بسم الله الرحمن الرحيم
حرة
شَوْران والحديث الوارد في بركتها:
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى
آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فهذا
مقال مختصر في الكلام على حديث (بارك الله في شوران).
أولاً:
التعريف بشوران وموقعه الجغرافي بالمدينة المنورة:
قال
ياقوت في معجم البلدان (3/371): "بالفتح ثم بالسكون، والراء وآخره نون
".
قال
عرام السلمي في رسالته أسماء جبال تهامة (2/371): "وهو جبل يطل على سد كبير
مرتفع، وفي قبلي المدينة جبل يقال له: الصاري واحد، ليس على هذه نبت ولا ماء غير
شوران، فإن فيه مياه سماء كثيرة يقال لها: البَحَرات([1])،
وفي كلها سمك أسود مقدار الذراع وما دون ذلك أطيب سمك يكون، وجبل حذاء شوران هذا
يقال له: مِيْطان به ماء بئر يقلب لها: ضفّة، وليس به شيء من النبات وهو لسليم
ومزينة([2])
".
قال نصر الإسكندراني في كتابه الأمكنة والمياه
(2/129):"واد في ديار سليم يُفْرغ في الغابة، وهي من المدينة على ثمانية
أميال، قيل: من جبال المدينة وأنت تريد مكة شوران عن يسارك، وجبل مطل على السد
كبير مرتفع، وحذاءه ميطان به ماء يقال لها: ضعة، وبحذائه جبل يقال له: سن، وجبال
كبار شواهق يقال لها: الخلاءة".
وقال
السمهودي في وفاء الوفا (4/347): "فقوله: (من عن يمينك وأنت ببطن العقيق)
يقضي أن الجبل المعروف بعير هو شوران، وهو مشرف على السد، وكان بناحيته بالعقيق
كرم ثنية الشريد، لكن ابن زبالة والزبير والهجري كلهم سموه عيرًا، وليس عليه ماء،
فيتأول كلامه بأن المتوجه إلى مكة من قبلة المدينة إذا صار ببعض أودية العقيق التي
تصب فيه هناك كان في وجهة يمينه عير الصادر، وعير الوارد في الغرب، وعن يساره
شوران في المشرق ويؤيد أن ما ذكر بعد ذلك كله في شرقي المدينة من ناحية القبلة،
وقال: ثم يمضي نحو مكة مصعدًا ... ولأنه قال: إن ميطان حذاء شوران، وميطان في
المشرق من جهة القبلة، فيكون السد المشرف عليه شوران غير السد الذي بقرب
عير".
وشوران
حاليًا يكون على يسار الخارج من المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام-
عبر طريق الهجرة السريع، بينه وبين مسجد الميقات جبل عير.
ثانيًا:
أورد السمهودي رحمه الله حديثًا في بركة شوران فقال: "وروى الزبير عن محمد بن
عبدالرحمن قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبلاً في السوق فأعجبه سِمَنُها
فقال: (أين كانت ترعى هذه)؟ قالوا: بحرة شوران، فقال: (بارك الله في شوران)".
والحديث
لا أصل له ولا يصح، لما يلي:
أولاً: محمد بن عبدالرحمن بالتأكيد ليس
صحابيًا، لأنه ليس في الصحابة رضي الله عنهم ممن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم
من يسمى بمحمد بن عبدالرحمن، وعليه فيكون الحديث أقل أحواله أن يكون مرسلاً، والمرسل
لا يحتج به بإجماع المحدثين.
ثانيًا:
محمد بن عبدالرحمن هذا لم أعرفه، ولم أر في شيوخ الزبير بن بكار من اسمه محمد بن
عبدالرحمن إلا الحكمي، قال عنه قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/326): "سئل
أبو زرعة عنه فأحسن القول فيه".
وقال أبو حاتم: "لا يعرف"([3]).
وقال
الذهبي في الميزان (3/626): "لا يعرف".
فإن
كان هو المهمل في السند فيكون فوق إرساله أنه ضعيف.
وأخشى
أن يكون السمهودي أسقط عند نقل الحديث الواسطة التي بين الزبير بن بكار، ومحمد بن
عبدالرحمن، ويؤيده أن الزبير بن بكار في كتابه أخبار المدينة كثيرًا ما ينقل من
كتاب محمد بن الحسن بن زبالة أخبار المدينة، ومما يقوي هذا الظن أنني وجدت في شيوخ
ابن زبالة: محمد بن عبدالرحمن بن جبر الأنصاري من أهل المدينة([4])،
ومحمد هذا ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/312) ولم يذكر فيه جرحًا ولا
تعديلاً.
وتلميذه
ابن زبالة متهم بالكذب والوضع، قال الحافظ في التقريب: "كذبوه"([5]).
ثالثًا:
الحديث لعله في كتاب الزبير (أخبار المدينة) وهو في عداد المفقود([6])،
ولم أجده في شيء من دواوين الإسلام، وهذه إحدى علامات الوضع.
قال
الرازي في المحصول (4/425): "الخبر الذي يروى في وقت قد استقرت فيه الأخبار فإذا
فتش عنه فلم يوجد في بطون الكتب، ولا في صدور الرواة علم أنه لا أصل له"([7]).
وقال السيوطي في تدريب الراوي (3/441) بعد أن
نقل قول ابن الجوزي: (ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف
المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع)قال: "ومعنى (مناقضته للأصول) أن يكون
خارجًا عن دواوين الإسلام من المسانيد، والكتب المشهورة".
وما
زال أهل العلم يستدلون على كذب الأحاديث وضعفها وغرابتها بعدم وجودها في دواوين
الإسلام، والأصول التي جمعت بين طياتها الأحاديث.
قال
ابن تيمية في مجموع الرسائل والمسائل (1/40): "وأما الحديث المروي (ما من جماعة
يجتمعون إلا وفيهم ولي لله) فمن الأكاذيب، ليس في دواوين الإسلام، وكيف والجماعة قد
تكون كفارًا وفساقًا يموتون على ذلك".
وقال
ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (1/256): "وليس ما ذكره من المسح خطوطًا
ثابتًا في الرواية فيما علمناه، ولا وجدنا له أصلاً في كتب الحديث".
وقال
ابن رجب في الفتح له (5/251): "ورواية شعبة لهذا الحديث غريبة، لم تخرج في
شيء من الكتب الستة ولا مسند الإمام أحمد".
وقال
ابن حجر في موافقة الخُبر الخَبر (1/181): "هذا حديث اشتهر بين الأصوليين
والفقهاء ولا وجود له في كتب الحديث المشتهرة، ولا الأجزاء المنثورة".
بل
ولو كانت زيادة في حديث ليست في كتب الأحاديث المعتمدة أعلوها بعدم وجودها في
الكتب المشهورة التي هي أصول الإسلام.
قال
الرافعي (تلخيص الحبير 3/976): "وهذه الروايات كلها في كتب الفقه، وليس في كتب
الحديث المشهورة سوى قوله (لا خلابة)".
وقال
النووي في المجموع (2/544): "هذه الزيادة غير معروفة في كتب الحديث المعتمدة".
وقال
ابن دقيق العيد في الإمام (3/433): "وليس في الأمهات ما اشتهر بين الفقهاء
(ثم اغسليه بالماء)".
والحمد
لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق