الاثنين، 14 أبريل 2025

المنكر أبدًا منكر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن علماء الحديث ونقاده وأهل الشأن فيه، كانت لهم قواعد ثابتة في هذا الفن لا تتغير، قد اتفقوا عليها فيما بينهم، وجرى عملهم على ذلك، ومن تلكم القواعد التي اتفقوا عليها قاعدة (المنكر أبدًا منكر)، وقد جاءت هذه القاعدة على لسان الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله، وهي قاعدة محكمة ثابتة، تتوافق مع عمل نقاد الحديث وتطبيقاتهم، ويعنون بها: (أن الحديث الخطأ -بعد ثبوت كونه خطأ- لا يمكن أن يكون صحيحًا، ولا يمكن أن يتقوى بالمتابعات أو الشواهد)، ومع كون هذه القاعدة ثابتة عندهم فقد سمعت من بعض أهل الاختصاص أن الإمام أحمد رجع عن هذه القاعدة، وأن المنكر يمكن أن يتقوى بالمتابعات والشواهد، وعزى ذلك إلى كتاب ابن مفلح (الآداب الشرعية)، وقد تصفحت الكتاب من أوله إلى آخره ولم أجد شيئًا يدل على ذلك لا نصًا ولا فهمًا، فأحببت أن أبين في هذه المقالة أن هذه القاعدة محكمة ثابتة كغيرها من قواعد علم الحديث مثل قاعدة: (انتفى الشذوذ في حد الحديث الصحيح)، وكقاعدة: (لا يعل حديث صحابي بحديث صحابي أخر([1]))، وغيرها من القواعد الأخرى التي هي محل اتفاق بين أصحاب الفن، وقد قسمت هذا المقال إلى خمسة مباحث، فأقول وبالله أستعين:     

المبحث الأول: تعريف المنكر:

قال ابن رجب: "ولم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث، وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ -وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل-: أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين، عن الصحابة، لا يعرف ذلك الحديث -وهو متن الحديث- إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً"([2]).

وقال ابن الصلاح في النوع الرابع عشر: "معرفة المنكر من الحديث: بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي الحافظ: أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يُعرَف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجهٍ آخر"([3]).

ولعل ابن الصلاح عبر عن تعريف البرديجي للمنكر بالمعنى الذي فهمه من خلال كلامه.

وقد فهم بعض أهل الاصطلاح من كلام البرديجي وتصرف غيره من النقاد أن المنكر عندهم هو مطلق التفرد.

قال النووي: " ... فإنهم يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث ..."([4]).

وقال ابن الصلاح: "فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل، وإطلاق الحكم على التفرد بالرد، أو النكارة، أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفًا في شرح الشاذ"([5]).

وقال ابن رجب بعد أن ذكر عدة أمثلة لكلام بعض النقاد وتصرفاتهم: "فتلخص من هذا: أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان، والإمام أحمد، والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة"([6]).

وبين في معرض كلامه أن هذا مخالف لمنهج الشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله فقال: "... وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا، وأن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه، وليس له علة فليس بمنكر"([7]).

وقال ابن حجر رحمه الله: "... وإلا فمذهب البرديجي أن المنكر هو الفرد، سواء تفرد به ثقة، أو غير ثقة"([8]).

والناظر في مجمل كلام البرديجي في الباب لعله يتبين له أنه ما أراد تعريف المنكر على طريقة الحدود وصناعة التعاريف، إنما أراد أن يصف حالة هو بصدد شرحها وتفسيرها والكلام عليها، وإليك كلامه بحسب ما وقِف عليه منه.

1- أ/ قال رحمه الله: "... أحاديث شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها صحاح، وكذلك سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، إذا اتفق هؤلاء الثلاثة على الحديث فهو صحيح، وإذا اختلفوا في حديث واحد، فإن القول فيه قول رجلين من الثلاثة، فإذا اختلف الثلاثة توقف عن الحديث، وإذا انفرد واحد من الثلاثة في حديث نظر فيه: فإن كان لا يعرف([9]) الحديث إلا من طريق الذي رواه كان منكرًا.

ب/ وأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ، مثل: حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، فينظر في الحديث: فإن كان الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه من وجه آخر لم يدفع، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من طريق عن أنس رضي الله عنه إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك كان منكرًا"([10]).

2/ وقال أيضًا: "إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يصاب إلا عند الرجل الواحد، لم يضره أن لا يرويه غيره، إذا كان متن الحديث معروفًا، ولا يكون منكرًا ولا معلولًا"([11]).

والمتأمل لكلامه رحمه الله في الجملة الأولى يتبين له أنه يتكلم عن حالة خاصة، وهي ما إذا كان الشيخ مكثرًا، وله أصحاب يروون عنه، فإنه والحالة هذه ينظر في روايتهم حسب ما ذكره في كلامه على القسمين.

وهذا الحكم يتماشى مع كلام النقاد وتطبيقاتهم، قال الدوري: "سمعت يحيى وسألته، عن حديث حكيم بن جبير، حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تحل الصدقة لمن كان عنده خمسون درهمًا) يرويه أحد غير حكيم؟ فقال يحيى بن معين: نعم يرويه يحيى بن آدم، عن سفيان، عن زبيد، ولا نعلم أحدًا يرويه إلا يحيى بن آدم، وهذا وهم، لو كان هذا هكذا لحدث به الناس جميعًا عن سفيان، ولكنه حديث منكر"([12]).

وروى أبو داود من طريق أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ)، قال: فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت، فقال: (إنما الوضوء على من نام مضطجعًا) ... قال أبو داود: قوله (الوضوء على من نام مضطجعًا) هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني، عن قتادة، وروى أوله جماعة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئًا من هذا، وقال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ...) محفوظًا".

 وقال أبو داود: "... وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وقال شعبة: إنما سمع قتادة، من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى عليه السلام، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما (حدثني رجال مرضيون منهم عمر رضي الله عنه، وأرضاهم عندي عمر)، قال أبو داود: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظامًا له، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة، ولم يعبأ بالحديث"([13]).

وقال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي وذكر حديثًا رواه قران بن تمام، عن أيمن بن نابل، عن قدامة العامري، قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، يستلم الحجر بمحجنه)، فسمعت أبي يقول: لم يرو هذا الحديث عن أيمن إلا قران، ولا أراه محفوظًا، أين كان أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحديث؟!"([14]).

وقال في حديث (يؤم القوم ...): "أليس قد رواه السدي، عن أوس بن ضمعج؟ قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم، عن السدي -وهو شيخ- أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف ألا يكون محفوظًا"([15]).

وقال الإمام مسلم رحمه الله: "... أما رواية المعافى بن عمران، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام -وهو شيخ من الشيوخ-، ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد([16])"([17]).

وقال: "فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس"([18]).

أما في الجملة الثانية فإنه يتكلم عن مطلق الرواية بغض النظر عن كون ذلك عن شيخ مكثر أو لا؟ وهنا اشترط فقط أن يكون المتن معروفًا من رواية صحابي آخر، ويمكن أن يكون ذلك خاصًا عنده بمن هو في طبقة التابعين، لاحتمال كلامه لذلك.

ولا شك أن تفرد التابعي الثقة ليس كتفرد غيره من الطبقات الأخرى، قال الذهبي: "هؤلاء الحفاظ الثقات: إذا انفرد الرجل منهم من التابعين، فحديثه: صحيح، وإن كان من الأتباع، قيل: صحيح غريب، وإن كان من أصحاب الأتباع، قيل: غريب فرد، ويندر تفردهم، فتجد الإمام منهم عنده مئتا ألف حديث، لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة، ومن كان بعدهم: فأين ما ينفرد به؟ ما علمته، وقد يوجد، ثم ننتقل إلى: اليقظ، الثقة، المتوسط المعرفة والطلب فهو الذي يطلق عليه أنه: ثقة، وهم جمهور رجال الصحيحين، فتابعيهم إذا انفرد بالمتن، خرج حديثه ذلك في الصحاح، وقد يتوقف كثير من النقاد في إطلاق الغرابة مع الصحة في حديث أتباع الثقات، وقد يوجد بعض ذلك في الصحاح دون بعض، وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل: هشيم، وحفص بن غياث: منكرًا، فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل: عثمان بن أبي شيبة، وأبي سلمة التبوذكي، وقالوا: هذا منكر"([19]).

ولعل في المثال الآتي ما يوضح ذلك، ففي حديث رواه عمرو بن عاصم، عن همام، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أصبت حدًا فأقمه علي ...) الحديث، قال البرديجي([20]): "هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم"([21]).

وقال أبو حاتم عنه: "هذا حديث باطل بهذا الإسناد"([22]).

وقد تفرد به عمرو بن عاصم، قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى، عن أنس رضي الله عنه إلا من هذا الوجه، ولا رواه عن إسحاق إلا همام([23])، ولا عن همام إلا عمرو بن عاصم([24])"([25]).

والحديث أخرجه البخاري ومسلم([26]) في صحيحيهما.

وقد بين ابن رجب وجهة نظر من ضعفه فقال: "لعل أبا حاتم والبرديجي إنما أنكرا الحديث، لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد"([27]).

وقد رد الحافظ ابن حجر إعلال البرديجي فقال: "... قد طعن الحافظ أبو بكر البرديجي في صحة هذا الخبر، مع كون الشيخين اتفقا عليه، فقال: (هو منكر، وهم فيه عمرو بن عاصم، مع أن همامًا كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، ويقول: أبان العطار أمثل منه)، قلت: لم يبين وجه الوهم، وأما إطلاق كونه منكرًا فعلى طريقته في تسمية ما ينفرد به الراوي منكرًا إذا لم يكن له متابع([28])، لكن يجاب: بأنه وإن لم يوجد لهمام، ولا لعمرو بن عاصم فيه متابع، فشاهده حديث أبي أمامة رضي الله عنه الذي أشرت إليه، ومن ثم أخرجه مسلم عقبه، والله أعلم"([29]).

أقول: البرديجي رحمه الله لم ينكره لمجرد التفرد حتى يجاب عنه بما ذكره الحافظ، بل بين أن عمرو بن عاصم وهم فيه، نعم هو لم يبين وجه الخطأ، لكنه صرح بكونه وهم فيه، وهذا يدل على أنه تحقق من خطئه وإلا لم يصفه بالوهم، ويمكن أن يكون وجه الخطأ  كونه قد رواه من هو أوثق منه مرسلاً، فقد رواه ابن جريج([30])، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة (أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله إني أصبت حدًا, فأقمه علي ...) الحديث([31]).

وأخشى أن يكون عمرو بن عاصم دخل عليه حديث في حديث، فقد روى همام، عن إسحاق، عن عبدالرحمن بن أبي عمرة، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عبدًا أصاب ذنبًا ... فقال: رب أذنبت ... فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ...) الحديث.

وهذا الحديث رواه الناس عن همام بن يحيى العَوْذي، ومنهم عمرو بن عاصم الكلابي، وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن إسحاق كما في الحديث السابق، ولعله لذلك قال أبو حاتم في الحديث الأول: "باطل بهذا الإسناد".

وأما إخراج البخاري للحديث، فلعله تبين له ضبط عمرو بن عاصم للحديث فهو شيخه([32])، ثم تقوى ذلك عنده بالشاهد الذي ذكره الإمام مسلم من حديث أبي إمامة رضي الله عنه، وعلى كل فمتن الحديث ثابت من رواية أبي أمامة رضي الله عنه، والله أعلم.

ومن هذا المثال تعلم أن البرديجي لا ينكر الحديث لمجرد التفرد، وكلامه الأخير يدل على ذلك، وكذلك بقية النقاد رحمهم الله جميعًا على هذا كما سيأتي، بل لهم في كل حديث نقد خاص، وقرائن تجعلهم يحكمون من خلالها بالنكارة على تلك الأحاديث التي يرون أن رواتها قد أخطأوا فيها، أو تفردوا بما لا يحتمل تفردهم به.

قال ابن حجر: "وهذا مما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، ولكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده"([33]).

وقد يستنكرون أحيانًا بعض تفردات كبار الثقات إذا قدح ذلك في نفوسهم، قال أبو أسامة: "كنت عند سفيان فحدثه زائدة، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير (فصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله) قال: هم الشهداء، فقال له سفيان: إنك لثقة، وإنك لتحدثنا عن ثقة، وما يقبل قلبي أن هذا من حديث سلمة، فدعا بكتاب فكتب: (من سفيان بن سعيد إلى شعبة ...)، وجاء كتاب شعبة (من شعبة إلى سفيان إني لم أحدث بهذا عن سلمة، ولكن حدثني عمارة بن أبي حفصة، عن حجر الهجري، عن سعيد بن جبير)"([34]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث رواه أحمد بن حنبل، عن فضل الأعرج، عن هشام بن سعيد أبي أحمد الطالقاني، عن محمد بن مهاجر، عن عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سموا أولادكم أسماء الأنبياء ...)؟ قال أبي: سمعت هذا الحديث من فضل الأعرج وفاتني من أحمد، وأنكرته في نفسي، وكان يقع في قلبي أنه أبو وهب الكَلاعي صاحب مكحول، وكان أصحابنا يستغربون، فلا يمكنني أن أقول شيء لما رواه أحمد، ثم قدمت حمص، فإذا قد حدثنا ابن المصفى، عن أبي المغيرة، قال: حدثني محمد بن مهاجر، قال: حدثني عقيل بن سعيد، عن أبي وهب الكلاعي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ...، وأخبرنا أبو محمد قال: وحدثنا به أبي مرة أخرى، قال: حدثنا هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن أبي وهب، عن سليمان بن موسى؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...، قال أبي: فعلمت أن ذاك باطل، وعلمت أن إنكاري كان صحيحًا، وأبو وهب الكلاعي هو صاحب مكحول ... فبقيت متعجبًا ... فإني أنكرته حين سمعت به قبل أن أقف عليه"([35]).

وقال أبو داود: "والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبًا شاذا"([36]).

قال ابن رجب: "... وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه"([37]).

وأما القول بأن كل تفرد ثقة عندهم مردود فلا.

قال الحسن بن محمد الزعفراني: "قلت لأحمد: من تابع عفانًا على حديث كذا وكذا؟ فقال: وعفان يحتاج أن يتابعه أحد؟!"([38]).

وقال صالح: "وقال([39]): الجمحي قد روى حديثين عن عبيدالله بن عمر، حديث منها في  صدقة الفطر، قد أنكر على مالك هذا الحديث، ومالك إذا انفرد بحديث هو ثقة"([40]).

وقال: "حدثني أبي، قال: حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن حزم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان رضي الله عنه قال: (لا شفعة في بئر، ولا فحل، ولا رف، إذا علم كل قوم حقهم تقطع كل شفعة)، قلت له: أحد يقول: (ولا رف) غير ابن إدريس؟ فقال: يكفيك بابن إدريس"([41]).

وقال أبو داود: "سمعت أحمد ذكر: مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله غنها ( ... أن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا), لم يروه إلا مالك، ومالك ثقة"([42]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث رواه شعبة، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر y، قال: (ما كان النبي r يشبع من الدقل([43])، وما ترضون أنتم دون ألوان التمر وألوان الثياب)؟ قال: كذا رواه شعبة، وأما غيره من أصحاب سماك فليس يتابعه أحد منهم، إنما يقولون: سماك، عن النعمان رضي الله عنه، عن النبي r، لا يقولون عمر t، قلت لأبي: أيهما أصح، قال: شعبة أحفظ، قلت: لم يتابعه أحد، قال: وإن لم يتابعه أحد، فإن شعبة أحفظهم"([44]).

وقال: "قيل لأبي: يصح حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد؟ فوقف وقفة، فقال: ترى الدراوردي ما يقول؟ يعني: قوله: (قلت لسهيل: فلم يعرفه)، قلت: فليس نسيان سهيل دافعًا لما حكى عنه ربيعة، وربيعة ثقة، والرجل يحدث بالحديث وينسى؟ قال: أجل هكذا هو، ولكن لم نر أن يتبعه([45]) متابع على روايته، وقد روى عن سهيل جماعة كثيرة ليس عند أحد منهم هذا الحديث، قلت: إنك تقول بخبر الواحد؟! قال: أجل، غير أني لا أدري([46]) لهذا الحديث أصلاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أعتبر به، وهذا أصل من الأصول لم يتابع عليه ربيعة"([47]).

وقال أبو عوانة في المستخرج (4/297): "حدثنا أبو عمر الإمام، نا عصام بن سيف، نا أبو جعفر الرازي، عن قتادة، ح وحدثنا أبو أمية، نا خلف بن الوليد، نا أبو جعفر، عن هشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي أحدنا مختصرًا)، قال أبو عوانة رحمه الله تعالى: أبو جعفر هذا هو الرازي، عن هشام وهو معروف، وعن قتادة غريب، وأرجو أن يكون لقتادة صحيح".

وأما كلام ابن رجب في التفرقة بين منهج المتقدمين ومنهج الشيخين في هذا الباب فلا يخلو من نظر، وما وجد من ذلك في حكم بعض النقاد على أحاديث بالنكارة، وتصحيح الشيخين أو أحدهما لها، فإنه لا يعدو أن يكون من باب اختلاف النقاد في الحكم على الأحاديث، فهو من باب الاختلاف في تطبيق القواعد، وليس من باب الاختلاف في المناهج، وهذا يقع بينهم كما يقع الاختلاف بين الفقهاء، أو أصحاب الفن الواحد.

قال الترمذي: "وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم"([48]).

وقال المنذري: "واختلاف هؤلاء كاختلاف الفقهاء"([49]).

وقال ابن الوزير: "والاختلاف في تصحيح الأحاديث بين أئمة الحديث سنة ماضية، كاختلاف الفقهاء في الفروع"([50]).

وقال الإمام الصنعاني رحمه الله: "... أما ما أشار إليه السائل دامت إفادته من أنه قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث فيضعف هذا حديثًا وهذا يصححه، ويرمي هذا رجلاً من الرواة بالجرح وآخر يعدله، فهذا مما يشعر بأن التصحيح ونحوه من مسائل الاجتهاد الذي اختلفت فيه الآراء، فجوابه أن الأمر كذلك أي أنه قد تختلف أقوالهم ..."([51]).

ومثل اختلافهم في الحكم على الرجال اختلفوا أيضًا في الحكم على الأحاديث، وللقرائن أثرها الكبير في هذا الاختلاف الواقع بينهم.

فمن ذلك: حديث أم سلمة رضي الله عنها (... إن شئت سبعت لك)، صحح البخاري في التاريخ الكبير إرساله، وأخرج مسلم الوصل في صحيحه، وصحح الدارقطني الوجهين([52]).

وذكر الترمذي حديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الشكل في الخيل) ثم قال: "كان أحمد بن حنبل يرى أن حديث شعبة وهم، ويقول: (إنما أراد شعبة حديث سلم بن عبدالرحمن)، قال محمد: وأرى حديث شعبة صحيحًا, قال أبو عيسى: حديث سلم بن عبدالرحمن هو صحيح عندهم ليس فيه كلام، وقد يحتمل أن يكونا روياه جميعًا عن أبي زرعة"([53]).

وقال أيضًا في الكلام على حديث النهي عن الدباء: "سألت محمدًا فقال: هذا حديث شبابة، عن شعبة، لم يعرفه إلا من حديث شبابة، قال محمد: ولا يصح هذا الحديث عندي"([54]).

وأما ابن المديني فقبله من شبابة فقال: "لا ينكر لمن سمع من شعبة -يعني حديثًا كثيرًا- أن ينفرد بحديث غريب"([55]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين، وقلت له: حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق، عن شريك، عن بيان، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبردوا بالظهر ...)، وذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدثنا به، وحدثنا أيضًا عن إسحاق، عن شريك، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله؟ قال يحيى: ليس له أصل، إنما نظرت في كتاب إسحاق، فليس فيه هذا، قلت لأبي: فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أنكره يحيى؟ قال: هو عندي صحيح"([56]).

وقال أبو زرعة الدمشقي: "سمعت أبا عبدالله يقول: في حديث يونس بن يزيد منكرات عن الزهري، منها: عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء العشر)، قلت له: هو عندي حديث صحيح"([57]).

وقال أبو داود في حديث أخرجه مسلم([58]) (هذه عمرة استمتعنا بها ...): "هذا حديث منكر، إنما هو قول ابن عباس رضي الله عنهما"([59]).

وحكم الترمذي على حديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحف نسائه) بأنه: حديث حسن صحيح([60])، وأما الإمام أحمد فقد أنكره إنكارًا شديدًا([61]).

بل وقع من الإمام البخاري رد أحاديث لكون رواتها تفردوا بها ولم يتابعوا عليها، مما حاد بالمزي الرد عليه، فقال رحمه الله: "وقال البخاري: (لم يرو عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه، وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم عن بعض، ولم يحلف بعضهم بعضًا)، قلت -المزي-: ما ذكره البخاري رحمه الله لا يقدح في صحة هذا الحديث، ولا يوجب ضعفه، أما كونه لم يتابع عليه([62])، فليس شرطًا في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه متابع عليه، وفي الصحيح عدة أحاديث لا تعرف إلا من وجه واحد، نحو حديث: (الأعمال بالنية)"([63]).


 

المبحث الثاني: الحكم على الحديث بالنكارة عند النقاد يعني أنه خطأ لا يصح:

اعلم أن النقاد إذ حكموا على الحديث بالنكارة فهذا يعني عندهم أن راويه قد وهم فيه، فهو حينئذ خطأ، والخطأ لا يمكن تقويته([64])، ولذا قولوا: (المنكر أبدًا منكر) يعني الخطأ أبدًا خطأ، وإن توبع فسيظل الخطأ خطأ، إذ كيف يكون الخطأ بعد ثبوت كونه خطأ صواب.

قال المروذي في سؤالات الإمام أحمد: "سئل عن لوين؟ فقال: لا أعرفه، وذكر له الفوائد، فقال: الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبدًا منكر"([65]).

وقال ابن هانئ: "قيل له: هذا الفوائد التي فيها المناكير ترى أن يكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبدًا منكر"([66]).

ذكر الأمثلة على ذلك من كلام الإمام أحمد رحمه الله:

قال عبدالله: "سألت أبي عن حديث حدثناه الفضل بن زياد -الذي يقال له: الطسي- قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقرأ الجنب والحائض شيئًا من القرآن)؟ فقال أبي: هذا باطل، أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنه وهم من إسماعيل بن عياش"([67]).

وقال الأثرم: "سمعت أبا عبدالله ذكر حديث الفضل بن دلهم، عن الحسن، عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً) فقال: هذا حديث منكر، يعني: خطأ".

ثم قال أبو بكر مبينًا الصواب: "وقد رواه قتادة ومنصور بن زاذان، فقالا: عن الحسن، عن حطان، عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب"([68]).

وقال المروذي: "قلت له: فتعرف عن الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (متى كنت نبيًا ...)، قال: هذا منكر، هذا من خطأ الأوزاعي، هو كثيرًا مما يخطئ عن يحيى بن أبي كثير"([69]).

وقال الخلال: "أخبرنا عبدالله، قال: قلت لأبي: إن سفيان بن عيينة حدث، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال أبي بكر ...)، فأنكره، وقال: من حدث بهذا؟ قلت: يحيى بن معين حدثنا، عن سفيان، عن الزهري، قال يحيى: قال رجل لسفيان، من عن الزهري؟ قال: وائل، قال أبي: نرى وائلاً لم يسمع من الزهري، إنما رواه وائل عن ابنه، وأنكره أبي إنكارًا شديدًا، وقال: هذا خطأ"([70]).

وفي حديث: (لا تسافر المرأة مسيرة ...)، رواه سهيل: عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الإمام أحمد: "هذا منكر خطأ، إنما رواه الأعمش: عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي الله عنه"([71]).

وقال

وعلى ذلك أيضًا جرى عمل النقاد.

قال مهنا: "سألت أبا عبدالله عن حديث جعفر بن سليمان الضبعي، عن أبي عمران الجوني، عن أنس رضي الله عنه قال: (وقت لنا في حلق العانة أربعين يومًا)، فقال لي: صدقة بن موسى الدقيقي يرويه عن أبي عمران الجوني، عن أنس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما تقول في هذا الحديث؟ فقال: كان شعبة ينكره، فقلت: ما معنى قول شعبة ينكره؟ قال: يقول: ليس له أصل"([72]).

وقد قال الإمام أحمد عن هذا الحديث مرة: (منكر)، ومرة قال: (لا يثبت)([73]).

قال ابن هانئ: قال لي أبو عبدالله: قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيدالله -يعني العمري- أخطأ إلا في حديث واحد لنافع، حديث عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي r قال: (لا تسافر المرأة فوق ثلاث أيام...)، قال أبو عبدالله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه"([74]).

وقال الترمذي: "حدثنا الحسن بن الصباح, حدثنا محمد بن كثير, عن الأوزاعي, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ...) سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر خطأ"([75]).

وقال أبو داود في حديث (لا تكتبوا عني شيئًا ..) : "وهو منكر، أخطأ فيه همام، هو من قول أبي سعيد رضي الله عنه"([76]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسمعت أبا زرعة وحدثنا عن محمد بن بكار، عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن ابن أبي ليلى، وعن إدريس الأودي كلاهما، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال: سجد بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في (إذا السماء انشقت)، فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر خطأ، إنما هو: عاصم، عن زر قال: (قرأ عمار رضي الله عنه على المنبر: (إذا السماء انشقت)، فنزل فسجد، ويحيى ضعيف الحديث"([77]).

وقال: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي، عن عثام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تضور من الليل ...) قالا: هذا خطأ، إنما هو: هشام بن عروة، عن أبيه؛ أنه كان يقول نفسه، ورواه جرير، وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي بهذا الحديث وهو حديث منكر، وسمعت أبي أيضًا يقول: هذا حديث منكر"([78]).

وقال: "وسألت أبي عن حديث رواه يحيى بن سليم الطائفي، عن عمران بن مسلم، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال في السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...) وذكر الحديث؟ قال أبي: هذا حديث منكر، قال أبو محمد: وهذا الحديث هو خطأ، إنما أراد: عمران بن مسلم، عن عمرو بن دينار، قهرمان آل الزبير، عن سالم، عن أبيه، فغلط وجعل بدل عمرو: عبدالله بن دينار، وأسقط سالما من الإسناد"([79]).

وقال: "وسألت أبي عن حديث حدثنا به موسى بن سهل الرملي، عن عمرو بن هاشم البيروتي، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر المخزومي، عن علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه قال: (عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كَفْرًا كفرًا ...؟ فسمعت أبي يقول: هذا غلط؛ إنما هو: عن علي بن عبدالله قال: (عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) بلا أبيه؛ وهذا مما أنكر على عمرو بن هاشم"([80]).

وقال النسائي في حديث (هذا رمضان ...): "هذا حديث منكر خطأ، ولعل ابن إسحاق سمعه من إنسان ضعيف ..."([81]).

وقال في حديث: (اشربوا في الظروف ولا تسكروا): "هذا حديث منكر، غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم"([82]).


 

المبحث الثالث: مراتب الحديث المنكر:

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: أن ينكر الناقد الحديث بسبب عدم معرفته له([83]):

وهذا الإنكار ليس لمجرد عدم معرفة الناقد بالحديث أو بأحد طرقه، سواء كان الحديث له أو لغيره من الرواة، بل هو نابع عن تلك المعطيات التي بين يديه، وهي التي أدت بدورها إلى جعل الناقد ينكر هذا الحديث، أو هذا الطريق على راويه.

قال ابن أبي خيثمة: "حدثنا أحمد بن حنبل، قال: نا وكيع، قال: نا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها)، قال وكيع: سألت ابن جريج عنه فلم يعرفه وأنكره"([84]).

وقال عبدالله بن الإمام أحمد: "سئل عن حديج أخي زهير؟ قال: ليس لي بحديثه علم، قيل: إنه يحدث عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره)، فقال: هذا منكر"([85]).

وقال صالح: "سألته -يعني الأمام أحمد- عن حديث رواه نصير بن محمد الرازي صاحب ابن المبارك، عن عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه رفعه قال: (من أقر بالخراج وهو قادر على أن لا يقربه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً)؟ فقال: ما سمعنا بهذا، هذا حديث منكر، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكره"([86]).

وقال: "قلت له: حديث يُحدث به عن عبدالله بن داود (أن الهدية لا تحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما) هل تعرفه؟ قال: لا أعرفه وأنكره، وقال: إنما روي عن الضحاك {ولا تمنن تستكثر} قال الضحاك: إنما هذه للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة أن لا يَهدي ليُهدى إليه أكثر من ذلك، وأما سائر الناس فليس به بأس"([87]).

وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبدالله تحفظه عن يحيى, عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها (أصبحت أنا وحفصة رضي الله عنها صائمتين) فأنكره, وقال من رواه؟ قلت: جرير بن حازم فقال: جرير كان يحدث بالتوهم"([88]).

وقال المروذي: "سئل أبو عبدالله: هل كتبت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أكرم على الله من أن يتركني بعد مائتي سنة)؟ فأنكره، وقال: لم أسمع به"([89]).

وقال رحمه الله في حديث (جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر وصب عليه دلو من ماء) قال: "ما أعرفه، هو حديث منكر"([90]). 

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن حذيفة رضي الله عنه قال: (قال عمر رضي الله عنه: أيكم يحفظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ...؟  وذكر الحديث، قال أبو زرعة: لا أعرفه من حديث شعبة، وأنكره، قلت: فهو خطأ؟ قال: ما أدري ما أقول لك فيه؟"([91]).

وقال: "نا أبي، نا محمد بن المنهال الضرير، نا يزيد بن زريع قال: أفادني على بن عاصم أحاديث عن خالد الحذاء، فأتيت خالدًا الحذاء فأنكرها وما عرف منها واحدًا، وأفادني عن هشام بن حسان، فأتيت هشامًا فسألته عنه؟ فأنكره وما عرفه"([92]).

وقال الترمذي عن حديث (توضأ ومسح على خفيه): "سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه وأنكره من حديث زياد بن علاقة، عن المغيرة t"([93]).

وقال عن حديث الطير: "سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من حديث السدي, عن أنس t وأنكره, وجعل يتعجب منه"([94]).

وقال عن حديث (أنا دار الحكمة وعلي رضي الله عنه بابها): "سألت محمدًا عنه فلم يعرفه, وأنكر هذا الحديث"([95]).

وقال ابن عدي: حدثنا موسى بن العباس، حدثنا إبراهيم بن سليمان البرلسي، حدثنا ابن أبى مريم، حدثنا عثمان بن الحكم الحزامي: "سألت يحيى بن سعيد عن حديث عمرة، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يقرا في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) فلم يعرفه وأنكره"([96]).

وقال الحافظ: "قال الدارقطني: وأخرج البخاري عن محمد بن عبدالرحيم، عن سعيد بن سليمان، عن هشيم، عن عبيدالله بن أبي بكر، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم ( كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات)، قال: وقد أنكر أحمد بن حنبل هذا من حديث هشيم، عن عبيدالله بن أبي بكر([97])، وقال: إنما رواه هشيم، عن محمد بن إسحاق، عن حفص بن عبيدالله([98])، عن أنس رضي الله عنه([99])، وقيل: إن هشيمًا كان يدلسه عن عبيدالله بن أبي بكر، وقد رواه مسعر، ومرجأ بن رجاء، وعلي بن عاصم، عن عبيدالله، ولا يثبت منها شيء انتهى كلامه، وأحمد بن حنبل إنما استنكره لأنه لم يعرفه من حديث هشيم، لأن هشيمًا كان يحدث به قديمًا هكذا([100])، ثم صار بعد لا يحدث به إلا عن محمد بن إسحاق، ولهذا لم يسمعه منه إلا كبار أصحابه([101])"([102]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: (أيكم يحفظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ... ) وذكر الحديث؟ قال أبو زرعة: لا أعرفه من حديث شعبة، وأنكره، قلت: فهو خطأ؟ قال: ما أدري ما أقول لك فيه؟ قال أبي: هذا خطأ؛ أرى أن أبا داود وهم فيه؛ ليس فيه شعبة، ليس يعرف هذا الحديث شعبة؛ إنما هو: حماد بن سلمة فقط"([103]).

ومن هذا الباب قول صالح بن محمد: "الحديث الشاذ الحديث المنكر الذي لا يعرف"([104]).

وقول أبي داود: "والأحاديث التي وضعتها في كتابي السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبًا شاذًا، فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد"([105]).


 

المطلب الثاني: أن ينكر الناقد الحديث بسبب تفرد راويه به:

لقد كان النقاد رحمهم الله يتوقفون عند تفرد الرواة بالأحاديث، خوفًا من أن يكون الراوي لم يضبط الحديث، أو وقع له فيه وهم، وربما أنكروها عليه إذا قوي ذلك في نفوسهم، وحكموا عليه بالخطأ، فإذا وجدوا الراوي قد توبع زال خوفهم واطمأنت قلوبهم، وردوا على من أنكره.

قال عفان: "كان يحيى بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه، فلما قدم معاذ بن هشام نظرنا في كتبه فوجدناه يوافق همامًا في كثير مما كان يحيى ينكره عليه، فكف يحيى بعد عنه"([106]).

وقال ابن هانئ: قال لي أبو عبدالله: قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيدالله -يعني العمري- أخطأ إلا في حديث واحد لنافع، حديث عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي r قال: (لا تسافر المرأة فوق ثلاث أيام...)، قال أبو عبدالله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه، قال أبو عبدالله: فقال له يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن نافع، عن ابن عمر مثله، قال أبو عبدالله: لم يسمعه إلا من عبيدالله، فلما بلغه عن العمري صححه([107])"([108]).

وقال يعقوب بن شيبة في حديث (أيعجز أحكم أن يقرأ كل ليلة بثلث القرآن): "هكذا رواه عبيدالله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن علي بن مدرك، عن إبراهيم، عن الربيع بن خثيم، عن عبدالله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ... وهذا إسناد صحيح، ولا أعلم أحدًا رواه عن شعبة، من ها هنا أنكره يحيى، وقد بلغني أن أبا بحر البكراوي قد رواه عن شعبة، فإن كان هذا صحيحًا فالحديث صحيح غريب"([109]).

وقال عبدالله: "سمعت أبي يقول: كان أبو الربيع السمان يحدث بهذا الحديث عن أبي بشر([110])، فقال له شعبة: (ليس هذا بشيء، وأنكره عليه)، فقال له هشيم: قد سمعته أنا من أبي بشر، قال: إنما هذا حديث المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما، فلما حدث به هشيم سكت"([111]).

وفي رواية الخلال: "قلت: وقبل شعبة من هشيم؟ فقال: نعم، كان عنده من الحفاظ"([112]).

وقال علي بن المديني: "... وأما حديث مهاصر([113])، عن سالم (فيمن دخل السوق)، فإن مهاصر بن حبيب ثقة من أهل الشام، ولم يلقه أبو خالد الأحمر، وإنما روى عنه ثور بن يزيد، والأحوص بن حكيم، وفرج بن فضالة، وأهل الشام، وهذا حديث منكر من حديث مهاجر من أنه سمع سالما، وإنما روى هذا الحديث شيخ لم يكن عندهم بثبت، يقال له: عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، حدثناه زياد بن الربيع عنه به، فكان أصحابنا ينكرون هذا الحديث أشد الإنكار لجودة إسناده ... ولو كان مهاصر يصحّ حديثه في السوق لم ينكر على عمرو بن دينار هذا الحديث"([114]).

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث رواه نافع، وعبدالله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس تقتل في الحرم ...)، رواه الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أبي: كنا ننكر حديث الزهري، حتى رأينا ما يقويه: أخبرنا أبو محمد عبدالرحمن؛ قال: حدثنا أبي؛ قال: حدثنا مسدد، عن أبي عوانة، عن زيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: حدثتني إحدى نسوة رسول الله رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبي: يعني أخته حفصة، فعلمنا أن حديث الزهري صحيح، وأن ابن عمر رضي الله عنهما لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمعه من أخته حفصة"([115]).

وقال: "وسألت أبي عن حديث رواه أحمد بن عبدة، عن يحيى بن كثير، عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضؤوا من لحوم الإبل، ولا توضؤوا من لحوم الغنم)؟ قال أبو محمد: سمعت أبي يقول: كنت أنكر هذا الحديث لتفرده، فوجدت له أصلاً، حدثنا ابن المصفى، عن بقية، قال: حدثني فلان -سماه([116])- عن عطاء بن السائب، عن محارب، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، قال: وحدثني عبيدالله بن سعد الزهري؛ قال: حدثني عمي يعقوب، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني عطاء بن السائب الثقفي، أنه سمع محارب بن دثار يذكر عن ابن عمر بنحو هذا ولم يرفعه، قال أبي: حديث ابن إسحاق أشبه موقوف"([117]).

وقال ابن رجب: "وقد قال أحمد في رواية عنه: كنت أتهيب حديث مالك (من المسلمين) يعني حتى وجده من حديث العمرين، قيل له: أفمحفوظ هو عندك (من المسلمين)؟ قال: نعم"([118]).

وقال ابن عدي في ترجمة أحمد بن صالح: "وكان النسائي هذا سيء الرأي فيه، وينكر عليه أحاديث منها: عن ابن وهب، عن مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة) ... وحديث (الدين النصيحة) الذي أنكره النسائي عليه، فقد رواه عن ابن وهب: يونس بن عبدالأعلى"([119]).

قال ابن حجر: "وقد ذكر ابن عدي أن النسائي أنكر على أحمد بن صالح روايته عن ابن وهب، عن مالك هذا الحديث، وقد ظهر أنه لم ينفرد به([120])"([121]).

وقال محمد بن عبدالله بن نعيم النيسابوري: "سألت أبا علي الحسين بن علي الحافظ عن حديث مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس t (أن النبي r أهدى جملاً كان لأبي جهل)؟ فقال: باطل، فقلت: حدث به يعقوب بن الأخرم، عن سويد بن سعيد، قال: أخطأ فيه، فإنه لم يتابع عليه، قلت: وقد حدث به أيضًا شيخكم أحمد بن الحسن الصوفي، عن سويد، فأنكره جدًا عن أحمد بن الحسن، وقال: من يرويه؟ قلت: حدثنيه أبو الفتح بن بنت أبي القاسم بن منيع في المذاكرة، قال: قد عرفت أبا الفتح هذا، هو طبل لا يدري ما يخرج من رأسه، قلت: أبو بكر الإسماعيلي ترضاه؟ قال: إمام، قلت: قد حدث بهذا الحديث عن الصوفي، فسكت أبو علي"([122]).

قال ابن رجب: "... وإنما قال الإمام أحمد: (ليس بالمنكر، لأنه قد وافقه على بعضه غيره)، لأن قاعدته: أن ما انفرد به ثقة، فإنه يتوقف فيه حتى يتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصًا إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والإتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان وابن المديني وغيرهما"([123]).

وربما تزول النكارة عندهم إذا علموا أن الراوي طلاب لهذا الأمر ومتخصص فيه.

قال يعقوب بن سفيان: "وسمعت سليمان بن حرب قال: قال رجل لحماد بن زيد: تعرف أيوب، عن أبي قلابة قال: (من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحًا في سبيل الله، ومن شهدها حين يختم كان كمن شهد الغنائم حين تقسم)([124])؟ قال: فأنكره حماد إنكارًا شديدًا، قال: ثم قال له بعد: من حدثك بهذا؟ قال: صالح المري، قال: أستغفر الله، ما أخلقه أن يكون حقاً، فإن صالحًا كان هذا ونحوه من باله ويعني ويطلب هذا النحو، ما أخلقه أن يكون صحيحًا([125])"([126]).

وقد جرى عمل النقاد في الحكم على الأحاديث بالنكارة عند تفرد الراوي بها، ولكن حيث يكون هذا المتفرد مما لا يحتمل تفرده، أو أنه وإن أمكن تحمل تفرده لكنه تفرد بمتن فيه حكم من الأحكام.

قال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قد اختلفوا في متنه: رواه فطر والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة ...)، ورواه شعبة، والمسعودي، عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا: (أعلمهم بالسنة)، قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان، من حسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث، يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد"([127]).

وقال: "سمعت أبي وذكر حديث عبدالله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته)، قال شعبة: استحلفت عبدالله بن دينار هل سمعتها من ابن عمر؟ فحلف لي، قال أبي: كان شعبة بصيرًا بالحديث جدًا، فهمًا فيه، كان إنما حلفه لأنه كان ينكر هذا الحديث، حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد، لم يرو عن ابن عمر أحد سواه علمنا"([128]).

وقال: "قيل لأبي: يصح حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (في اليمين مع الشاهد)؟ فوقف وقفة، فقال: ترى الدراوردي ما يقول؟ يعني قوله: (قلت لسهيل، فلم يعرفه)، قلت: فليس نسيان سهيل دافعًا لما حكى عنه ربيعة، وربيعة ثقة، والرجل يحدث بالحديث وينسى؟ قال: أجل هكذا هو، ولكن لم نر أن يتبعه متابع على روايته، وقد روى عن سهيل جماعة كثيرة، ليس عند أحد منهم هذا الحديث، قلت: إنك تقول بخبر الواحد؟! قال: أجل، غير أني لا أدري لهذا الحديث أصلاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أعتبر به، وهذا أصل من الأصول لم يتابع عليه ربيعة"([129]).

ذكر الأمثلة على ما تفرد به الثقات وأنكره الأئمة:

1/ قال الإمام أحمد: "قال أبو خيثمة: أنكر معاذ ويحيى بن سعيد حديث الأنصاري، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم وصائم)، قال أحمد: أنكراه على الأنصاري محمد بن عبدالله "([130]).

وقال النسائي: "هذا منكر، لا نعلم أحدًا رواه عن حبيب غير الأنصاري، ولعله أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم (تزوج ميمونة ...)"([131]).

وقال الخطيب: " لم يروه عن حبيب هكذا غير الأنصاري، ويقال: إنه وهم فيه"([132]).

2/ قال عبدالله: "حَدثت أبي بحديث الأشجعي ووكيع، عن سفيان، عن أبي قيس([133])، عن هزيل، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: (مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الجوربين والنعلين)، قال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، قال أبي: أبَى عبدالرحمن بن مهدي أن يحدث به، يقول: هو منكر -يعني حديث المغيرة هذا- لا يروى إلا من حديث أبي قيس"([134]).

3/ وقال ابن معين في حديث (ثوبك هذا جديد أم غسيل): "هو حديث منكر، لم يروه أحد غير عبدالرزاق".

وقال النسائي: "وهذا حديث منكر، أنكره يحيى بن سعيد القطان على عبدالرزاق، لم يروه عن معمر غير عبدالرزاق"([135]).

وقال الحافظ حمزة بن محمد الكناني: "لا أعلم أحدًا رواه عن الزهري غير معمر، وما أحسبه بالصحيح"([136]).

4/ قال الدوري: "سمعت يحيى وسألته عن حديث حكيم بن جبير حديث ابن مسعود t (لا تحل الصدقة لمن كان عنده خمسون درهمًا) يرويه أحد غير حكيم؟ فقال يحيى بن معين: نعم، يرويه يحيى بن آدم، عن سفيان، عن زبيد، ولا نعلم أحدًا يرويه إلا يحيى بن آدم، وهذا وهم، لو كان هذا هكذا لحدث به الناس جميعًا عن سفيان، ولكنه حديث منكر"([137]).

5/ قال العقيلي: "حدثنا أحمد بن داود السجزي، قال: حدثنا الحسن بن سوار البغوي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن ضمضم بن جوس، عن عبدالله بن حنظلة بن الراهب رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ..)، ولا يتابع الحسن بن سوار على هذا الحديث، وقد حدث أحمد بن منيع وغيره عن الحسن بن سوار هذا عن الليث بن سعد وغيره أحاديث مستقيمة، وأما هذا الحديث فهو منكر، وحدثني محمد بن موسى النهرتيري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا الحسن بن سوار بهذا الحديث ... فذكر مثل ما حدثنا أحمد بن داود، قال أبو إسماعيل: ألقيت على أبي عبدالله أحمد بن حنبل، فقال: أما الشيخ فثقة، وأما الحديث فمنكر"([138]).

6/ قال المروذي: "قلت لأبي عبدالله: فعبدالرحمن بن إسحاق كيف هو؟ قال: أما ما كتبنا من حديثه، فقد حدث عن الزهري بأحاديث كأنه أراد تفرد بها، ثم ذكر حديث محمد بن جبير في الحلف (حلف المطيبين)، فأنكره أبو عبدالله، وقال: ما رواه غيره"([139]).

6/ قال يحيى في حديث عبدالرزاق (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر رضي الله عنه قميصًا): هو حديث منكر, ليس يرويه أحد غير عبدالرزاق"([140]).

8/ قال أبو داود: "سمعت أحمد، قيل له: وهب بن جرير، عن شعبة، عن إسماعيل -يعني: ابن أبي خالد-، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما (صلى -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- على قبر), فأنكره، وقال: ليس هذا من حديث إسماعيل"([141]).

قال ابن عدي: " ... ولم يقل عن شعبة، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي غير وهب بن جرير، والمعروف عن شعبة، عن الشيباني، عن الشعبي"([142]).

9/ وقال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن حديث الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ثائر الشعر، فقال: (أما وجد هذا ما يسكن به شعره)، ورأى رجلاً وسخ الثياب ...؟ فقال: ما أنكره من حديث، ليس إنسان يرويه، يعني: عن ابن المنكدر غير حسان، قال أحمد: كان ابن المنكدر رجلاً صالحًا، وكان يعرف بجابر رضي الله عنه مثل ثابت، عن أنس رضي الله عنه، وكان يحدث عن يزيد الرقاشي، فربما حدث بالشيء مرسلاً، فجعلوه عن جابر رضي الله عنه"([143]).

10/ وقال الأثرم عن حديث عبادة t (صلى بنا النبي r الصبح فثقلت عليه الصلاة ...)، قال: ذكر لأحمد رحمه الله فضعفه، وقال: ليس يرويه غير إسحاق"([144]).

11/ قال أبو داود في حديث (إذا دخل الخلاء وضع خاتمه): "هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من ورق، ثم ألقاه)، والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام"([145]).

12/ قال أبو داود في الحديث الذي رواه قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ رضي الله عنهما (أن النبي r كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعهما إلى العصر يصليهما جميعًا ...) قال: "هذا حديث منكر"([146]).

وقد حكم هو وغيره من النقاد بتفرد قتيبة به عن الليث.

قال أبو داود: "ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده".

وقال الترمذي: "حديث معاذ t حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره".

وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن معاذ بن جبل t إلا بهذا الإسناد، تفرد به: الليث بن سعد".

وقال أبو سعيد بن يونس: "لم يحدث به إلا قتيبة"([147]).

13/ قال الآجري: "حدثنا أبو داود، حدثني ابن المقرىء، عن سعيد، عن عقيل، ويونس، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حمل من أمتي دينًا، ثم جهد في قضائه، فمات ولم يقضه، فأنا وليه)، فقال: كان أحمد بن صالح ينكره، ويقول، وجعل أبو داود يومئ إلى أنه منكر"([148]).

وهذا الحديث قد تفرد به ابن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب، وسعيد عن عقيل ويونس، قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا عقيل ويونس وابن سمعان، ولا رواه عنهم إلا سعيد بن أبي أيوب، تفرد به المقرىء"([149]).

14/ قال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث رواه شبابة، عن شعبة، عن بكير بن عطاء، عن ابن يعمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت)؟ قال أبي: هذا حديث منكر، لم يروه غير شبابة، ولا يعرف له أصل"([150]).

15/ وقال أيضًا: "وسألت أبي عن حديث رواه محمد بن القاسم الأسدي، عن شعبة، عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمة جعدة؟ فقال أبي: هذا حديث منكر، لم يروه غير محمد بن القاسم"([151]).

16/ قال أبو زرعة الدمشقي: "قلت لأحمد: فإن ضمرة يحدث عن الثوري، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما (من ملك ذا رحم فهو حر)، فأنكره، ورده ردًا شديدًا"([152]).

وقال الترمذي: "ولم يتابع ضمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث"([153]).

وقال النسائي: "لا نعلم أن أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غير ضمرة، وهو حديث منكر"([154]).

17/ قال أبو زرعة الدمشقي: "وسمعت يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل يقولان في حديث عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه (في الشفعة)، قالا لي: قد كان هذا الحديث ينكر عليه"([155]).

وقال عبدالله: "سمعت أبي يقول: حدثنا بحديث الشفعة حديث عبدالملك، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث منكر"([156]).

وقال وكيع: "سمعت شعبة يقول: لو روى عبدالملك بن أبي سليمان حديثًا آخر مثل حديث الشفعة لطرحت حديثه"([157]).

وقال البخاري: "لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبدالملك بن أبي سليمان، وهو حديثه الذي تفرد به"([158]).

وقال ابن عدي: "وهذا يرويه عن شعبة: وكيع، وعبدان المروزي رواه عن أبيه، عن شعبة، ويعرف بوكيع، وحديث الشفعة الذي أنكر على عبدالملك هو هذا الحديث"([159]).

وقال البيهقي: "فهذا حديث أنكره على عبدالملك: شعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وسائر الحفاظ"([160]).

18/ قال أبو داود في حديث (إذا دخل الخلاء وضع خاتمه): "هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من ورق، ثم ألقاه)، والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام"([161]).

19/ قال يعقوب بن شيبة: "قال: حديث (من عزى مصابًا فله مثل أجره) حديث كوفي منكر، يرون أنه لا أصل له مسندًا ولا موقوفًا، رواه علي بن عاصم، عن محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحد أسنده ولا وقفه غير علي بن عاصم، وقد رواه أبو بكر النهشلي وهو صدوق ضعيف الحديث، رواه عن محمد بن سوقة، فلم يجاوز به محمدًا إلى أحد فوقه"([162]).


 

المطلب الثالث: أن ينكر الناقد الحديث بسبب مخالفة راويه لمن هو أوثق منه وصفًا أو عددًا:

سبق وأن بينا في المبحث السابق أن الأئمة النقاد رحمهم الله حكموا بالنكارة على الحديث بسبب تفرد راويه به، وفي بعض الأحيان لم يكونوا مع ذلك يعرفوا للحديث علة يعللونه بها([163])، فمن باب أولى عندهم أن يحكموا بها مع وجود المخالفة، لأن مخالفة الأوثق أو الأكثر عددًا أشد في بيان الخطأ من مجرد التفرد([164])، إذ هي دليل لا يقبل النقاش على خطأ الراوي ووهمه، ومع وضح المقام إلا أنه لا ضير في ذكر بعض الأمثلة ليكون طالب العلم على بينة الأمر.

قال الأثرم: "سألت أبي عن حديث رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن هنيدة بن خالد، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يأخذ هذا السيف؟ فقال رجل: أنا فأخذه، فجعل يضرب به ويقول: إني امرؤ بايعني خليلي ...)؟ فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر، الناس لا يقولون: هنيدة، عن أبيه"([165]).

وقال عبدالله: "سمعت يحيى يقول: مغيرة له حديث واحد منكر، فقلت لأبي: كيف؟ قال: روى عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل تمر به الجنازة؟ قال: يتيمم ويصلي، قال: وهذا رواه ابن جريج وعبدالله، عن عطاء قوله ليس فيه ابن عباس، وهؤلاء أثبت منه"([166]).

وقال: "قلت لأبي عبدالله: روى ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما (ما كنا ندعو زيد بن حارثة رضي الله عنه ...)([167])، فقال لي: عن نافع منكر، إنما هو عن سالم"([168]).

والحديث روته الناس عن موسى بن عقبة، عن سالم، إلا ابن المبارك خالفهم فجعله من حديث نافع.

وقال المروذي: "ذكر لوينًا، فقال: قد حدث حديثًا منكرًا عن ابن عيينة([169])، ما له أصل، قلت: أيشٍ هو؟ قال: عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه قصة علي رضي الله عنهما: (ما أنا الذي أخرجكم، ولكن الله أخرجكم)، وأنكره إنكارًا شديدًا، وقال: ما له أصل"([170]).

ولعل الإمام أحمد إنما قصد بنكارته عن ابن عيينة الوصل، قال الخطيب: "أظن أبا عبدالله أنكر على لوين روايته متصلاً، فإن الحديث محفوظ عن سفيان بن عيينة، غير أنه مرسل عن إبراهيم بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم"([171]).

ومما يدل على ذلك كلام النقاد، قال البزار: "هكذا رواه محمد بن سليمان، عن سفيان، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، وغير محمد بن سليمان إنما يرويه عن سفيان، عن عمرو، عن محمد بن علي مرسلاً"([172]).

ورجح الدارقطني الإرسال([173]).

وقال أبو داود: "سمعت أحمد، يقول عند أبي داود، عن هشام -يعني الدستوائي- حديث منكر عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجمون سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين), قلت له: ثنا به مسلم، عن هشام -أعني عن قتادة- مرسلاً، فأعجبه، وقال: كان عند فلان -سماه أبو عبد الله- عن علي بن المبارك، عن قتادة مرسلاً"([174]).

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي، عن عثام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تعار من الليل، قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار)؟ قالا: هذا خطأ، إنما هو: هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يقول هذا، رواه جرير هكذا، وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي هذا الحديث، وهو منكر".

وقال: "وسمعت أبي أيضًا يقول: هذا حديث منكر"([175]).

وقال أيضًا: "وسألت أبي عن حديث رواه أحمد بن عبدة، عن معتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة رضي الله عنها، قال: إنما نعني من الرجال؟ قال: فأبوها رضي الله عنه؟ قال أبي: هذا حديث منكر، يمكن أن يكون: حميد، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم"([176]).

وقال في موضع أخر: " إنما هو عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عن أنس رضي الله عنه فليس بمحفوظ"([177]).

وقال الدارقطني: "تفرد به معتمر ... والصحيح عن معتمر، عن حميد، عن الحسن مرسلاً"([178]).

وقال البرذعي: "يحيى بن سلام المغربي؟ قال: لا بأس به، ربما وهم، قلت: حدث عن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أتدرون أي شجرة أبعد من الخارف ...)؟ فأنكره أبو زرعة، وقال لي: حدثنا أبو سعيد الجعفي، قال: نا يحيى بن سلام، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}، قال: مصر، وجعل أبو زرعة يعظم هذا، ويستقبحه، قلت: فأيش أراد بهذا؟ قال: هو في تفسير سعيد، عن قتادة (مصيرهم)، وأنكر أبو زرعة حديث الخارف الذي ذاكرته له، ولم يخبرني بعلته، ولا أدري علمه فسكت عنه، أو لم يحفظه، قال أبو عثمان: وقد ذكر الحديث، وعلته ليهتدي إليه من لا يعرفه، حدثنا بحر بن نصر الخولاني، نا يحيى بن سلام، نا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي شجرة أبعد من الخارف أو الخاذف؟ -شك بحر-، قالوا: فرعها، قال: فكذلك الصف المقدم هو أحصنها من الشيطان)، حدثنا زياد بن أيوب، نا هشيم، نا منصور، عن قتادة، عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الشجر أمنع من الخارف؟ قالوا: أطولها فرعًا، قال: فكذلك الصف الأول هو أمنع من الشيطان)، وهذا عندنا علة حديث يحيى بن سلام، وله أصل من حديث قتادة إلا أنه أوهم في قوله (عن أنس)"([179]).


المبحث الرابع: إطلاقات أخرى للمنكر:

وقد يطلق المنكر عند النقاد ولا يريدون به كون الحديث خطأ، منها:

الأول: إنكار سماع الحديث، أو أنه ليس من حديث شيخه.

قال الإمام أحمد: "ليس ينبغي لأحد أن ينكر حديثًا يلقى عليه، كان وكيع لا يقول: (ليس هذا عندنا)، ولا يقول: (لم أسمعه) يسكت، قال أبو عبدالله: وكان ابن مهدي ذكر له عن ابن المبارك، عن ورقاء، عن سعيد بن جبير: (إذا أقر بالحد ثم أنكر لم يقم عليه)، فأنكره إنكارًا شديدًا، ثم نظر فوجده في كتابه([180])"([181]).

وهذا جاء معناه عن بعض أهل العلم:

قال عبدالرزاق: "قال لي وكيع: أنت رجل عندك حديث وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث فلا تقل ليس هو عندي، ولكن قل: لا أحفظه"([182]).

وقال أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري: "سمعت عبدالرزاق يقول لعلي بن عبدالله المديني حيث ودعه: إذا وردك حديث عني لا تعرفه فلا تنكره، فإنه ربما لم أحدثك به"([183]).

وقال أبو موسى الزمن: "قال لي عبدالله بن داود: إذا ألقي عليك حديث لا تحفظه فلا تقل ليس عندي، فإنه ألقي علي حديث فقلت: ليس عندي، ثم وجدته فضربت عليه من كتابي"([184]).

وقال أبو موسى الزمن: "سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول ونحن عنده نفير: إن الرقعة لتقع في يدي من حديثي كأني لم أسمعها، ولولا أنها بخطي من حديثي ما حدثت بها، ثم أقبل علينا فقال: أليس يصيبكم هذا؟! فقلت له: يا أبا سعيد إذا أصابك هذا لا يصيبنا؟!"([185]).

وقال الخطيب: "أخبرنا علي بن المحسن القاضي، قال: سمعت أبا بكر بن شاذان، يقول: ... سمعت القاضي أبو القاسم التنوخي، يقول: سئل ابن شاذان أسمعت من محمد بن محمد الباغندي شيئا؟ فقال: لا أعلم إني سمعت منه شيئًا، ثم وجد سماعه من الباغندي فسألوه أن يحدث به، فلم يفعل"([186]).

ولعل السبب في ذلك خوف اتهام الراوي بادعاء سماع ما لم يسمع، كالذي وقع لأبي داود الطيالسي، قال محمد بن المنهال الضرير: "قلت لأبي داود صاحب الطيالسة يومًا: سمعت من ابن عون شيئًا؟ قال: لا، فتركته سنة وكنت أتهمه بشيء قبل ذلك، حتى نسي ما قال، فلما كان سنة، قلت له: يا أبا داود سمعت من ابن عون شيئًا؟ قال: نعم، قلت: كم؟ قال: عشرون حديثًا ونيف، قلت: عدها علي، فعدها كلها، فإذا هي أحاديث يزيد([187]) ما خلا واحد له لم أعرفه"([188]).

فلعل أبا داود -وهو الصادق الأمين- نسي أنه سمع من ابن عون، ثم وجد سماعه في كتبه فحدث به([189])، وهذا قد يقع لكبار الحفاظ، فمن ذلك ما قاله الذهلي: "لما رحلت بأبى زكريا -يعني ولده- إلى العراق صحبني جماعة من الغرباء، فسألوني: أي حديث عند أحمد بن حنبل أغرب؟ فكنت أقول، إذا دخلت عليه سألته عن حديث يستفيدونه، قال: فلما دخلنا عليه سألته عن حديث يحيى بن سعيد، عن عثمان بن غياث، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما، حديث الإيمان، وقد كنت سمعته منه قديمًا وذكرته عنه، قال: فقال أحمد: يا أبا عبدالله ليس هذا الحديث عندي عن يحيى بن سعيد، فخجلت وتشورت وسكت، فلما قمنا أخذ أصحابنا يقولون: إنه ذكر هذا الحديث غير مرة، ثم لم يعرفه أحمد، وأنا ساكت لا أجيبهم بشيء ما بقينا، ثم قدمنا بغداد، فدخلنا على أحمد بن حنبل، فرحب بنا وسأل عنا، ثم قال: أخبرني يا أبا عبدالله أي حديث استفدت عن مسدد([190])، من حديث يحيى بن سعيد؟ فقلت: حديث عثمان بن غياث، عن عبدالله بن بريدة، في الإيمان، فقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عثمان بن غياث، ثم أخرج كتابه فأملى علينا، فسكت محمد بن يحيى ولم يقل إنا سألناك عن الحديث، وتعجب أصحابه من صبره عليه، فقال: فأُخبر أحمد أنه كان سأله عن الحديث قبل خروجه إلى البصرة، فكان أبو عبدالله أحمد بن حنبل إذا ذكره يقول: محمد بن يحيى العاقل"([191]).

الثاني: إنكار الشيخ أن يكون حدث بهذه الأحاديث:

قال أبو حاتم: "... لا أحدث عنه، هو غير قوي، كتبت من مسنده أحاديث ثلاثة عن أبي الوليد، فأتيت أبا الوليد وسألته عنها؟ فأنكرها، وقال: ما هذه من حديثي، فقلت: كتبتها من كتب شباب العصفري، فعرفه وسكن غضبه"([192]).

وقال يحيى: "سألت سفيان عن حديث عاصم قول ابن عباس رضي الله عنهما في المرتدة؟ فأنكره، وقال: ليس من حديثي"([193]).

وقال ابن ناصر الدين: "كان النرسي حافظًا ثقة متقنًا ... قرأ عليه ابن سِلفة حديثًا فأنكره، وقال: ليس هذا من حديثي، فكلمه في ذلك، فقال: أعرف حديثي كله، لأني نظرت فيه مرارًا، فما يخفى علي من شيء"([194]).

الثالث: عدم صحة الكلام المنقول عن العالم.

قال الحافظ: "قال الحسن بن علي الخلال: ثنا عمران بن أبان([195])، عن شعبة، عن مالك، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة رضي الله عنها رفعته: (إذا أهل هلال ذي الحجة فمن كانت عنده ذبيحة ...) الحديث، قال عمران: فسألت مالكًا عنه؟ فقال: ليس هذا من حديثي، قال: فقلت لجلسائه: حدثنا بهذا عنه إمام العراق شعبة ويقول ليس من حديثي، فقالوا: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال: ليس هذا من حديثي، قلت([196]): كتبت هذا لأني استنكرت هذا من عمران، ولا أعتقد صحة هذا الكلام عن مالك"([197]).

 

 


 

المطلب الخامس: رجوع الناقد عن الحكم بالنكارة على راو في الحديث لا يعني رجوعه عن إنكار الحديث.

قال ابن الجنيد: "سألت يحيى بن معين، عن أبي الصلت الهروي؟ فقال: قد سمع، وما أعرفه بالكذب، قلت: فحديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما؟ قال: ما سمعت به قط، وما بلغني إلا عنه"([198]).

وقد أنكره ابن معين على أبي الصلت، قال يحيى بن أحمد بن زياد: "وسألته -يعني يحيى بن معين- عن حديث أبي معاوية الذي رواه عبدالسلام الهروي عنه عن الأعمش، حديث ابن عباس رضي الله عنهما؟ فأنكره جدًا"([199]).

ثم تبين لابن معين أن عبدالسلام لم ينفرد به([200]).

قال الدوري: "سمعت يحيى بن معين يوثق([201]) أبا الصلت عبدالسلام بن صالح، فقلت -أو قيل له-: إنه حدث عن أبي معاوية، عن الأعمش: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، فقال: ما تريدون من هذا المسكين؟! أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية"([202]).

قال الخطيب البغدادي: "... وأما حديث الأعمش، فإن أبا الصلت كان يرويه عن أبي معاوية عنه، فأنكره أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، من حديث أبي معاوية، ثم بحث يحيى عنه، فوجد غير أبي الصلت قد رواه عن أبي معاوية"([203]).

لذا صححه عن أبي معاوية، قال الخطيب: "... فأخبرنا محمد ابن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أبو بكر مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه )، قال القاسم: سألت يحيى بن معين، عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح، قلت -يعني الخطيب-: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية، وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه"([204]).

فهذا ليس رجوعًا من ابن معين عن إنكار الحديث، إنما رجوع عن عصب الجناية برأس عبدالسلام به.

 


 

الخلاصة:

1/ أن (الحديث إذا تبث كونه منكرًا فإنه لا يتقوى أبدًا).

2/ قول ابن كثير: "... وأما إن كان الذي تفرد به عدل ضابط حافظ قبل شرعًا، ولا يقال له منكر، وإن قيل له ذلك لغة"([205])، فهو بعيد كل البعد عن تصرفات النقاد.

3/ من الأمثلة المساقة في حكم النقاد بالنكارة على تفردات الثقات، تعلم ما في تفريق الحافظ ابن حجر رحمه الله بين المنكر والشاذ من نظر، حيث خص المنكر بمخالفة الضعيف لمن هو أوثق منه، بينما أطلق النقاد الحكم بالنكارة على ما تفرد به الثقة.

قال ابن قطلوبغا: "قد أطلقوا في غير موضع النكارة على رواية الثقة مخالفًا لغيره"([206]).

4/ قول السخاوي: "... ويحتمل أن يكون حمل المنكر هنا على الفرد المطلق، فإن ذلك يقع كثيرًا في كلامهم، ولا يقتضي ذلك ضعفًا"([207]).

أقول: كلامهم يدل على أنهم يطلقون المنكر على الحديث ويريدون بذلك تضعيفه، والأمثلة التي سقتها خير شاهد على ذلك.

 

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 



([1]) بعد ثبوت كونه صحيحًا عن ذلك الصحابي.

([2]) شرح علل الترمذي (2/653).

([3]) المقدمة (244).

([4]) مقدمة شرح صحيح مسلم (1/65).

([5]) السابق.

([6]) شرح العلل (2/659).

([7]) الشرح (2/657).

([8]) المقدمة (455).

([9]) جاءت العبارة في المطبوع ( إن كان لا يعرف من الحديث ...) ولعل حرف الجر هنا زائد.

([10]) شرح علل الترمذي (2/697).

([11]) السابق (2/654).

([12]) التاريخ (1/271).

([13]) السنن (1/139)، وانظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود (413).

([14]) العلل (3/302).

([15]) السابق (2/111).

([16]) يرى الإمام مسلم أن الجناية في هذا الحديث تعصب برأس هشام بن بهرام، ورأى الإمام أحمد أن الجناية في الحديث من شيخه أفلح وهو الأظهر، قال أبو داود في مسائل الإمام أحمد (412): قلت لأحمد: أفلح بن حميد؟ قال: هذا شيخ قد احتملوه، وجعل كأنه يستضعفه، قال: يكثر من الرأي، قلت: رأي القاسم؟ قال: نعم، قال: روى حديثًا منكرًا حديث المواقيت، قلت: وصح ذلك عندك، رواه غير المعافى، قال: المعافى ثقة".

([17]) التمييز (188).

([18]) مقدمة الصحيح (5).

([19]) الموقظة (77).

([20]) عزاه ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (31/194) له في كتاب الفصل والوقف.

([21]) انظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (31/194)، وشرح علل الترمذي لابن رجب (2/655)، وعزاه ابن الملقن للبرديجي في كتاب (الفصل والوقف).

([22]) العلل (4/208).

([23]) تابعه حماد بن سلمة.

([24]) تابع عمرو بن عاصم: سليمان بن عبدالجبار، فرواه عن همام وحماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبدالله، عن أنس رضي الله عنه به.

أخرجه: الحاكم في المستدرك (7/465)، قال: أخبرنا أبو عبدالله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا سليمان بن عبدالجبار به.

والذي يغلب على ظني أن في سند الحاكم سقطًا، فلعله سقط منه عمرو بن عاصم،  وذلك لما يلي:

1/ إني لم أقف على رواية لسليمان عن همام إلا في هذا الحديث.

2/ لم يذكر في ترجمة سليمان أنه روى عن همام، ولو كان روى عنه لم يغفله من ترجم له.

3/ أن الذهبي أرخ وفاة سليمان في تاريخ الإسلام بين (250- 260)، وهمام توفي سنة (4 أو 165 هــ)، وعليه فلا يحتمل السامع منه.

4/ جاء في ترجمة سليمان أنه يروي عن عمرو بن عاصم كما في تهذيب الكمال للمزي (12/21).

5/ أن البزار حكم بتفرد عمرو بن عاصم به. 

([25]) المسند (12/82).

([26]) صحيح البخاري (8/166)، وصحيح مسلم (8/102).

([27]) شرح العلل (2/655).

([28]) وهكذا وصف مذهب أحمد، فقال في نتائج الأفكار (4/60): ... وكأنه فهم من قول أحمد: (إنه منكر) تضعيفه، وهو المتبادر، لكن اصطلاح أحمد إطلاق هذا اللفظ على المفرد المطلق، ولو كان راويه ثقة.

([29]) فتح الباري (12/134).

([30]) هكذا رواه ابن جريج ولم يصرح فيه بالسماع.

([31]) أخرجه: عبدالرزاق في المصنف (10/230).

([32]) انظر: فتح الباري (12/133).

([33]) النكت (2/674).

([34]) العلل ومعرفة الرجال (2/454).

([35]) علل الحديث (6/203).

([36]) رسالة أبي داود لأهل مكة (29).

([37]) شرح العلل (2/582).

([38]) انظر: تاريخ مدينة السلام (14/207).

([39]) يعني الإمام أحمد.

([40]) مسائل الإمام أحمد (263).

([41]) السابق (332).

([42]) مسائل الإمام أحمد (431).

([43]) هو ردئ التمر ويابسه، انظر النهاية في غريب الحديث (2/127).

([44]) علل الحديث (3/111).

([45]) هكذا في المطبوع، ولعل صوابه: لم نر له متابعًا

([46]) لعل صوابه: أرى

([47]) السابق (4/238).

([48]) العلل الصغير (62).

([49]) جواب الحافظ أبي محمد عبدالعظيم المنذري المصري عن أسئلة في الجرح والتعديل (83).

([50]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (3/161).

([51]) إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (108).

([52]) انظر: التاريخ الكبير (1/47)، وصحيح مسلم (4/172)، وعلل الدارقطني (15/216).

([53]) العلل الكبير (279).

([54]) السابق (309).

([55]) أنظر: شرح علل الترمذي (2/648).

([56]) علل الحديث (2/289).

([57]) الفوائد المعللة (242).

([58]) الصحيح (4/57).

([59]) السنن (2/156).

([60]) السنن (1/592).

([61]) انظر: العلل ومعرفة الرجال (3/464).

([62]) تعقبه الحافظ في التهذيب (1/267) فقال: والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئًا، لأنها ضعيفة جدًا، ولعل البخاري إنما أراد بعدم المتابعة في الاستحلاف، أو الحديث الآخر الذي أشار إليه.

([63]) تهذيب الكمال (2/534).

([64]) قال العلامة الألباني في رسالته صلاة التراويح (57): ومن المقرر في علم المصطلح أن الشاذ منكر مردود لأنه خطأ، والخطأ لا يتقوى به.

([65]) من كلام الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل في علل الحديث ومعرفة الرجال (120).

([66]) مسائل الإمام أحمد بن حنبل (419).

([67]) العلل ومعرفة الرجال (3/381).

([68]) انظر: تاريخ ابن عساكر (48/312)، وتهذيب الكمال للمزي (23/221).

([69]) من كلام الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل (111).

([70]) المنتخب من علل الخلال لابن قدامة (193).

([71]) انظر: ذخيرة الحفاظ (5/2616).

([72]) كتاب الترجل للخلال (156).

([73]) السابق (155، و156).

([74]) مسائل الإمام أحمد لابن هاني (459). 

([75]) العلل الكبير (324).

([76]) المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي عوانة (22/347).

([77]) علل الحديث (2/522).

([78]) السابق (5/373).

([79]) السابق (5/351).

([80]) السابق (5/18).

([81]) انظر: تحفة الأشراف للمزي (1/97).

([82]) السنن الكبرى (5/105).

([83]) قال أبو عمر المطرز: سمعت ثعلبًا يقول: إذا لم يسمع العالم شيئًا أنكره. ينظر: أداء ما وجب لابن دحية (78).

([84]) أخبار المكيين (361)، وانظر: المعرفة والتاريخ ليعقوب بت سفيان (3/121)، والسنن للبيهقي (7/314).

([85]) العلل ومعرفة الرجال (3/281).

([86]) مسائل الإمام أحمد (57).

([87]) السابق (64).

([88]) ينظر: سنن البيهقي (4/464).

([89]) المنتخب من علل الخلال (180).

([90]) ينظر: الانتصار في المسائل الكبار للكلوذاني (1/518).

([91]) علل الحديث (4/87).

([92]) الجرح والتعديل (6/198).

([93]) العلل الكبير (52).

([94]) السابق (374).

([95]) السابق.

([96]) الكامل (9/55).

([97]) الإلزامات والتتبع (357).

([98]) هكذا رواه عنه: أحمد بن منيع، وأبو بكر بن أبن شيبة، ويحيى بن أبي بكير، وعمرو بن عون، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن سليمان -من رواية معاذ بن المثنى عنه-، وسريح بن النعمان، وزكريا بن عون، وإبراهيم بن مجشر. 

([99]) العلل ومعرفة الرجال (2/272).

([100]) قال أبو مسعود الدمشقي (تحفة الأشراف 1/286): وهذا من قديم حديث هشيم.

([101]) أقول: رواية الجماعة عن هشيم تأبى ذلك، ولو قيل بالعكس لما بعد ذلك.

([102]) مقدمة فتح الباري (353).

([103]) العلل (4/87).

([104]) انظر: الكفاية للخطيب (1/339).

([105]) رسالة أبي داود لأهل مكة (72).

([106]) الجرح والتعديل (9/108).

([107]) يعني عن نافع.

([108]) مسائل الإمام أحمد لابن هاني (459)، وانظر: العلل لعبدالله (2/203)، ومسائل أبي داود (416) وسياقه يختلف عم هنا، وانظر: العلل للدارقطني (13/53).

([109]) انظر: حديث الستة من التابعين للخطيب (29).

([110]) حديث (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى قومًا نصبوا طيرًا يرمونه)، والحديث في الصحيحين.

([111]) العلل ومعرفة الرجال (2/84)، ومسائل الإمام أحمد لصالح (260).

([112]) المنتخب من العلل (97).

([113]) تصحف في المطبوع إلى (مهاجر).

([114]) انظر: مسند الفاروق لابن كثير (2/642)، وملخص من مسند أبي يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت من مسند عمر بن الخطاب (46)..

([115]) علل الحديث (2/93).

([116]) جاء في سنن ابن ماجه، ومسند ابن عمر رضي الله عنهما للطرطوسي أنه (خالد بن يزيد الفزاري).

([117]) علل الحديث (1/471).

([118]) شرح علل الترمذي (2/77)، وانظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود (431)، ومسائل صالح (263).

([119]) الكامل (1/296، 300).

([120]) وذكر قبل ذلك متابعة أحمد بن عبدالرحمن بن وهب له.

([121]) تغليق التعليق (2/59).

([122]) تاريخ مدينة السلام (2/151).

([123]) فتح الباري (3/15).

([124]) أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (52)، وقد رواه عن صالح المري، عن أيوب، عن أبي قلابة مرفوعًا.

([125]) يعني عن أيوب السختياني.

([126]) المعرفة والتاريخ (2/662).

([127]) علل الحديث (1/112).

([128]) الجرح والتعديل (1/170).

([129]) علل الحديث (2/337).

([130]) العلل ومعرفة الرجال (1/320، و2/28).

([131]) السنن الكبرى (3/344).

([132]) تاريخ مدينة السلام (3/405).

([133]) هو عبدالرحمن بن ثَرْوان.

([134]) العلل ومعرفة الرجال (3/366).

([135]) السنن الكبرى (9/124).

([136]) انظر: تحفة الأشراف (5/397).

([137]) التاريخ رواية الدوري (3/346).

([138]) الضعفاء (1/228).

([139]) من كلام أحمد بن حنبل في علل الحديث ومعرفة الرجال (50).

([140]) الكامل (6/539).

([141]) مسائل الإمام أحمد (433).

([142]) الكامل (8/343).

([143]) مسائل الإمام (406).

([144]) ينظر: الانتصار في المسائل الكبار (2/216).

([145]) سنن أبي داود (1/25).

([146]) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (2/53)، والبدر المنير لابن الملقن (94/566)، وتلخيص الحبير لابن حجر (3/974).

([147]) انظر: معجم الشيوخ للسبكي (168).

([148]) السؤالات (298).

([149]) المعجم الأوسط (9/134).

([150]) علل الحديث (4/449).

([151]) السابق (4/67).

([152]) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/459).

([153]) سنن الترمذي (3/40).

([154]) السنن الكبرى (5/13).

([155]) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/460).

([156]) العلل (2/281).

([157]) انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/367)، والكامل لابن عدي (6/525).

([158]) العلل الكبير للترمذي (216).

([159]) انظر: الكامل لابن عدي (6/525).

([160]) السنن الصغرى (2/316).

([161]) سنن أبي داود (1/25).

([162]) تاريخ مدينة السلام (13/415).

([163]) قال ابن أبي حاتم في العلل (4/334): وسألت أبا زرعة عن حديث رواه بقية، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لم يكن يرى بالقز والحرير للنساء بأسًا)؟ فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، قلت: تعرف له علة؟ قال: لا.

وحكم بالنكارة على الحديث النسائي في السنن الكبرى (8/397).

ولعل السبب هو تفرد بقية بالحديث عن عبيدالله بن عمر.

([164]) قال أبو زرعة في علل الحديث (4/440) وهو يتكلم على حديث (اشربوا في الظروف ولا تسكروا): وقد بان وهم حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المسمين على ما ذكرنا من خلافه.

([165]) السابق (3/466).

([166]) العلل ومعرفة الرجال (3/28).

([167]) أخرج رواية ابن المبارك: البغوي في معجم الصحابة (2/437).

([168]) سؤالات الأثرم (27).

([169]) جعل الإمام أحمد رحمه الله الجناية في هذا الحديث من محمد بن سليمان لوين، والذي يظهر من تتبع طرق الحديث أن ابن عيينة كان مرة يحدث به مرسلاً، ومرة يصله كما في رواية النسائي في الكبرى (7/312)، وأبي الشيخ في طبقاته (2/144).

([170]) من كلام الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل (118).

([171]) تاريخ مدينة السلام (3/218).

([172]) مسند البزار (4/34).

([173]) علل الأحاديث (4/363).

([174]) مسائل الإمام أحمد (397).

([175]) علل الحديث (2/37، و5/373).

([176]) السابق (4/54).

([177]) السابق (4/60).

([178]) المختارة للضياء (5/298).

([179]) الضعفاء (90).

([180]) وقد جاءت العبارة في قوت القلوب لأبي طالب المكي بشيء من التصرف فقال في (1/301): وحدثونا عنه -أعني الإمام أحمد- قال: كان عبدالرحمن ينكر الحديث، ثم يخرج إلينا بعد وقت فيقول: هو صحيح قد وجدته، قال: وأما وكيع فلم ينكر، ولكن يقول: إذا سئل عنه لا أحفظه.

([181]) انظر: الآداب الشرعية (2/141).

([182]) انظر: الكفاية للخطيب البغدادي (2/94).

([183]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/144).

([184]) السابق.

([185]) السابق.

([186]) تاريخ مدينة السلام (5/33).

([187]) قال ابن عدي: أراد به يزيد بن زريع.

([188]) الكامل لابن عدي ().

([189]) قال الذهبي معلقًا على القصة في السير (9/383): الجمع بين القولين: أنه سمع منه شيئًا ما ضبطه ولا حفظه، فصدق أن يقول: ما سمعت منه، وإلا فأبو داود أمين صادق.

([190]) أخرجه عن مسدد أبو داود (5/23)، وأخرجه أحمد في المسند (1/314).

([191]) انظر: تهذيب الكمال للمزي (26/624).

([192]) الجرح والتعديل (3/278).

([193]) السابق (1/66).

([194]) تذكرة الحفاظ للذهبي (4/40).

([195]) وذكر ابن عبدالبر في التمهيد (10/83) إن الذي سأله هو عمران بن أنس، وتبعه على ذلك القنازعي في تفسير الموطأ (1/328)، وابن أبان وابن أنس كلاهما ضعيف.

([196]) القائل الحافظ.

([197]) تهذيب التهذيب (8/103)، وأخرجه عن الحسن بن علي الخلال به: الخطيب في الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب (109)، والسلفي في الطيوريات (4).

([198]) سؤالات ابن الجنيد (359).

([199]) تاريخ مدينة السلام (12/319).

([200]) وقد كان يظن تفرده به. قال محمد بن عبدالله الحضرمي: لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد، رواه أبو الصلت فكذبوه. انظر: تاريخ مدينة السلام (8/55).

([201]) قال الذهبي في السير (11/447): جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وكان هذا بارًا بيحيى، ونحن نسمع من يحيى دائمًا، ونحتج بقوله في الرجال، ما لم يتبرهن لنا وهن رجل انفرد بتقويته، أو قوة من وهاه.

([202]) تاريخ مدينة السلام للخطيب (12/320).

([203]) السابق (12/319).

([204]) السابق (12/320).

([205]) الباعث الحثيث ().

([206]) حاشيته على نزهة النظر (68).

([207]) الأجوبة المرضية (1/37).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق