بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى
أله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فهذه
شرح موجز لعبارة أهل الحديث (من صحيح حديثه) أو (ليس من صحيح حديثه).
ولها
معنيان عند أصحاب الحديث:
المعنى
الأول: تعني في حالة الأثبات: أن هذا الحديث مما سمعه الراوي من شيخه، وفي حالة
النفي: أنه مما لم يسمعه منه، وهذا الغالب على هذه العبارة عند النقاد.
المعنى
الثاني: أن هذا الحديث خطأ، وليس مما رواه الراوي عن شيوخه، وهذا قليل جدًا مقارنة
بالمعنى الأول.
والسياق
هو الذي يفسر المقام.
فمن
المعنى الأول:
قال
ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/236): نا صالح، نا على قال: ذكرت ليحيى حديث: ابن
أبى عروبة، عن قتادة، عن أبى مجلز قال: ( كتب عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف ...)
الحديث الطويل في الجزية، قال: هذا ملزق عن أبي مجلز، قلت: ليس هو من صحيح حديث قتادة؟
قال: لا".
وقال
ابن معين (تهذيب التهذيب 7/184): "عطاء بن السائب اختلط، وما سمع منه جرير
وذويه ليس من صحيح حديثه، وقد سمع منه أبو عوانة في الصحة والاختلاط جميعًا، ولا
يحتج بحديثه".
وقال
أبو داود في سؤالاته (224): "سمعت أحمد قال: "إبراهيم بن سعد صحيح
الحديث عن ابن إسحاق".
أي
أنه يبن ما سمعه ابن إسحاق من شيوخه مما دلسه.
أخرج
البيهقي في السنن (5/229) من طريق عبد الأعلى، حدثنا محمد، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد،
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل في
هديه عام الحديبية، وفى رأسه برة من فضة، وكان أبو جهل استلب يوم بدر).
قال
البيهقي في السنن (5/230): أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، أخبرني محمد بن صالح الهاشمي،
حدثنا أبو جعفر المستعيني، حدثنا عبدالله بن على المديني، حدثني أبى قال: "كنت
أرى أن هذا من صحيح حديث ابن إسحاق، فإذا هو قد دلسه، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد،
عن أبيه، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن
عباس رضي الله عنه ... قال على: فإذا الحديث مضطرب".
وقال
أحمد (علل الخلال 322): "وقال الحسن بن عياش: كنَّا نأتي الأعمش، فيحدثنا فنجيء
إلى سفيان، فنعرضها عليه، فيقول: هذا من صحيح حديثه، وهذا ليس من حديثه، فنرجع إلى
الأعمش، فيحدثنا كما قال الثوري، وإن الأعمش حدث، فقيل له: إن الثوري يقول كذا وكذا
خلاف ما روى، فنكس الأعمش رأسه -ووصفه أبو عبدالله: وضع يده على جبهته-، وجعل الأعمش
يهمهم، ثم رفع رأسه، فقال: هو كما قال سفيان".
وقال
البخاري في الضعفاء الصغير (84):
"خارجة بن مصعب أبو الحجاج الخراساني الضبعي، عن زيد بن أسلم، تركه وكيع، وكان
يدلس عن غياث بن إبراهيم، وغياث ذهب حديثه، ولا يعرف صحيح حديثه من غيره".
وقال
العجلي في معرفة الثقات (2/135): كان شيخًا ثقة
-يعني عطاء- قديمًا، روى عن ابن أبي أوفى، ومن سمع منه قديمًا فهو صحيح الحديث،
منهم الثوري، فأما من سمع منه بآخره فهو مضطرب الحديث، منهم: هشيم، وخالد الواسطي،
إلا أن عطاء بآخره كان يتلقن إذا لقنوه في الحديث، لأنه كان كبر".
وقال
أبو داود (تهذيب الكمال11/10): "سمعت صالحًا الخندقي: قال سمعت وكيعًا قال: كنا
ندخل على سعيد فنسمع، فما كان من صحيح حديثه أخذناه، وما لم يكن صحيحًا طرحناه".
وقال
(2/222): "قد سيرت أخبار قيس بن الربيع من رواية القدماء والمتأخرين وتتبعتها،
فرأيته صدوقًا مأمونًا حيث كان شابًا، فلما كبر ساء حفظه، وامتحن بابن سوء، فكان
يدخل عليه الحديث فيجيب فيه ثقة منه بابنه، فلما غلب المناكير على صحيح حديثه ولم
يتميز، استحق مجانبته عند الاحتجاج".
وقال الحافظ عن عبدالله بن صالح في مقدمة الصحيح (414): "ظاهر كلام
هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيمًا، ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك
أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم
فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه، فيتوقف فيه".
وقال
السخاوي في فتح المغيث (2/185): "وكذا (احتج مسلم بمن قد ضعفا) من غيره (نحو
سويد) هو ابن سعيد، وجماعة غيره، (إذ بجرح) مطلق (ما اكتفى) كل من البخاري ومسلم
لتحقيقهما نفيه، بل أكثر من فسر الجرح في سويد ذكر أنه لما عمي ربما يلقن الشيء،
وهذا وإن كان قادحًا، فإنما يقدح فيما حدث به بعد العمى لا فيما قبله، والظاهر أن
مسلمًا عرف أن ما خرجه عنه من صحيح حديثه، أو مما لم ينفرد به طلبًا للعلو".
الأمثلة
:
مثال:
قال ابن المديني في العلل (222): "قال -يعني الحسن-: (ورأيت ابن الزبير يبايع
عليًا رضي الله عنهم في حش)، وخالفه: موسى بن داود، قال: (رأيت طلحة يبايع عليًا
رضي الله عنهما في حش) فسأله خالد بن القاسم عن هذا الحديث؟ قال: ليس من صحيح حديث
هشيم، والحسن لم ير عليًا رضي الله عنه إلا أن يكون رآه بالمدينة وهو غلام".
وورد
تصريح هشيم بالسماع من حميد لكنه لا يصح، فأخرج الطبري في تاريخه (4/429)، قال: حدثني
محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد،
عن الحسن قال: (رأيت الزبير بن العوام بايع عليًا رضي الله عنهم في حش من حشان المدينة).
وهذا
الإسناد فيه محمد بن سنان القزاز قال عنه الحافظ في التقريب (851):
"ضعيف".
وفيه
إسحاق بن إدريس الأسواري قال ابن معين عنه في تاريخ الدوري (4/240): "ليس بشيء، يضع الأحاديث".
وأخرجه:
البلاذري في أنساب الأشراف (3/16)، قال: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا هشيم بن بشير، حدثنا
حميد، عن الحسن قال: (رأيت الزبير بايع علياً رضي الله عنهما في حش من أحشاش المدينة).
وهذا
فيه البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر لم أجد من وثقه.
مثال
أخر: قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/238): نا صالح، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: حديث إسماعيل بن أبى خالد (إذا فجئتك
جنازة) ليس هو من صحيح حديثه".
أي أن إسماعيل بن أبي خالد لم يسمعه من الشعبي.
قال
عبدالله بن الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/344): حدثني أبي، قال: حدثنا
عبدالله بن نمير، قال: حدثنا إسماعيل، عن رجل، عن عامر: "إذا فجئتك الجنازة
وأنت على غير وضوء فصل عليها". قال عبدالله: هو مطيع الغزال يعني الرجل.
وقال
ابن أبي حاتم في (1/238): "نا صالح، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: في حديث ابن
جريح، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما (في رجل آجر نفسه في الحج)، قال: أملى
علي من حفظه: حدثت عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكان في كتابه حدثت عن سعيد
بن جبير، وقال: عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قلت ليحيى: تراه حديث مسلم
البطين؟، قال: نعم، وليس من صحيح حديثه عن عطاء".
والأثر
رواه مسدد في مسنده (المطالب العالية 3/299) قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج، قال
عطاء: سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أوأجر نفسي من هؤلاء القوم فانسك
معهم بلا أجر) قال: نعم (أولئك لهم نصيب مما كسبوا).
والحديث
لم يسمعه ابن جريج من عطاء إنما هو حديث مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن عطاء،
عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال
ابن أبي خيثمة في تاريخ المكيين (363): "وزعم علي أنه سمع يحيى يقول في حديث
ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما (في رجل أجر نفسه في الحج) قال:
أملاه علي من حفظه: حدثنا عطاء، قال يحيى: وكان في كتابه
حدثت عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال عطاء: عن ابن عباس رضي
الله عنهما، قلت ليحيى: تراه حديث مسلم البطين؟ قال: نعم، قال يحيى: كان ابن جريج
يقرأه علينا من كتاب يخرجه قد قرأه قبل ذلك على الناس زمانًا وعرضه".
وحديث
مسلم البطين أخرجه ابن أبي شيبة، والحاكم.
قال
ابن أبي شيبة في المصنف (5/564): حدثنا ابن فضيل، عن
الأعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتاه رجل فقال:
إني اكريت نفسي من قوم، ووضعت عنهم من أجرتي من أجل الحج، فهل يجزئ ذلك عنهم؟ فقال
ابن عباس رضي الله عنهما: هذا من الذي قال الله: (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله
سريع الحساب).
وقال
الحاكم في المستدرك (4/103): أخبرنا أبو زكريا العنبري، حدثنا محمد بن عبدالسلام، حدثنا
إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جرير، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير قال:
جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني أجرت نفسي من قومي على أن يحملوني،
ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم، أفيجزئ ذلك؟ قال أنت من الذين قال
الله عز وجل (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب).
وقال
عبدالله بن الإمام أحمد في العلل (3/168): حدثني أبي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن
مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل
إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني أجرت نفسي من هؤلاء ووضعت عنهم من أجري أن
يدعوني أحج، وأقضي المناسك، فقرأ ابن عباس رضي الله عنهما (أولئك لهم نصيب مما
كسبوا)، قال عبدالرحمن: سمعت سفيان قال: سألني عنه ابن جريج".
مثال أخر: قال ابن
أبي حاتم في (1/239):
"نا صالح، نا علي: قلت ليحيى: قول عامر في طلاق الصبي سمعه إسماعيل من عامر؟
قال: لا، قلت ليحيى: سألته عنه؟ قال: نعم -فيما أعلم- فضعفه، قلت ليحيى: فطلاق
السكران قول عامر من صحيح حديثه؟ قال: لا، قلت: سألته عنه؟، قال:
برأسه -أي نعم-، قلت: فلم يصححه، قال: لا، قلت: فقول عامر (إذا فاته العيد)، قال:
أراه من حديثه، قلت: سألته عنه؟ قال: لا أدري، إلا أني كنت رأيت في كتاب عند شعبة،
قال: قلت ليحيى: (فينتظر خفق النعال) فضعفه يحيى بن سعيد".
أثر
طلاق الصبي أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (7/84): عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد،
عن الشعبي قال: (لا يجوز طلاق الصبي شيئًا حتى يحتلم).
وأخرجه:
ابن أبي شيبة في المصنف (6/397) قال: نا عبدالله بن إدريس، عن إسماعيل، عن الشعبي
قال: (لا يجوز طلاق الصبي).
وقد
رواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي معنعنًا.
وأثر
طلاق السكران أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (7/83): عن ابن التيمي، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن الشعبي وإبراهيم قالا: (يجوز طلاق السكران وعتقه).
وأخرجه:
سعيد بن منصور في سننه (1/308) قال: نا هشيم، قال أنا إسماعيل بن أبى خالد، عن
الشعبي (أنه كان يجيز طلاق السكران، وما أتى من حد في سكره أقيم عليه).
وقد
رواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي معنعنًا.
مثال
أخر: قال المروزي في قيام الليل (مختصر 185): حدثنا محمد بن المثنى، ثنا ابن عدي، عن
حميد، عن عبدالله بن شقيق رحمه الله: سألت أم المؤمنين رضي الله عنها عن صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الليل؟ فقالت: ( كان يصلي ليلا طويلاً قائمًا، وليلاً طويلاً
قاعدًا، فإذا قرأ قائمًا ركع قائمًا، وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا)، ورواه حماد، عن
بديل بن ميسرة، وحميد، عن ابن شقيق فذكره سواء، قال: فيشبه أن يكون الحديث كان عند
حفص، عن حميد على ما هو عند الناس، وكان عنده عن ليث، عن مجاهد، وعن حجاج، عن حماد،
عن سعيد بن جبير في التربع في الصلاة، فذاكر أبا داود الحفري من حفظه فتوهم أن ذكر
التربع في حديث حميد فاختصر الحديث، وألحق فيه التربع توهمًا وغلطًا إن كان حفظ ذلك
عنه أبو داود، وذلك أنه ليس بمعروف من حديث حفص لا نعلم أحدًا رواه عنه غير أبي داود
رحمه الله، ولو كان من صحيح حديث حفص لرواه الناس عنه وعرفوه، إذ هو حديث لم يروه غيره،
والذي يعرف من حديث حفص في التربع، عن حجاج، عن حماد، عن مجاهد قال : (علمنا سعيد بن
جبير صلاة القاعد فقال: يجعل قيامه تربعًا) وحفص عن ليث، عن مجاهد رحمه الله قال: (صلاة
القاعد غير المتربع على النصف من صلاة القائم)، قال: وكان حفص رجلاً إذا حدث من حفظه
ربما غلط، هو معروف بذلك عند أصحاب الحديث".
مثال
أخر: قال البخاري في صحيح البخاري (7/2737): حدثنا علي بن عبدالله،
حدثنا سفيان، قال الزهري، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن ...)، "سمعت سفيان مرارًا
لم أَسمعه يذكر الخبر، وهو من صحيح حديثه".
وقد
صرح الحميدي في مسنده (2/278) بالتحديث بين سفيان والزهري، فصح أنه مما سمعه سفيان
من الزهري.
مثال
أخر: قال ابن أبي حاتم في العلل (2/129): "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه
علي بن حكيم، عن شريك، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله
عنه رفعه قال: (من بنى مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة)؟
فقالا: هكذا رواه عدة من أصحاب شريك فلم يرفعوه، والصحيح عن أبي ذر من حديث شريك
موقوف، قال أبي: ورواه أبو بكر بن عياش، عن الأعمش ورفعه، ونفس الحديث موقوف، وهو
أصح، قال أبو محمد: وحدثني أبي، قال: حدثنا حماد بن زاذان، قال: سمعت ابن مهدي قال:
حديث الأعمش (من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة) ليس من صحيح حديث الأعمش".
مثال أخر: قال البخاري في القراءة خلف
الإمام (64): "وقال معمر، عن الزهري: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب
فصاعدًا) وعامة الثقات لم يتابع معمرًا في قوله (فصاعدًا) مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب،
وقوله (فصاعدًا) غير معروف ما أرد به حرفًا أو أكثر من ذلك؟ إلا أن يكون كقوله (لا
تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا) فقد تقطع اليد في دينار وفي أكثر من دينار، قال
البخاري: ويقال أن عبدالرحمن بن إسحاق تابع معمرًا، وأن عبد الرحمن ربما روى عن الزهري
ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره، ولا
نعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا".
مثال أخر: وقال في (368): "وروى أبو
خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، أو غيره عن أبي صالح، عن أبي هريرة
رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، زاد فيه:
(وإذا قرأ فأنصتوا) ... وقال البخاري (374) بعد أن ذكر الروايات عن ابن عجلان من
غير طريق أبي خالد الأحمر وليس فيها (فأنصتوا) قال: "ولا يعرف هذا من صحيح حديث
ابن خالد الأحمر، قال أحمد: أراه كان يدلس".
مثال أخر: قال العقيلي في الضعفاء (6/433): حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا عبدالله
بن الوليد، عن سفيان بن سعيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسكن بمكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا مشاء بنميم)، وتابعه
سفيان بن وكيع، عن موسى بن عيسى القاري، عن زائدة، عن سفيان، وليس هو من صحيح
حديثه".
رواية سفيان بن وكيع أخرجها: تمام في
الفوائد (1/173): حدثنا علي بن الحسين بن محمد، ثنا أبو بكر محمد بن هارون بن حميد
بن المجدر، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن سفيان، عن
محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
يسكن مكة سافك دم).
قال ابن حبان في الثقات (9/160): "موسى
بن عيسى، يروى عن زائدة، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل مكة سافك دم...)، روى عنه سفيان بن وكيع،
وهذا مما أدخل على سفيان بن وكيع".
وقال الدارقطني في تعليقاته على المجروحين
(127): "سفيان بن وكيع كان يلقنه وراق له يقال له: (قرطمة)، وكان وراقه هذا
غير مأمون، ... ولقنه أيضًا عن موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن سفيان، عن
الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه .... وهذه أحاديث لا أصول لها بهذه
الأسانيد ... وأما حديث زائدة، عن الثوري، فلا أصل له عن زائدة، ولا عن موسى
الليثي، وإنما تفرد بروايته يعقوب بن حميد بن كاسب، عن عبدالله بن الوليد العدني،
عن الثوري، وأنكر على يعقوب، وهو مما يعتد به، وليس من مناكيره".
مثال أخر: قال
ابن رجب في فتح الباري له (2/341) وذكر حديث: ثنا آدم، ثنا شعبة، ثنا قتادة، قال سمعت
أنس بن مالك رضي الله عنه ... ثم قال: "هذا مما صُرح فيه بالسماع في جميع إسناده
في هذه الرواية والتي قبلها، وهو من صحيح حديث قتادة، عن أنس رضي الله عنه".
مثال أخر: قال
الحافظ في تلخيص الحبير (2/793): "هو من صحيح حديث سماك، لم يدلس فيه، ولم يلقن
أيضًا، فإنه من رواية شعبة عنه، وكان شعبة لا يأخذ عن شيوخه ما دلسوا فيه، ولا ما لقنوا".
والحديث
أخرجه النسائي في السنن (347) من طريق سماك قال: "دخلت على عكرمة في يوم قد أشكل
من رمضان هو أم من شعبان، وهو يأكل خبزًا وبقلاً ولبنًا فقال لي: هلم، فقلت: إني صائم،
قال: وحلف بالله لتفطرن، قلت: سبحان الله مرتين، فلما رأيته يحلف لا يستثني، تقدمت،
قلت: هات الآن ما عندك، قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة، أو ظلمة،
فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان)".
ومن المعنى الثاني:
قال
البخاري (سنن الترمذي 364): "ابن أبي ليلى
هو صدوق، ولا أَرْوِي عنه، لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا
فلا أَرْوِي عنه شيئًا".
وقال
ابن حبان المجروحين (2/187): "عائذ بن نسير
من أهل العراق، يروي عن العراقيين والحجازيين، كثير الخطأ على قلته، بطل الاحتجاج
بما انفرد لما غلب على صحيح حديثه الخطأ".
وقال
ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2/213) وهو يتكلم على إسماعيل بن عياش:
"ما في هؤلاء من يخفي أمره، وحتى لو كانوا كلهم غير شاميين، وشيخ إسماعيل بن عياش
شاميًا كفى ذلك في المقصود، وعد به الحديث من صحيح حديثه، فإنه إنما يراعى في ذلك أشياخه
فقط لأنه كان بهم عالمًا، وكان أخذه عن غيرهم في الأسفار والرحل، فلم يكن فيهم كما
هو في أهل بلده، فإذن لا يلتفت إلى كون الإسناد حجازيًا إذا كان شيخه شاميًا، على هذا
يتفسر مقصودهم، وعمرو بن شعيب مكي كان يخرج إلى الطائف لضيعة له، وهو الذي غلط أبا
محمد، والله أعلم".
وقال
الحافظ في مقدمة الصحيح
(391):
"روينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن
ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن
ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء
من حديثه غير ما في الصحيح، من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه فيه
غيره، فيعتبر فيه".
أقول:
إن البخاري رحمه الله اطلع على أصول شيخه فما كان منها صحيحًا انتقاه وكتبه وحدث
به، وما رأى أن شيخه أخطأ فيه تركه وجعل عليه علامة حتى لا يحدث به شيخ الناس.
أمثالته:
قال ابن أبي
حاتم في العلل (4/447): "سألت أبي عن حديث رواه كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان،
عن الزهري، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى
أن يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر)؟ قال أبي: هذا حديث خطأ، يروونه عن جعفر، عن
رجل، عن الزهري هكذا، وليس هذا من صحيح حديث الزهري، وهو مفتعل ليس من حديث الثقات".
قال أبو
داود في السنن (4/144): "هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري، وهو منكر".
ثم قال:
حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا أبي، حدثنا جعفر، أنه بلغه عن الزهري
بهذا الحديث".
مثال أخر: قال الخطيب في تاريخه
(14/115): أخبرنا الأزهري وعلى بن محمد السمسار، قالا: أخبرنا
عبدالله بن عثمان الصفار، أخبرنا: محمد بن عمران الصيرفي، حدثنا عبدالله بن على بن
المديني، قلت لأبي: "شيء رواه عمرو الناقد، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن أبى
معمر، عن عبدالله رضي الله عنه: (أن ثقيفًا وقرشيًا وأنصاريًا عند أستار الكعبة...)
فقال: هذا كذب، لم يرو هذا ابن عيينة، إنما كان عند ابن عيينة، عن منصور، عن مجاهد،
عن أبى معمر، عن عبدالله رضي الله عنه، وليس هو من صحيح حديثه، وأنكره من حديث ابن
عيينة عن ابن أبى نجيح".
والخطأ في
الحديث ليس من عمرو الناقد، بل سفيان بن عيينة كان يشك فيه.
قال الحميدي
في مسنده (1/47): ثنا سفيان، ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله
بن مسعود رضي الله عنه قال: (اجتمع عند البيت ثلاثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان
وقرشي ...)، قال: وكان سفيان أولاً يقول في هذا الحديث: ثنا منصور، أو ابن أبي نجيح،
أو حميد الأعرج أحدهم أو اثنان منهم، ثم ثبت على منصور في هذا الحديث".
ومما يدل
على براءة عمرو الناقد من جررته: أن الطبراني في الكبير (10/114) أخرجه من طريق إبراهيم
بن بشار الرمادي، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح به.
ومن رواية
منصور أخرجه: البخاري عن الحميدي (6/2735)، ومسلم عن ابن أبي عمر (8/121)، كلاهما
عن ابن عيينة به.
وليس في
حديث أحد منهم (... وأنصاريًا)، وهي خطأ بلا شك، لأن الحادثة وقعت بمكة عند الكعبة،
والأنصار بالمدينة.
مثال
أخر: قال الخطيب في ترجمة محمد بن الحسن بن محمد أبي بكر النقاش في تاريخه (2/605):
"قال أبو الحسن: وحدث بحديث عن يحيى بن
محمد بن صاعد، فقال فيه: حدثنا يحيى بن محمد المديني، قال: نا إدريس بن عيسى
القطان، عن شيخ له ثقة إما إسحاق الأزرق أو زيد بن الحباب أحد هذين -الشك من أبي
الحسن-، عن سفيان الثوري، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله
عنهما (قصة إبراهيم والحسن والحسين)، وهذا حديث باطل كذب على كل من رواه: ابن صاعد
فمن فوقه، وأحسب أنه وقع إليه كتاب لرجل غير موثوق به، قد وضعه في كتابه، أو وضع
له على أبي محمد ابن صاعد، فظن أنه من صحيح حديثه، فرواه فدخل عليه الوهم، وظن أنه من سماعه
من ابن صاعد".
قال
الخطيب: "دلس النقاش ابن صاعد، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبدالملك الخياط،
وأقل مما شرح في هذين الحديثين تسقط عدالة المحدث ويترك الاحتجاج به".
تنبيه:
صحة حديث الراوي عن شيوخه لا يعني
بالضرورة عدم خطئه فيه، فقد يكون الراوي صح سماعه للحديث من شيخه لكنه أخطأ فيه.
مثاله: أخرج ابن سعد في الطبقات عن موسى بن
داود (1/421)، وأحمد في المسند عن إسحاق بن يحيى (17/185)، وعن موسى بن داود
واللفظ له (17/185)، والطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق يحيى بن إسحاق (1/231)،
كلاهما عن ابن لهيعة، عن عبيدالله بن المغيرة، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال: (كأني انظر إلى بياض كشح النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد).
قال العلامة الألباني رحمه الله في
الصحيحة (7/592): "وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن ابن لهيعة فيه ضعف من قبل حفظه،
وبه أعلَّه الهيثمي؛ فقال: (رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام)، وأقول: هذا من
صحيح حديثه يقينًا؛ لكثرة شواهده عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: البراء بن
عازب، وعبد الله بن مالك ابن بُحينَة، وأبو هريرة، وعبدالله بن أقرم، وميمونة، وغيرهم
بمعناه".
أقول: لا أدري ما الذي جعل الشيخ الألباني
رحمه الله يجزم بكون الحديث من صحيح حديث ابن لهيعة، خاصة وأن ابن لهيعة لم يصرح
بالتحديث، ثم ما دخل كون الحديث له شواهد من أحاديث الصحابة رضي الله عنهم حتى
يكون من صحيح حديث ابن لهيعة!!!.
وعلى فرض صحة ذلك، فقد خالفه: خالد بن
يزيد الجمحي -وهو ثقة فقيه-، فرواه عن عبيدالله بن المغيرة، عن أبي الهيثم، عن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( كأني انظر إلى بياض كشحي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو ساجد).
أخرجه: الطحاوي في شرح معاني الآثار
(1/231)، قال: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني نافع بن
يزيد، قال: أخبرني خالد بن يزيد به.
فجعل ابن لهيعة الحديث من مسند أبي سعيد،
ولعله سبق لسانه إلى أبي سعيد لكون أبي الهيثم مشهور بالرواية عن أبي سعيد رضي
الله عنهما.
والله
أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم علي أشرف الأنبياء والمرسلين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق