنة عن يعقوب بن حميد (1/354)، والبزار في البحر الزخار عن عمرو بن مالك واللفظ له (1/207)، والمروزي في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أحمد بن عيسى المصري (142)، والفاكهي في أخبار مكة عن يعقوب بن حميد (3/85)، وابن خزيمة في التوحيد عن أحمد بن عبدالرحمن المصري (136)، والدارقطني في النزول من طريق أحمد بن صالح وطريق يونس بن عبدالأعلى (155، و157)، وأبو الحسن علي بن عمر القزويني في جزء فيه مجالس من أماليه من طريق أحمد بن صالح (ق 4/ب)، والعقيلي في الضعفاء من طريق سعيد بن منصور (3/488)، وابن عدي في الكامل من طريق يعقوب بن حميد (6/535)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين من طريق علي بن قرين (2/149)، وابن بطة في الإبانة من طريق يونس بن عبدالأعلى (2/480)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من طريقه (3/100)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان من طريق ابن قرين (1/426)، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق خالد بن خداش وأصبغ بن الفرج وطريق يعقوب بن حميد وطريق أحمد بن عيسى (5/358)، والشجري في الأمالي من طريق أحمد بن صالح وطريق يعقوب بن حميد (2/108، و107)، وابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق يعقوب بن حميد (2/557)، والبغوي في شرح السنة من طريق أحمد بن صالح وطريق الأصبغ (2/127)، والحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة من طريق أحمد بن صالح المصري (122)، كلهم عن عبدالله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبدالملك بن عبدالملك، عن مصعب بن أبي ذئب، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن أبيه أو عمه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ووقع في رواية الدرامي (عن مصعب بن أبي الحارث)، وفي رواية الفاكهي (عن عمه أو غيره)، وفي رواية ابن الجوزي (عن عمه وغيره)، وفي رواية للبيهقي (عن عمه عن جده)، وفي رواية له (عن أبيه وعمه)، وفيه (فيغفر لكل مؤمن إلا العاق والمشاحن)، وفي رواية البغوي (أن عبدالملك بن عبدالملك حدثه عن ابن أبي ذئب).

الكلام على الحديث:

أولاً: فيه عبدالملك بن عبدالملك ضعيف جدًا، قال البخاري عنه في التاريخ الكبير (5/424): "في حديثه نظر".

وبينه العقيلي في الضعفاء (3/488) فقال: "وهذا الحديث حدثناه محمد بن إسماعيل،  قال: حدثنا سعيد بن منصور... (ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان...).

وانظر: الميزان للذهبي (2/659).

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/306): "مصعب بن أبى ذئب: روى عن القاسم بن محمد، روى عنه عبدالملك بن أبي ذئب، وروى عمرو بن الحارث، عن عبدالملك بن عبدالملك، عن مصعب بن أبى ذئب هذا، سمعت أبى يقول ذلك: ويقول لا يعرف منهم إلا القاسم بن محمد يعنى في الإسناد".

وقال البزار في المسند (1/207): "وعبدالملك بن عبدالملك ليس بمعروف".

وقال عنه ابن حبان في المجروحين (2/118): "منكر الحديث جدًا، يروي مالا يتابع عليه، فالأولى في أمره ترك ما انفرد به من الأخبار".

وقال الدراقطني في سؤالات البرقاني (100): "متروك".

وقد تفرد به، وحاله لا تحتمل مثل هذا.

قال البزار في البحر (1/207): "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر رضي الله عنه إلا من هذا الوجه".

وقال ابن عدي في الكامل (6/535): "وعبدالملك بن عبدالملك معروف بهذا الحديث، ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث".

ولا يعرف هل سمع من القاسم أم لا؟.

قال البزار (اللسان لابن حجر 4/67): "لا نعلمه سمع عن القاسم".

ثانيًا: فيه انقطاع.

قال البزار: "وهذه الأحاديث التي ذكرت عن محمد بن أبي بكر، عن أبيه في بعض أسانيدها ضعف، وهي عندي -والله أعلم- مما لم يسمعها محمد بن أبي بكر من أبيه لصغره، ولكن حدث بها قوم من أهل العلم فذكرنا وبينا العلة فيها".

وقال ابن حجر في الأمالي المطلقة (122): "وهذا حديث حسن إن كان من رواية القاسم، عن عمه -وهو عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر- فإنه سمع منه، وسمع عبدالرحمن من أبيه، ولم يسمع القاسم من أبيه، ولا أبوه من جده".

ومع القيد الذي ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله الحديث أيضًا لا يصح، فإن فيه عبدالملك بن عبدالملك منكر الحديث، وفيه أيضًا مصعب بن أبي ذئب وهو لا يعرف.

ثالثًا: فيه مصعب بن أبي ذئب لا يعرف ذكره البخاري في التاريخ الكبير (7/351) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.

وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/306) عن أبيه أنه لا يعرف كما سبق.

وذكره ابن حبان في ثقاته (7/478)، وهو مشهور بتوثيق المجاهيل.

رابعًا : أن فيه الشك فمرة يقول: (عن أبيه أو عمه)، وهذه الرواية أرجح الروايات، ومرة يقول: (عن عمه)، ومرة يقول: (عن عمه أو غيره)، ومرة يقول: (عن عمه وأبيه)، مما يدل على أن راويه لم يضبطه.

قال ابن عدي في الكامل (5/535): "حديث منكر بهذا الإسناد".

وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/557): "هذا حديث لا يصح ولا يثبت".

وقد أشار ابن خزيمة إلى تعليله بتقديم المتن على بعض السند، وهذه طريقة لابن خزيمة يدلل بها على تعليل الحديث.

قال الحاكم (إتحاف المهرة2 /365): "إن عادة ابن خزيمة في الأحاديث التي يخرجها لا على شرطه أن يقطع إسنادها هكذا".

وقال الحافظ في إتحاف المهرة (2/365): "وقاعدة ابن خزيمة إذا علق الخبر لا يكون على شرطه في الصحة، ولو أسنده بعد أن يعلقه".

وقال في (6/477): "هذا اصطلاح ابن خزيمة في الأحاديث الضعيفة والمعللة يقطع أسانيدها ويعلقها ثم يوصلها، وقد بينت ذلك غير مرة".

وقال في الفتح (8/559): "وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح، وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على شرط صحيحه، وحرج على من يغير هذه الصيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئًا على هذه الكيفية".

قال ابن خزيمة في صحيحه (1/228): "ولا أحل لأحد أن يروي عني هذا الخبر إلا على هذه الصيغة، فإن هذا إسناد مقلوب".

وقال في التوحيد (262): "روى هشام بن حسان، عن الحسن، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة ...) حدثناه إسماعيل بن بشر بن منصور السلمي، قال: ثنا عبدالأعلى، عن هشام. قال أبو بكر: إنما قلت في هذا الخبر (روى هشام، عن الحسن) لأن بعض علمائنا كان ينكر أن يكون الحسن سمع من جابر رضي الله عنه".

خامسًا: وقع في رواية البغوي من طريق الأصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن عبدالملك بن عبدالملك حدثه عن ابن أبي ذئب، عن القاسم بن محمد ... قال البغوي: "الصواب عبدالملك بن عبدالملك بن مصعب بن أبي ذئب، وقال محمد بن إسماعيل: عبدالملك بن عبدالملك بن مصعب بن أبي ذئب، عن القاسم فيه نظر، وقال أبو حاتم: عبدالملك بن عبدالملك بن مصعب بن أبي ذئب يروي عن القاسم، عن أبيه، منكر الحديث".

وفيما قاله رحمه الله نظر، فإن عبدالملك بن عبدالملك إنما يرويه عن مصعب بن أبي ذئب، وهو كذلك في التاريخ الكبير للبخاري (5/424) فقال: "عبدالملك بن عبدالملك، عن مصعب بن أبي ذئب، عن القاسم، عن أبيه، روى عنه عمرو بن الحارث".

وقال في (7/351) قال: "مصعب بن أبي ذئب، عن القاسم، قال عمرو بن الحارث: عن عبدالملك بن عبدالملك".

وكذا وقع في الضعفاء للعقيلي (3/488) عن شيخه آدم بن موسى، عن البخاري، وهو أيضًا كذلك في الكامل لابن عدي (6/535) عن شيخه ابن حماد، عن البخاري، وكذلك في الميزان للذهبي (2/659)، واللسان للحافظ (4/67).

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (8/306): "مصعب بن أبي ذئب، روى عن القاسم بن محمد، روى عنه: عبدالملك بن أبي ذئب، وروى عمرو بن الحارث، عن عبدالملك بن عبدالملك، عن مصعب بن أبي ذئب".

وقال في (5/359): "عبدالملك بن عبدالملك بن أبي ذئب، روى عن مصعب بن أبي ذئب، روى عنه عمرو بن الحارث".

وقال ابن حبان في الثقات (7/478): "مصعب بن أبي ذئب، يروي عن القاسم بن محمد، روى عمرو بن الحارث، عن عبدالملك بن عبدالملك عنه".

وفي المجروحين جعل مصعبًا جد لعبدالملك فقال (2/118): "عبدالملك بن عبدالملك بن مصعب بن أبي ذئب، يروي عن القاسم، عن أبيه، روى عنه عمرو بن الحارث".

قال الذهبي في الميزان (2/659): "وقيل: إن مصعبًا جده".

فلعل أبا حاتم نسبه إلى جده الأعلى فيوافق ما قال ابن حبان، والله أعلم.

و رواه أيضًا كذلك عن أصبغ بن الفرج: محمد بن إسحاق، والدارمي، فقالا فيه: (عن عبدالملك، عن مصعب)، وعليه فيكون المبهم في رواية ابن زنجويه هو مصعب بن أبي ذئب، ثم وقفت عليه في تفسير البغوي وصرح باسمه هناك فقال: (أَن ابن أَبي ذئب واسمه مصعب حدثه).

ولكن وقع في رواية الدارمي (مصعب بن أبي الحارث) وهو خطأ، فإني لم أجد في الرواة من يقال له: مصعب بن أبي الحارث، فربما يكون الخطأ من النساخ، أو الرواة عن الدارمي.

تنبيه: قال البزار في البحر (1/207): "وقد روي عن غير أبي بكر t، وأعلى من رواه عن النبي e أبو بكر t، وإن كان في إسناده شيء، فجلالة أبي بكر t تحسنه".

أفول: الأسانيد لا تصحح ولا تحسن بجلالة رواتها كما هو معلوم عند أهل هذا الشأن، فكم من حديث لإمام من الأئمة حكم عليه النقاد بالخطأ والوهم، وكم من حديث لا يصح عن قائله لعدم صحة إسناده إليه، ولم يلتفتوا إلى قضية جلالة الرواة.

قال أبو حاتم: "... ابن إدريس وهم في هذا الحديث مرة حدث مرسلاً، ومرة حدث متصلاً، وحديث ابن إدريس حجة يحتج بها، وهو إمام من أئمة المسلمين".

ومع كون عبدالله بن إدريس إمام من الأئمة فلم يمنع ذلك أبا حاتم من الحكم على روايته بالوهم.

قال الهيثمي في كشف الأستار (2/436) بعد كلام البزار السابق: " قلت: هذا كلام ساقط".




·       حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:

روى سليمان بن أحمد الواسطي، عن أبي خليد عتبة بن حماد، ثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يطلع إلى خلقه في النصف من شعبان، فيغفر لهم إلا لمشرك أو مشاحن).

أخرجه: الطبراني في مسند الشاميين (1/130) قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن مدرك، ثنا سليمان بن أحمد الواسطي، ثنا أبو خليد به. 

وخالفه: هشام بن خالد، فرواه عن أبي خليد عتبة بن حماد، عن الأوزاعي وابن ثوبان، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن).

أخرجه: ابن أبي عاصم في السنة (2/356) قال: ثنا هشام بن خالد، ثنا أبو خليد عتبة بن حماد به.

وخالف ابن أبي عاصم: محمد بن المعافى، ومحمد بن الحس بن قتيبة، وأحمد بن النضر العسكري، ومحمد بن أبي زرعة، ويزيد بن محمد بن عبدالصمد الدمشقي، فرووه عن هشام بن خالد، عن عتبة بن حماد، عن الأوزاعي وابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن).    

أخرجه: ابن حبان في الصحيح عن محمد بن المعافى وابن قتيبة (12/481)، والطبراني في الكبير (20/108)، وفي الأوسط عن أحمد بن النضر (7/36)، وفي مسند الشاميين عن محمد بن أبي زرعة (1/128، و4/365)، والبيهقي في الشعب (5/360)، وفي فضائل الأوقات من طريق يزيد بن محمد (30)، والشجري في الأمالي من طريق أحمد بن النضر (2/100)، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق ابن أبي زرعة (54/97)، كلهم عن هشام بن خالد به.

وخالفهم: عبدالله بن سليمان بن الأشعث، ومحمد بن سليمان الباغندي، فروياه عن هشام بن خالد، عن عتبة بن حماد، عن الأوزاعي، عن مكحول وابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله عز وجل إلى خلقه ...).

أخرجه: الدارقطني في النزول (158)، وفي العلل عن عبدالله بن سليمان (6/50)، والحسن بن علي الجوهري في الأمالي من طريقه (ق 3/أ)، وابن عساكر في تاريخه من طريقه وطريق الباغندي (38/235)، كلاهما عن هشام بن خالد به.

وتابع عتبة: محمد بن كثير المصيصي، فرواه عن الأوزاعي، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

أخرجه: البيهقي في الشعب (5/360) قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، حدثنا أبو أحمد الحافظ، حدثنا أبو جعفر محمد بن عمران النيسابوري، حدثنا أبو الوليد محمد بن أحمد بن برد الأنطاكي، حدثنا محمد بن كثير المصيصي به.

وخالف حماد بن عتبة: محمد بن يوسف الفريابي، فرواه عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، أنه قال: (يطلع الله عز وجل في كل ليلة النصف من شعبان إلى أهل الأرض، فيعفر لهم إلا مشركًا أو مشاحنًا).

أخرجه: الدراقطني في النزول (166)، قال: فحدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، عن ابن زياد، قال: أنا الحسن بن علي بن شبيب، قال: سمعت محمد بن خلف العسقلاني، يقول: أنا محمد بن يوسف، عن ابن ثوبان به.

وخالف الفريابي: الحجاج بن أرطأة، فرواه عن مكحول، عن كثير بن مرة قال: (يغفر الله فيه من الذنوب إلا لمشرك أو مشاحن).

أخرجه: ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (29)، والدارقطني في النزول من طريق أبي عبيد القاسم بن إسماعيل وآخرون واللفظ له (166)، كلهم عن إبراهيم بن مجشر، قال: أنا ابن المبارك، عن الحجاج به.

وخالف ابن المبارك: أبو خالد سليمان بن حيان الأحمر، ويزيد بن هارون، وعبدالواحد بن زياد، فرووه عن حجاج بن أرطأة، عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل ليلة النصف ...).

أخرجه: ابن أبي شيبة عن أبي خالد واللفظ له (16/369)، والدارقطني في النزول من طريق يزيد بن هارون (165)، والبيهقي في الشعب من طريق عبدالواحد بن زياد (5/356)، كلهم عن الحجاج به مرسلاً.

وتابع ابن المبارك: محمد بن راشد، فرواه عن مكحول، عن كثير بن مرة، قال: (إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان ...).

أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (4/316)، عن محمد بن راشد به.

وتابع يزيد بن هارون ومن معه: قيس بن سعد، فرواه عن مكحول، عن كثير بن مرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ...

أخرجه: عبدالرزاق (4/317)، عن المثنى بن الصباح، عن قيس بن سعد به.

وتابع مكحولاً على هذا السند: عبدالله بن بسر السكسكي، فرواه عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ربكم يطلع ليلة النصف من شعبان إلى خلقه فيغفر لهم كلهم ...).

أخرجه: ابن أبي أسامة (بغية الباحث1/423) قال: حدثنا عبدالله بن عون، ثنا أبو عبيدة، ثنا عبدالله، ثنا خالد بن معدان به.

وخالفهم جميعًا عن مكحول: الحسن بن الحر، فرواه عن مكحول قال: (إن الله يطلع على أهل الأرض في النصف ...).

أخرجه: البيهقي في الشعب (5/358)، قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا شجاع بن الوليد، أخبرنا زهير بن معاوية، أخبرنا الحسن بن الحر به.

وخالفهم أيضًا عن مكحول: جنادة بن أبي خالد، فرواه عن مكحول، عن أبي إدريس الخولاني، قال: (إن الله عز وجل يهبط ليلة النصف إلى السماء الدنيا فيغفر...).

أخرجه: الدارقطني في النزول (167)، قال: فحدثنا أبو سهل، قال: ثنا الحسن بن علي المعمري، قال: سمعت أيوب بن محمد الوزان، يقول: أنا عبدالله بن جعفر، أنا عبيدالله بن عمرو، عن زيد -هو ابن أبي أنيسة-، عن جنادة بن أبي خالد به.

   

الكلام على الروايات:

أولاً: أجود أسانيد مكحول للحديث ما رواه: محمد بن راشد، عن مكحول، عن كثير بن مرة قوله، فإن كانت رواية الفريابي، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة قوله محفوظة، فيكون مكحول دلسه وأسقط منه خالد بن معدان، وقد رواه مكحول أيضًا، عن أبي إدريس الخولاني قوله، وهو إسناد صحيح إلى مكحول، وكذلك رواية شجاع بن الوليد -إن كان حفظها-، عن زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر، عن مكحول قوله أيضًا إسنادها صحيح إلى مكحول، فلا يبعد أن يكون مكحول سمع ذلك منهما وقاله هو أيضًا، وهذه كلها آثار ليس فيها ما هو مرفوع.

ثانيًا: باقي الروايات عن مكحول معلولة، وإليك البيان:

الرواية الأولى: رواية عتبة بن حماد معلولة من وجهين:

الوجه الأول: اضطرب فيها عتبة أو الراوي عنه هشام بن خالد، فمرة يقول فيه: (عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، وعن الأوزاعي، عن مكحول)، ومرة يقول: (عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان والأوزاعي، عن أبيه، عن مكحول)، ومرة يقول: (عن الأوزاعي وابن ثوبان، عن مكحول).

وقد تفرد به عتبة بن حماد.

قال ابن أبي حاتم في العلل (5/322): "وسأَلت أَبي عن حديث رواه أَبو خليد القارئ، عن الأَوزاعي، عن مكحول, وعن ابن ثوبان، عن أَبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل ...؟ قال أَبي: هذا حديث منكر بهذا الإسناد، لم يروه بهذا الإسناد غير أَبي خليد، ولا أَدري من أَين جاء به؟! قلت: ما حال أَبي خليد؟ قال: شيخ".

وقال الطبراني في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي وابن ثوبان إلا أبو خليد عتبة بن حماد، تفرد به عن الأوزاعي: هشام بن خالد".

وقال أبو نعيم في الحلية: "حديثه -يعني حديث مكحول- عن مالك تفرد به: الأوزاعي".

وحال كل واحد منهما لا تحتمل مثل هذا التفرد.

قال الدارقطني في العلل (6/50) عن طرق هذا الحديث عن مكحول: "فرواه أبو خليد عتبة بن حماد القارئ، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل t، قال ذلك: هشام بن خالد، عن أبي خليد ..، وخالفه: سليمان بن أحمد الواسطي، فرواه عن أبي خليد، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن معاذ بن جبل t، كلاهما غير محفوظ".

وقال في (16/218): "ورواه أبو خليد عتبة بن حماد القارئ، عن الأوزاعي، عن مكحول، وعن ابن ثوبان، عن مكحول، من غير أن يذكر ثابت بن ثوبان ... ثم قال: وإسناد الحديث مضطرب غير ثابت".

الوجه الثاني: مكحول يرسل كثيرًا، ولم يصرح في شيء من طرقه بالسماع من مالك بن يخامر.

قال العلائي في جامع التحصيل (285): "مكحول الفقيه الشامي كثير الإرسال جدًا".

وقال: "روى عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه ... وهو معاصر له بالسن والبلد، فيحتمل أن يكون أرسل كعادته وهو يدلس".

وقال الألباني رحمه الله في السلسلة (3/135): "... وابن المحب في صفات رب العالمين وقال: قال الذهبي: مكحول لم يلق مالك بن يخامر".

قلت (القائل الألباني): "ولولا ذلك لكان الإسناد حسناً".

أقول: ولو سمع منه ما كان الإسناد حسنًا للاختلاف الواقع فيه على مكحول.

ولا تنفعه متابعة محمد بن كثير المصيصي، فإن في سنده محمد بن كثير هذا ضعفه الإمام أحمد جدًا كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/69).

وفيه أيضًا: محمد بن عمران النسوي ذكره السمعاني في الأنساب (3/323) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.

الرواية الثانية: الروايات عن خالد بن معدان كلها معلولة:

فرواية عتبة بن حماد، عن عبدالرحمن بن ثابت، عن أبيه، عن مكحول،، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن معاذ رضي الله عنه مرفوعًا لا تصح، في سندها سليمان بن أحمد الواسطي الراوي عن عتبة وهو ضعيف جدًا قاله الحافظ في التهذيب له (4/35)، وقد أخطأ فيه على عتبة بن حماد، وقال الدارقطني عن روايته غير محفوظة كما سبق، وأما رواية عبدالله، عن خالد بن معدان، عن كثير مرسلاً، ففي سندها عبدالله -وهو ابن بسر السكسكي- وهو ضعيف قاله ابن حجر في التقريب (494)، وقد ظنه محقق كتاب زوائد الحارث بن أبي أسامة (عبدالله بن عبيد الحميري)، فما أصاب في ظنه، ووقع في طبعة المطالب العالية (3/260) أبو عبدالله، وهو خطأ أيضًا.

الراوية الثالثة: المحفوظ عن حجاج بن أرطأة هي رواية الجماعة: يزيد بن هارون وعبدالواحد بن زياد وسليمان بن حيان عنه، عن مكحول، عن كثير مرسلاً.

وأما رواية ابن المبارك عنه، فلا تصح في سندها ابن مجشر.

قال عنه ابن عدي في الكامل (3/188): "ضعيف ... يسرق الحديث".

فلا يبعد أن يكون سرقها وركب عليها هذا الإسناد.

وقد خالفه إبراهيم بن عبدالرحمن، وسعيد بن يعقوب الطالقاني، فروياه عن ابن المبارك، عن حجاج، عن ابن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها كما سيأتي.

وحجاج مدلس، وقد عنعن، وفوق ذلك فالحديث من جهته مرسل.

ولا تنفعه متابعة قيس بن سعد، فإن في سندها الراوي عنه المثنى بن الصباح: ضعيف، اختلط بأخرة قاله الحافظ.




·       حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه:

روى الأحوص بن حكيم، عن مهاصر بن حبيب، عن أبي ثعلبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان ليلة النصف من شعبان يطلع الله عز وجل إلى خلقه، فيفغر للمؤمنين، ويترك أهل الضغائن وأهل الحقد بحقدهم).

أخرجه: ابن أبي عاصم في السنة من طريق محمد بن حرب واللفظ له (1/356)، وأبو القاسم عبدالعزيز بن علي الأزجي في حديثه من طريق عيسى بن يونس (ق1/ب)، وابن قانع في معجم الصحابة من طريق بشر بن عمارة الحنفي (1/160)، والطبراني في الكبير من طريق عيسى بن يونس (22/224)، والدارقطني في النزول من طريقه ومن طريق محمد بن حرب (159، و160)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من طريقه (2/108)، والجوهري في الأمالي من طريق عيسى بن يونس (ق2/ب)، وابن أبي الصقر في مشيخته من طريق عبدالرحمن بن محمد المحاربي (77)، والشجري في الأمالي من طريق عيسى بن يونس (2/103)، كلهم عن الأحوص بن حكيم به.

وسمى الأزجي والطبراني والدارقطني والجوهري في روايتهم شيخ الأحوص بن حكيم (حبيب بن صهيب).

وخالفهم: بشر بن عمارة -في رواية المنجاب بن الحارث عنه-، وعبدالرحمن بن محمد بن زياد المحاربي -في رواية محمد بن إسماعيل الأحمسي وعبدالله بن عمر بن أبان ومحمد بن آدم عنه-، فروياه عن الأحوص بن حكيم، عن مهاصر بن حبيب، عن مكحول، عن أبي ثعلبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان ...).

أخرجه: محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش من طريق بشر بن عمارة واللفظ له (93)، والطبراني في الكبير من طريق المحاربي (22/223)، والدارقطني في النزول من طريقه (161)، والبيهقي في الشعب كذلك (5/359)، 

وسمى ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي شيخ الأحوص (مهاصر بن حبيب)، وسماه الطبراني في روايته (حبيب بن صهيب).

الكلام على الروايات: 

أولاً: المحفوظ عن المحاربي هي رواية الجماعة عنه بزيادة مكحول في سنده، وأما رواية أبي كريب عنه، فإن في سندها عبدالواحد بن محمد بن عيسى بن موسى الشطوي شيخ ابن أبي الصقر لم أجد له ترجمة.

ثانيًا: المحفوظ عن بشر بن عمارة هي رواية المنجاب بن الحارث، أما رواية أبي بلال الأشعري، فإن في سندها أحمد بن محمد بن حميد المقرئ.

قال الدراقطني في سؤالات الحاكم (91): "ليس بالقوي".

أبو بلال مرداس بن محمد بن الحارث الأشعري.

قال عنه ابن حبان في الثقات (9/199): "يغرب ويتفرد".

وقال الذهبي في السير (10/583): "لينه الدارقطني".

ثالثًا: الحديث من رواية أبي ثعلبة رضي الله عنه لا يصح، في سنده الأحوص بن حكيم. قال ابن معين: "لا شيء".

وقال الإمام أحمد: "الأحوص بن حكيم لا يروى حديثه، يرفع الأحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (2/327): "ليس بقوي، منكر الحديث".

وقال الدارقطني في الضعفاء (157): "منكر الحديث".

ولا يبعد أن يكون الاختلاف في السند منه، فمرة يقول: (حبيب بن صهيب)، ومرة يقول: (المهاصر بن حبيب)، ومرة يذكر فيه مكحولاً، ومرة يسقطه.

ومكحول لم يسمع من أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قاله البيهقي في الشعب (5/359)، وابن عساكر في المعجم (2/965)، والمزي في تحفة الأشراف (9/133)، وغيرهم.

قال أبو حاتم في المراسيل (211): "سألت أبا مسهر: هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما صح عندنا إلا أنس بن مالك رضي الله عنه، قلت واثلة رضي الله عنه؟ فأنكره".

وفيه أيضًا: المهاجر بن حبيب في عداد المجهولين.

والحديث قال عنه الدارقطني في العلل (6/324): "والحديث مضطرب غير ثابت".

وقال ابن الجوزي في العلل (2/560): "هذا حديث لا يصح".




حديث عبدالله بن عمرو وعوف بن مالك وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم:

روى الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن الضحاك بن أيمن، عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن).

أخرجه: ابن ماجه (2/400) -ومن طريقه ابن الجوزي في العلل (2/561)- قال ابن ماجه: حدثنا راشد بن سعيد بن راشد الرملي، حدثنا الوليد، عن ابن لهيعة به.

وخالف راشد بن سعيد: هارون بن عمر القرشي، فرواه عن الوليد، عن ابن لهيعة، عن إسحاق بن عبدالله، عن مكحول، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

أخرجه: ابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (27)، قال: حدثنا هارون بن عمر القرشي، قال: نا الوليد بن مسلم، عن عبدالله بن لهيعة، قال: حدثني إسحاق بن عبدالله، عن مكحول به.

وحالف الوليد: أبو الأسود النضر بن عبدالجبار ومروان بن محمد وعبيد بن أبي قرة، فرووه عن ابن لهيعة، عن الزبير بن سليم، عن الضحاك بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي موسى رضي الله عنه مرفوعًا.

أخرجه: ابن ماجه من طريق أبي الأسود (2/410)، وابن أبي عاصم في السنة من طريقه (1/355)، والدارقطني في النزول كذلك (173)، والبيهقي في الشعب أيضًا (5/361)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من طريق مروان بن محمد (2/113)، وابن فيل في جزءه من طريق عبيد بن أبي قرة (ق25/ب)، وابن عساكر في تاريخه من طريقه وطريق أبي الأسود (18/326، و327)، والمزي في تهذيبه من طريق سعيد بن كثير بن عفير (9/309)، كلهم عن ابن لهيعة به.

وخالفهم: الحسن بن موسى الأشيب، فرواه عن ابن لهيعة، عن حيي بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ...).

أخرجه: أحمد في المسند (11/216)، والخلال في الأمالي من طريق زهير بن حرب (18)، كلاهما عن الحسن بن موسى به.

وخالفهم: عبدالغفار بن داود، فرواه عن ابن لهيعة، عن عبدالرحمن بن زياد بن أَنْعُم، عن عبادة بن نسي، عن كثير بن مرة، عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... به.

أخرجه: البزار في البحر (7/186)، قال: حدثنا أحمد بن منصور، قال: أخبرنا أبو صالح الحراني يعني عبدالغفار بن داود به.

وخالف ابن أنعم: محمد بن سعيد، فرواه عن عبادة بن نسي، عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... به.

أخرجه: الجوهري في الأمالي (ق3/ب)، قال: قرئ على أبي جعفر أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الجهم المعروف بأبي طالب قراءة عليه وأنا حاضر أسمع في المحرم سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، قثنا أحمد بن خالد بن عمرو السلفي، قثنا أبي، قال: حدثني عكرمة بن يزيد الألهاني، قال: حدثني الأبيض، عن محمد بن سعيد به.



  الكلام على الروايات:     

أولاً: الحديث لا يصح من رواية عبادة بن نسي، ففي الطريق الأولى ابن أنعم.

قال الحافظ عنه في التقريب (578): "ضعيف في حفظه".

والرواية الثانية فيها خالد بن عمرو.

قال ابن عدي في الكامل (3/461): "روى أحاديث منكرة عن ثقات الناس، وكان جعفر الفريابي يقول: رأيت أبا الأخيل هذا بحمص، ولم أكتب عنه، لأنه كان يكذب".

ثانيًا: الحديث اضطرب فيه ابن لهيعة، فمرة يقول فيه: عن (الضحاك بن أيمن، عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه).

وهذا إسناد ضعيف، فيه الضحاك بن أيمن.

قال الذهبي في الميزان (2/322): "شيخ لابن لهيعة لا يدرى من ذا، له في ليلة نصف شعبان".

وقال ابن حجر في التقريب (457): "مجهول".

وفيه أيضًا: انقطاع، الضحاك لم يسمع من أبي موسى t قاله أبو حاتم.

قال الذهبي في الكاشف (1/507): "لم يثبت".

ومرة يقول: (عن إسحاق بن عبدالله، عن مكحول، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وهذا فيه إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة. قال الحافظ في التقريب (130): "متروك".

وهذا الوجهان رواهما الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنعن.

ومرة قال: (عن الزبير بن سليم، عن الضحاك بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي موسى رضي الله عنه)، وهذا فيه الزبير بن سليم. قال ابن حجر (335): "مجهول".

وفيه عبدالرحمن بن عرْزَب، قال ابن حجر (590): "مقبول".

ومرة يقول: (عن حيي بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما).

وهذا فيه: حيي بن عبدالله. قال البخاري في التاريخ الكبير (3/76): "فيه نظر".

وقال أحمد (الجرح والعديل 3/271): "أحاديثه مناكير".

وقال (الضعفاء للعقيلي2/188): "حيي، ودراج، وزبان هؤلاء الثلاثة أحاديثهم مناكير".

وقال النسائي في الضعفاء (90): "ليس بالقوي".

وقال ابن عدي في الكامل في ترجمته (3/388): "وبهذا الإسناد خمس وعشرين حديثًا، عامتها لا يتابع عليها".

وقال في (3/390): "ولحيي بهذا الإسناد غير ما ذكرت، وأرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة".

 والراوي عنه هنا ابن لهيعة وهو ضعيف، وقد قال ابن عدي في (3/389): "وهذا حديث منكر، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه شديد الإفراط في التشيع، وقد تكلم فيه الأئمة، ونسبوه إلى الضعف".

قال العلامة الألباني رحمه في الصحيحة (3/218): "لكن تابعه رشدين بن سعد، عن حيي به. أخرجه: ابن حيويه في حديثه".

أقول: رشدين ضعيف، ومع اضطراب ابن لهيعة في الحديث لا يفيده متابعة رشدين له، وأخشى أن يكون الحديث حديثه عن حيي، وابن لهيعة تلقنه.




·       حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه:

روى مرحوم بن عبدالعزيز العطار، عن داود بن عبدالرحمن، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى منادي: هل من مستغفر فاغفر له، هل من سائل فأعطيه، فلا يسأل الله عز وجل أحد شيئًا إلا أعطاه، إلا زانية بفرجها، أو مشرك).

أخرجه: الخرائطي في مساوئ الأخلاق من طريق محمد بن بكار واللفظ له (207)، والخلال في الأمالي من طريق جامع بن صَبيح الرملي (19)، والبيهقي في الشعب من طريقه (5/362)، كلاهما عن مرحوم العطار به.

وخالفه: داود بن سلام الجمحي، فرواه عن داود بن عبدالرحمن، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له, إلا زانية تسعى بفرجها أو عشار).

أخرجه: الطبراني في الكبير (9/59)، وفي الأوسط (3/154)، قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا عبدالرحمن بن سلام الجمحي به.



الكلام على الروايات:  

أولاً: الحديث تفرد به داود، عن هشام قاله الطبراني في الأوسط، وهو لا يحتمل مثل هذا التفرد عن هشام، خاصة أنه ليس من الرواة المكثرين عنه، ومما يدل على ذلك أن المزي في تهذيبه لم يذكر هشامًا في شيوخه، ولا ذكره هو في تلاميذ هشام بن حسان.

ثانياً: أن الرواة اختلفوا في لفظه وسنده على داود بن عبدالرحمن مما يدل على أنه لم يضبطه.

ثالثًا: أن الحسن البصري مدلس، وقد عنعنه، ومما يدل على ذلك أنه في رواية إبراهيم بن الحجاج السامي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن قال: (أن عبدالله بن عامر استعمل كلاب بن أمية على الأُبلة فمر به عثمان فحدثه بالحديث)، وفي رواية أبي الربيع سليمان بن داود، عن حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن قال: (بعث زياد كلاب بن أمية على الأبلة فمر به عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه)، وهذا هو أصل حديث الحسن.

وقد قيل: إنه لم يسمع من عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.

قال الحاكم في المستدرك (1/549): "الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص".

وقال المزي في تهذيبه (19:406): "وقيل : لم يسمع منه".

رابعًا: الحديث إنما هو حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن عثمان t باللفظ العام، هكذا روته الناس عن حماد: هدبة بن خالد، وعفان بن مسلم، ويزيد بن هارون، وأبو الوليد الطيالسي، وعبدالصمد بن عبدالوارث، ومحمد بن أبان، وروح بن عبادة، وحجاج بن منهال، وغيرهم.

قال البزار في البحر (6/308): "لا نعلم أن أحدًا يحدث بهذا الحديث عن عثمان بن أبي العاص إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".

ولو كان هذا الحديث عند هشام، عن الحسن لرواه تلاميذه عنه، ولم ينفرد به داود، ولو كان هذا الحديث عند هشام لم يحتج الناس فيه إلى علي بن زيد بن جدعان.






·       حديث عائشة رضي الله عنها:

روى حجاج بن أرطأة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ففقدته ... فقال: (يا ابنة أبي بكر أخشيت أن الله يحيف عليك ورسوله، إن الله ينزل في هذا الليلة ليلة النصف من شعبان، فيغفر فيها من الذنوب أكثر من عدد شعر معز كلب).

أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي خالد الأحمر واللفظ له (16/368)، وإسحاق في المسند عن أبي مالك عمرو بن هاشم الجنبي (2/326)، وأحمد في المسند عن يزيد بن هارون (43/146)، وعبد بن حميد في المسند عنه (المنتخب 437)، والترمذي في السنن من طريقه (2/108)، وابن ماجه في السنن كذلك (2/399)، وابن أبي الدنيا في فضائل رمضان من طريق ابن المبارك (28)، والطوسي في مختصر الأحكام من طريق يزيد (290)، والدارقطني في النزول من طريقه وطريق حفص بن غياث وطريق ابن المبارك وطريق عبدالرحمن بن مَغْراء (169، و170)، وابن منده في الأمالي من طريق يعقوب بن القعقاع (323)، وابن بطة في الإبانة من طريق يزيد (2/481)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من طريقه (2/113)، والحرفي في الأمالي كذلك (388)، والبيهقي في الشعب من طريق ابن المبارك وطريق يزيد (355، و356)، وابن أبي الصقر في المشيخة من طريق أبي خالد (76)، والشجري في الأمالي من طريق حفص بن غياث (2/100)، والبغوي في السنة من طريق يزيد (4/126)، وابن الجوزي في العلل المتناهية من طريقه (2/556)، كلهم عن حجاج به.

   

الكلام على الرواية:

أولاً: الحديث فيه حجاج بن أرطاة. قال ابن حجر في التقريب (222): "صدوق، كثير الخطأ والتدليس".

وقد تفرد به. قال الترمذي في السنن: "حديث عائشة رضي الله عنها لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حجاج".  

ثانيًا: الحجاج لم يسمعه من ابن أبي كثير، وابن أبي كثير لم يسمع من عروة.

قال الترمذي: "وسمعت البخاري يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطأة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير".

ثالثًا: أن الحجاج اضطرب فيه، فمرة يرويه عن ابن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا كما هنا، ومرة يرويه عن مكحول، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق.

قال الدارقطني بعد أن ذكر أسانيد حديث عائشة رضي الله عنها (16/218): "وإسناد الحديث مضطرب غير ثابت".

وهناك طرق لحديث عائشة رضي الله عنها ذكرها الدارقطني في النزول والعلل له، تركتها لضعفها الشديد، وإنما اقتصرت على هذه الطريق لشهرتها.




·       حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

روى عبدالله بن غالب، عن هشام بن عبدالرحمن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان ليلة النصف من شعبان، يغفر الله لعبادة إلا لمشرك أو لعبد مشاحن).

أخرجه: البزار عن روح بن حاتم واللفظ له (16/161)، وابن سمعون في الأمالي من طريق يعقوب بن إسحاق الفلوسي (124)، والخطيب في تاريخه من طريقه (16/416)، وابن الجوزي كذلك (2/560)، كلاهما عن هشام بن عبدالرحمن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة t به.

وسمى الخطيب في رواية له شيخ عبدالله بن غالب (هشام بن عبدالملك).



الكلام على الرواية:

الحديث في سنده هشام بن عبدالرحمن العباداني. قال البخاري التاريخ الكبير (8/199): "هشام بن عبد الرحمن الكوفِي، عن الأعمش، روى عنه عبدالله بن غالب العباداني".

وقال البزار: "وعبدالله بن غالب هذا فرجل ليس به بأس، وهشام لا نعلم حدث عنه إلا عبدالله بن غالب".

وقد تفرد به هشام، عن الأعمش. قال البزار: "وأحاديث هشام بن عبدالرحمن هذه الثلاثة لا نعلم أحدًا شاركه فيها عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه".

وهو منكر لتفرده به عن الأعمش.

وقال ابن الجوزي: "وهذا حديث لا يصح، وفيه مجاهيل".

وهناك أحاديث وآثار في الباب ضربنا صفحًا عنها لضعفها الشديد، وطلبًا للاختصار، وقد ضعفها من يصحح الحديث، فمن أراد الوقوف عليها فيراجعها في مظانها.

قال البيهقي في الشعب (5/362): "وقد روي في هذا الباب أحاديث مناكير، رواتها قوم مجهولون".





الخلاصة:

أن حديث نزول الرب سبحانه وتعالى ليلة النصف من شعبان لا يصح منها حديث، والله أعلى وأعلم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين.