بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام
على حديث تشبيه المدينة بالرمانة :
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فهذا
مقال مختصر في الكلام على حديث ( المدينة تكون كالرمانة المحشوة).
روى
طلحة بن زيد الرقي، عن عبدالله بن محمد بن أبي يحيى، عن عوف بن الحارث، عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تكون المدينة كالرمانة
المحشوة من الناس)، قلت: من أين يأكلون يا نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (من
فوقهم ومن تحت أرجلهم، ويطعمهم الله من جنات عدن).
أخرجه:
أبو القاسم عبدالرحمن بن العباس البزار الأصم (الأحاديث الواردة في فضائل المدينة
315)، قال: حدثنا أبو حنيفة، حدثنا عمي، أخبرنا أبي، حدثنا طلحة بن زيد، عن
عبدالله بن أبي يحيى، عن عون بن الحارث -هكذا وقع في المطبوع وهو تصحيف- به.
وخالف
طلحة: محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، فرواه عن عبدالله بن محمد بن أبي يحيى، عن أبي
صالح السمان، عن عائشة رضي الله عنها به.
أخرجه:
قال الديلمي في مسنده (2/22/أ): أخبرني أبي قدس الله روحه، قال: أخبرنا أبو الحسين
الحافظ، قال: أخبرنا أبو محمد الحسين بن محمد الخلال، حدثنا عبيدالله بن أحمد بن
يعقوب، حدثنا عبدالله بن إسحاق بن إبراهيم المدائني، حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب،
حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبدالله بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبي صالح السمان، عن
عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله e: (كيف بكِ يا عائشة إذا رجع الناس إلى المدينة
فكانت كالرمانة المحشوة، يطعمهم الله عز وجل من فوق رؤوسهم، ومن تحت أرجلهم، ومن
الجنة).
الحديث
لم أجده من هذا الوجه إلا عند الديلمي، وإليه وحده عزاه السيوطي في جمع الجوامع
(5/513)، والتقي الهندي في كنز العمال (12/114).
وقد
ذكره الذهبي في الميزان في ترجمة عبدالله بن أبي يحيى (3/525)، وفيه: "عن أبي
صالح السمان وعوف بن الطفيل، وفي آخره قال في لفظه: (ومن جنات عدن)، وعند الحافظ
ابن حجر في اللسان (3/377): (قالت: فمن أين يأكلون يا رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ قال: يطعمهم الله من فوقهم، ومن تحت أقدامهم، ومن جنات عدن).
الكلام
على الروايات:
أقول:
الحديث منكر لا يصح، في الطريق الأول طلحة بن زيد الرقي، قال عنه الإمام أحمد في
رواية المروذي (116): "ليس بشيء كان يضع الحديث".
وقال
البخاري في التاريخ الكبير (4/351): "منكر الحديث".
قال
أبو حاتم في الجرح والتعديل (4/480): "منكر الحديث، ضعيف الحديث، لا يكتب
حديثه".
وقال
النسائي في الضعفاء (143): "متروك الحديث".
وعوف بن الحارث بن الطفيل قال عنه
الحافظ: "مقبول".
والراوي عن طلحة: محمد بن ماهان قال أبو
حاتم في الجرح والتعديل (2/73): "مجهول".
وأبو حنيفة محمد بن حنيفة قال الدارقطني
(تاريخ بغداد): "ليس بالقوي".
والطريق
الثاني في سنده يعقوب بن حميد بن كاسب، قال ابن معين التاريخ رواية الدوري (2/681):
"ليس بشيء".
وقال
في رواية ابن محرز (1/52): "كذاب، خبيث، عدو لله، محدود، قيل له: فمَن كان
محدودًا لا يقبل حديثه؟ فقال: لا، لا يقبل حديث من حد".
وقال
عباس العنبري (تهذيب الكمال 8/168): "يوصل الحديث".
وقال
البخاري عنه في التاريخ الأوسط رواية الخفاف (الحديث الحسن للدريس 1/411): "نحن لم نر
إلا خيرًا، فيه بعض السهولة، وأما في الأصل صدوق، قال أبو محمد الخفاف: قال محمد
بن يحيى -يعني الذهلي-: ليس بصدوق في الأصل، وكان حدث عنه ثم ضرب على حديثه، فقال:
كتبت عنه ثم سقط".
وقال
أبو حاتم في الجرح والتعديل (9/206): "هو ضعيف الحديث".
وقال ابن أبي حاتم: "سألت
أبا زرعة عن يعقوب بن كاسب؟ فحرك رأسه، قلت: كان صدوقًا في الحديث، قال: لهذا شروط".
وقال في حديث رواه يعقوب: "قلبي لا
يسكن على ابن كاسب".
وقال زكريا بن يحيى الحلواني (الضعفاء
العقيلي 6/433): "رأيت أبا داود السجستاني -صاحب أحمد بن حنبل- قد ظاهر بحديث
ابن كاسب وجعله وقايات على ظهور كتبه، فسألته عنه؟ فقال: رأينا في مسنده أحاديث
أنكرناها فطالبناه بالأصول فدافعنا، ثم أخرجها بعد فوجدنا الأحاديث في الأصول
مغيرة بخط طري كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها".
وقال النسائي في الضعفاء والمتروكين
(245): "ليس بشيء، متروك".
والأشبه والله أعلم أن يكون أحدهما
اختلقه والآخر سرقه.
تنبيه:
قال الذهبي في الميزان (2/525) في ترجمة
عبدالله بن أبي يحيى الأسلمي، قال فيه البخاري: "حديثه منكر".
ثم ذكر هذا الحديث في ترجمته، وهذا منه
عَصْبٌ للجناية برأس ابن أبي يحيى هذا.
وفيه
أمران:
الأول:
عبدالله بن أبي يحيى وثقه جمع من أهل العلم، قال أحمد: ثقة، وكذا قال ابن معين كما في الجرح والتعديل (5/156).
وقال
أبو داود (تهذيب الكمال 16/101): "ثقة".
وذكره
ابن خلفون في كتابه الثقات (الإكمال لمغلطاي
8/187).،
وابن حبان أيضًا في ثقاته (7/43).
وقال
ابن شاهين في الثقات (191): "ليس به بأس".
ووثقه
الخليلي في الإرشاد (1/308).
وقال
الحافظ: "ثقة".
وحاله
لا تحتمل هذا الحديث المنكر، والجناية تعصب برأس أضعف الرواة في السند، إلا أن
يثبت دليل فتعصب الجناية بمن وقع الخطأ منه وإن كان في السند من هو أضعف حالاً منه.
الثاني:
أني لم أجد كلمة البخاري رحمه الله في شيء من كتبه التي بين يدي، بل وجدت في
التاريخ الكبير (5/20) ذكر عبدالله بن أبي يحيى هذا فقال: "عن سعيد بن أبي
هند المديني، سمع منه ابن أبي فديك".
وعلى
قاعدته أنه محتمل، قال المزي في ترجمة ابن أبي المخارق من تهذيب الكمال (4/544): "قال
الحافظ أبو محمد عبدالله بن سعيد بن يَرْبوع الأشبيلي: بين مسلم جرحه في صدر
كتابه، وأما البخاري فلم ينبه من أمره على شيء، فدل على أنه عنده على الاحتمال،
لأنه قال في التاريخ: ( كل من لم أبين فيه جُرْحَة فهو على الاحتمال، وإذا قلت:
فيه نظر، فلا يحتمل)".
فربما
أراد البخاري بكلمته هذه الحديث الذي ذكره الذهبي ولم يقصد الراوي.
والله
أعلم، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق