بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه وزوجاته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذا
بحث في تخريج حديث وضع اليد اليسرى خلف الظهر، وحديث العجن عند النهوض للقيام في الصلاة،
فأقول مستعينًا بالله.
روى
عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه
الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس
هكذا -قد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت علي أَلية يدي- فقال: (أتقعد قِعْدة
المغضوب عليهم).
أخرجه:
أحمد في المسند عن علي بن بحر واللفظ له (32/204)، وأبو داود في السنن عنه
(5/176)، والطبراني في المعجم الكبير من طريق عمرو بن خالد الحراني (7/316)، وابن
حبان في الصحيح من طريق المغيرة بن عبدالرحمن الحراني (12/488)، والحاكم في المستدرك
من طريق عمرو بن خالد (7/492)، والبيهقي في السنن من طريق علي بن بحر وطريق
عبدالوهاب بن نجدة (3/226)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع من طريق
سليمان بن عمر الرقي (1/402)، كلهم عن عيسى بن يونس به.
وزاد
ابن حبان (قال ابن جريج: وضع راحتيه على الأرض وراء ظهره)، وقال الحاكم في لفظه
(يده خلف ظهره)، وفي رواية للبيهقي (وأنا جالس في المسجد، وقال: قال أبو داود: قال
القاسم: ألية الكف أصل الإبهام وما تحته)، ولم يصرح منهم أحد عن عيسى بن يونس بالتحديث
بين ابن جريج وإبراهيم بن ميسرة.
وخالف
عيسى: عبدالرزاق، فرواه عن ابن جريج، قال أخبرني: إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو
بن الشريد يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في وضع الرجل شماله إذا
جلس في الصلاة: (هي قعدة المغضوب عليهم).
أخرجه:
عبدالرزاق في المصنف (2/198)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (4/15)، قال عبدالرزاق:
عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة به.
وتابع
عيسى بن يونس: مندل بن حبان، فرواه عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن
أبيه رضي الله عنه قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد جلس فاتكأ على يده
اليسرى فقال: (هذه جلسة المغضوب عليهم).
أخرجه:
الطبراني في الكبير (7/316): حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا يحيى الحماني،
ثنا مندل به.
الكلام
على الروايات:
أولاً:
المحفوظ عن ابن جريج هي رواية عبدالرزاق المرسلة، وأما رواية عيسى بن يونس فخطأ،
لما يلي:
1/
أن عبدالرزاق أثبت في ابن جريج من عسى بن يونس. قال الإمام مسلم في التمييز (شرح
العلل لابن رجب 2/683): "عبدالرزاق وهشام بن سليمان أكبر في ابن جريج من ابن
عيينة وعبدالله بن فروخ".
وقال
أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/457): "قلت لأحمد بن حنبل: كان عبدالرزاق يحفظ
حديث معمر؟ قال: نعم، قيل له: فمن أثبت في ابن جريج: عبدالرزاق أو محمد بن بكر
البرساني؟ قال: عبدالرزاق".
وقال
يعقوب بن شيبة (تهذيب الكمال 18/58): "عن علي بن المديني، قال لي هشام بن
يوسف: كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا، قال يعقوب: وكلاهما ثقة ثبت".
2/
أنه مما يدل على أن عبدالرزاق ضبط الرواية عن ابن جريج أنه ذكر الأخبار في روايته
عنه.
3/
أن رواية عيسى بن يونس ليس فيها التصريح بسماع ابن جريح من إبراهيم بن ميسرة، وابن
جريج مدلس.
قال
الذهلي (إكمال تهذيب الكمال6/323): "وابن جريج إذا قال: (حدثني) و (سمعت) فهو
محتج بحديثه".
وقال
أبو بكر الأثرم (تهذيب الكمال 18/348): "إذا قال ابن جريج (قال فلان) و
(أخبرت) جاء بمناكير، وإذا قال: (أخبرني)، و (سمعت) فحسبك به".
وقال
يحيى بن سعيد (السابق 18/351): "كان ابن جريج صدوقًا، فإذا قال: (حدثني) فهو
سماع، وإذا قال: (أخبرنا) أو (أخبرني) فهو قراءة، وإذا قال: (قال) فهو شبه
الريح".
وقال
الدراقطني في العلل (15/14): "وابن جريج ممن يعتمد عليه إذا قال: (أَخبرني)، و
(سمعت) كذلك قال: أَحمد بن حنبل".
ولا
تنفع عيسى بن يونس متابعة مندل بن علي العَنزي، فإن مندلاً متكلم فيه. قال ابن
نمير (الجرح والتعديل 8/435): "حبان وأخوه مندل أحاديثهما فيها بعض الغلط".
وقال
عبدالله بن أحمد في العلل (1/412): "سألته عن مندل بن علي؟ فقال: ضعيف".
وقال
ابن أبي حاتم (السابق): "سئل أبو زرعة عن مندل؟ فقال: لين".
وقال:
"سئل أبي عن مندل؟ فقال: شيخ".
وقال
النسائي في الضعفاء (230): "ضعيف".
وقال
ابن عدي في الكامل (8/216): "ولمندل غير ما ذكرت،
وله أحاديث أفراد وغرائب، وهو ممن يكتب حديثه".
وقال
ابن حبان في المجروحين (2/363): "كان مرجئًا من العباد، إلا أنه كان يرفع
المراسيل، ويسند الموقوفات، ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه، فلما سلك غير
مسلك المتقنين مما لا ينفعك منه البشر من الخطأ، وفحش ذلك منه، عدل به غير مسلك
العدول فاستحق الترك".
وقال
البرقاني: "سألت الدارقطني عن حبان بن علي وأخيه مندل؟ فقال: متروكان، وقال مرة
أخرى: ضعيفان، ويخرج حديثهما".
وقال
أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (5/234): "ليس بالقوي عندهم".
وقال
الحافظ في التقريب (970): "ضعيف".
وفي
السند إليه يحيى بن عبدالحميد الحماني. قال الحافظ في التقريب عنه (1060):
"حافظ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث".
فالرواية
الراجحة هي رواية عبدالرزاق المرسلة، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام
(5/695): "وذكر -يعني عبدالحق الإشبيلي- الاعتماد على اليسرى أنها قعدة
المغضوب عليهم والضالين - كذا في المطبوع وليست في شيء من الروايات فلعلها سبق قلم
من الناسخ- ولم يبين إرساله".
·
الأحاديث الدالة على أن الاعتماد
المذكور منهي عنه داخل الصلاة:
والاعتماد
المذكور المنهي عنه هو داخل الصلاة، وهذا ما جاءت مؤيدًا له الروايات الأخرى.
فروى
عبدالرزاق في المصنف (2/197)، ومن طريقه السراج في المسند (86)، عن ابن جريج قال:
أخبرني نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً جالسًا معتمدًا على يديه فقال:
ما يجلسك في صلاتك جلوس المغضوب عليهم).
وتابع
ابن جريج: هشام بن سعد، فرواه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً
يتكئ علي يديه اليسرى وهو قاعد في الصلاة، فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس
الذين يعذبون).
أخرجه:
أبو داود في السنن من طريق زيد بن أبي الزرقاء وطريق ابن وهب واللفظ له (1/605)، والبيهقي
في السنن من طريق جعفر بن عون (2/136)، كلهم عن هشام بن سعد به موقوفًا.
وفي
لفظ أحمد (رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة)، وفي لفظ لأبي داود (ساقطًا على شقه
الأيسر)، وفي لفظ البيهقي (رأى عبدالله رجلاً يصلي ساقطًا على ركبتيه متكئًا على
يده اليسرى)، وصرح بالسماع من نافع.
وخالفهم:
محمد بن عبدالله بن الزبير، فرواه عن هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله
عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة، فقال: لا
تجلس هكذا، هذه جلسة الذين يعذبون).
أخرجه: ابن أبي شيبة (إتحاف المهرة2/218)، وأحمد
في المسند (10/180)، كلاهما عن محمد بن عبدالله، عن هشام بن سعد به مرفوعًا.
والمحفوظ
هي رواية الجماعة الموقوفة عن هشام بن سعد.
·
الرواية المخالفة لرواية ابن جريج وهشام
بن سعد:
وخالفهما
في اللفظ: محمد بن عجلان، فرواه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه رأى
رجلاً جالسًا معتمدًا بيده على الأرض، فقال: جلست جلسة قوم عذبوا).
أخرجه:
عبدالرزاق في المصنف (2/197)، قال: عن ابن عيينة، عن محمد بن عجلان به.
فقصر
به ولم يقيده بالصلاة، وتقيده بها هو المحفوظ عن ابن عمر رضي الله عنهما.
·
الرواية المرفوعة عن ابن عمر رضي الله
عنه:
فروى
هشام بن يوسف، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية -وهو ثقة ثبت قاله الحافظ-، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلاً وهو جالس معتمد
علي يده اليسرى في الصلاة فقال: (إنها صلاة اليهود).
أخرجه:
الحاكم في المستدرك (2/167)، وعنه البيهقي (2/136)، قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن
إسحاق وعبدالله بن محمد بن موسى، قالا: ثنا محمد بن أيوب -هو ابن الضريس-، ثنا
إبراهيم بن موسى -ثقة حافظ-، ثنا هشام بن يوسف، عن معمر به.
وتابعه:
عبدالرزاق (المصنف 2/197)، فرواه عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن
عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة
وهو معتمد علي يديه).
أخرجه:
أحمد في المسند واللفظ له (10/416)، وأبي داود في السنن عن أحمد بن حنبل وأحمد بن
محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبدالملك الغزّال (1/604)، والبزار في البحر
الزخار عن أحمد بن زهير (12/191)، وابن خزيمة في الصحيح عن محمد بن سهل بن عسكر
والحسين بن مهدي (1/343)، والسراج في المسند عن محمد بن رافع وأحمد بن منصور (86)،
وابن المنذر في الأوسط عن إسحاق بن إبراهيم (3/368)، وتمام في الفوائد من طريقه
(2/297)، والحاكم في المستدرك من طريق أحمد وطريق إسحاق (1/127)، وابن حزم في
المحلى من طريق الدبري (4/15)، والبيهقي في السنن من طريق أحمد بن يوسف السلمي
(2/135)، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق محمد بن رافع وأحمد بن منصور (36/162)،
والبغوي في شرح السنة من طريق أحمد وطريق محمد بن عبدالملك الغزال (3/169)، عن
معمر، عن إسماعيل بن أمية به.
وفي
لفظ أحمد والسراج وابن المنذر وتمام وابن عساكر والبغوي (نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يديه)، وبنحوه ابن حزم لكنه قال:
(يده)، وفي لفظ لأبي داود والبيهقي (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)، وبنحوه
البزار وابن خزيمة والحاكم لكنهم قالوا: (يديه)، وفي لفظ أخر لأبي داود (نهى أن
يصلي الرجل وهو يعتمد على يده)، قال: (وذكره في باب الرفع من السجود)، وفي لفظ له
وللبغوي (نهى أن يعتمد الرجل علي يديه إذا نهض في الصلاة)، وفي لفظ لابن خزيمة
(إذا جلس الرجل في الصلاة أن يعتمد على يده اليسرى)، وفي لفظ للحاكم والبيهقي(أن
يعتمد على يده اليسرى).
قال
البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل بن أمية إلا معمر".
وقال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
·
الكلام على الروايات:
أولاً:
الراجح من الروايات عن عبدالرزاق هي رواية الأمام أحمد ومن تبعه. قال البيهقي في
السنن (2/135): "وفي رواية أبي داود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وهذه أبين الروايات، ورواية غير ابن
عبدالملك لا تخالفه، وإن كان أبين منها ... والذي يدل على أن رواية أحمد بن حنبل
هي المراد بالحديث أن هشام بن يوسف رواه عن معمر كذلك".
وقال
ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/39): "ورواياتهم وإن اختلفت ألفاظها
تجتمع على معنى واحد، وهو المفسر في رواية ابن حنبل منهم، وهو النهي عن الاعتماد
على اليد حال الجلوس، فأما رواية محمد بن عبدالملك هذا، فمقتضاها النهي عن
الاستعانة باليدين في حين النهوض، وذلك شيء لا يحتمل من مثله، فإنه حاله لا تعرف،
ولو لم يخالفه غيره".
وقال
العلامة الألباني في الضعيفة (2/390): "وإن مما لا شك فيه أن الوجه الأول هو
الراجح، وذلك ظاهر من النظر في الراوي له عن عبدالرزاق، وهو الإمام أحمد رحمه الله
تعالى، فإنه من الأئمة المشهورين بالحفظ والضبط والإتقان، فلا يقوم أمامه أيًا من
الثقات عند المخالفة، لا سيما إذا كان فيه كلام مثل راوي الوجه الآخر محمد بن
عبدالملك الغزال هذا، فإنه وإن وثقه النسائي وغيره، فقد قال مسلمة: (ثقة كثير
الخطأ)، قلت: فمثله لا يحتج به إذا خالفه ثقة، فكيف إذا كان المخالف له إمامًا
ثبتًا كالإمام أحمد؟! فكيف إذا توبع فيه الإمام أحمد، وبقي الغزال فريدًا
غريبًا".
ثانيًا:
رواية محمد بن عبدالملك الغزال بلفظ (نهى أن يعتمد الرجل علي يديه إذا نهض في
الصلاة) غير محفوظة، من وجهين:
الوجه
الأول: أنه خالفه فيه الرواة عن عبدالرزاق، وهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم،
وأحمد بن محمد بن شبويه، والدبري، وأحمد بن منصور، ومحمد بن رافع، وأحمد بن يوسف
السلمي، ومحمد بن سهل بن عسكر، والحسين بن مهدي.
قال
البيهقي في السنن (2/135): "ورواية ابن عبدالملك وهم".
وقال
في معرفة السنن (3/43): "والذي روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)، فذاك تقصير وقع فيه من بعض
الرواة".
وقال
ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/38): "وقال ابن عبدالملك (نهى أن يعتمد
الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) كذا ذكره، ولم يبين من أمر شيخ أبي داود هذا،
الذي هو: محمد بن عبدالملك الغزال شيئًا، وهو رجل مجهول الحال، لم أجد له ذكرًا،
وخالفه الثلاثة المذكورون، وهم الثقات الحافظ".
وقال
ابن رسلان في شرح سنن أبي داود (5/281) عن رواية الغزال: "وأجابوا عن حديث
ابن عمر رضي الله عنه بأنه ضعيف من وجهين: أحدهما: أن راويه محمد بن عبدالملك
مجهول، والثاني: أنه مخالف لرواية الثقات، لأن أحمد بن حنبل رفيق الغزال في
الرواية لهذا الحديث عن عبدالرزاق وقال فيه (نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو
يعتمد علي يده)، ولم يقل بالاعتماد على إحدى اليدين دون الأخرى أحد، وقد علم من
قاعدة المحدثين وغيرهم أن من خالف الثقات كان حديثه شاذًا مردودًا".
وقال
العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/391): "فتبين مما سبق أن
الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الاعتماد في الجلوس في الصلاة وهذا
هو المحفوظ، وأن رواية الغزال إياه في النهي عن الاعتماد إذا نهض شاذ بل منكر،
لمخالفته الثقات على سوء حفظه".
وقول
أبي الحسن ابن القطان الفاسي عن الغزال إنه مجهول -وتبعه عليه النووي في المجموع-،
فيه نظر، فقد وثقه النسائي، وقال ابن أبي حاتم عنه (8/5): "صدوق".
وقال
مسلمة في كتاب الصلة (الإكمال10/257): "ثقة ... وهو كثير الخطأ".
وقال
ابن الأخضر (السابق 258): "ثقة صدوق".
قال
العراقي في ذيل الميزان (403): "هذا عجيب من أبي
الحسن وهو كثير النقل من كتاب ابن أبي حاتم، وقد ذكره ابن أبي حاتم في
كتابه".
الوجه
الثاني: أنه روي عن ابن عمر رضي الله عنه خالف ذلك.
قال
البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/43): "ورواه محمد بن عبدالملك، عن عبدالرزاق
فقال: (إذا نهض في الصلاة)، وذلك خطأ لمخالفته سائر الرواة، وكيف يكون صحيحًا وقد
روينا عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه (أنه كان يعتمد على يديه إذا نهض)".
وسيأتي
إيراد هذه الروايات عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ثالثًًا: قال مُظهر
الدين الزيداني في المفاتيح في شرح المصابيح: (وهو معتمد علي يده) أي: وهو متكئ
على يده، يعني إذا جلس للتشهد لا يضع يده على الأرض، بل يضعها على ركبتيه".
وقال
ابن رسلان (5/279): "ويدخل في النهي عن وضع يديه على الأرض إذا جلس بين
السجدتين".
وقال
قبل ذلك: "والرواية الصحيحة على يديه".
وفيما
قاله نظر، فإن في الرواية الراجح عن عبدالرزاق (يده) بالإفراد، وجاء في رواية عنه تفسيرها
بـ (يده اليسرى)، وهي رواية إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن سهل بن عسكر، وكذلك جاء في
رواية هشام بن يوسف، مما يدل على أن الرواية التي جاء فيها (يديه) بالتثنية وقع
فيها تصحيف من الرواة، أو النساخ، والله أعلم.
·
الآثار الواردة عن ابن عمر رضي الله
عنهما في الاعتماد عند القيام في الصلاة:
روى
ابن أبي شيبة في المصنف (2/343) في باب: في الرجل يعتمد على يديه في الصلاة قال:
حدثنا وكيع، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يعتمد على
يديه).
وروى
الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما إذا قام من الركعتين اعتمد على
الأرض بيديه، فقلت لولده ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا: لا، ولكن هذا -
كذا في المطبوع وصوابه هكذا- يكون).
أخرجه:
ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع (2/343)، وابن المنذر في الأوسط من طريقه (3/367)،
والبيهقي في السنن من طريق كامل بن طلحة (2/135)، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن
الأزرق بن قيس به موقوفًا.
وفي
لفظ ابن أبي شيبة (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما ينهض في الصلاة ويعتمد على يديه).
وخالفه:
عطية بن قيس، فرواه عن الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنه يعجن في
الصلاة يعتمد على يديه إذا قام، فقلت له: فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفعله).
أخرجه:
إبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث عن عبيدالله – كذا في المطبوع-بن عمر (2/525)،
والطبراني في الأوسط من طريق عبدالله بن عمر بن أبان (4/213)، كلاهما عن يونس بن
بكير، عن الهيثم، عن عطية بن قيس به مرفوعًا.
ولفظ
الطبراني (رأيت عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وهو يعجن في الصلاة يعتمد على يديه
إذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبدالرحمن؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعجن في الصلاة يعني يعتمد).
وخالف
يونس بن بكير: عبدالحميد بن عبدالرحمن الحِمّاني، فرواه عن الهيثم بن علية البصري،
عن الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة يعتمد إذا قام،
فقلت: ما هذا؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).
أخرجه:
الطبراني في الأوسط (3/432)، قال: حدثنا جعفر -هو ابن محمد الفريابي-، قال: نا
الحسن بن سهل الحناط، قال: نا عبدالحميد الحماني به.
·
الكلام على روايات الأزرق:
أولاً: المحفوظ عن
الأزرق بن قيس هي رواية حماد بن سلمة الموقوفة، أما رواية الهيثم فهي خطأ، الهيثم
هذا هو: ابن عمران الدمشقي. ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/82) ولم يذكر
فيه جرحًا ولا تعدلاً.
وذكره ابن حبان في
الثقات (7/577) على عادته في توثيق المجاهيل.
وقال ابن رجب في فتح
الباري (5/148): "والهيثم هذا غير معروف".
ثم إن في سماعه من
عطية بن قيس نظر، فإن ابن أبي حاتم قال عنه: "الهيثم بن عمران الدمشقي: روى
عن إسماعيل بن عبيدالله، ويونس بن ميسرة، والمطلب بن عبدالله بن حنطب المخزومي،
وعمر بن يزيد النصري، وعن جده عبدالله بن أبى عبد الله، ورأى عطية بن قيس".
ولو كان سمع منه لم
يكتف ابن أبي حاتم بالرؤية له فقط، وقد أخرج ابن حبان ما يدل على ذلك، فقال في
ثقاته: حدثنا الهيثم بن خارجة، ثنا الهيثم بن عمران، قال: (رأيت عطية بن قيس
الكلابي يصلى على مرفقة محشوة بالريش جالسًا متربعًا).
وفوق هذا فإنه قد تفرد
به عن عطية قاله الطبراني.
ثانيًا: رواية
عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني، عن الهيثم بن علية البصري، هكذا وقع في المعجم
الأوسط، والذي يغلب على ظني أن هذا تصحيف، صوابه (الهيثم، عن عطية البصري)، وإلا
فإن هذه الرواية خطأ، وقد يكون من الهيثم بن عمران كان يضطرب فيه، ويحتمل أن يكون
من الحسن بن سهل الحناط، ذكره ابن حبان في الثقات (8/181).
ثم وجدت الشيخ ناصر
الدين رحمه الله في الصحيحة يقول (6/382): "أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق
عبدالحميد الحماني، قال: نا الهيثم بن عطية البصري ... والهيثم بن عطية هذا لم
أعرفه أيضًا، ولعله (عن عطية) كما تقدم في رواية أبي إسحاق الحربي، والله
أعلم".
تنبيه: وقع في المعجم
الأوسط في الموضع الأخر الإسناد هكذا (الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة)، وهذا
تصحيف فاحش، صوابه (الهيثم، عن عطية بن قيس بن ثعلبة) من سند الحربي، ثم وجدت
الحديث في فتح الباري لابن رجب (5/147) وذكره على الصواب، ونبه محقق الكتاب هناك على
هذا التصحيف في تحقيقه للأوسط.
ثالثًا: وصف الاعتماد
عند القيام بهيئة العاجن لا يصح من وجهين:
الوجه الأول: أنه
رواها الهيثم بن عمران، واختلف عليه فيها، فمرة ذكرها، ومرة لم يذكره، وحاله لا
تحتمل ذلك.
الوجه الثاني: أنه لم
يذكرها حماد بن سلمة في روايته.
قال ابن الصلاح في
شرح مشكل الوسيط (2/141): "قوله ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام
في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن) هذا حديث لا يعرف ولا يصح، ولا يجوز
أن يحتج به، وقد نسب إلى رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وقد صار في هذا الكتاب،
وفي الوجيز مظنة للغلط، فمن غالط في لفظه بقوله (العاجز) بالزاي، وإنما هو بالنون،
وقد جعله صاحب الكتاب فيما علًق عنه من درسه بالزاي أحد الوجهين فيه، وليس كذلك،
ومن غالط في معناه غير غالط في لفظه يقول: هو بالنون، ولكنه عاجن عجين الخبز، فيقبض
أصابع كفيه ويضمها كما يفعله عاجن العجين، ويتكي عليها ويرتفع، ولا يضع راحته على
الأرض، وهذا جعله المصنف في درسه الوجه الثاني فيه، وعمل به كثير من عامة العجم
وغيرهم، وهو إثبات شرعية هيئة في الصلاة لا عهد بها، بحديث لم يثبت، ولو ثبت لم
يكن ذلك معناه، فإن العاجن في اللغة الرجل المسن الكبير الذي إذا قام اعتمد على
الأرض بيديه من الكبر، وأنشدوا:
فأصبحت
كنتيًا وأصبحت عاجنًا وشر خصال
المرء كنت وعاجن
فإن كان وصف الكبير
بذلك مأخوذًا من عاجن العجين، فالتشبيه في شدة الاعتماد عند وضع اليدين، لا في
كيفية ضم أصابهما، وأما الذي في كتاب المحكم في اللغة للمغربي المتأخر الضرير من
قوله في العاجن (إنه المعتمد على الأرض بجُمعه، وجُمع الكف بضم الجيم هو أن يقبضها
كما ذكروه)، فغير مقبول، فإنه ممن لا يقبل ما يتفرد به، فإنه كان يغلط، ويغلطونه
كثيرًا، وكأنه أضر به في كتابه مع كبر حجمه ضرارته".
وقال النووي في
المجموع (3/442): "وإذا اعتمد بيديه جعل بطن راحتيه، وبطون أصابعه على الأرض بلا
خلاف، وأما الحديث المذكور في الوسيط وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلي
الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن)، فهو حديث
ضعيف، أو باطل لا أصل له، وهو بالنون، ولو صح كان معناه: قائم معتمد ببطن يديه كما
يعتمد العاجز، وهو الشيخ الكبير، وليس المراد عاجن العجين".
قال ابن رجب في فتح الباري (5/148): "وقال
بعضهم: العاجن هو الشيخ الكبير الذي يعتمد إذا قام ببطن يديه، ليس هو عاجن
العجين".
وقال ابن الملقن عن
حديث ابن عباس رضي الله عنهما في البدر المنير (3/678): "ولا يحضرني من خرجه
من المحدثين من هذا الوجه بعد البحث عنه".
تنبيه:
قال الألباني في الضعيفة (2/392): "فأخرجه أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث
... وهو هكذا: حدثنا عبيدالله (الأصل: عبدالله وهو خطأ من الناسخ) بن عمر، حدثنا يونس
بن بكير، عن الهيثم بن عطية عن قيس بن الأزرق بن قيس به".
ثم
عاد فقال في الصحيحة (6/382): "ولابد من التنبيه هنا على خطأ وقع لي ثمة، وذلك
أنني رجحت أن (عبدالله بن عمر) شيخ الحربي الصواب فيه (عبيدالله) مصغرًا، فلما وقفت
على رواية الطبراني ومطابقتها لرواية الحربي، بل زاد فسمى جده (أبان) تبين لي الخطأ،
وأن الصواب كما وقع في الروايتين: (عبدالله بن عمر)، وهو (ابن محمد بن أبان الأموي
مولاهم الكوفي)، وهو ثقة أيضًا من رجال مسلم".
ولعل
محقق كتاب الغريب اغتر بما وجده في السلسلة الضعيفة فغير ما في الأصل لذلك، والله
أعلم.
تم والحمد لله رب
العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.