الثلاثاء، 5 مايو 2020

الأحاديث الواردة في جبل عير


بسم الله الرحمن الرحيم

جبل عير والأحاديث الواردة في شأنه :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

وبعد:
أولاً: التعريف به وموقعه الجغرافي بالمدينة المنورة:
قال ياقوت في معجم البلدان (4/171): "بفتح أوله، وفتح ثانيه بلفظ حمار الوحش .. قال: وقيل: العير جبل بالحجاز ".
وقال عرّام بن الأصبغ السُلَمي في كتابه أسماء جبال تهامة (2/371): "عير جبلان أحمران من عن يمينك وأنت ببطن العقيق تريد مكة، ومن عن يسارك شَوْران ".
وقال أبو الفتح الإسكندري في الأمكنة والمياه والآثار (2/227): "زعم ابن الكلبي: أنه كان لرجل من عاد يقال له: حمار بن مُوَيْلع كان مؤمنًا بالله تعالى، ثم ارتد فأرسل الله على واديه نارًا فاسود، وصار لا ينبت شيئًا، فضرب به المثل في كل مُقْوٍ".
وقال الهجري في كتابه قسم اللغة والمواضع (3/1443): "ثم تفيضي إلى ثنية الشَّريد، وبها مزارع وآبار وهي ذات عضاه وآجام، تنبت ضروبًا من الكلأ وهي للزبير بن بكار، وفي شرقيها عير الوارد، وفي غربيها جبل يقال له: الفراء ... ثم يفضي ذلك على الشجرة التي بها محرم النبي e وبها يُعرِّس من حج وسلك ذلك الطريق، بينها وبين جبل الفراء نحو ثلاثة أميال، والبيداء مشرفة على الشجرة غربا على طريق مكة، ثم على أثر ذلك مزارع أبي هريرة رضي الله عنه ثم القصور يمنة ويسرة، ومنازل الأشراف من قريش وغيرهم، فمنها عن يمين الطريق للمقبل من مكة بسفح عير قصور كثيرة".
وقال السمهودي في وفاء الوفا (4/395): "اسم للجبل الذي في قبلة المدينة شرقي العقيق، وفوقه جبل آخر يسمى باسمه، ويقال له: عير الصادر، وللأول عير والوارد، ولهذا قال الزبير في أودية العقيق: ثم شعاب الحمراء والفراء وعيرين".
وجبل عير الآن على يسار الخارج من المدينة عبر طريق الهجرة السريع مقابل ميقات آبار علي (الحليفة) من الجهة الشرقية.
ثانيًا: الكلام على الأحاديث:
والذي يجدر ذكره هاهنا أن العامة تظن أن جبل عير من جبال النار، وبعضهم لا ينظر إليه من أجل هذه العلة، والأحاديث الواردة في هذا لا تصح، وإليك بيانها.  
   
الحديث الأول :
ما رواه عبدالمجيد بن أبي عبس بن جبر، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (... هذا عير جبل يبغضنا ونبغضه، على باب من أبوب النار).
الحديث أخرجه: البزار عن علي بن شعيب واللفظ له (كشف 2/58)، والدولابي في الكنى من طريق إبراهيم بن المنذر (1/127)، وابن قانع([1]) في معجم الصحابة y من طريق إبراهيم ابن محمد بن عرعرة (2/145)، والطبراني في المعجم الأوسط من طريق عبيدالله بن عبدالله المنكدري (6/315)، وابن بشران في الأمالي من طريق علي بن شعيب (1/217)، والخطيب في تالي التلخيص من طريقه (2/548)، كلهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك، عن عثمان بن إسحاق، عن عبدالمجيد ... به.
وهذا إسناد ضعيف جدًا، فيه عبدالمجيد بن أبي عبس، قال فيه أبو حاتم في الجرح (6/64): "لين".
وفيه أبوه ابن أبي عبس، فسره الخطيب في تالي التلخيص له فقال: "عبدالمجيد هو ابن أبي عبس بن محمد بن أبي عبس بن جبر".
وقال الحافظ في اللسان (4/55): "وعبدالمجيد هذا نسب في هذه الرواية لجده، وهو: عبدالمجيد بن محمد بن أبي عبس بن جبر".
قال الألباني في الضعيفة (4/122): "لم أجد له ترجمة".
وفيه عثمان بن إسحاق([2]) ذكره البخاري في التاريخ الكبير (5/59) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
وذكره ابن حبان في الثقات (8/448)
قال الهيثمي في المجمع (4/13): "فيه عبدالمجيد بن أبي عبس لينه أبو حاتم، وفيه من لم أعرفه".
ولعله رحمه الله قصد هذين الاثنين بقوله: "وفيه من لم أعرفه".  
وفيه ابن أبي فديك، قال الحافظ فيه: "صدوق".
وقد تفرد به، قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أبي عبس بن جبر إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن أبي فديك".
وهو لا يحتمل مثل هذا([3]).

الحديث الثاني :
ما رواه عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن مِكْنف، عن أنس بن مالك صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عير على ترعة من ترع النار).
أخرجه: ابن معين في التاريخ واللفظ له (رواية الدوري: 4/53)، والبخاري في التاريخ الكبير عن يوسف بن بهلول (5/93)، وابن ماجه عن هناد بن السري (528)، والعقيلي من طريق ابن معين بالشطر الأول منه (3/343)، وابن عدي في الكامل من طريق هناد (5/372)، كلهم عن عبدة ... به.

الرواية المتابعة لرواية ابن مكنف:
وتابعه: جميل بن عبدالله، فرواه عن أنس صلى الله عليه وسلم ... به.
أخرجه: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/57): حدثنا أبو محمد عبدالله بن شعيب بن أحمد بن محمد بن مهران القاضي الأَرْدَسْتاني قدم علينا سنة سبعين، ثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز، ثنا عبيدالله بن محمد بن عائشة، ثنا حماد، ثنا محمد بن إسحاق، عن جميل بن عبدالله، عن أنس بن مالك صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (... وإن عيرًا على ترعة من ترع النار).       
والحديث ضعيف جدًا، فيه ابن مكنف، قال فيه البخاري في التاريخ: "فيه نظر".
وقال الذهبي في الكاشف: "واه".
وقال الحافظ في التقريب: "مجهول".
وفيه انقطاع، قال ابن حبان في المجروحين (1/497): "لا أعلم له سماعًا من أنس صلى الله عليه وسلم، ولا لمحمد ابن إسحاق عنه، وهذا منقطع من جهتين، لا يجوز الاحتجاج به.
ولم أجد تصريح ابن إسحاق بالتحديث في شيء من طرقه.
   وأما متابعة جميل لابن مكنف على لفظه فلا تصح من وجوه:
الوجه الأول: في سندها عبدالله بن شعيب ذكره أبو نعيم في تاريخه ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
الوجه الثاني: أنه قد خالف فيها أحمد بن محمد بن إسماعيل، وعبيدالله بن محمد، فقد روياه عن عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوي، عن العيشي بالسند السابق ولم يذكرا الزيادة التي ذكرها عبدالله بن شعيب.
وأخرج رواية أحمد بن محمد بن إسماعيل: ابن عبدالبر في التمهيد (9/310)، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوي، قال حدثنا عبيدالله بن محمد العيشي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، جميل بن عبدالله، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحد جبل يحبنا ونحبه، وإنه على ترعة من ترع الجنة).
   وأخرج رواية عبيدالله بن محمد: الذهبي في معجم الشيوخ (348) من طريق محمد بن الحسين القرضي، عن أحمد بن محمد البزاز، عن عبيدالله بن محمد، عن البغوي، عن العيشي  ... به.
   وكذلك لم يذكرها إبراهيم بن المختار في روايته عن ابن إسحاق، أخرج روايته أبو الشيخ في العظمة (5/1708) من طريق محمد بن حميد، عن إبراهيم بن المختار، عن ابن إسحاق، عن جميل به.
   الوجه الثالث: إن كان عبيد الله بن محمد العيشي ضبط حديثه، فيكون ابن إسحاق اضطرب فيه مرة يرويه عن ابن مكنف، ومرة يرويه عن جميل بن عبدالله، وإلا فيكون الصواب رواية عبدة بلا شك، فهو أوثق من العيشي بمراحل.
أقول: ولا تنفع العيشي متابعة إبراهيم بن المختار على إسناده، فإن الراوي عنه هو محمد بن حميد الرازي وهو متروك.
على أن جميل بن عبدالله مجهول، فقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/518) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.  
 
الحديث الثالث : 
ما رواه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/83): قال -يعني محمد بن يحيى بن علي بن عبدالحميد الكناني أبو غسان- وحدثني عبدالعزيز، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن عبدالرحمن الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحد على باب من أبواب الجنة، وعير على باب من أبواب النار).
الحديث مرسل وإسناده ضعيف جدًا، عبدالرحمن الأسلمي هو ابن حرملة من طبقة التابعين، ثم هو فوق هذا متكلم فيه.
قال ابن المديني: "سمعت يحيى -يعني ابن سعيد القطان- يقول: محمد بن عمرو أحب إلي من ابن حرملة، وكان ابن حرملة يلقن، ولو شئت أن ألقنه أشياء، فراددت يحيى في ابن حرملة، فقال: ليس هو عندي مثل يحيى بن سعيد يعنى الأنصاري".
وقال أبو بكر بن خلاد: "سمعت يحيى -يعني ابن سعيد- وسئل عن ابن حرملة؟ فضعفه ولم يدفعه".
وقال يحيى بن معين: "صالح".
وقال يحيى بن معين: "نا يحيى بن سعيد، عن عبدالرحمن بن حرملة قال: كنت سيئ الحفظ -أو كنت لا أحفظ- قال: فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتاب".
قال أبو حاتم الجرح والتعديل (5/223): "يكتب حديثه، ولا يحتج به".
وقال ابن حبان في الثقات (8/67): "يخطئ".
وقال الحافظ في التقريب: "صدوق ربما أخطأ".
وفي سنده ابن أبي حبيبة، مختلف فيه والراجح أنه ضعيف، قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: "من أهل المدينة ثقة".
وقال أبو حاتم الجرح والتعديل (2/83): "شيخ ليس بقوى، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث، دون إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وأحب إلى من إبراهيم بن الفضل".
وقال ابن معين في رواية الدارمي (71): "صالح"، وفي رواية ابن الجنيد (69): "ليس به بأس".     
وقال البخاري في الضعفاء (25): "منكر الحديث".
وقال النسائي في الضعفاء (39): "ضعيف مدني".
وقال الدارقطني (112): "متروك".
وقال الحافظ في التقريب: "ضعيف".
وفيه عبدالعزيز بن عمران، قال فيه ابن معين في رواية الدارمي (169): "ليس بثقة، إنما كان صاحب شعر".
وقال البخاري في الضعفاء (151): "منكر الحديث، لا يكتب حديثه".
قال عبد الرحمن في الجرح والتعديل (5/391): "سالت أبي عن عبدالعزيز بن عمران الذي يروى عنه يعقوب الزهري وغيره؟ فقال: متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًا، قلت: يكتب حديثه؟ قال: على الاعتبار".
وقال النسائي في الضعفاء (168): "متروك الحديث".
وقال الحافظ في التقريب: "متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه، وكان عارفًا بالأنساب".

الحديث الرابع :
ما رواه ابن شبة أيضا في تاريخ المدينة (1/83): قال -يعني محمد بن يحيى ابن علي- وحدثني عبدالعزيز، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحُصَين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحد على ركن من أركان الجنة، وعير على ركن من أركان النار).
وهذا أيضًا مرسل داود بن الحصين من طبقة التابعين.
وهو ضعيف جدًا في إسناده عبدالعزيز بن عمران، وابن أبي حبيبة وقد تقدم الكلام عليهم، وأخشى أن يكون ما وقع في هذا الإسناد والذي قبله من تخليط ابن عمران مرة يرويه عن ابن أبي حبيبة، عن عبدالرحمن الأسلمي، ومرة يرويه عن ابن أبي حبيبة، عن داود.
وقد خالفه: ابن أبي يحيى، فرواه عن داود بن الحصين، عن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحد على ترعة من ترع الجنة -والترعة باب-، وعير على ركن من أركان النار).
أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (9/268) عن ابن أبي يحيى ... به.
وهذا إسناد على إرساله ضعيف جدًا، ابن أبي يحيى هو إبراهيم بن محمد متروك.
قال ابن عدي في الكامل (3/561): "داود هذا له حديث صالح، وإذا روى عنه ثقة فهو صحيح الرواية، إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون البلاء منهم لا منه، مثل: ابن أبي حبيبة هذا، وإبراهيم بن أبي يحيى".

والحمد لله رب العالمين.



([1]) سقط من سند ابن قانع (عبدالمجيد بن أبي عبس)، فإنه إنما يروي عثمان بن إسحاق هذا الحديث عنه، وقال في سنده: (عثمان بن إسحاق بن أبي عبس بن جبر). ولم أجد فيما بين يدي من مصادر من نسبه بذلك، ولعله وقع فيه تصحيف.
([2]) وليس هو عثمان بن إسحاق بن خَرَشَة، هذا لم يرو عنه إلا الزهري.
([3]) تنبيه: الحديث عزاه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/437) للإمام أحمد، ولم أجده في المسند، ولم يذكره الحافظ نفسه في أطراف المسند في ترجمة أبي عبس بن جبر t (7/28)، فلعله رحمه الله وهم في ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق