الخميس، 9 أبريل 2020
الكلام على زيادة لفظة (وما تأخر من ذنبه ) في حديث ابي هريرة رضي الله عنه
عدم عمل السلف بالحديث دليل على ضعفه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
وبعد:
فقد تعددت طرق نقد الأئمة لمتون الأحاديث، ولهم في ذلك عدة
مسالك، منها على سبيل المثال:
-
أن يكون الحديث مخالفًا للإجماع، فهذا يدل
على عدم صحة الحديث عندهم.
قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/354): "إذا روى الثقة
المأمون خبرًا متصل الإسناد رد بأمور: ... والثالث: أن يخالف الإجماع، فيستدل على
أنه منسوخ أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ، وتجتمع الأمة على
خلافه".
قال أبو شامة المقدسي في كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول
(125): "وأئمة الحديث المعتبرون هم القدوة في فنهم، فوجب الرجوع إليهم في
ذلك، وعرض أراء الفقهاء على السنن والآثار الصحيحة، فما ساعده الأثر فهو المعتبر
وإلا فلا، ولا نبطل الخبر بالرأي، بل نضعفه إن كان على اختلاف وجوه الضعف من علل
الحديث المعروفة عند أهله، أو إجماع الكافة على خلافه".
وقال الشاطبي في الاعتصام (2/16): "والأحاديث
الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي r قالها
فلا يمكن أن يسند إليها حكم، فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب؟ نعم الحامل على اعتمادها
في الغالب إنما هو ما تقدم من الهوى المتبع، وهذا كله على فرض أن لا يعارض الحديث أصل
من أصول الشريعة، وأما إذا كان له معارض فأحرى أن لا يؤخذ به، لأن الأخذ به هدم لأصل
من أصول الشريعة، والإجماع على منعه إذا كان صحيحًا في الظاهر، وذلك دليل على الوهم
من بعض الرواة، أو الغلط من بعض الرواة، أو النسيان، فما الظن به إذا لم يصح؟".
وقال الشيرازي في اللمع (45): "إذا
روي الخبر ثقة رد بأمور: منها ... والثالث: أن يخالف الإجماع، فيستدل به على أنه منسوخ، أو لا أصل
له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه".
وقال السبكي (توالي التأسيس لابن حجر 148): "إذا وجد شافعي
حديثًا صحيحًا يخالف مذهبه إن كملت فيه آلة الاجتهاد في تلك المسألة فليعمل
بالحديث، بشرط أن لا يكون الإمام اطلع عليه وأجاب عنه، وإن لم يكمل ووجد إمامًا من
أصحاب المذاهب عمل به فله أن يقلده فيه، وإن لم يجد وكانت المسألة حيث لا إجماع
... فالعمل بالحديث أولى، وإن فرض الإجماع فلا".
ولكن لابد أن يكون الإجماع صحيحًا لا موهومًا.
قال ابن عبدالبر في التمهيد (8/368): "أما
السنة فثابتة بحمد الله، وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة، لأن الاختلاف إذا نزل
في مسألة، كانت الحجة في قول من وافقته السنة".
ولذلك لا ينظر إلى الإجماع الذي يحكيه بعضهم في مسألةٍ ما قد
وقع الخلاف فيها بين أهل العلم.
قال ابن تيمية في الفتوى (19/271): "وإذا نقل عالم الإجماع
ونقل آخر النزاع: إما نقلا سمي قائله، وإما نقلاً بخلاف مطلقًا ولم يسم قائله، فليس
لقائل أن يقول: نقلاً لخلاف لم يثبت، فإنه مقابل بأن يقال: ولا يثبت نقل الإجماع، بل
ناقل الإجماع ناف للخلاف، وهذا مثبت له، والمثبت مقدم على النافي، وإذا قيل: يجوز في ناقل
النزاع أن يكون قد غلط فيما أثبته من الخلاف: إما لضعف الإسناد، أو لعدم الدلالة، قيل
له: ونافي النزاع غلطه أجوز، فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه، أو بلغته وظن
ضعف إسنادها وكانت صحيحة عند غيره، أو ظن عدم الدلالة وكانت دالة، فكل ما يجوز على
المثبت من الغلط يجوز على النافي مع زيادة عدم العلم بالخلاف، وهذا يشترك فيه عامة
الخلاف، فإن عدم العلم ليس علمًا بالعدم لا سيما في أقوال علماء أمة محمد صلى الله
عليه وسلم التي لا يحصيها إلا رب العالمين".
قال الحافظ في الفتح (13/172): "وقال ابن العربي: (لا يقضي
الحاكم بعلمه، والأصل فيه عندنا الإجماع، على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود، ثم أحدث
بعض الشافعية قولاً مخرجًا أنه يجوز فيها أيضًا حين رأوا أنها لازمة لهم) كذا قال،
فجرى على عادته في التهويل والأقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف".
وقال (9/292): "وقد نقل ابن عبدالبر ثم عياض ثم النووي الاتفاق
على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس، وفيه نظر".
قال محمد بن محمد المقري في القواعد (349): "حذر الناصحون من
أحاديث الفقهاء، وتحميلات الشيوخ، وتخريجات المتفقهين، وإجماعات المحدثين، وقال
بعضهم: احذر أحاديث عبدالوهاب والغزالي، وإجماعات ابن عبدالبر، واتفاقات ابن رشيد،
واحتمالات الباجي، واختلاف اللخمي".
فإذا صح السند بالسنة وجب الأخذ بها، وترك قول ما سواه كائنًا
من كان.
قال الشافعي رحمه الله (الروح لابن القيم 264): "أجمع الناس
على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد".
وقال (مناقب الشافعي لابن أبي حاتم 232): "وإذا اتصل
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد به فهو سنة".
وقال محمد بن يحيى الذهلي (المعرفة للبيهقي 1/302): "لا أعلم
فيمن غسل ميتا فليغتسل حديثا ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله".
وقال الزعفراني (المؤمل في الرد للأمر الأول 130): "كنا
ولو قيل لنا: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله رضي الله عنه
-يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم- قلنا: هذا مأخوذ وهذا غير مأخوذ، حتى قدم
علينا الشافعي فقال لنا: ما هذا؟ إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو مأخوذ به لا يترك لقول غيره".
قال أبو شامة في كتابه المؤمل (130): "وقال أبي بكر
الأثرم: كنا عند البويطي فذكرت حديث عمار رضي الله عنه في التيمم، فأخذ السكين
وحته من كتابه وصيره ضربة، وقال: هكذا أوصانا صاحبنا: إذا صح عندكم الخبر فهو
وقولي".
قال الإمام أحمد (مناقب الشافعي 82): "كان الشافعي إذا ثبت
عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه".
وقال يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي (الكفاية للخطيب 3/93): "لا
يكتب الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرويه ثقة عن ثقة حتى يتناهى الخبر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، ولا يكون فيهم رجل مجهول، ولا رجل مجروح، فإذا
ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الصفة وجب قبوله، والعمل به، وترك مخالفته".
ذكر الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة الحسين بن الفضل البجلي
(2/308) أنه قال: "من سئل عن مسألة فيها أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعليه أن يجيب بجوابه، ولا يلتفت إلى من خالف ذلك من قياس أو استحسان، فإن السند
لا يعارض بشيء من ذلك".
وقال ابن القيم في تهذيب السنن (2/243): "وسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم أولى بالإتباع، وهي حجة على من خالفها وليس قول من خالفها حجة
عليها".
ولكن صحت السند وحدها لا تكفي في العمل بالحديث، بل لابد مع هذا
سلامته من العوارض والقوادح التي تقدح فيه.
قال أبو حاتم (الفقيه والمتفقه1/432): "العلم عندنا ما كان
عن الله تعالى من كتاب ناطق, ناسخ غير منسوخ, وما صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مما لا معارض له".
وقال الخطابي في معالم السنن (3/425): "أجمع عامة الفقهاء على
أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه، ولم يذهب إلى هذا الحديث
من العلماء فيما بلغنا إلاّ إبراهيم النخعي، وقد روي في ذلك أيضًا شيء عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه، وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخًا أو معارضًا بما
هو أولى منه".
وقال المرداوي في الإنصاف (8/298) : "من أصل الإمام أحمد
الذي لا خلاف عنه فيه ... ولا يجوز ترك الحديث الصحيح من غير معارض له من جنسه،
وكان شديد الإنكار على من خالف ذلك".
وقال عبدالحق في الأحكام الوسطى (1/69): "وإن الحديث إذا
جاء من طريق واحد صحيح، ولم يجيء ما يعارضه فإنه يوجب العمل، وتلزم به الحجة، كما
يوجب العمل وتلزم به الحجة إذا حاء من طرق كثيرة".
وقال ابن المواق في بغية النقاد النقلة (1/215): "فإن
الواجب على كل من صحت عنده سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتي بها من
استفتاه إذا سلمت من المعارض، وسائر القوادح".
وقال أبو شامة المقدسي في كتابه المؤمل (135): "فقد وضح من
أقوال الأئمة أنه متى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ثابت فوجب المصير
إلى ما دل عليه ظاهره، مالم يعارضه بدليل آخر".
وقال (150): "ثم ليبحث عن ذلك الحديث هل له معارض أو ناسخ
أو مانع من العمل به، ولا يتأتى ذلك إلا من عالم بعلوم الاجتهاد ... وليس هذا لكل
أحد، فكم في السنة من أحاديث كثيرة صحيحة والعمل والفتوى على خلاف ظاهرها إما
إجماعًا وإما اختيارًا لمانع منع من ذلك مما ذكرناه من المعارض والناسخ أو غير
ذلك".
وقال ابن العربي في القبس (2/623): "وبه ترجم الإمام مالك
حين قال: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، ثم ذكر الحديث وعقبه بعد ذلك بأن قال:
(وهو الأمر عندنا)، فأخبر أن العمل اطرد مع الأثر، وقد اختلف العلماء إذا خالف
العمل الأثر، فمنهم من قدم الأثر وهم الأكثر، ومنهم من طرح الأثر وقدم العمل وهو
مالك رحمه الله والنخعي، وقد قال النخعي: (لو وجدت أصحاب محمد صلى الله علهم وسلم
يتوضؤون إلى الكوعين لتوضأت كذلك)، وصدق لأنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا
يتركون العمل بما سمعوا إذا ثبت سماعهم له إلا عند دليل آخر مثله".
وقال الذهبي في السير في ترجمة عبدالعزيز بن عبدالله الدَّارَكي (16/405): "قال
ابن خلكان: كان يتهم بالاعتزال، وكان ربما يختار في الفتوى، فيقال له في ذلك،
فيقول: (ويحكم حدث فلان، عن فلان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ
بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة). قلت: هذا جيد، لكن بشرط أن يكون
قد قال بذلك الحديث إمام من نظراء الإمامين مثل: مالك أو سفيان أو الأوزاعي، وبأن
يكون الحديث ثابتًا سالمًا من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة، والشافعي حديثًا
صحيحًا معارضًا للآخر، أما من أخذ بحديث صحيح، وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد فلا، كخبر
(فإن شرب في الرابعة فاقتلوه)، وكحديث (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)".
ولكن لا يتوقف عن العمل بالحديث الصحيح حتى يوجد المعارض، بل
يعمل به فإن وجد ترك العمل به للمعارض الراجح.
قال محمد حياة السندي في تحفة الأنام في العمل بحديث النبي عليه
السلام (51): "ومن هنا عرفت أنه لا يتوقف العمل بعد وصول الحديث الصحيح على
معرفة النسخ، أو عدم الإجماع على خلافه، أو عدم المعارض، بل ينبغي العمل به إلى أن
يظهر شيء من الموانع فينظر في ذلك، ويكفي في العمل كون الأصل عدم هذه العوارض المانعة
عن العمل".
مثال على أن صحة السند وحدها لا تكفي:
أخرج: الطبري في تفسيره (28/153)، والحاكم في المستدرك واللفظ
له (4/467)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/268)، كلهم من طرق عن شعبة، عن عمرو
بن مرة، عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (سبع سموات ومن الأرض
مثلهن) قال: في كل أرض نحو إبراهيم).
وأخرجه: الحاكم (4/466) وعنه البيهقي (2/267) من طريق شريك، عن
عطاء السائب، عن أبي الضحى به.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه".
وقال البيهقي: "إسناد هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما
صحيح، وهو شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا".
وقال الذهبي في العلو (1/75): "شريك وعطاء فيهما لين، لا يبلغ
بهما رد حديثهما، وهذه بلية تحير السامع، كتبتها استطرادًا للتعجب، وهو من قبيل اسمع
واسكت".
وقال السيوطي ( كشف الخفاء 1/113): "هذا من البيهقي في
غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، لاحتمال ... أن في المتن
شذوذًا أو علة تمنع صحته".
وقال في تدريب الراوي (1/233): "ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم
له حتى رأيت البيهقي قال: إسناده صحيح، ولكنه شاذ بمرة".
وقال الحافظ في الفتح (10/37): "ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان، عن أنس رضي الله عنه (أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا فيهم)، وهو منكر مع نظافة سنده".
- ومنها أيضًا: عدم عمل السلف -أصحاب القرون الفاضلة- بالحديث، فهو دليل عندهم على عدم صحة الحديث.
قال محمد بن عيسى الطباع (الفقيه والمتفقه 1/354): "كل
حديث جاءك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغك أن أحدًا من أصحابه رضي الله عنهم
فعله فدعه".
وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/361): "سئل
أبو زرعة عن حديث رواه ابن عائشة، عن محمد بن الحارث، عن محمد بن عبدالرحمن بن البيلماني،
عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
شفعة لغائب ولا لصغير)؟ فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، لا أعلم أحدًا قال بهذا،
الغائب له شفعة، والصبي حتى يكبر، فلم يقرأ علينا هذا الحديث".
وقال الأثرم: "ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضًا اتفاق
العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائمًا أن يستقيء".
وقال ابن دقيق العيد في الإمام له (3/56, 57): "واعتل
الأثرم في هذا الحديث بعلل منها: الغسل من الحجامة، وهذا ينكر عن النبي صلى الله
عليه وسلم لإجماع الأمة على أنه لا يجب في الدم غسل".
وقال الإمام مسلم في كتاب التمييز له (160): "فقد تواطأت الأخبار
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار
أن إدراك الحج هو: أن يطأ المرء عرفات مع الناس أو بعد ذلك إلى أقرب الصبح من ليلة
الفجر، فإن أدركه الصبح ولما يدخل عرفات قبل ذلك فقد فاته الحج، ولا اختلاف بين أهل
العلم في ذلك، ودل بما ذكرنا من تواطؤ الأخبار، واتفاق العلماء على ما وصفنا أن رواية
ابن إسحاق التي رواها فجعل إدراك الحج فيها إلى بعد الصبح قبل طلوع الشمس رواية ساقطة،
وحديث مطرح، إذ لو كان محفوظًا وقولاً مقولاً بمثل سائر الموجبات لم يذهب عن جميعهم".
وقال الترمذي في السنن (2/255) بعد أن ذكر حديث من طريق أشعث بن
سوار، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه (كنا إذا حججنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم فكنا نلبي عن النساء...) قال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا
الوجه، وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها".
وقال البزار في البحر الزخار (7/15): "وحديث أسامة رضي
الله عنه الذي روي في ذلك، لا نعلم أحدًا قال به إلا الناقل له، وقد أنكر أبو سعيد
الخدري ذلك على ابن عباس رضي الله عنهم، وحدثه في ذلك بما توقف عنه ابن عباس رضي
الله عنهما في ذلك الوقت، برواية أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم، ولا نعلم أحدًا بعد من فقهاء الأمصار في جميع الأقطار قال بحديث أسامة رضي
الله عنه، وإنما معنى حديث أسامة لو ثبت: أن الدرهم بالدرهمين يدًا بيد لا بأس به،
وهذا القول فقد استغنينا عن الاحتجاج عنه إذ كان لا يعلم مفتي يظهر فتياه بذلك".
وقال ابن خزيمة في الصحيح (1/329): "وهذا الخبر لم يُسمع
في الدعاء، لا في قديم الدهر ولا في حديثه، استعمل هذا الخبر على وجهه، ولا حكي لنا
عن من لم نشاهده من العلماء: أنه كان يكبر لافتتاح الصلاة ثلاث تكبيرات، ثم يقول :
(سبحانك اللهم وبحمدك) إلى قوله (ولا إله غيرك، ثم يهلل ثلاث مرات، ثم يكبر ثلاثًا).
قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/417): "وإذا
لم ينقل عن أحد منهم استعماله استلزم ذلك توهينه".
وقال البيهقي في جماع أبواب وجوب قراءة القرآن في الصلاة (166):
"... فلا يجوز حمل الخبر على ما لا يقول به أحد، ولا يساعده لسان
العرب".
وقال في (490): "ولا نعلم أحدًا يقول ذلك، فدل على ضعف
الخبر".
وقال ابن رجب في الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (45):
"وكان السلف رضي الله عنهم لقرب عهدهم بزمن النبوة، وكثرة ممارستهم كلام
الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضي الله عنهم يعرفون الأحاديث الشاذة التي لم يعمل
بها ويطرحونها، ويكتفون بالعمل بما مضى عليه السلف، ويعرفون من ذلك ما لم يعرفه من
بعدهم، ممن لم تبلغهم السنن إلا من كتب الحديث لطول العهد وبعده".
وقال في فضل علم السلف على الخلف (140): "فأما الأئمة
وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولاً به عند
الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم، أو عند طائفة منهم، فأما ما اتفق السلف على
تركه فلا يجوز العمل به، لأنهم ما تركوه إلا عن علم أنه لا يعمل به".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/71): "قال الخطابي: (لا
أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب، ليحوز
فضيلة الوقت في الفضاء) انتهى، ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضًا، بل عدوا
الحديث غلطًا من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري".
ولقد فهم الحافظ أن حكاية الإجماع على مخالفة حديث دليل على
تضعيفه، فقال في الفتح (10/83): "وأما قول عياض: (لا خلاف بين أهل العلم في
أن من شرب قائمًا ليس عليه أن يتقيأ)، أشار به إلى تضعف الحديث".
مثال على ذلك:
روى
عبدالرزاق في المصنف (2/68): عن الثوري، عن
عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه في الصلاة حين كبر، ثم حين
كبر رفع يديه، ثم إذا قال سمع الله لمن حمده رفع، قال: ثم جلس فافترش رجله اليسرى،
ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، وذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار
بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى حلق بها، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه).
وأخرجه من طريق عبدالرزاق: الطبراني في الكبير (22/34)، والخطيب
في الفصل (1/430).
وخالفه: عبدالله بن الوليد العدني، فرواه عن الثوري به فقال في
لفظه: (... فلما جلس حلق بالوسطى والإبهام وأشار بالسبابة ...).
أخرجه: أحمد في المسند (31/ 164)، قال: حدثنا عبدالله بن الوليد
به.
وخالفه أيضًا: محمد بن يوسف الفريابي، فرواه عن الثوري بسنده
وقال في لفظه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله
اليسرى ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة يدعو بها).
أخرجه: النسائي عن محمد بن علي الرقي واللفظ له (205)،
والطبراني في الكبير عن عبدالله بن سعيد بن أبي مريم (22/33)، كلاهما عن الفريابي
به.
ولم يذكر الطبراني في لفظه (في الصلاة).
الكلام على الروايات:
ظاهر رواية عبدالرزاق يدل على أن الإشارة بالسبابة كان بين
السجدتين.
قال الرافعي في شرح مسند الشافعي (1/362): "واعلم أن ظاهر
الحديث يقتضي أن يكون وضع اليدين على الفخذين في الجلوس بين السجدتين كوضعها في
الجلوس للتشهد، لإطلاق قوله ( كان إذا جلس في الصلاة)، لكن الذي ذكره الأصحاب في
الفقه أنه ينشر أصابعهما جمعيًا".
وخالف عبدالرزاق: الفريابي والعدني فقيدا هذا الإطلاق بجلوس
التشهد، ويؤيده ما يلي:
أولاً: أنه جاء في رواية هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن عاصم بن
كليب، عن أبيه، عن وائل رضي الله عنه ما يوضح المراد صراحة وأنه في جلسة التشهد،
ففي روايته (فلما قعد يتشهد)، وفي رواية محمد بن جعفر عنه (يعني في الجلوس في التشهد)، وكذلك في رواية أسد بن
موسى ويوسف بن عدي، عن أبي الأحوص (فلما قعد يتشهد)، وأيضًا في رواية علي بن محمد بن
أبي شداد، عن ابن إدريس (يدعو بها في التشهد)، وفي رواية موسى بن أبي عائشة (فلما
قعد للتشهد)، وفي رواية موسى بن أبي كثير (وكان إذا جلس للتشهد)، فهذه الروايات
كلها تدل على أن ذلك كان في جلسة التشهد.
ووقع في رواية محمد بن عبدالله المقرئ، عن ابن عيينة ما يدل
عليه وهو قوله (وإذا جلس في الركعتين)، وفي رواية محمد بن عبدالملك القرشي عن بشر
بن المفضل (فلما جلس في الثانية)، وفي رواية أبي عوانة (ثم صلى ركعة أخرى مثلها ثم
جلس فافترش).
ثانيًا: تقييد الأئمة
هذا الإطلاق في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه بالجلوس للتشهد، فبوب عليه الدارمي
في سننه (2/66): "باب الإشارة في التشهد".
وقال أبو داود في السنن (1/602): "باب الإشارة في
التشهد".
وقال النسائي في السنن (189): "باب موضع اليدين عند الجلوس
للتشهد الأول".
وقال: "باب الإشارة بالأصبع في التشهد الأول".
وقال ابن ماجه في السنن (2/76): "باب الإشارة في
التشهد".
وقال ابن خزيمة في صحيحه (1/345): "باب إدخال القدم اليسرى
بين الفخذ اليمنى والساق في الجلوس في التشهد".
وقال: "باب وضع الفخذ اليمنى على الفخذ اليسرى في الجلوس
في التشهد".
وقال ابن حبان في الصحيح (5/271): "ذكر العلة التي من
أجلها كان يشير المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسبابة في الموضع الذي وصفناه".
وقد ذكر قبله ترجمة فقال: "ذكر وصف ما يجعل المرء أصابعه
عند الإشارة في التشهد".
وقال البغوي في شرح السنة (3/174): "باب كيفية وضع اليدين
في التشهدين".
قال ابن حجر في الفتح (2/362): "قال ابن رشيد: إذا أطلق في
الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد".
قال أبو الحسن اللخمي في التبصرة (1/289): "وإذا جلس بين
السجدتين بسط يديه على ركبتيه، وإذا جلس للتشهد بسط اليسرى وقبض اليمنى وأشار
بالسبابة".
ثالثًا: أن القول بالإشارة في الجلوس بين السجدتين لم يقل به
أحد من أهل العلم، قال الألباني رحمه الله في الصحيحة (5/314): "وفي الحديث
مشروعية الإشارة بالأصبع في جلسة التشهد، وأما الإشارة في الجلسة بين السجدتين
التي يفعلها بعضهم اليوم فلا أصل لها إلا في رواية لعبدالرزاق في حديث وائل بن حجر
رضي الله عنه، وهي شاذة".
وقال الشيخ بكر أبو زيد في رسالته لا جديد في أحكام الصلاة
(41): "ولم يصرح بمشروعية الإشارة بين السجدتين أحد من علماء السلف، ولم تعقد
أي ترجمة على مقتضاها، وعمل المسلمين المتوارث على عدم الإشارة والتحريك بين
السجدتين، فهي من الروايات التي تواطأ المسلمون على عدم العمل بها، إما لضعفها، أو
لأنها على خلاف ظاهرها في الترتيب الحكمي".
قال العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (5/313):
"وهذا هو الصحيح الذي أخذ به جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء، ولا أعلم
أحدًا قال بشرعيتها في الجلوس بين السجدتين إلا ابن القيم، فإن ظاهر كلامه في زاد
المعاد مطابق لحديث عبدالرزاق".
وإذا انفرد المتأخر بقول لم يسبق إليه فهذا يعني أنه خطأ.
قال ابن تيمية في الفتاوى (21/291): "وكل
قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم فإنه يكون خطأ، كما قال
الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام".
والحمد لله رب العالين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه
والتابعين.