الأربعاء، 7 يوليو 2021

أهمية الموسوعات العلمية الحاسوبية لطلاب الحديث

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

وبعد

لقد منّ الله على الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر بنعم عظيمة وكبيرة في جميع المجالات وخاصة المجال العلمي منها، ومن تلكم النعم التي منّ بها عليها الموسوعات الحاسوبية العملية، التي يستطيع طالب العلم والباحث عن المعلومة من خلالها أن يقف عليها في دقائق معدودة، بينما كان الواحد منهم فيما مضى يستغرق الوقت الطويل، بل ربما أيام، ولا أكون مبالغًا لو قلت السنوات الطوال ليقف عليها، وربما رحل في طلبها، وسأل أهل العلم والاختصاص عن موضعها ومدى صحتها.

ولقد كان أئمة الحديث السابقين لشدة ما حباهم الله من قوة حافظة في غنى نوعًا ما عن تلك الفهارس والموسوعات الحاسوبية.

قال إسحاق بن راهوية: "أعرف مكان مئة ألف حديث كأني انظر إليها"([1]).

وقال  علي بن سلمة اللّبًقي: "كان إسحاق عند الأمير عبدالله بن طاهر، وعنده إبراهيم بن أبي صالح، فسأل الأمير إسحاق عن مسألة، فقال: إسحاق السنة فيها كذا وكذا، وكذلك يقول من سلك طريق أهل السنة، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا بخلاف هذا، فقال إبراهيم: لم يقل أبو حنيفة بخلاف هذا، فقال إسحاق: حفظته من كتاب جده أنا وهو في كتاب واحد، فقال إبراهيم: أصلحك الله، كذب إسحاق على جدي، فقال إسحاق: ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من جامعه، فأتى بالكتاب فجعل الأمير يقلب الكتاب، فقال إسحاق: عد من الكتاب إحدى عشرة ورقة، ثم عد تسعة أسطر، ففعل فإذا المسألة على ما قال إسحاق، قال الأمير عبدالله بن طاهر: قد تحفظ المسائل، ولكني أعجب لحفظك هذه المشاهدة! فقال إسحاق: ليوم مثل هذا"([2]).

ومع تلك الحافظة الباهرة والقوة العجيبة في استحضار الأحاديث وأماكن وجودها، إلا أنه ربما فات الناقد الخبير الوقوف على بعض الأحاديث، أو بعض طرقها.

قال ابن المديني: "خرجت إلى الكوفة قاصدًا في تتبع حديث الأعمش، فجعلت أكتب النسخ التي بالكوفة عن الأعمش، وأتتبع حديث الأعمش تتبعًا شديدًا، فأقمت مدة، ثم قدمت البصرة وأنا أرى أني قد بلغت في حديث الأعمش مبلغًا، فأتيت عبدالرحمن أسلم عليه، فصادفته يملي على جماعة، فجلست ساعة حتى فرغ، ثم قمت فسلمت عليه، فقال: قد بلغني أنك كتبت بالكوفة حديث الأعمش، فقلت: قد كتبت منها ما أمكن، فقال: خذ عني ما أمليه مما ليس عندك، قال: فأملى علي نيفًا وعشرين حديثًا، فلم أجد عندي منها إلا واحدًا، فإذا هو قد غاص عليها على مواضع خفية، لم أكن متعقبًا"([3]).

وبرغم اجتهاد ابن المديني في تتبع أحاديث الأعمش وطلبها عند أصحابه من أهل الكوفة إلا أنه فاته من أحاديثه ما أملاه عليه ابن مهدي.

وقال الترمذي: "حدثنا عبيدالله بن سعد، حدثنا عمي، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني عمر بن حسين من آل حاطب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في اليتيمة: (لا تنكح إلا بإذنها ...)، سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: لا أعرف هذا الحديث، إلا من حديث ابن إسحاق"([4]).

هكذا قال الإمام البخاري مع سعة علمه، وقوة حفظه -التي أقر له بها القاصي والداني- إنه لا يعرفه إلا من حديث ابن إسحاق عن عمر بن حسين، إلا أنه قد فاته رواية ابن أبي ذئب، عن عمر بن حسين([5]).

وربما طال زمن البحث والتفتيش على الطالب أو الباحث فاستغرق السنين الطوال ليقف على حديث أو علة حديث، وربما سأل أهل العلم عنه.

قال ابن المديني: "ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة".

وقال الترمذي: "حدثنا أبو كريب، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن مغيرة بن مسلم، عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب سمح البيع ...). سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث خطأ، روى هذا الحديث إسماعيل بن علية، عن يونس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال محمد: وكنت أفرح بهذا الحديث حتى روى بعضهم هذا الحديث عن يونس، عمن حدث عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه"([6]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث: رواه حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن مالك، قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم قومًا يكرهون استقبال القبلة بالغائط ...)؟ قال أبي: فلم أزل أقف أثر هذا الحديث حتى كتبت بمصر عن إسحاق بن بكر بن مضر أو غيره، عن بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا، وهذا أشبه"([7]).

وقال: "وسألت أبي عن حديث: رواه أبو غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى الصلوات الخمس ...)؟ قال أبي: سمعت هذا الحديث عن عبادة منذ حين، وكنت أنكره، ولم أفهم عورته حتى رأيته الآن، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا أبو صالح، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن عبادة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... فعلمت أن الصحيح هذا، وأن محمد بن مطرف لم يضبط هذا الحديث، وكان محمد بن مطرف ثقة"([8]).

قال الخطيب: "فمن الأحاديث ما تخفى علته، فلا يقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد"([9]).

وقال البيهقي: "وأما الذي يذكره بعض فقهائنا في هذه الرواية (من قعودها شطر عمرها, وشطر دهرها لا تصلي)، فقد طلبته كثيرًا فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث, ولم أجد له إسنادًا بحال، والله أعلم"([10]).

وقال ابن الملقن: "قال الإمام الرافعي نقلاً عن صاحب التتمة وغيره: (إنهم رووا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال : (استاكوا عرضا لا طولاً)، وهذه الرواية غريبة، لا أعلم من خرجها بهذا اللفظ مع البحث والسؤال عنها من الحفاظ الأكابر"([11]).

ولذلك كان الواحد منهم إذا وقف على تلك الأحاديث فرح واستبشر وحمد الله على ما منّ الله به عليه، وسجل تلك اللحظات الجميلة والرائعة التي عاشها بعد العثور على بغيته.

قال ابن الملقن: "هذا لفظه برمته في كتابه الأذكار، ويمكن أن يجاب عن كلامه المتقدم: بأن هذه الأحاديث التي أوردناها غريبة عزيزة في خبايا وزوايا، وليست في كتب السنن والمسانيد المشهورة، فلأجل ذلك قال ما قال، رحمنا الله وإياه"([12]).

وقال رحمه الله: "(الوجه الخامس) : وهو عزيز مهم يرحل إليه، ليس فيه عطاء بن السائب، ولا ليث، ولم يظفر صاحب الإمام والإلمام به، ولو ظفر به لما عدل عنه، بل لم يظفر به أحد ممن صنف في الأحكام فيما علمت ..."([13]).

وقال: "عن أبي أمامة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبع ركعات)، هذا الحديث من هذا الوجه بيضت له مدة عزيزة، وتطلبه ابن الرفعة في مطلبه فلم يظفر به، وقال: (لم أر من خرجه)، وقد ظفرت به بحمد الله في كتابين جليلين: مسند الإمام أحمد و معجم الطبراني الكبير"([14]).

وقال الحافظ ابن حجر: "حديث وائل بن حجر رضي الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائمًا) هذا الحديث بيض له المنذري في الكلام على المهذب، وذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف، وذكره في شرح المهذب فقال: (غريب)، ولم يخرجه، وظفرت به في سنة أربعين في مسند البزار في أثناء حديث طويل في صفة الوضوء والصلاة"([15]).

ولقد كان أهل العلم قديمًا أكثر منا اليوم عذرًا، ومع هذا فقد كانوا أشد منا للعلم طلبًا، وله تنقيبًا وبحثًا، إذ كان العلم في زمنهم مفرقًا، وفي الأمصار مشتتًا، فرحلوا في جمعه، ودأبوا في طلبه، فأما اليوم فهو لباغيه ميسرًا، ولطالبه مذللاً، ومع هذا فقد قصرت الهمم، وضعفت النهم.

قال أبو شامة: "وقد كان العلماء في الصدر الأول معذورين في ترك ما لم يقفوا عليه من الحديث، لأن الأحاديث لم تكن حينئذ بينهم مدونة، إنما كانت تتلقى من أفواه الرجال وهم متفرقون في البلاد ...، ثم جمع الحفاظ الأحاديث المحتج بها في الكتب، ونوعوها وقسموها، وسهلوا الطريق إليها، فبوبوها وترجموها، وبينوا ضعف كثير منها وصحته، وتكلموا في عدالة الرجال، وجرح المجروح منهم، وفي علل الأحاديث، ولم يدعوا للمشتغل شيئا يتعلل به، وفسروا القرآن والحديث، وتكلموا على غريبها وفقهها، وكل ما يتعلق بها في مصنفات عديدة جليلة، فالآلات متهيئة لطالب صادق، ولذي همة، وذكاء وفطنة"([16]).

ولهذا قال ابن الملقن: " ... إن المتأخرين أوسع علمًا وأقل عذرًا"([17]).

وقد كان طالب العلم في السابق يعاني الأمرّين، ويكابد المشاق وهو يبحث عن الحديث واحد، ثم بعد ذلك لا يقف منه إلا على مصادر قليلة جدًا، لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وربما بعد كل هذا التعب والنصب لا يقف على شيء أبدًا، بينما سهلت تلك الموسوعات الحاسوبية الحديثية -التي منّ الله بها علينا في العصر الحاضر- البحث على طلاب الحديث، فأصبح الطالب أو الباحث يقف على الحديث في أكثر من مصدر في وقت قصير جدًا، وبجهد قليل، مما أسهم في حفظ وقته وجهده وعمره.

قال الشيخ محمد رشيد رضا وهو يتكلم عن كتاب مفتاح كنوز السنة: "ولو وجدت مثل هذا المفتاح لسائر كتب الحديث لوفر علي أكثر من نصف عمري في الذي أنفقته في المراجعة"([18]).

وقال الدكتور عبدالعظيم الديب وهو يتكلم عن مشروع الموسوعة الشاملة: "كان أول تعبير عن هذه الفكرة هو المشروع الذي كتبته سنة (1978م)، ثم هذبته ودققته، وتقدمت به إلى المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية في محرم سنة (1400هـ)، ولكن بذرة المشروع كانت قد استقرت في الذهن منذ سنوات قبل ذلك، عندما تعرضت لتخريج بعض الأحاديث، أو عزوها إلى من خرجها، فلقيت في سبيل ذلك ما لقيت من عناء، وبذلت في سبيل ذلك ما بذلت من جهد، ولأضرب مثلاً على ذلك بما لقيته في سبيل حديثين اثنين فقط، الأول: حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو حديث دائر على ألسنة الفقهاء، ويتردد دائمًا في كتبهم، ويعزونه إلى البخاري، ولم أشأ أن أعزوه إلى البخاري نقلاً عن السابقين، وبدا لي أن الوصول إليه في البخاري أمر سهل ميسور، ورغبت في التبرك بصحبته ساعة، وبدأت أبحث في الأبواب التي أقدره فيها من (أبواب الصلاة) فلم أجده، فعاوت البحث فلم أجده، فقلت: أبحث في الكتاب التالي ( كتاب مواقيت الصلاة) فلم أجده أيضًا، فازددت إصرارًا على البحث، وعدث أقرأ أبواب الصلاة كلمة كلمة، حتى فرغت منها وعددها (109)بابًا، وكانت المفاجأة أنني لم أجده، فمضيت أقرأ كتاب مواقيت الصلاة كلمة كلمة حتى انتهيت من كل أبوابه وهي (41) بابًا، وكانت دهشتي أنني لم أجده أيضًا، وخرجت المسألة عن أن تكون زيادة في الدقة، فقد كان يسعني ما يسع غيري من نسبته إلى البخاري، متابعة لأئمة الفقه الأعلام وثقة فيهم، وخرجت المسألة أيضًا عن أن تكون التمسًا للبركة، وصارت لونًَا من التحدي، فالحديث موجود في البخاري بالقطع، ولكن أين هو؟ وإن لم يكن في كتاب (أبواب الصلاة) و (كتاب مواقيت الصلاة) فأين يوجد؟ وتركت ما أنا فيه من شغل، وعزمت على أن أصل إلى الحديث ولو اقتضى الأمر أن أقرأ البخاري كلمة كلمة، وأخذت أقرأ بدقة وتمهل أبواب ( كتاب الصلاة)، وما بعدها حتى وصلت إلى (كتاب الأذان)، ووصلت فيه إلى الباب الثامن عشر: باب (الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة) فوجدت الحديث حيث لم أكن أتوقع أن أجده"([19]).

وهذه بعض الأمثلة التي عانى فيها الحفاظ الكبار من المتأخرين من البحث الشاق والمظني عن الأحاديث في بطون الكتب ولم يقفوا بعد كل ذلك عليها، وبفضل الله ثم بفضل هذه التقنية العظيمة وقفنا عليها في دقائق معدودة، بدون رحلة ولا كد ولا تعب، فله الحمد أولاً وأخبرًا.

قال ابن الصلاح: "حديث (لا تنفضوا أيديكم) لا صحة له، ولم أجد له أنا في جماعة اعتنوا بالبحث أصلاً، وزاد بعض الفقهاء في آخره (فإنها مراوح الشيطان)"([20]).

والحديث أخرجه: إسحاق في مسند أبي هريرة رضي الله عنه (161)، وابن حبان في المجروحين (1/233)، والسلفي في المشيخة البغدادية (1/371)، وابن حجر في الغرائب الملتقطة (1/876).

والحديث حكم عليه أبو حاتم في العلل بالنكارة (1/161).

وقال: "وقوله (والواشرة والمستوشرة) ليست في روايات هذا الحديث الصحيحة، وذكرها أبو عبيد في كتابه غريب الحديث بغير إسناد، ولم أجد لها ثبتًا بعد البحث الشديد"([21]).

والحديث أخرجه: الباغندي في مسند عمر بن عبدالعزيز بهذا اللفظ (43).

وقال ابن الملقن: "روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مانع الزكاة في النار)، هذا الحديث ذكره الرافعي، تبعًا للغزالي في وسيطه، وقال ابن الصلاح: بحثت عنه فلم أجد له أصلاً"([22]).

والحديث أخرجه: أبو عبدالله الرازي في مشيخته (278).

وقال ابن الملقن بعد حديث (من اغتسل بماء مشمس): "هذا الحديث غريب جدًا ليس في السنن الأربعة قطعًا، حاشا الصحيحين منه، وليس هو في السنن الكبير، والمعرفة للبيهقي، ولا في سنن الدارقطني، وعلله، ولا في المسانيد، فيما فحصت عنه عدة سنين فوق العشرة، وسؤالي لبعض الحفاظ بمصر، والقدس، ودمشق عنه فلم يعرفوه، إلا أني ظفرت به في مشيخة قاضي المرستان، في أواخر الجزء الخامس منها"([23]).

وقد وقفت على الحديث في دقائق قليلة في المشيخة الكبرى لقاضي المارستان (3/1387)، وهذا من نعمة الله علينا فله الحمد والشكر.

وقال عقب حديث (مس زبيبة الحسن أو الحسين...) قال: "... مكثت دهرًا أبحث عن رواية الحسين -مصغرًا- فظفرت بها بحمد الله ومنه في الطبراني الكبير صريحًا"([24]).

وإذا أدخلت بعض نصوص هذا الحديث للحاسوب سيخرج لك في مصادر أخرى منها: العيال لابن أبي الدنيا (1/376)، والكامل لابن عدي (7/175)، وتاريخ مدينة السلام للخطيب (4/467)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (14/224).

وفي رواية ابن أبي الدنيا -إن صحت- ما يعلل الطريق التي ذكرها الطبراني.

وقال بعد حديث (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) قال: "وعزاه المحب في أحكامه إلى رواية الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما ذكره صاحب المهذب بلفظ: (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)، وراجعت المسند فلم أره، ثم بعد سنين كثيرة فوق العشر ظفرت به في صحيح أبي عوانة"([25]).

والحديث أخرجه: أحمد في المسند (8/500)، وابن الجارود في المنتقى (1/59).

وقال عقب أثر لابن عمر رضي الله عنهما (وقعت في نفسي([26]) جارية من سبي جلولاء ...) قال: " وهذا الأثر لم أر من أخرجه عنه إلا ابن المنذر فإنه ذكره في إشرافه بغير إسناد فقال: (وقد روينا عن ابن عمر رضي الله عنه (أنه قبل جارية وقعت في سهمه يوم جلولاء) وأسنده في كتابه الأوسط، ومنه نقلت بعد أن لم أظفر به إلا بعد عشرين سنة من تبييض هذا الكتاب فاستفده، ولله الحمد"([27]).

والأثر أخرجه أيضًا: ابن أبي شيبة في المصنف (9/197)، والأمام أحمد في العلل ومغرفة الرجال (2/260)، والخرائطي في اعتلال القلوب (1/148).

وقال ابن حجر بعد أثر ذكره البخاري: "وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما".

قال الحافظ: "لم أره موصولاً"([28]).

والأثر أخرجه: الفاكهي في أخبار مكة (3/9)، قال: حدثني إبراهيم بن يعقوب، عن عفان بن مسلم، قال: ثنا سلام بن سليمان أبو المنذر القارئ، قال: ثنا حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: ( كان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما يخرجان أيام العشر إلى السوق فيكبران فيكبر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك).

فنظر إلى هذا العناء الذي تكبده هؤلاء العلماء الأجلاء في البحث عن هذا الأحاديث والسؤال عنها، ثم بعد عدة سنوات ظفروا به، بينما نحن وفي دقائق معدودة نستطيع أن نقف عليها بفضل الله ثم بفضل هذه الموسوعات الحاسوبيه، وذلك بإدخال بعض نصوص تلك الأحاديث أو الآثار في الموسوعة الشاملة، أو جوامع الكلم، أو الجامع الكبير أو غيرها من الموسوعات العلمية الآخرى، فلله الحمد وله سبحانه الشكر.

ومن ذلك أيضًا أننا نستطيع من خلال تلك الموسوعات أن نقف على أحاديث أو آثار نفي جماعة من الحفاظ وجودها في كتب معينة، أو عدم الوقوف عليها فيها.

قال ابن الملقن: "قال الرافعي : وروي (الوتر حق وليس بواجب)، وهذه الرواية لم أقف على من خرجها بعد البحث الشديد عن طرق هذا الحديث، وعزاها المجد ابن تيمية في أحكامه إلى رواية ابن المنذر في هذا الحديث، وذكرها الشيخ أبو إسحاق في مهذبه، وأما المنذري فإنه أسقطها ولم يتكلم عليها، وأما النووي فقال في شرحه: إنها غريبة لا أعرف لها إسنادًا صحيحا"([29]).

وكلامه يدل على أنه لم يقف عليها عند ابن المنذر، وهي في الأوسط له (5/185).

وقال: "قال الشيخ تقي الدين في الإمام: (أشار إليه البيهقي في السنن، وخرجه في الخلافيات، وهو منقطع فيما بين عطاء بن أبي رباح وعثمان رضي الله عنه)، وكشفت أن الخلافيات للبيهقي فلم أر لهذه الطريقة فيه ذكرًا، فلعله في غير المظنة، نعم هو في السنن"([30]).

أقول: هو في الخلافيات وفي المظنه (1/336).

وقال النووي: "وقد رأيت جماعة من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا، فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم"([31]).

وقد وقع للحاكم مثل ذلك في مستدركه([32]).

وقال ابن الملقن: "ووهم ابن الجوزي فادعى في تحقيقه أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه من أفراد مسلم، وهو غريب، فإنه فيه وفي البخاري أيضًا"([33]).  

وقال العلامة الألباني بعد حديث (إذا فاءت الأفياء ...) قال: "وعزاه السيوطي في الزيادة على الجامع الصغير، وفي الجامع الكبير: (للبيهقي في الشعب عن علي رضي الله عنه بنحوه)، وقد بحثت عنه كثيرًا في مجلدات (الشعب) السبعة، واستعنت عليه بالفهرس الذي وضعه له الأخ المرعشلي فلم أعثر عليه، والله أعلم"([34]).

والحديث في الشعب (4/458، ورقم 2809) بلفظ (إذا زالت الأفياء ...)، لذا لم يقف عليه الشيخ رحمه الله في الفهارس.

نصائح يحتاج لها الباحث في هذه الموسوعات:

أولاً: على طالب العلم وهو يتعامل مع تلك الموسوعات الحاسوبية أن يكون فطنًا ذكيًا، بحيث يبحث عن الكلمات الغريبة داخل النصوص، أو يقلب حروفها خوفًا من أن يكون ثمة تصحيف أو غلظ وقع عند إدخالها، فعلى سبيل المثال: لو بحث عن راو اسمه (عمرو بن ميمون)، فوقع فصل بين الواو والراء عند إدخال تلك النصوص إلى الحاسوب، أو انجرت الواو فقربت من الباء لن تظهر له نتائج في البحث، لهذا قد يحتاج الباحث لبعض الوقت حتى يعثر على مراده، فعليه عندئذ أن يتحلى بالصبر وسعة البال.

ثانيًا: عدم الاكتفاء بتلك الموسوعات، بل لابد من الرجوع إلى الأصل، ليتأكد من صحة المعلومة المدخلة إلى البرنامج.

ثالثًا: تدوين الفوائد والمعلومات العابرة، فقد تعرض له بعض الفوائد أثناء بحثه فيتجاهلها، فإذا احتاج إليها لم يستطيع أن يتذكر مادة البحث التي خرجت له منها تلك الفوائد، فيفوته الانتفاع بها، ويحصل له الندم والهم من جراء ذلك.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

 

 

 

 

 



([1]) انظر: تهذيب الكمال (2/385).

([2]) تاريخ مدينة السلام (7/372).

([3]) التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم لابن أبي بكر المقدمي (163).

([4]) علل الترمذي (158).

([5]) أخرجها من طريقه: الدارقطني في السنن (4/329)، والمحاملي في الأمالي (325)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/121).

([6]) العلل (196).

([7]) علل الحديث (1/151).

([8]) السابق (1/239).

([9]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/257).

([10]) معرفة السنن والآثار (2/145).

([11]) البدر المنير (1/727).

([12]) السابق (2/281).

([13]) السابق (2/493).

([14]) السابق (4/300).

([15]) تلخيص الحبير (2/739).

([16]) خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (124).

([17]) البدر المنير (2/205).

([18]) مقدمة مفتاح كنوز السنة (س).

([19]) نحو موسوعة شاملة للحديث النبوي الشريف الكمبيوتر حافظ العصر (21).

([20]) شرح مشكل الوسيط (1/164).

([21]) السابق (2/170).

([22]) البدر المنير (5/401).

([23]) البدر المنير (1/435).

([24]) السابق (2/479).

([25]) السابق (6/144).

([26]) قال ابن الملقن: وبهذا تبين أن رواية الرافعي (في نفسي) صوابه في (سهمي).

([27]) البدر المنير (8/262).

([28]) الفتح (2/458).

([29]) البدر المنير (4/298).

([30]) السابق (2/178).

([31]) شرح صحيح مسلم (1/15).

([32]) والأمثلة عليه كثير انظر: كتاب المعلم بما استدركه الحاكم وهو في البخاري أو مسلم لعبد السلام بن عمر علوش.

([33]) تذكرة الأحبار (1/203).

([34]) الضعيفة (6/144).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق