بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه الطاهرين الطيبين.
وبعد:
فهذه
بحث في تخريج حديث الدعاء عند رؤية الهلال:
·
أولاً حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
حديث
ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال
قال: (الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق
لما يحبه ربنا ويرضى، ربنا وربك الله).
أخرجه:
الدارمي في سننه واللفظ له (2/205)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (38/310)، قال
الدرامي: أخبرنا سعيد بن سليمان، عن عبدالرحمن بن عثمان بن إبراهيم، قال: حدثني
أبي، عن أبيه وعمه، عن ابن عمر t به.
وخالف
الدارمي: محمد بن يحيى المروزي، وابن مساور -وهو أحمد بن القاسم بن مساور-، فروياه
عن سعيد بن سليمان الواسطي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن
حاطب، عن أبيه وعن عمه، عن ابن عمر t به.
أخرجه
من هذا الوجه: أبو بكر الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه تعليقًا (199)، وابن حبان في
صحيحه من طريق المروزي (3/171)، والبيهقي في الدعوات الكبير من طريق ابن مساور
(2/124)، وابن عساكر في تاريخه من طريقه (38/310) كلاهما عن سعيد بن سليمان به.
وفيه
(والتوفيق لما تحب وترضى).
وقع
في طبعة الدعوات الكبير للبيهقي (أبي مساور) وهو تصحيف.
وخالفهم:
محمد بن الفضل السقطي، فرواه عن سعيد بن سليمان، عن عثمان بن إبراهيم بن حاطب، عن
أبيه وعمه، عن ابن عمر t به.
أخرجه:
الطبراني في الكبير (12/273)، قال: حدثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا سعيد بن
سليمان به.
وفيه
(والتوفيق لما تحب وترضى).
الكلام
على الروايات:
أولاً:
المحفوظ عن عبدالرحمن بن عثمان هي رواية الدارمي، ويؤيده رواية الطبراني فإنه
أخرجها في ترجمة إبراهيم بن محمد بن حاطب، وكذا جعل الحافظ ابن حجر في إتحاف
المهرة (8/263) الحديث تحت ترجمة إبراهيم بن محمد، لكنه سقط من سنده عنده (عن
أبيه) الثانية، وأما محمد بن يحيى بن سليمان المروزي -وهو صدوق قاله الدارقطني في
سؤالات الحاكم (142)- فقد قصر في روايته حيث أسقط من سنده إبراهيم بن محمد بن
حاطب، ولا تنفعه متابعة أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري -وثقه الخطيب في تاريخه
(5/574)- فإن في سند إليه محمد بن الحسن بن محمد بن زياد المقرئ النقاش. قال
الخطيب في تاريخه (2/606): "في أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة ... وقال:
حدثني عبيدالله بن أبي الفتح، عن طلحة بن محمد بن جعفر أنه ذكر النقاش فقال: كان
يكذب في الحديث، والغالب عليه القصص.
وقال:
سألت أبا بكر البرقاني: عن النقاش؟، فقال: كل حديثه منكر".
ويحتمل
إن يكون هذا التخليط من عبدالرحمن بن عثمان -إن كان النقاش ضبطه-، ويؤيده ما وقع عند
الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه، وما وقع أيضًا في الجرح والتعديل في ترجمة
عبدالرحمن كما سيأتي.
وأما
رواية محمد بن الفضل السقطي فقد سقط منها عبدالرحمن بن عثمان ولابد منه، فإن سعيد
بن سليمان إنما يرويه عنه.
ثانياً:
الحديث لا يصح، في سنده عبدالرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب. قال ابن
أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/264): "عبدالرحمن بن عثمان بن
إبراهيم بن محمد بن حاطب: روى عن أبيه، عن ابن عمر t، وعمه، روى عنه سعيد بن سليمان، وزكريا بن
يحيى بن صبيح، وأبو معمر، وعثمان بن أبى شيبة، سمعت أبى يقول ذلك، نا عبدالرحمن
قال: سألت أبى عنه؟، فقال: هو ضعيف الحديث، يهولني كثرة ما يسند".
وذكره
ابن حبان في الثقات له (8/372).
ثالثاً:
في سنده أيضًا عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب. قال البخاري في التاريخ الكبير
(6/212): "عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي، رأى ابن عمر رضي الله
عنهما، وأمه، سمع منه يعلى بن عبيد، وابنه عبدالرحمن، أصله من المدينة، وسمع منه
بعض العراقيين".
وأمه
هي عائشة بنت قدامة بن مظعون كما في نسب قريش للزبيري (3977)، وفي جمهرة نسب قريش
للزبير بن بكار (2/893)، وطبقات ابن سعد (8/468)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (38/314).
وقال
ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/144): "عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي، رأى ابن عمر رضي الله عنهما، وعائشة بنت قدامة
بن مظعون، روى عنه شريك بن عبدالله، ويعلى بن عبيد، وابنه عبدالرحمن بن عثمان،
سمعت أبى يقول ذلك، وروى عن أبيه محمد بن حاطب، سألت أبى عنه؟، فقال: روى عنه ابنه
عبدالرحمن أحاديث منكرة، قلت: فما حاله؟، قال: يكتب حديثه وهو شيخ".
وذكره
ابن حبان في الثقات له (5/159).
وبه
أعله الهيثمي في المجمع، وقال (10/139): "رواه الطبراني، وفيه عثمان بن
إبراهيم الحاطبي وفيه ضعف، وبقبة رجاله ثقات".
أقول:
عصب الجناية برأسه عبدالرحمن أولى، ولعل عذر الهيثمي أنه لم يقع له في إسناد
الطبراني عبدالرحمن.
وقال
الذهبي في الميزان في ترجمة عثمان بن إبراهيم (2/30): "له ما ينكر، وقال أبو
حاتم: عن أبيه أحاديث منكرة".
كذا
قال رحمه الله نقلاً عن أبي حاتم، والذي في الجرح والتعديل كما سبق أن ابنه
عبدالرحمن هو الذي روى عنه أحاديث منكرة، وقد لاحظ ذلك الحافظ ابن حجر في اللسان
(4/130) فنقل عبارة أبي حاتم رحمه الله عقب قول الذهبي، وقد أحسن السخاوي في
التحفة اللطيفة (2/139) حيث نقل عبارة أبي حاتم في ترجمة عبدالرحمن بن عثمان.
رابعاً:
قوله في رواية الدارمي (وعن عمه) يعني أخاً لإبراهيم بن محمد، وأخوته الذين وقفت
على أسماءهم من خلال كتب الرجال: عمر والحارث وسعيد ولقمان، وإبراهيم أكبرهم وبه
كان يكنى محمد بن حاطب، لكني لم أقف على كون أحداً منهم روى الحديث، ولم
يذكرهم من وقفت عليه ممن ألف في نسب قريش من ولد محمد بن حاطب.
وأما
على رواية محمد بن يحيى المروزي فيكون أخاً لعثمان، ولعله: قدامة بن
إبراهيم. قال الزبير بن بكار في جمهرة نسب قريش (2/892): "ومن ولد محمد بن
حاطب: قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب، روى الحديث، وأدرك عبدالله بن عمر t ... وعثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب يروى
عنه الحديث وأمه وأم أخيه قدامة بن إبراهيم: عائشة بنت قدامة بن مظعون".
وقال
البخاري في التاريخ الكبير (7/178): "قدامة بن محمد بن حاطب الجمحي القرشي
سمع بن عمر روى عنه عبد الله بن جعفر والد علي".
وقال
ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/127): "قدامة بن محمد بن حاطب الجمحي القرشي،
روى عن ابن عمر t، وعمر بن عبدالعزيز، روى عنه عبدالله بن جعفر
المديني -والد على بن المديني-، وصدقة ابن بشير مولى آل عمر. سمعت أبي يقول ذلك".
وقد
نسباه إلى جده كما في تهذيب الكمال للمزي في ترجمته.
وقال
ابن حبان في الثقات (5/319): "قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي القرشي،
يروى عن ابن عمر وأنس بن مالك y، روى عنه قرة بن خالد، والثوري، وجرير بن عبدالحميد
الضبي".
وقدامة
هذا في عداد المجهولين.
·
حديث طلحة بن عبيدالله t:
روى سليمان بن سفيان المديني، عن بلال بن يحيى
بن طلحة بن عبيدالله، عن أبيه، عن جده t أن النبي r كان إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهله علينا
باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله).
أخرجه:
الإمام أحمد واللفظ له (3/17)، وعبد بن حميد في المسند (المنتخب 45)، والدارمي في
المسند عن محمد بن يزيد الرفاعي وإسحاق بن إبراهيم (2/205)، والبخاري في التاريخ
الكبير عن إسحاق وعبدالله بن محمد (1/109)، والترمذي في السنن عن محمد بن بشار
(5/447)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير عن زهير بن حرب (2/935)، وابن أبي عاصم
في السنة محمد بن الوليد بن حمدان البسري (1/268)، والبزار في البحر عن محمد بن
المثنى (3/162)، وأبو يعلى في المسند من طريقه وطريق هارون بن موسى الحمال (2/26)،
والعقيلي في الضعفاء من طريق محمد بن إسماعيل (2/519)، والطبراني في الدعاء من
طريق أحمد وطريق هارون وطريق إسحاق (2/1151)، وابن السني في عمل اليوم والليلة من
طريق موسى بن محمد بن حيان وهارون بن عبدالله ( عجالة الراغب 2/730)، وابن عدي في
الكامل من طريقهما (4/264)، والحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن زياد بن مهران
(7/520)، والبيهقي في الدعوات من طريق محمد بن يونس وطريق علي بن عبدالله (2/122)،
والخطيب في تاريخه من طريق محمد بن المثنى (16/475)، والشجري في الأمالي من طريق
موسى بن حيان (1/262)، والبغوي في شرح السنة من طريق محمد بن رافع (5/128)،
والضياء في المختارة من طريق هارون بن موسى الحمال (3/22، و23)، كلهم عن أبي عامر
العقدي، عن سليمان بن سفيان به.
وفي
لفظ الدارمي والبخاري وابن أبي عاصم والبزار وابن السني وابن عدي والخطيب وفي لفظ
للبيهقي (بالأمن والإيمان)، وزاد ابن أبي عاصم (غير ضالين ولا مضلين)، وفي رواية للبيهقي
(ربي وربك الله U).
وتابع
العقدي: أسد بن موسى، فرواه عن سليمان بن سفيان به.
أخرجه: أبو الحسن العبدويي في المنتقى له () فقال: حدثنا
أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد إملاء، حدثنا محمد بن سليمان القرشي المصري، حدثنا أسد
بن موسى، حدثنا سليمان بن سفيان، عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيدالله عن أبيه, عن
جده t: أن رسول
الله r كان إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام،
ربي وربك الله).
الكلام
على الرواية:
أولاً:الحديث
لا يصح، في سنده سليمان بن سفيان المدني. قال ابن معين في رواية الدوري (3/236):
"سليمان بن سفيان مدني يروى عنه أبو عامر العقدي حديث (الهلال) وليس بثقة".
وقال
البخاري في العلل الكبير للترمذي (324): "سليمان
المدني هذا منكر الحديث".
وقال
أبو حاتم (الجرح والتعديل 4/119): "هو ضعيف الحديث، يروى عن الثقات أحاديث منكرة".
وقال
أبو زرعة: "مديني منكر الحديث، روى عن عبد الله بن دينار ثلاثة أحاديث كلها -يعني
مناكير-، وإذا روى المجهول المنكر عن المعروفين فهو كذا - كلمة ذكرها-".
وقال
يعقوب بن شيبة في مسنده (إكمال مغلطاي6/62): "له أحاديث مناكير".
وقال
ابن الجارود: "ليس بثقة".
وقال
النسائي في الضعفاء (120): "ليس بثقة".
وقال
ابن حبان في الثقات (6/384): "كان يخطيء".
وقال
الدراقطني في العلل (12/393): "مدني ليس بالقوي، ينفرد بما لا يتابع
عليه".
وقال
أبو أحمد الحاكم في الكنى (4/413): "حديثه ليس بالقائم".
وقال
الذهبي في المقتنى (1/326): "واه".
وقال
الحافظ في التقريب (408): "ضعيف".
كذا
قال الحافظ، والذي يدل عليه كلام النقاد أنه ضعيف جداً.
وهو
مقل، وقد تفرد به. قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
وقال
البزار: "الحديث لا نعلمه يروى عن طلحة بن
عبيدالله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
وأما
قول العقيلي: "ولا
يتابع عليه إلا من جهة تقاربه في الضعف".
أقول:
لعل هؤلاء الضعفاء سرقوا الحديث، فإنه لا يعرف إلا من جهته.
وفيه
أيضاً: بلال بن يحيى في عداد المجاهيل.
وقال
ابن أبي حاتم (2/379): "بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيدالله، روى عن أبيه، روى عنه
سليمان بن سفيان المديني. سمعت أبي يقول ذلك".
وذكره
ابن حبان في ثقاته (6/90).
وقال
الحافظ في التقريب (180): "لين".
قال
العقيلي في الضعفاء (2/519): "وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث، كان هذا عندي
من أصلحها إسناداً، كلها لينة الأسانيد".
ثانياً:
قوله في رواية ابن أبي عاصم عن شيخه محمد بن الوليد -وثقه الحافظ- (غير ضالين ولا
مضلين) زيادة شاذة، لم يقلها إلا محمد بن الوليد هذا.
ثالثاً:
المتابعة لأبي عامر العقدي لا تصح في سندها محمد بن سليمان بن أبي فاطمة. قال
الذهبي في الميزان (3/573): "قال الدارقطني: كذاب يضع الحديث".
·
حديث حدير السلمي:
روى
أبي عمرو الأزدي، عن بشير مولى معاوية، قال: سمعت عشرة من أصحاب رسول الله t أحدهم حدير أبو فروة، يقولون: إذا رأوا
الهلال (اللهم اجعل شهرنا الماضي خير شهر، وخير عاقبة، وأرسل علينا شهرنا هذا
بالسلامة والإسلام والأمن والإيمان والمعافاة والرزق الحسن).
أخرجه:
البخاري في تاريخه عن عبدالله بن صالح (2/103) عن أبي عمرو الأزدي.
ووقع
فيه (بشير مولى معاوية سمع عشرة من أصحاب النبي r أحدهم فروة في رؤية الهلال).
وتابع
عبدالله بن صالح: ابن وهب، فرواه عن معاوية بن صالح، عن أبي عمرو الأزدي، عن بشير
مولى معاوية قال: سمعت عشرة من أصحاب رسول
الله r أحدهم حدير أبو فروة ... به.
أخرجه:
الدولابي (2/910)، وابن السني في عمل اليوم والليلة عن أبي العباس بن قتيبة (عجالة
الراغب 2/735)، وابن منده في معرفة الصحابة تعليقاً (1/438)، وأبو نعيم كذلك
(2/894)، وابن عساكر في تاريخه من طريق الدولابي (10/315)، كلاهما عن موهب بن يزيد
بن خالد، عن عبدالله بن وهب به.
وفي
لفظ ابن السني (سمعت عشرة من أصحاب رسول الله r أحدهم أبو فوزة ... وخير عافية، وأدخل علينا شهرنا هذا بالسلامة
والإسلام والأمن والإيمان والمعافاة والرزق الحسن)، وانقلب اسم شيخ أبي العباس بن
قتيبة عليه فقال: (يزيد بن موهب)، وفي رواية ابن منده وأبو نعيم ( أحدهم حدير أبو
فوزة).
وخالفه:
زياد، فرواه عن حدير أبي فوزة السلمي، أن النبي r كان إذا رأى الهلال قال: (اللهم بارك لنا في
شهرنا هذا الداخل ...) فرفعه.
أخرجه:
ابن منده في معرفة الصحابة (1/437)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (12/238)، وابن
أبي جردة في تاريخه حلب (5/2141)، قال ابن منده: أخبرنا أحمد بن عبدالله بن صفوان
النصري، قال: حدثنا إبراهيم بن دحيم، قال: حدثنا هشام، عن صدقة بن خالد، عن عثمان
بن أبي عاتكة، قال: حدثني أخ لي يقال له زياد ... وقال: توالى على هذا الدعاء ستة
من أصحاب النبي r سمعوه منه، والسابع صاحب الفرس الجرور،
والرمح الثقيل: حدير أبو فوزة السلمي.
ووقع
في رواية ابن عساكر (... والسابع صاحب الفرس الخزبور، والرمح الثقيل: حدير أبو
فروة السلمي).
ورواه
أبو نعيم في معرفة الصحابة عن ابن دحيم تعليقاً (2/894)، ووقع فيه (صاحب الفرس
الحرون، والرمح الثقيل حدير أبو فوزة السلمي).
وخالف
هشام بن عمار: الوليد بن مسلم، فرواه عن عثمان بن أبي عاتكة، عن شيخ من أشياخهم أن
رسول الله r كان إذا رأى الهلال قال: (اللهم أدخله علينا
بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والسكينة والعافية، والرزق الحسن)، فقيل
للشيخ: من حدثك؟، قال: صاحب الفرس الحرور، والرمح الثقيل في يدي الغزاة في
المقدمة، وفي الرجعة في ساقة الساقة: أبو فوزة جدير السلمي.
أخرجه:
ابن السني في عمل اليوم والليلة (العجالة 1/734)، قال: أخبرنا حامد بن شعيب
البلخي، حدثنا سريج بن يونس، ثنا الوليد بن مسلم به.
الكلام
على الروايات:
أولاً:
الأشبه عندي من روايتي عثمان بن أبي العاتكة هو ما رواه صدقة بن خالد، وأما رواية
الوليد بن مسلم فلعله أسقط منه زياداً، فإنه عنعنه، وقد اتهم بتدليس التسوية.
ثانياً:
أن كلا الطريقين في هذا الحديث لا يسلم من مقال، وإليك البيان:
فالطريق
الأولى فيها بشير مولى معاوية وهو في عداد المجاهيل. ذكره ابن أبي حاتم في الجرح
والتعديل (2/380) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وذكره
ابن حبان في ثقاته (4/82).
وفيه
أبو عمرو الأزدي وقيل الأردني في عداد المجاهيل. ذكره ابن أبي حاتم في الجرح
والتعديل (9/410) ولم يذكر فيه شيئاً.
وفيه
معاوية بن صالح. قال عنه الحافظ في التقريب (955): "صدوق له أوهام".
والطريق
الثانية فيها زياد ولم أعرفه.
وفيها
عثمان بن أبي العاتكة تكلم فيه بعضهم. قال ابن معين في رواية الدوري (4/420):
"ليس بالقوي".
وقال
مرة (4/440): "ليس بشيء ".
وقال
يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/433): "نا هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد
الدمشقي مولى أم البنين دمشقي ثقة، عن أبي حفص عثمان بن أبي العاتكة وكان قاص دمشق
وهو ضعيف الحديث".
وقال
النسائي في الضعفاء (174): "ضعيف".
وقال
ابن عدي في الكامل (6/280): "وهو مع ضعفه يكتب
حديثه".
وقال
أبو أحمد الحاكم (3/44): "ليس بالقوي
عندهم".
وقال
ابن حجر في التقريب (664): "صدوق، ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني".
وقال
في تلخيص الحبير (1/89): "متروك".
ثالثاً:
حدير السلمي، ويقال: الأسلمي، والصوب الأول قاله الحافظ، وفرق بينهما ابن حبان
فقال في الثقات (4/182): حدير السلمي كنيته أبو فوزة، يروي عن عثمان بن عفان t، روى عنه يونس بن ميسرة، والعلاء بن
الحارث".
وقال
(4/183): "حدير الأسلمي، يروي عن أبي الدرداء t، روى عنه عبيدالله بن عبدالرحمن".
وظاهر
صنيع ابن عساكر في تاريخه يقتضي أنهما واحد.
واختلف
في صحبته، ذكره في الصحابة y ابن منده وأبو نعيم وابن الأثير في أسد
الغابة (5/248)، وابن عبدالبر في الاستيعاب (4/1728)، وأبو موسى الرعيني في الجامع
لما في مصنفات الجوامع من أسماء الصحابة الأعلام أولي الفضل والأحلام (2/106).
وأما
ابن حبان فذكره في التابعين (4/182)، وسبق ابن حبان إلى ذلك أبو زرعة الدمشقي كما
في تاريخ دمشق لابن عساكر (12/240) فقال في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله r وهي العليا: "أبو فوزة حدير
السلمي".
وهو
ظاهر تصرف البخاري في التاريخ فإنه لم ينص على صحبته كما هي عادته، وكذلك ابن أبي
حاتم في الجرح والتعديل (3/295)، فإنه من عادته أن ينص على صحبة الرجل، ويقدمه في أول
كل ترجمة أن كان من الصحابة y، ثم يذكر بعد ذلك من بعدهم، وفي هذه الترجمة
قدم حدير بن كريب الحميري وهو تابعي ثم ثنى بحدير السلمي.
قال
ابن عساكر في تاريخه (12/239): "يقال: له صحبة".
وقال
ابن حجر في الإصابة (2/37): "مختلف في صحبته، ذكره جماعة في الصحابة، وذكره
ابن حبان في التابعين".
وهذا
هو الراجح، لأن الأسانيد الدالة على صحبته لا تصح.
قال
الذهبي في المقتنى (2/213): "أبو فوزة حدير السلمي، له صحبة، ولا يصح".
وقد
اختلف في كنيته فقيل: أبو فوزة، قاله البخاري في التاريخ (3/97)، ومسلم في الكنى
(2/685)، وأبو زرعة الدمشقي كما في تاريخ دمشق (12/210)، وابن أبي حاتم في الجرح
والتعديل (3/295)، وابن منده في معرفة الصحابة، وكذلك أبو نعيم، وابن حبان،
والذهبي في المقتنى.
وكناه
النسائي كما في تاريخ دمشق (12/240)، والدولابي في الكنى (2/904) بأبي فروة - كذا
في المطبوع، والذي في الإكمال لابن ماكولا (7/48) نقل عن الدولابي (أبو فورة حدير
السلمي)، قال ابن حجر في التبصير (3/1077): "أبو فورة حدير السلمي كذا ضبطه
ابن ماكولا، والذي أعرفه أنه بالزاي، كذا رأيته في تاريخ البخاري وغيره"-.
أقول:
لعل ما وقع في الإكمال نقلاً عن الدولابي هو الصواب، لأنه قال في المطبوع من الكنى
(904) "من كنيته: أبو فاطمة وأبو فارس وأبو فاختة وأبو فروة"، ثم في ص
(908) قال: "من كنيته: أبو فراس وأبو الفرات وأبو فروة"، فكرر الكنية
مرتين، فدل على أن ثمة تصحيف وقع في أحدهما.
وكنا
ابن عبدالبر في الاستيعاب بأبي فروة.
قال
ابن عساكر في تاريخه (12/239): "حدير أبو فوزة، ويقال: أبو قروة" بالقاف
وهو تصحيف من فروة.
قال
ابن حجر في الإصابة (2/37): "وقال بعضهم: أبو فروة، وهو وهم".
رابعاً:
وقع في رواية عبدالله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن أبي عمرو الأزدي، عن بشير
مولى معاوية سمع فروة ذكره البخاري في الكنى (8/55).
وخالف
عبدالله بن صالح: ابن وهب فقال فيه: عن أبي فروة، وهو المحفوظ فيه.
وجعل
البخاري فروة هذا بناء على رواية عبدالله بن صالح من الصحابة في تاريخه (7/127)
فقال: "فروة له صحبة، روى معاوية بن صالح، عن أبي عمرو، عن بشير سمع فروة".
وتبعه
أبو حاتم، فقال كما في الجرح والتعديل (7/83): "فروة الشامي له صحبة، روى
معاوية بن صالح، عن أبى عمرو، عن بشير عنه. سمعت أبى يقول ذلك".
وتبعه
ابن منده وأبو نعيم وابن عبدالبر وابن الأثير وسماه بعضهم فروة الجهني كما في
الإصابة لابن حجر (5/303، و304).
وجعله
ابن عساكر في تاريخه (48/274، و277) هو فروة بن مجاهد اللخمي، فأبعد النجعة.
فإن
كان اعتماد البخاري على سند عبدالله بن صالح فقد خالفه عبدالله بن وهب، وهذا الذي
يغلب على ظني، وإلا فالقول ما قاله رحمه الله فهو العمدة في هذا الباب.
قال
ابن عبدالبر في الاستيعاب: "ووقع في كتاب البخاري في هذا الخبر (عن بشير مولى
معاوية سمع عشرة من أصحاب رسول الله r أحدهم فروة في رؤية الهلال) وهذا خطأ وتصحيف
ليس فيه إشكال".
وهذا
الذي يترجح لي، ولعل الخطأ فيه من عبدالله بن صالح، والله أعلم بحقيقة الأمر.
هذه
الأسانيد أجود ما وقفت عليه، وهي كما ترى لا تصح، وهناك أحاديث أخرى واهية تركت
الكلام عليها خشيت الطول، فمن أراد الوقوف عليها فلينظر ما كتبه العلامة الألباني
رحمه الله في الضعيفة (8/6 - 10).
وفصل
الخطاب أنه لا يصح في الباب حديث.
قال
أبو داود في السنن (5/327): "ليس عن النبي r في هذا الباب حديث مسند صحيح".
وقال
الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه (200): "وكلها ليست بأقوى الأحاديث".
وقال
العقيلي في الضعفاء (2/518): "وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث، كان هذا عندي
أصلحها إسناداً، كلها لينة الأسانيد".
وقال
في (6/224): "الرواية في هذا الباب فيها لين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق