الخميس، 7 نوفمبر 2019

ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء


بسم الله الرحمن الرخيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.



وبعد:

فهذا بحث في تخريج حديث (ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)، فأقول مستعينًا بالله:

الحديث أخرجه: الطيالسي في المسند واللفظ له (4/331)، وأحمد في المسند عنه (14/360)، والبخاري في الأدب المفرد عن عمرو بن مرزوق (246)، والترمذي في السنن من طريق الطيالسي وطريق ابن مهدي (1001)، وابن ماجه في السنن من طريق الطيالسي (631)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة من طريق ابن مهدي (220)، والبزار في البحر الزخار من طريق الطيالسي (17/38)، والعقيلي في الضعفاء من طريق عمرو بن مرزوق (4/355)، وابن البختري من طريق الطيالسي (مجموع فيه مصنفاته 234)، وابن الأعرابي في المعجم من طريق عمرو بن مرزوق (3/1002)، وابن حبان في الصحيح من طريقه (3/151)، والطبراني في الدعاء (2/747)، وفي الأوسط من طريقه (3/73، و4/101)، وابن عدي في الكامل من طريقه أيضًا (6/163)، والحاكم في المستدرك من طريق الطيالسي وطريق عمرو بن مرزوق وطريق ابن مهدي (2/159)، والنقاش في فوائد العراقيين من طريق عمرو بن مرزوق (56)، والبيهقي في الشعب (2/364)، وفي الدعوات من طريق الطيالسي (1/67)، والشاموخي في أحاديثه من طريق عمرو بن مرزوق (35)، والقضاعي في مسند الشهاب من طريقه (2/214)، والبغوي في شرح السنة كذلك (5/188)، وابن عساكر في تاريخه من طريقه وطريق الطيالسي (17/39، و40)، والسبكي في معجم الشيوخ من طريقه (469)، كلهم عن عمران بن داور، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن أبي هريرة t به. 

وفي لفظ ابن البختري (إنه ليس شي أكرم ..)، وفي لفظ ابن عساكر (...أكرم عليك من الدعاء).

وتابع عمران: أبان العطار، فرواه عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن أبي هريرة t به.

أخرجه: القضاعي في مسند الشهاب (2/214)، قال: أنا أبو الحسن عبدالملك بن عبدالله بن محمود بن مسكين، أنا أبو بكر محمد بن يحيى بن عمار الدمياطي، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، نا موسى بن هارون، نا بشار الخفاف، نا عبدالرحمن بن مهدي، عن أبان العطار به.

وخالف الرواة عن عمران: إبراهيم بن عبدالله الكشي، فرواه عن عمران، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن سعيد بن أبي الحسن، عن أبي هريرة t به.

أخرجه: عبدالغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (31)، قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبدالباقي بن أحمد بن سلمان البغدادي المعروف بابن البطي ببغداد، أنبأ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون المعدل، أنبأ أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزار، أنبأ أبو عمران عبدالملك بن الحسن بن الفضل السقطي، أنبأ إبراهيم، ثنا عمران به.

وتابع سعيد بن أبي الحسن: أبو صالح الحوزي، فرواه عن أبي هريرة t، عن النبي e قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).

أخرجه: البخاري في التاريخ الكبير تعليقًا (2/355) فقال: حميد أبو المليح الفارسي المديني سمع أبا صالح، سمع أبا هريرة t فذكره.

الكلام على الروايات:

أولاً: الحديث صححه الحاكم، وقال الترمذي عنه كما في تحفة الأشراف (9/446): "غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من رواية عمران القطان".

وفي سنده عمران بن دَاوَر القطان، وهو متكلم فيه. قال عمرو بن على وعمرو بن مرزوق كما في الجرح والتعديل (6/297): "ذكر يحيى بن سعيد يومًا عمران القطان فأحسن عليه الثناء".

وقال ابن معين في سؤالات الدوري (4/157): "ليس بشيء".

وقال عبدالله في العلل (3/25): "سألت يحيى عن عمران القطان؟ فقال: ضعيف الحديث".

وقال: "قال أبي أرجو أن يكون صالح الحديث".

وقال الآجري في سؤالاته (1/418): "وسمعت أبا داود ذكر عمران القطان، فقال: ضعيف، أفتى في أيام إبراهيم بن عبدالله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك دماء".

وقال النسائي في الضعفاء (192): "ضعيف".

وقال الدارقطني في سؤالات الحاكم (461): "كان كثير الوهم والمخالفة".

وقال ابن عدي في الكامل (6/163): "وعمران القطان له أحاديث غير ما ذكرت عن قتادة، وعن غيره، وهو ممن يكتب حديثه".

وقال الحافظ في التقريب (750): "صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج".

وقد تفرد به. قاله الترمذي والبزار والعقيلي والطبراني وابن عدي والدارقطني (الغرائب والأفراد 5/201)، وحاله لا تحتمل أن ينفرد به عن قتادة.

ثانيًا: متابعة أبان العطار لعمران خطأ، فقد خالف بشار بن موسى الخفاف راويه عن ابن مهدي: محمد بن بشار، وابن معين، فقد روياه عن ابن مهدي، عن عمران القطان، وبشار الخفاف هو في نفسه ضعيف. قال ابن معين في سؤالات عثمان بن سعيد (81): "ليس بثقة".

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/417): "ضعيف".

وقال النسائي في الضعفاء (63): "ليس بثقة".

وقال الخليلي في الإرشاد (1/246): "فيه لين".

وقال (2/595): "ضعفه الحفاظ كلهم".

وقال ابن حبان في الثقات (8/153): "كان صاحب حديث يغرب".

وقال الحافظ في التقريب (167): "ضعيف كثير الغلط".

وشيخ القضاعي عبدالملك بن عبدالله ذكره الذهبي في السير (17/661) ولم يذكره بجرح ولا تعديل.

ثالثًا: سند المقدسي وقع فيه خطآن:

الأول: سقط منه عمرو بن مرزوق بين إبراهيم وبين عمران.

الثاني: زيادة زرارة بين قتادة وبين سعيد، وعلى الصواب أخرجه أبو سعيد النقاش عن عبدالملك بن الحسن بن فضل، عن إبراهيم بن عبدالله، عن عمرو بن مرزوق، عن عمران، عن قتادة، عن سعيد به، ولا أدري من الذي أخطأ فيه.

رابعًا: متابعة أبي صالح لسعيد بن أبي الحسن، لم أجدها إلا عند البخاري في التاريخ الكبير تعليقًا، وعنه نقله أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى له كما في معجم الشيوخ للسبكي (472).

وهي لا تصح من وجهين:

الوجه الأول: في سندها أبو صالح الخوزي مختلف فيه. قال ابن معين (الكامل 9/196): "ضعيف".

وقال أبو زرعة في الجرح والتعديل (9/393): "لا بأس به".

وقال الحاكم في المستدرك (2/160) عن حديث (من لا يدع..): "هذا حديث صحيح الإسناد، فإن أبا صالح الخوزي، وأبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح، إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث".

وقال الحافظ في التقريب (1161): "لين الحديث".

الوجه الثاني: أن المعروف بهذا السند هو حديث (من لا يدع الله يغضب عليه)، وفي رواية (من لا يسأل الله ..)، وكل من ترجم لأبي صالح الخوزي إنما يذكر له هذا الحديث فقط.

قال ابن ناصر الدين في المشتبه (2/527): "وأبو المليح راوي هذا الحديث مقل لا يعرف إلا بهذا الحديث في الدعاء".

أقول: ومما يؤيد هذا أن لفظ حديث عمران لا يعرف إلا من طريقه.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عمران القطان".

وقال البزار: "وهذا الكلام لا نعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة رضي الله عنه، ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق".

وقال العقيلي: "لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا بهذا اللفظ عن عمران".

وقال ابن عدي: "وهذا الحديث لفظه كما ذكره لنا ابن الحباب، عن عمرو بن مرزوق، عن عمران، عن قتادة، ويعرف هذا الحديث بعمران القطان، عن قتادة".

خامسًا: لفظ ابن عساكر (ليس شيء أكرم عليك من الدعاء) خطأ، قال عنه ابن عساكر: "كذا قال، والمحفوظ (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)".
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه وزوجاته وسلم تسليمًا كثيرًا

وضع اليد اليسرى خلف الظهر، وحديث العجن عند النهوض للقيام في الصلاة


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذا بحث في تخريج حديث وضع اليد اليسرى خلف الظهر، وحديث العجن عند النهوض للقيام في الصلاة، فأقول مستعينًا بالله.

روى عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا -قد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت علي أَلية يدي- فقال: (أتقعد قِعْدة المغضوب عليهم).

أخرجه: أحمد في المسند عن علي بن بحر واللفظ له (32/204)، وأبو داود في السنن عنه (5/176)، والطبراني في المعجم الكبير من طريق عمرو بن خالد الحراني (7/316)، وابن حبان في الصحيح من طريق المغيرة بن عبدالرحمن الحراني (12/488)، والحاكم في المستدرك من طريق عمرو بن خالد (7/492)، والبيهقي في السنن من طريق علي بن بحر وطريق عبدالوهاب بن نجدة (3/226)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع من طريق سليمان بن عمر الرقي (1/402)، كلهم عن عيسى بن يونس به.

وزاد ابن حبان (قال ابن جريج: وضع راحتيه على الأرض وراء ظهره)، وقال الحاكم في لفظه (يده خلف ظهره)، وفي رواية للبيهقي (وأنا جالس في المسجد، وقال: قال أبو داود: قال القاسم: ألية الكف أصل الإبهام وما تحته)، ولم يصرح منهم أحد عن عيسى بن يونس بالتحديث بين ابن جريج وإبراهيم بن ميسرة.

وخالف عيسى: عبدالرزاق، فرواه عن ابن جريج، قال أخبرني: إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة: (هي قعدة المغضوب عليهم).

أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (2/198)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (4/15)، قال عبدالرزاق: عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة به.

وتابع عيسى بن يونس: مندل بن حبان، فرواه عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه رضي الله عنه قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد جلس فاتكأ على يده اليسرى فقال: (هذه جلسة المغضوب عليهم).

أخرجه: الطبراني في الكبير (7/316): حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا يحيى الحماني، ثنا مندل به.

الكلام على الروايات:

أولاً: المحفوظ عن ابن جريج هي رواية عبدالرزاق المرسلة، وأما رواية عيسى بن يونس فخطأ، لما يلي:

1/ أن عبدالرزاق أثبت في ابن جريج من عسى بن يونس. قال الإمام مسلم في التمييز (شرح العلل لابن رجب 2/683): "عبدالرزاق وهشام بن سليمان أكبر في ابن جريج من ابن عيينة وعبدالله بن فروخ".

وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/457): "قلت لأحمد بن حنبل: كان عبدالرزاق يحفظ حديث معمر؟ قال: نعم، قيل له: فمن أثبت في ابن جريج: عبدالرزاق أو محمد بن بكر البرساني؟ قال: عبدالرزاق".

وقال يعقوب بن شيبة (تهذيب الكمال 18/58): "عن علي بن المديني، قال لي هشام بن يوسف: كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا، قال يعقوب: وكلاهما ثقة ثبت".

2/ أنه مما يدل على أن عبدالرزاق ضبط الرواية عن ابن جريج أنه ذكر الأخبار في روايته عنه.

3/ أن رواية عيسى بن يونس ليس فيها التصريح بسماع ابن جريح من إبراهيم بن ميسرة، وابن جريج مدلس.

قال الذهلي (إكمال تهذيب الكمال6/323): "وابن جريج إذا قال: (حدثني) و (سمعت) فهو محتج بحديثه".

وقال أبو بكر الأثرم (تهذيب الكمال 18/348): "إذا قال ابن جريج (قال فلان) و (أخبرت) جاء بمناكير، وإذا قال: (أخبرني)، و (سمعت) فحسبك به".

وقال يحيى بن سعيد (السابق 18/351): "كان ابن جريج صدوقًا، فإذا قال: (حدثني) فهو سماع، وإذا قال: (أخبرنا) أو (أخبرني) فهو قراءة، وإذا قال: (قال) فهو شبه الريح".

وقال الدراقطني في العلل (15/14): "وابن جريج ممن يعتمد عليه إذا قال: (أَخبرني)، و (سمعت) كذلك قال: أَحمد بن حنبل".

ولا تنفع عيسى بن يونس متابعة مندل بن علي العَنزي، فإن مندلاً متكلم فيه. قال ابن نمير (الجرح والتعديل 8/435): "حبان وأخوه مندل أحاديثهما فيها بعض الغلط".

وقال عبدالله بن أحمد في العلل (1/412): "سألته عن مندل بن علي؟ فقال: ضعيف".

وقال ابن أبي حاتم (السابق): "سئل أبو زرعة عن مندل؟ فقال: لين".

وقال: "سئل أبي عن مندل؟ فقال: شيخ".

وقال النسائي في الضعفاء (230): "ضعيف".

وقال ابن عدي في الكامل (8/216): "ولمندل غير ما ذكرت، وله أحاديث أفراد وغرائب، وهو ممن يكتب حديثه".

وقال ابن حبان في المجروحين (2/363): "كان مرجئًا من العباد، إلا أنه كان يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات، ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه، فلما سلك غير مسلك المتقنين مما لا ينفعك منه البشر من الخطأ، وفحش ذلك منه، عدل به غير مسلك العدول فاستحق الترك".

وقال البرقاني: "سألت الدارقطني عن حبان بن علي وأخيه مندل؟ فقال: متروكان، وقال مرة أخرى: ضعيفان، ويخرج حديثهما".

وقال أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (5/234): "ليس بالقوي عندهم".

وقال الحافظ في التقريب (970): "ضعيف".

وفي السند إليه يحيى بن عبدالحميد الحماني. قال الحافظ في التقريب عنه (1060): "حافظ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث".

فالرواية الراجحة هي رواية عبدالرزاق المرسلة، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/695): "وذكر -يعني عبدالحق الإشبيلي- الاعتماد على اليسرى أنها قعدة المغضوب عليهم والضالين - كذا في المطبوع وليست في شيء من الروايات فلعلها سبق قلم من الناسخ- ولم يبين إرساله".

·           الأحاديث الدالة على أن الاعتماد المذكور منهي عنه داخل الصلاة:

والاعتماد المذكور المنهي عنه هو داخل الصلاة، وهذا ما جاءت مؤيدًا له الروايات الأخرى.

فروى عبدالرزاق في المصنف (2/197)، ومن طريقه السراج في المسند (86)، عن ابن جريج قال: أخبرني نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً جالسًا معتمدًا على يديه فقال: ما يجلسك في صلاتك جلوس المغضوب عليهم).

وتابع ابن جريج: هشام بن سعد، فرواه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ علي يديه اليسرى وهو قاعد في الصلاة، فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون).

أخرجه: أبو داود في السنن من طريق زيد بن أبي الزرقاء وطريق ابن وهب واللفظ له (1/605)، والبيهقي في السنن من طريق جعفر بن عون (2/136)، كلهم عن هشام بن سعد به موقوفًا.

وفي لفظ أحمد (رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة)، وفي لفظ لأبي داود (ساقطًا على شقه الأيسر)، وفي لفظ البيهقي (رأى عبدالله رجلاً يصلي ساقطًا على ركبتيه متكئًا على يده اليسرى)، وصرح بالسماع من نافع.

وخالفهم: محمد بن عبدالله بن الزبير، فرواه عن هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة، فقال: لا تجلس هكذا، هذه جلسة الذين يعذبون).

 أخرجه: ابن أبي شيبة (إتحاف المهرة2/218)، وأحمد في المسند (10/180)، كلاهما عن محمد بن عبدالله، عن هشام بن سعد به مرفوعًا.

والمحفوظ هي رواية الجماعة الموقوفة عن هشام بن سعد.



·           الرواية المخالفة لرواية ابن جريج وهشام بن سعد:

وخالفهما في اللفظ: محمد بن عجلان، فرواه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه رأى رجلاً جالسًا معتمدًا بيده على الأرض، فقال: جلست جلسة قوم عذبوا).

أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (2/197)، قال: عن ابن عيينة، عن محمد بن عجلان به.

فقصر به ولم يقيده بالصلاة، وتقيده بها هو المحفوظ عن ابن عمر رضي الله عنهما.



·           الرواية المرفوعة عن ابن عمر رضي الله عنه:    

فروى هشام بن يوسف، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية -وهو ثقة ثبت قاله الحافظ-، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلاً وهو جالس معتمد علي يده اليسرى في الصلاة فقال: (إنها صلاة اليهود).

أخرجه: الحاكم في المستدرك (2/167)، وعنه البيهقي (2/136)، قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق وعبدالله بن محمد بن موسى، قالا: ثنا محمد بن أيوب -هو ابن الضريس-، ثنا إبراهيم بن موسى -ثقة حافظ-، ثنا هشام بن يوسف، عن معمر به.

وتابعه: عبدالرزاق (المصنف 2/197)، فرواه عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد علي يديه).

أخرجه: أحمد في المسند واللفظ له (10/416)، وأبي داود في السنن عن أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبدالملك الغزّال (1/604)، والبزار في البحر الزخار عن أحمد بن زهير (12/191)، وابن خزيمة في الصحيح عن محمد بن سهل بن عسكر والحسين بن مهدي (1/343)، والسراج في المسند عن محمد بن رافع وأحمد بن منصور (86)، وابن المنذر في الأوسط عن إسحاق بن إبراهيم (3/368)، وتمام في الفوائد من طريقه (2/297)، والحاكم في المستدرك من طريق أحمد وطريق إسحاق (1/127)، وابن حزم في المحلى من طريق الدبري (4/15)، والبيهقي في السنن من طريق أحمد بن يوسف السلمي (2/135)، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق محمد بن رافع وأحمد بن منصور (36/162)، والبغوي في شرح السنة من طريق أحمد وطريق محمد بن عبدالملك الغزال (3/169)، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية به.

وفي لفظ أحمد والسراج وابن المنذر وتمام وابن عساكر والبغوي (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يديه)، وبنحوه ابن حزم لكنه قال: (يده)، وفي لفظ لأبي داود والبيهقي (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)، وبنحوه البزار وابن خزيمة والحاكم لكنهم قالوا: (يديه)، وفي لفظ أخر لأبي داود (نهى أن يصلي الرجل وهو يعتمد على يده)، قال: (وذكره في باب الرفع من السجود)، وفي لفظ له وللبغوي (نهى أن يعتمد الرجل علي يديه إذا نهض في الصلاة)، وفي لفظ لابن خزيمة (إذا جلس الرجل في الصلاة أن يعتمد على يده اليسرى)، وفي لفظ للحاكم والبيهقي(أن يعتمد على يده اليسرى).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل بن أمية إلا معمر".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

·           الكلام على الروايات:

أولاً: الراجح من الروايات عن عبدالرزاق هي رواية الأمام أحمد ومن تبعه. قال البيهقي في السنن (2/135): "وفي رواية أبي داود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وهذه أبين الروايات، ورواية غير ابن عبدالملك لا تخالفه، وإن كان أبين منها ... والذي يدل على أن رواية أحمد بن حنبل هي المراد بالحديث أن هشام بن يوسف رواه عن معمر كذلك".

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/39): "ورواياتهم وإن اختلفت ألفاظها تجتمع على معنى واحد، وهو المفسر في رواية ابن حنبل منهم، وهو النهي عن الاعتماد على اليد حال الجلوس، فأما رواية محمد بن عبدالملك هذا، فمقتضاها النهي عن الاستعانة باليدين في حين النهوض، وذلك شيء لا يحتمل من مثله، فإنه حاله لا تعرف، ولو لم يخالفه غيره".

وقال العلامة الألباني في الضعيفة (2/390): "وإن مما لا شك فيه أن الوجه الأول هو الراجح، وذلك ظاهر من النظر في الراوي له عن عبدالرزاق، وهو الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فإنه من الأئمة المشهورين بالحفظ والضبط والإتقان، فلا يقوم أمامه أيًا من الثقات عند المخالفة، لا سيما إذا كان فيه كلام مثل راوي الوجه الآخر محمد بن عبدالملك الغزال هذا، فإنه وإن وثقه النسائي وغيره، فقد قال مسلمة: (ثقة كثير الخطأ)، قلت: فمثله لا يحتج به إذا خالفه ثقة، فكيف إذا كان المخالف له إمامًا ثبتًا كالإمام أحمد؟! فكيف إذا توبع فيه الإمام أحمد، وبقي الغزال فريدًا غريبًا".

ثانيًا: رواية محمد بن عبدالملك الغزال بلفظ (نهى أن يعتمد الرجل علي يديه إذا نهض في الصلاة) غير محفوظة، من وجهين:

الوجه الأول: أنه خالفه فيه الرواة عن عبدالرزاق، وهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن محمد بن شبويه، والدبري، وأحمد بن منصور، ومحمد بن رافع، وأحمد بن يوسف السلمي، ومحمد بن سهل بن عسكر، والحسين بن مهدي.

قال البيهقي في السنن (2/135): "ورواية ابن عبدالملك وهم".

وقال في معرفة السنن (3/43): "والذي روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)، فذاك تقصير وقع فيه من بعض الرواة".

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/38): "وقال ابن عبدالملك (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) كذا ذكره، ولم يبين من أمر شيخ أبي داود هذا، الذي هو: محمد بن عبدالملك الغزال شيئًا، وهو رجل مجهول الحال، لم أجد له ذكرًا، وخالفه الثلاثة المذكورون، وهم الثقات الحافظ".

وقال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود (5/281) عن رواية الغزال: "وأجابوا عن حديث ابن عمر رضي الله عنه بأنه ضعيف من وجهين: أحدهما: أن راويه محمد بن عبدالملك مجهول، والثاني: أنه مخالف لرواية الثقات، لأن أحمد بن حنبل رفيق الغزال في الرواية لهذا الحديث عن عبدالرزاق وقال فيه (نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد علي يده)، ولم يقل بالاعتماد على إحدى اليدين دون الأخرى أحد، وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم أن من خالف الثقات كان حديثه شاذًا مردودًا".

وقال العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/391): "فتبين مما سبق أن الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الاعتماد في الجلوس في الصلاة وهذا هو المحفوظ، وأن رواية الغزال إياه في النهي عن الاعتماد إذا نهض شاذ بل منكر، لمخالفته الثقات على سوء حفظه".

وقول أبي الحسن ابن القطان الفاسي عن الغزال إنه مجهول -وتبعه عليه النووي في المجموع-، فيه نظر، فقد وثقه النسائي، وقال ابن أبي حاتم عنه (8/5): "صدوق".

وقال مسلمة في كتاب الصلة (الإكمال10/257): "ثقة ... وهو كثير الخطأ".

وقال ابن الأخضر (السابق 258): "ثقة صدوق".

قال العراقي في ذيل الميزان (403): "هذا عجيب من أبي الحسن وهو كثير النقل من كتاب ابن أبي حاتم، وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه".

الوجه الثاني: أنه روي عن ابن عمر رضي الله عنه خالف ذلك.

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/43): "ورواه محمد بن عبدالملك، عن عبدالرزاق فقال: (إذا نهض في الصلاة)، وذلك خطأ لمخالفته سائر الرواة، وكيف يكون صحيحًا وقد روينا عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه (أنه كان يعتمد على يديه إذا نهض)".

وسيأتي إيراد هذه الروايات عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ثالثًًا: قال مُظهر الدين الزيداني في المفاتيح في شرح المصابيح: (وهو معتمد علي يده) أي: وهو متكئ على يده، يعني إذا جلس للتشهد لا يضع يده على الأرض، بل يضعها على ركبتيه".

وقال ابن رسلان (5/279): "ويدخل في النهي عن وضع يديه على الأرض إذا جلس بين السجدتين".

وقال قبل ذلك: "والرواية الصحيحة على يديه".

وفيما قاله نظر، فإن في الرواية الراجح عن عبدالرزاق (يده) بالإفراد، وجاء في رواية عنه تفسيرها بـ (يده اليسرى)، وهي رواية إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن سهل بن عسكر، وكذلك جاء في رواية هشام بن يوسف، مما يدل على أن الرواية التي جاء فيها (يديه) بالتثنية وقع فيها تصحيف من الرواة، أو النساخ، والله أعلم.



·           الآثار الواردة عن ابن عمر رضي الله عنهما في الاعتماد عند القيام في الصلاة:

روى ابن أبي شيبة في المصنف (2/343) في باب: في الرجل يعتمد على يديه في الصلاة قال: حدثنا وكيع، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يعتمد على يديه).

وروى الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه، فقلت لولده ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا: لا، ولكن هذا - كذا في المطبوع وصوابه هكذا- يكون).

أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع (2/343)، وابن المنذر في الأوسط من طريقه (3/367)، والبيهقي في السنن من طريق كامل بن طلحة (2/135)، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس به موقوفًا.

وفي لفظ ابن أبي شيبة (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما ينهض في الصلاة ويعتمد على يديه).

وخالفه: عطية بن قيس، فرواه عن الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنه يعجن في الصلاة يعتمد على يديه إذا قام، فقلت له: فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).

أخرجه: إبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث عن عبيدالله – كذا في المطبوع-بن عمر (2/525)، والطبراني في الأوسط من طريق عبدالله بن عمر بن أبان (4/213)، كلاهما عن يونس بن بكير، عن الهيثم، عن عطية بن قيس به مرفوعًا.

ولفظ الطبراني (رأيت عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وهو يعجن في الصلاة يعتمد على يديه إذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبدالرحمن؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة يعني يعتمد).

وخالف يونس بن بكير: عبدالحميد بن عبدالرحمن الحِمّاني، فرواه عن الهيثم بن علية البصري، عن الأزرق بن قيس قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة يعتمد إذا قام، فقلت: ما هذا؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله).

أخرجه: الطبراني في الأوسط (3/432)، قال: حدثنا جعفر -هو ابن محمد الفريابي-، قال: نا الحسن بن سهل الحناط، قال: نا عبدالحميد الحماني به.

·           الكلام على روايات الأزرق:

أولاً: المحفوظ عن الأزرق بن قيس هي رواية حماد بن سلمة الموقوفة، أما رواية الهيثم فهي خطأ، الهيثم هذا هو: ابن عمران الدمشقي. ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/82) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعدلاً.

وذكره ابن حبان في الثقات (7/577) على عادته في توثيق المجاهيل.

وقال ابن رجب في فتح الباري (5/148): "والهيثم هذا غير معروف".

ثم إن في سماعه من عطية بن قيس نظر، فإن ابن أبي حاتم قال عنه: "الهيثم بن عمران الدمشقي: روى عن إسماعيل بن عبيدالله، ويونس بن ميسرة، والمطلب بن عبدالله بن حنطب المخزومي، وعمر بن يزيد النصري، وعن جده عبدالله بن أبى عبد الله، ورأى عطية بن قيس".

ولو كان سمع منه لم يكتف ابن أبي حاتم بالرؤية له فقط، وقد أخرج ابن حبان ما يدل على ذلك، فقال في ثقاته: حدثنا الهيثم بن خارجة، ثنا الهيثم بن عمران، قال: (رأيت عطية بن قيس الكلابي يصلى على مرفقة محشوة بالريش جالسًا متربعًا).

وفوق هذا فإنه قد تفرد به عن عطية قاله الطبراني.

ثانيًا: رواية عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني، عن الهيثم بن علية البصري، هكذا وقع في المعجم الأوسط، والذي يغلب على ظني أن هذا تصحيف، صوابه (الهيثم، عن عطية البصري)، وإلا فإن هذه الرواية خطأ، وقد يكون من الهيثم بن عمران كان يضطرب فيه، ويحتمل أن يكون من الحسن بن سهل الحناط، ذكره ابن حبان في الثقات (8/181).

ثم وجدت الشيخ ناصر الدين رحمه الله في الصحيحة يقول (6/382): "أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق عبدالحميد الحماني، قال: نا الهيثم بن عطية البصري ... والهيثم بن عطية هذا لم أعرفه أيضًا، ولعله (عن عطية) كما تقدم في رواية أبي إسحاق الحربي، والله أعلم".

تنبيه: وقع في المعجم الأوسط في الموضع الأخر الإسناد هكذا (الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة)، وهذا تصحيف فاحش، صوابه (الهيثم، عن عطية بن قيس بن ثعلبة) من سند الحربي، ثم وجدت الحديث في فتح الباري لابن رجب (5/147) وذكره على الصواب، ونبه محقق الكتاب هناك على هذا التصحيف في تحقيقه للأوسط.

ثالثًا: وصف الاعتماد عند القيام بهيئة العاجن لا يصح من وجهين:

الوجه الأول: أنه رواها الهيثم بن عمران، واختلف عليه فيها، فمرة ذكرها، ومرة لم يذكره، وحاله لا تحتمل ذلك.

الوجه الثاني: أنه لم يذكرها حماد بن سلمة في روايته.

قال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/141): "قوله ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن) هذا حديث لا يعرف ولا يصح، ولا يجوز أن يحتج به، وقد نسب إلى رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وقد صار في هذا الكتاب، وفي الوجيز مظنة للغلط، فمن غالط في لفظه بقوله (العاجز) بالزاي، وإنما هو بالنون، وقد جعله صاحب الكتاب فيما علًق عنه من درسه بالزاي أحد الوجهين فيه، وليس كذلك، ومن غالط في معناه غير غالط في لفظه يقول: هو بالنون، ولكنه عاجن عجين الخبز، فيقبض أصابع كفيه ويضمها كما يفعله عاجن العجين، ويتكي عليها ويرتفع، ولا يضع راحته على الأرض، وهذا جعله المصنف في درسه الوجه الثاني فيه، وعمل به كثير من عامة العجم وغيرهم، وهو إثبات شرعية هيئة في الصلاة لا عهد بها، بحديث لم يثبت، ولو ثبت لم يكن ذلك معناه، فإن العاجن في اللغة الرجل المسن الكبير الذي إذا قام اعتمد على الأرض بيديه من الكبر، وأنشدوا:

فأصبحت كنتيًا وأصبحت عاجنًا          وشر خصال المرء كنت وعاجن

فإن كان وصف الكبير بذلك مأخوذًا من عاجن العجين، فالتشبيه في شدة الاعتماد عند وضع اليدين، لا في كيفية ضم أصابهما، وأما الذي في كتاب المحكم في اللغة للمغربي المتأخر الضرير من قوله في العاجن (إنه المعتمد على الأرض بجُمعه، وجُمع الكف بضم الجيم هو أن يقبضها كما ذكروه)، فغير مقبول، فإنه ممن لا يقبل ما يتفرد به، فإنه كان يغلط، ويغلطونه كثيرًا، وكأنه أضر به في كتابه مع كبر حجمه ضرارته".

وقال النووي في المجموع (3/442): "وإذا اعتمد بيديه جعل بطن راحتيه، وبطون أصابعه على الأرض بلا خلاف، وأما الحديث المذكور في الوسيط وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن)، فهو حديث ضعيف، أو باطل لا أصل له، وهو بالنون، ولو صح كان معناه: قائم معتمد ببطن يديه كما يعتمد العاجز، وهو الشيخ الكبير، وليس المراد عاجن العجين".

 قال ابن رجب في فتح الباري (5/148): "وقال بعضهم: العاجن هو الشيخ الكبير الذي يعتمد إذا قام ببطن يديه، ليس هو عاجن العجين".

وقال ابن الملقن عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في البدر المنير (3/678): "ولا يحضرني من خرجه من المحدثين من هذا الوجه بعد البحث عنه".

تنبيه: قال الألباني في الضعيفة (2/392): "فأخرجه أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث ... وهو هكذا: حدثنا عبيدالله (الأصل: عبدالله وهو خطأ من الناسخ) بن عمر، حدثنا يونس بن بكير، عن الهيثم بن عطية عن قيس بن الأزرق بن قيس به".

ثم عاد فقال في الصحيحة (6/382): "ولابد من التنبيه هنا على خطأ وقع لي ثمة، وذلك أنني رجحت أن (عبدالله بن عمر) شيخ الحربي الصواب فيه (عبيدالله) مصغرًا، فلما وقفت على رواية الطبراني ومطابقتها لرواية الحربي، بل زاد فسمى جده (أبان) تبين لي الخطأ، وأن الصواب كما وقع في الروايتين: (عبدالله بن عمر)، وهو (ابن محمد بن أبان الأموي مولاهم الكوفي)، وهو ثقة أيضًا من رجال مسلم".

ولعل محقق كتاب الغريب اغتر بما وجده في السلسلة الضعيفة فغير ما في الأصل لذلك، والله أعلم.

تم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.




الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

شرح موجز لعبارة أهل الحديث (من صحيح حديثه) أو (ليس من صحيح حديثه)


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين.

  وبعد:

فهذه شرح موجز لعبارة أهل الحديث (من صحيح حديثه) أو (ليس من صحيح حديثه).

ولها معنيان عند أصحاب الحديث:

المعنى الأول: تعني في حالة الأثبات: أن هذا الحديث مما سمعه الراوي من شيخه، وفي حالة النفي: أنه مما لم يسمعه منه، وهذا الغالب على هذه العبارة عند النقاد.

المعنى الثاني: أن هذا الحديث خطأ، وليس مما رواه الراوي عن شيوخه، وهذا قليل جدًا مقارنة بالمعنى الأول.

والسياق هو الذي يفسر المقام.

فمن المعنى الأول:

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/236): نا صالح، نا على قال: ذكرت ليحيى حديث: ابن أبى عروبة، عن قتادة، عن أبى مجلز قال: ( كتب عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف ...) الحديث الطويل في الجزية، قال: هذا ملزق عن أبي مجلز، قلت: ليس هو من صحيح حديث قتادة؟ قال: لا".

وقال ابن معين (تهذيب التهذيب 7/184): "عطاء بن السائب اختلط، وما سمع منه جرير وذويه ليس من صحيح حديثه، وقد سمع منه أبو عوانة في الصحة والاختلاط جميعًا، ولا يحتج بحديثه".

وقال أبو داود في سؤالاته (224): "سمعت أحمد قال: "إبراهيم بن سعد صحيح الحديث عن ابن إسحاق".

أي أنه يبن ما سمعه ابن إسحاق من شيوخه مما دلسه.

أخرج البيهقي في السنن (5/229) من طريق عبد الأعلى، حدثنا محمد، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل في هديه عام الحديبية، وفى رأسه برة من فضة، وكان أبو جهل استلب يوم بدر).

قال البيهقي في السنن (5/230): أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، أخبرني محمد بن صالح الهاشمي، حدثنا أبو جعفر المستعيني، حدثنا عبدالله بن على المديني، حدثني أبى قال: "كنت أرى أن هذا من صحيح حديث ابن إسحاق، فإذا هو قد دلسه، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنه ... قال على: فإذا الحديث مضطرب".

وقال أحمد (علل الخلال 322): "وقال الحسن بن عياش: كنَّا نأتي الأعمش، فيحدثنا فنجيء إلى سفيان، فنعرضها عليه، فيقول: هذا من صحيح حديثه، وهذا ليس من حديثه، فنرجع إلى الأعمش، فيحدثنا كما قال الثوري، وإن الأعمش حدث، فقيل له: إن الثوري يقول كذا وكذا خلاف ما روى، فنكس الأعمش رأسه -ووصفه أبو عبدالله: وضع يده على جبهته-، وجعل الأعمش يهمهم، ثم رفع رأسه، فقال: هو كما قال سفيان".

وقال البخاري في الضعفاء الصغير (84): "خارجة بن مصعب أبو الحجاج الخراساني الضبعي، عن زيد بن أسلم، تركه وكيع، وكان يدلس عن غياث بن إبراهيم، وغياث ذهب حديثه، ولا يعرف صحيح حديثه من غيره".

وقال العجلي في معرفة الثقات (2/135): كان شيخًا ثقة -يعني عطاء- قديمًا، روى عن ابن أبي أوفى، ومن سمع منه قديمًا فهو صحيح الحديث، منهم الثوري، فأما من سمع منه بآخره فهو مضطرب الحديث، منهم: هشيم، وخالد الواسطي، إلا أن عطاء بآخره كان يتلقن إذا لقنوه في الحديث، لأنه كان كبر".

وقال أبو داود (تهذيب الكمال11/10): "سمعت صالحًا الخندقي: قال سمعت وكيعًا قال: كنا ندخل على سعيد فنسمع، فما كان من صحيح حديثه أخذناه، وما لم يكن صحيحًا طرحناه".

وقال (2/222): "قد سيرت أخبار قيس بن الربيع من رواية القدماء والمتأخرين وتتبعتها، فرأيته صدوقًا مأمونًا حيث كان شابًا، فلما كبر ساء حفظه، وامتحن بابن سوء، فكان يدخل عليه الحديث فيجيب فيه ثقة منه بابنه، فلما غلب المناكير على صحيح حديثه ولم يتميز، استحق مجانبته عند الاحتجاج".

وقال الحافظ عن عبدالله بن صالح في مقدمة الصحيح (414): "ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيمًا، ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه، فيتوقف فيه".

وقال السخاوي في فتح المغيث (2/185): "وكذا (احتج مسلم بمن قد ضعفا) من غيره (نحو سويد) هو ابن سعيد، وجماعة غيره، (إذ بجرح) مطلق (ما اكتفى) كل من البخاري ومسلم لتحقيقهما نفيه، بل أكثر من فسر الجرح في سويد ذكر أنه لما عمي ربما يلقن الشيء، وهذا وإن كان قادحًا، فإنما يقدح فيما حدث به بعد العمى لا فيما قبله، والظاهر أن مسلمًا عرف أن ما خرجه عنه من صحيح حديثه، أو مما لم ينفرد به طلبًا للعلو".



الأمثلة :

مثال: قال ابن المديني في العلل (222): "قال -يعني الحسن-: (ورأيت ابن الزبير يبايع عليًا رضي الله عنهم في حش)، وخالفه: موسى بن داود، قال: (رأيت طلحة يبايع عليًا رضي الله عنهما في حش) فسأله خالد بن القاسم عن هذا الحديث؟ قال: ليس من صحيح حديث هشيم، والحسن لم ير عليًا رضي الله عنه إلا أن يكون رآه بالمدينة وهو غلام".

وورد تصريح هشيم بالسماع من حميد لكنه لا يصح، فأخرج الطبري في تاريخه (4/429)، قال: حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد، عن الحسن قال: (رأيت الزبير بن العوام بايع عليًا رضي الله عنهم في حش من حشان المدينة).

وهذا الإسناد فيه محمد بن سنان القزاز قال عنه الحافظ في التقريب (851): "ضعيف".

وفيه إسحاق بن إدريس الأسواري قال ابن معين عنه في تاريخ الدوري (4/240): "ليس بشيء، يضع الأحاديث".

وأخرجه: البلاذري في أنساب الأشراف (3/16)، قال: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا هشيم بن بشير، حدثنا حميد، عن الحسن قال: (رأيت الزبير بايع علياً رضي الله عنهما في حش من أحشاش المدينة).

وهذا فيه البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر لم أجد من وثقه.

مثال أخر: قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/238): نا صالح، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: حديث إسماعيل بن أبى خالد (إذا فجئتك جنازة) ليس هو من صحيح حديثه".

 أي أن إسماعيل بن أبي خالد لم يسمعه من الشعبي.

قال عبدالله بن الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/344): حدثني أبي، قال: حدثنا عبدالله بن نمير، قال: حدثنا إسماعيل، عن رجل، عن عامر: "إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فصل عليها". قال عبدالله: هو مطيع الغزال يعني الرجل.

وقال ابن أبي حاتم في (1/238): "نا صالح، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: في حديث ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما (في رجل آجر نفسه في الحج)، قال: أملى علي من حفظه: حدثت عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكان في كتابه حدثت عن سعيد بن جبير، وقال: عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قلت ليحيى: تراه حديث مسلم البطين؟، قال: نعم، وليس من صحيح حديثه عن عطاء".

والأثر رواه مسدد في مسنده (المطالب العالية 3/299) قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج، قال عطاء: سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أوأجر نفسي من هؤلاء القوم فانسك معهم بلا أجر) قال: نعم (أولئك لهم نصيب مما كسبوا).

والحديث لم يسمعه ابن جريج من عطاء إنما هو حديث مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال ابن أبي خيثمة في تاريخ المكيين (363): "وزعم علي أنه سمع يحيى يقول في حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما (في رجل أجر نفسه في الحج) قال: أملاه علي من حفظه: حدثنا عطاء، قال يحيى: وكان في كتابه حدثت عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال عطاء: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قلت ليحيى: تراه حديث مسلم البطين؟ قال: نعم، قال يحيى: كان ابن جريج يقرأه علينا من كتاب يخرجه قد قرأه قبل ذلك على الناس زمانًا وعرضه".

وحديث مسلم البطين أخرجه ابن أبي شيبة، والحاكم.

قال ابن أبي شيبة في المصنف (5/564): حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتاه رجل فقال: إني اكريت نفسي من قوم، ووضعت عنهم من أجرتي من أجل الحج، فهل يجزئ ذلك عنهم؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا من الذي قال الله: (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب).

وقال الحاكم في المستدرك (4/103): أخبرنا أبو زكريا العنبري، حدثنا محمد بن عبدالسلام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جرير، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني أجرت نفسي من قومي على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم، أفيجزئ ذلك؟ قال أنت من الذين قال الله عز وجل (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب).

وقال عبدالله بن الإمام أحمد في العلل (3/168): حدثني أبي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني أجرت نفسي من هؤلاء ووضعت عنهم من أجري أن يدعوني أحج، وأقضي المناسك، فقرأ ابن عباس رضي الله عنهما (أولئك لهم نصيب مما كسبوا)، قال عبدالرحمن: سمعت سفيان قال: سألني عنه ابن جريج".

مثال أخر: قال ابن أبي حاتم في (1/239): "نا صالح، نا علي: قلت ليحيى: قول عامر في طلاق الصبي سمعه إسماعيل من عامر؟ قال: لا، قلت ليحيى: سألته عنه؟ قال: نعم -فيما أعلم- فضعفه، قلت ليحيى: فطلاق السكران قول عامر من صحيح حديثه؟ قال: لا، قلت: سألته عنه؟، قال: برأسه -أي نعم-، قلت: فلم يصححه، قال: لا، قلت: فقول عامر (إذا فاته العيد)، قال: أراه من حديثه، قلت: سألته عنه؟ قال: لا أدري، إلا أني كنت رأيت في كتاب عند شعبة، قال: قلت ليحيى: (فينتظر خفق النعال) فضعفه يحيى بن سعيد".

أثر طلاق الصبي أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (7/84): عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: (لا يجوز طلاق الصبي شيئًا حتى يحتلم).

وأخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (6/397) قال: نا عبدالله بن إدريس، عن إسماعيل، عن الشعبي قال: (لا يجوز طلاق الصبي).

وقد رواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي معنعنًا.

وأثر طلاق السكران أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (7/83): عن ابن التيمي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي وإبراهيم قالا: (يجوز طلاق السكران وعتقه).

وأخرجه: سعيد بن منصور في سننه (1/308) قال: نا هشيم، قال أنا إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبي (أنه كان يجيز طلاق السكران، وما أتى من حد في سكره أقيم عليه).

وقد رواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي معنعنًا.

مثال أخر: قال المروزي في قيام الليل (مختصر 185): حدثنا محمد بن المثنى، ثنا ابن عدي، عن حميد، عن عبدالله بن شقيق رحمه الله: سألت أم المؤمنين رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل؟ فقالت: ( كان يصلي ليلا طويلاً قائمًا، وليلاً طويلاً قاعدًا، فإذا قرأ قائمًا ركع قائمًا، وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا)، ورواه حماد، عن بديل بن ميسرة، وحميد، عن ابن شقيق فذكره سواء، قال: فيشبه أن يكون الحديث كان عند حفص، عن حميد على ما هو عند الناس، وكان عنده عن ليث، عن مجاهد، وعن حجاج، عن حماد، عن سعيد بن جبير في التربع في الصلاة، فذاكر أبا داود الحفري من حفظه فتوهم أن ذكر التربع في حديث حميد فاختصر الحديث، وألحق فيه التربع توهمًا وغلطًا إن كان حفظ ذلك عنه أبو داود، وذلك أنه ليس بمعروف من حديث حفص لا نعلم أحدًا رواه عنه غير أبي داود رحمه الله، ولو كان من صحيح حديث حفص لرواه الناس عنه وعرفوه، إذ هو حديث لم يروه غيره، والذي يعرف من حديث حفص في التربع، عن حجاج، عن حماد، عن مجاهد قال : (علمنا سعيد بن جبير صلاة القاعد فقال: يجعل قيامه تربعًا) وحفص عن ليث، عن مجاهد رحمه الله قال: (صلاة القاعد غير المتربع على النصف من صلاة القائم)، قال: وكان حفص رجلاً إذا حدث من حفظه ربما غلط، هو معروف بذلك عند أصحاب الحديث".

مثال أخر: قال البخاري في صحيح البخاري (7/2737): حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا سفيان، قال الزهري، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن ...)، "سمعت سفيان مرارًا لم أَسمعه يذكر الخبر، وهو من صحيح حديثه".

وقد صرح الحميدي في مسنده (2/278) بالتحديث بين سفيان والزهري، فصح أنه مما سمعه سفيان من الزهري.

مثال أخر: قال ابن أبي حاتم في العلل (2/129): "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه علي بن حكيم، عن شريك، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه رفعه قال: (من بنى مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة)؟ فقالا: هكذا رواه عدة من أصحاب شريك فلم يرفعوه، والصحيح عن أبي ذر من حديث شريك موقوف، قال أبي: ورواه أبو بكر بن عياش، عن الأعمش ورفعه، ونفس الحديث موقوف، وهو أصح، قال أبو محمد: وحدثني أبي، قال: حدثنا حماد بن زاذان، قال: سمعت ابن مهدي قال: حديث الأعمش (من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة) ليس من صحيح حديث الأعمش".

مثال أخر: قال البخاري في القراءة خلف الإمام (64): "وقال معمر، عن الزهري: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب فصاعدًا) وعامة الثقات لم يتابع معمرًا في قوله (فصاعدًا) مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب، وقوله (فصاعدًا) غير معروف ما أرد به حرفًا أو أكثر من ذلك؟ إلا أن يكون كقوله (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا) فقد تقطع اليد في دينار وفي أكثر من دينار، قال البخاري: ويقال أن عبدالرحمن بن إسحاق تابع معمرًا، وأن عبد الرحمن ربما روى عن الزهري ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره، ولا نعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا".

مثال أخر: وقال في (368): "وروى أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، أو غيره عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، زاد فيه: (وإذا قرأ فأنصتوا) ... وقال البخاري (374) بعد أن ذكر الروايات عن ابن عجلان من غير طريق أبي خالد الأحمر وليس فيها (فأنصتوا) قال: "ولا يعرف هذا من صحيح حديث ابن خالد الأحمر، قال أحمد: أراه كان يدلس".

مثال أخر: قال العقيلي في الضعفاء (6/433): حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا عبدالله بن الوليد، عن سفيان بن سعيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسكن بمكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا مشاء بنميم)، وتابعه سفيان بن وكيع، عن موسى بن عيسى القاري، عن زائدة، عن سفيان، وليس هو من صحيح حديثه".

رواية سفيان بن وكيع أخرجها: تمام في الفوائد (1/173): حدثنا علي بن الحسين بن محمد، ثنا أبو بكر محمد بن هارون بن حميد بن المجدر، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسكن مكة سافك دم).

قال ابن حبان في الثقات (9/160): "موسى بن عيسى، يروى عن زائدة، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل مكة سافك دم...)، روى عنه سفيان بن وكيع، وهذا مما أدخل على سفيان بن وكيع".

وقال الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (127): "سفيان بن وكيع كان يلقنه وراق له يقال له: (قرطمة)، وكان وراقه هذا غير مأمون، ... ولقنه أيضًا عن موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن سفيان، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه .... وهذه أحاديث لا أصول لها بهذه الأسانيد ... وأما حديث زائدة، عن الثوري، فلا أصل له عن زائدة، ولا عن موسى الليثي، وإنما تفرد بروايته يعقوب بن حميد بن كاسب، عن عبدالله بن الوليد العدني، عن الثوري، وأنكر على يعقوب، وهو مما يعتد به، وليس من مناكيره".  

مثال أخر: قال ابن رجب في فتح الباري له (2/341) وذكر حديث: ثنا آدم، ثنا شعبة، ثنا قتادة، قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه ... ثم قال: "هذا مما صُرح فيه بالسماع في جميع إسناده في هذه الرواية والتي قبلها، وهو من صحيح حديث قتادة، عن أنس رضي الله عنه".

مثال أخر: قال الحافظ في تلخيص الحبير (2/793): "هو من صحيح حديث سماك، لم يدلس فيه، ولم يلقن أيضًا، فإنه من رواية شعبة عنه، وكان شعبة لا يأخذ عن شيوخه ما دلسوا فيه، ولا ما لقنوا".

والحديث أخرجه النسائي في السنن (347) من طريق سماك قال: "دخلت على عكرمة في يوم قد أشكل من رمضان هو أم من شعبان، وهو يأكل خبزًا وبقلاً ولبنًا فقال لي: هلم، فقلت: إني صائم، قال: وحلف بالله لتفطرن، قلت: سبحان الله مرتين، فلما رأيته يحلف لا يستثني، تقدمت، قلت: هات الآن ما عندك، قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة، أو ظلمة، فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان)".



ومن المعنى الثاني:

قال البخاري (سنن الترمذي 364): "ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أَرْوِي عنه، لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أَرْوِي عنه شيئًا".

وقال ابن حبان المجروحين (2/187): "عائذ بن نسير من أهل العراق، يروي عن العراقيين والحجازيين، كثير الخطأ على قلته، بطل الاحتجاج بما انفرد لما غلب على صحيح حديثه الخطأ".

وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2/213) وهو يتكلم على إسماعيل بن عياش: "ما في هؤلاء من يخفي أمره، وحتى لو كانوا كلهم غير شاميين، وشيخ إسماعيل بن عياش شاميًا كفى ذلك في المقصود، وعد به الحديث من صحيح حديثه، فإنه إنما يراعى في ذلك أشياخه فقط لأنه كان بهم عالمًا، وكان أخذه عن غيرهم في الأسفار والرحل، فلم يكن فيهم كما هو في أهل بلده، فإذن لا يلتفت إلى كون الإسناد حجازيًا إذا كان شيخه شاميًا، على هذا يتفسر مقصودهم، وعمرو بن شعيب مكي كان يخرج إلى الطائف لضيعة له، وهو الذي غلط أبا محمد، والله أعلم".

وقال الحافظ في مقدمة الصحيح (391): "روينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح، من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره، فيعتبر فيه".

أقول: إن البخاري رحمه الله اطلع على أصول شيخه فما كان منها صحيحًا انتقاه وكتبه وحدث به، وما رأى أن شيخه أخطأ فيه تركه وجعل عليه علامة حتى لا يحدث به شيخ الناس.



أمثالته:

قال ابن أبي حاتم في العلل (4/447): "سألت أبي عن حديث رواه كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر)؟ قال أبي: هذا حديث خطأ، يروونه عن جعفر، عن رجل، عن الزهري هكذا، وليس هذا من صحيح حديث الزهري، وهو مفتعل ليس من حديث الثقات".

قال أبو داود في السنن (4/144): "هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري، وهو منكر".

ثم قال: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا أبي، حدثنا جعفر، أنه بلغه عن الزهري بهذا الحديث".

مثال أخر: قال الخطيب في تاريخه (14/115): أخبرنا الأزهري وعلى بن محمد السمسار، قالا: أخبرنا عبدالله بن عثمان الصفار، أخبرنا: محمد بن عمران الصيرفي، حدثنا عبدالله بن على بن المديني، قلت لأبي: "شيء رواه عمرو الناقد، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن أبى معمر، عن عبدالله رضي الله عنه: (أن ثقيفًا وقرشيًا وأنصاريًا عند أستار الكعبة...) فقال: هذا كذب، لم يرو هذا ابن عيينة، إنما كان عند ابن عيينة، عن منصور، عن مجاهد، عن أبى معمر، عن عبدالله رضي الله عنه، وليس هو من صحيح حديثه، وأنكره من حديث ابن عيينة عن ابن أبى نجيح".

والخطأ في الحديث ليس من عمرو الناقد، بل سفيان بن عيينة كان يشك فيه.

قال الحميدي في مسنده (1/47): ثنا سفيان، ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (اجتمع عند البيت ثلاثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي ...)، قال: وكان سفيان أولاً يقول في هذا الحديث: ثنا منصور، أو ابن أبي نجيح، أو حميد الأعرج أحدهم أو اثنان منهم، ثم ثبت على منصور في هذا الحديث".

ومما يدل على براءة عمرو الناقد من جررته: أن الطبراني في الكبير (10/114) أخرجه من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح به.

ومن رواية منصور أخرجه: البخاري عن الحميدي (6/2735)، ومسلم عن ابن أبي عمر (8/121)، كلاهما عن ابن عيينة به.

وليس في حديث أحد منهم (... وأنصاريًا)، وهي خطأ بلا شك، لأن الحادثة وقعت بمكة عند الكعبة، والأنصار بالمدينة.

مثال أخر: قال الخطيب في ترجمة محمد بن الحسن بن محمد أبي بكر النقاش في تاريخه (2/605): "قال أبو الحسن: وحدث بحديث عن يحيى بن محمد بن صاعد، فقال فيه: حدثنا يحيى بن محمد المديني، قال: نا إدريس بن عيسى القطان، عن شيخ له ثقة إما إسحاق الأزرق أو زيد بن الحباب أحد هذين -الشك من أبي الحسن-، عن سفيان الثوري، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما (قصة إبراهيم والحسن والحسين)، وهذا حديث باطل كذب على كل من رواه: ابن صاعد فمن فوقه، وأحسب أنه وقع إليه كتاب لرجل غير موثوق به، قد وضعه في كتابه، أو وضع له على أبي محمد ابن صاعد، فظن أنه من صحيح حديثه، فرواه فدخل عليه الوهم، وظن أنه من سماعه من ابن صاعد".

قال الخطيب: "دلس النقاش ابن صاعد، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبدالملك الخياط، وأقل مما شرح في هذين الحديثين تسقط عدالة المحدث ويترك الاحتجاج به".

تنبيه:

صحة حديث الراوي عن شيوخه لا يعني بالضرورة عدم خطئه فيه، فقد يكون الراوي صح سماعه للحديث من شيخه لكنه أخطأ فيه.

مثاله: أخرج ابن سعد في الطبقات عن موسى بن داود (1/421)، وأحمد في المسند عن إسحاق بن يحيى (17/185)، وعن موسى بن داود واللفظ له (17/185)، والطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق يحيى بن إسحاق (1/231)، كلاهما عن ابن لهيعة، عن عبيدالله بن المغيرة، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كأني انظر إلى بياض كشح النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد).

قال العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (7/592): "وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن ابن لهيعة فيه ضعف من قبل حفظه، وبه أعلَّه الهيثمي؛ فقال: (رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام)، وأقول: هذا من صحيح حديثه يقينًا؛ لكثرة شواهده عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: البراء بن عازب، وعبد الله بن مالك ابن بُحينَة، وأبو هريرة، وعبدالله بن أقرم، وميمونة، وغيرهم بمعناه".

أقول: لا أدري ما الذي جعل الشيخ الألباني رحمه الله يجزم بكون الحديث من صحيح حديث ابن لهيعة، خاصة وأن ابن لهيعة لم يصرح بالتحديث، ثم ما دخل كون الحديث له شواهد من أحاديث الصحابة رضي الله عنهم حتى يكون من صحيح حديث ابن لهيعة!!!.

وعلى فرض صحة ذلك، فقد خالفه: خالد بن يزيد الجمحي -وهو ثقة فقيه-، فرواه عن عبيدالله بن المغيرة، عن أبي الهيثم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( كأني انظر إلى بياض كشحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد).

أخرجه: الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/231)، قال: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني نافع بن يزيد، قال: أخبرني خالد بن يزيد به.

فجعل ابن لهيعة الحديث من مسند أبي سعيد، ولعله سبق لسانه إلى أبي سعيد لكون أبي الهيثم مشهور بالرواية عن أبي سعيد رضي الله عنهما.    

 

والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم علي أشرف الأنبياء والمرسلين.