الأحد، 22 يونيو 2025

الكلام على أصح حديث ورد في تحديد مسافة القصر

 

الكلام على أصح حديث ورد في تحديد مسافة القصر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد

فهذا بحث مختصر حول حديث أنس رضي الله عنه في تحديد المسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة، فأقول مستعينًا بالله.

روى شعبة، عن يحيى بن يزيد الهُنَائي، قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه، عن قصر الصلاة؟ فقال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين).

أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (5/354)، وأحمد في المسند (19/324)، ومسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار واللفظ له (2/145)، وأبو داود في السنن عن محمد بن بشار (2/8)، وأبو يعلى في المسند عن ابن أبي شيبة (7/206)، وابن حبان في الصحيح من طريقه (6/453)، والبيهقي من طريق محمد بن بشار (3/146)، وابن حزم في المحلى من طريق ابن أبي شيبة ومحمد بن بشار (5/9)، كلهم عن محمد بن جعفر، عن شعبة ... به.  

وفي لفظ أحمد (سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، قال: وكنت أخرج إلى الكوفة فأصلي ركعتين حتى أرجع، وقال أنس: ...)، ومثله البيهقي، وفي لفظ له (... إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شك شعبة- قصر الصلاة ...).

وتابع محمد بن جعفر: الطيالسي، فرواه عن شعبة، عن يزيد بن يحيى، قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن قصر الصلاة؟ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين).

أخرجه: أبو عوانة في المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم (6/351) قال: حدثنا عمار بن رجاء([1])، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن يحيى بن يزيد الهنائي ... به.

 

الكلام على الحديث:

أولاً: الحديث معلول من وجوه:

الوجه الأول: أن رواية يحيى بن يزيد الهنائي مخالفة لكل من رواه عن أنس رضي الله عنه، وهم:

1. يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع)، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرًا). أخرجه البخاري من طريق الثوري، ومسلم من طريق هشيم واللفظ له.

وفي لفظ ابن حبان من طريق ابن علية والعقيلي من طريق وهيب (سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى بنا ركعتين حتى رجعنا ...).

2. محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهل)، أخرجه البخاري من طريق ابن جريج واللفظ له، ومسلم من طريق ابن عيينة.

3. أبو قلابة عبدالله بن زيد الحرمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين)، أخرجه البخاري من طريق عبدالوهاب الثقفي ومسلم من طريق  ابن علية  كلاهما عن أيوب عنه، وزاد معمر في روايته عن أيوب عند عبدالرزاق في المصنف (... وكان خرج مسافرًا)، وأخشى أن تكون غير محفوظة، فالرواة عن أيوب لم يذكروها.

4. إبراهيم بن ميسرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين)، أخرجه البخاري من طريق الثوري وقرن مع إبراهيم: ابن المنكدر.

5. روى أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب أخبره، أن أنس بن مالك حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا ثم خرج، فلما بلغ ذا الحليفة وذلك ستة أميال صلى العصر ركعتين)، أخرجه الطبري في تهذيب الآثار، والسراج في المسند، وأبو نعيم في الحلية كلهم من طريق ابن وهب عنه، ولا يصح عن ابن شهاب.

فهذه الروايات تدل على أن الحديث ورد عن أنس رضي الله عنه في سفر النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة في حجة الوداع.

قال ابن عبدالبر في الاستذكار (6/92): "واحتجوا بحديث محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين...)، قالوا: فمن سافر في مثل هذه المسافة أو مثلها قصر الصلاة، وهذا جهل بالحديث، لأن حديث أنس رضي الله عنه هذا إنما هو في خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى ذي الحليفة في حجة الوداع".

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/14): "احتج بظاهره بعض من لم يحصل من الظاهرية ممن يرى التقصير في قصير السفر وطويله، ولا حجة فيه، لأن هذا إنما كان في حجته عليه السلام، وهو مفسر في الأحاديث الصحيحة في تمام هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه وغيره، فإنما قصر في سفر طويل".

وقال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/476): "وسبب القصر في حديث أنس رضي الله عنه توجهه صلى الله عليه وسلم إلى مكة ...  لا أنه كان سفره إلى ذي الحليفة فقط، فلا حجة لمن أجاز القصر في قليل السفر، ولمن خرج إلى بستانه، لأن الحجة في السنة لا فيما خالفها".

وقال السندي في حاشية مسند الإمام أحمد (7/201): "ظاهره أن هذا المقدار مسيرة القصر، لكن أصل هذا الحديث فيما يظهر ما جاء عن أنس رضي الله عنه في حجة الوداع (أنه صلى بذي الحليفة ركعتين)، فالمراد أنه إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال بنية سفر طويل صلى ركعتين".

والذي بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال كما ورد في رواية ابن المنكدر ورواية الزهري، وهي ما يقارب (088، 11  كم).

الوجه الثاني: أن فيه يحيى بن يزيد الهنائي. قال ابن معين كما في ضعفاء العقيلي: صويلح.

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل: شيخ.

وذكره ابن حبان في الثقات له.

وقال الذهبي في الكاشف: صالح، وفي الميزان: لا بأس به.

وقال الحافظ في التقريب: مقبول.

وبه أعل ابن عبدالبر الحديث في الاستذكار (6/94) فقال: "وأبو يزيد يحيى بن يزيد الهنائي شيخ من أهل البصرة ليس مثله ممن يحتمل أن يحمل هذا المعنى الذي خالف فيه جمهور الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ولا هو ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل".

فإن قال قائل: الحديث أخرجه مسلم في صحيحه؟

فالجواب: أن الإمام مسلم أخرجه في المتابعات وليس في الأصول.

ثم يحتمل أن يكون الإمام مسلم أخرجه لبيان علته([2])، فقد قدم في الباب رواية أبي قلابة عن أنس رضي لله عنه، ثم رواية ابن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عنه رضي الله عنه، ثم ذكر بعدهم رواية الهنائي، فكأنه يشير إلى أن أصل الحديث هو ما وقع في رواية الجماعة.

الوجه الثالث: أن الحديث لم يقول به أحد من الفقهاء. قال الخطابي في معالم السنن (1/261): "إن ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدًا فيما يقصر إليه الصلاة إلاّ أني لا أعرف أحدًا من الفقهاء يقول به".

وقال الطبري في تهذيب الآثار مسند عمر رضي الله عنه (2/897): "... الدليل على أن ذلك هو الصحيح من معناه, نقل الحجة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ومن بعدهم من الخالفين, أنه لا يكون قصر الصلاة في قدر ما بين مدينة رسول الله عليه السلام وذي الحليفة".

ثم قال (2/911): "... فكيف تدعي من علماء الأمة إجماعًا على أن قصر الصلاة غير جائز في قدر مسافة ما بين المدينة وذي الحليفة؟ قيل: مسافة ما بين المدينة وذي الحليفة أقل من أربعة فراسخ، وأقل من مسافة ما بين الرملة وبيت المقدس، ولا أحد ممن روي عنه قصر الصلاة في قدر ما ذكرت يرى جواز قصرها فيما بين المدينة وذي الحليفة، أو في قدر ذلك من المسافة".

الوجه الرابع: وقوع الشك في الحديث حيث قال: (ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ) و (أو) هنا للشك، وليست للتخيير لأمرين:

1. أنه جاء في رواية محمد بن جعفر والطيالسي (أن شعبة الشاك).

2. أن المسافة تختلف بين الميل والفرسخ (فالميل = 3 فراسخ)، فثلاثة أميال تساوي تقريبًا (544، 5 كم)، وثلاثة فراسخ تساوي تقريبًا (32، 16 كم)، وهذا الفارق يعتبر مسافة كبيرة بينهما، لا يصلح معه أن تكون (أو) هنا للتخيير.

قال المغربي في البدر التمام شرح بلوغ المرام (2/103): "الشك من شعبة، وليس التخيير في أصل الحديث".

وقال الصنعاني في سبل السلام (1/388): "وقوله (أميال أو فراسخ) شك من الراوي، وليس التخيير في أصل الحديث".

وهذا الشك يدل على عدم ضبط الحديث، قال القرطبي في المفهم (2/332): "ربما تمسك به بعض الظاهرية، وبحديث ذي الحليفة على أن من نوى سفرًا قصيرًا ولم يبلغ يومًا تامًا أنه يقصر، ولا حجة له فيه، لأنه مشكوك فيه، فلا يوثق لا بالثلاثة أميال، ولا بالثلاثة فراسخ، إذ كل واحد منهما مشكوك فيه".

وأجاب ابن هبيرة بترجيح الأميال، فقال في الإفصاح (5/404): "أما مسيرة ثلاثة أميال فهو الصحيح، والذي شك فيه شعبة في أنه ثلاثة فراسخ، فهو سهو".

 وما أدري ما مستنده في ذلك الترجيح رحمه الله.

وأما الحافظ فأخذ بالأحوط وهي الفراسخ، فقال في الفتح (2/569): "ورده القرطبي (بأنه مشكوك فيه، فلا يحتج به)، فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم، لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا"([3]).

وأحمد رحمه الله مع أنه أخرجه في المسند إلا أنه لم يأخذ به. قال الأثرم: "قيل لأبي عبدالله: في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد، قيل له: مسيرة يوم تام؟ قال: لا، أربعة برد -ستة عشر فرسخًا- مسيرة يومين"([4]).

فلو كان صحيحًا عنده لذهب إليه، ولم يعمل بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم([5]).

والبخاري بوب في الصحيح: (باب في كم يقصر الصلاة)، ولم يذكر الحديث، فلو كان صحيحًا عنده لأخرجه، خاصة أنه أصل في بابه، وهو لا يترك ما هو أصل في بابه إلا لعلة كما قال ابن رجب في الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (25).

فإن قيل: ربما لم يكن على شرطه فلذلك لم يخرجه؟ قيل: البخاري يعلق في الباب ما ليس على شرطه، وهنا علق ما ورد عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، فلو  كان صحيحًا لأورده ولو معلقًا.

ثانيًا: قال الحافظ ابن حجر في الفتح له (2/567): "وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس رضي الله عنه قال:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة) وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به: المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: (سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة -يعني من البصرة- فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع؟ فقال أنس: ...) فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه".

ومع ما قاله الحافظ فإنه لا ينفي الوهم عن يحيى بن يزيد الهنائي، فربما يكون سأله كما سأله يحيى بن أبي إسحاق عن القصر في الصلاة فأجابه بما أجاب به يحيى بن أبي إسحاق، إلا أن يحيى بن يزيد أخطأ فعبر باللفظ الذي عبر به، وهو ليس بالحافظ.

 

 

 

تنبيه:

وقع في مسند السراج من رواية فليح، عن عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان التيمي، أن أنسًا أخبره (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة صلى الظهر بالشجرة ركعتين)، وهذا خطأ فالروايات عن أنس رضي الله عنه تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة والعصر بذي الحليفة، وهي المراد بالشجرة هنا، وأظنه من فليح بن سليمان، ويحتمل أن يكون من شيخه.

 

فقه الحديث:

أولاً: الحديث استدل به الظاهرية على جواز القصر في السفر سواء كان قصيرًا أو طويلاً.

قال ابن حزم في المحلى (5/5): "ومن خرج عن بيوت مدينته أو قريته أو موضع سكناه فمشى ميلاً فصاعدًا صلى ركعتين ولابد إذا بلغ الميل، فإن مشى أقل من الميل صلى أربعًا([6])".

وقال في (5/10): "وبكل هذا نقول، وبه يقول أصحابنا في السفر: إذا كان على ميل فصاعدًا في حج أو عمرة أو جهاد([7]) وفي الفطر في كل سفر".

وقال ابن عبدالبر في الاستذكار (6/90): "وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر الصلاة كل مسافر في كل سفر قصيرًا أو طويلاً ولو ثلاثة أميال، وقال داود: إن سافر في حج أو عمرة أو غزو قصر الصلاة في قصير السفر وطويله([8])".

وقال (6/94): "واحتج داود أيضًا ومن قال بقوله من أهل الظاهر بحديث شعبة، عن يحيى بن يزيد الهنائي ..".

وقال النووي في شرح صحيح مسلم (5/191): "هذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره".

وقال ابن رشيد في بداية المجتهد (1/324): "وقال أهل الظاهر: القصر في كل سفر قريبًا أو بعيدًا".

ولم يعتبر ابن بطال خلافهم في ذلك، فقال في شرح الصحيح (3/78): "وحكى عمن لا يعتد بخلافه من أهل الظاهر أنه يجوز في قليل السفر وكثيره إذا جاوز البنيان، ولو قصد إلى بستانه".

ولعلهم الذين عناهم البغوي عندما قال في شرح السنة (4/171): "فقد ذهب قوم إلى إباحة القصر في السفر القصير".

وظاهر هذا الحديث دليلاً لهم، قال المحب الطبري في غاية الأحكام (6/494): "وظاهر هذا الحديث حجة لهم على جواز القصر فيما دون أربعة بُرد".

وقال ابن تيمية في قاعدة في الحكام التي تختلف بالسفر والإقامة (224) بعد أن ذكر حديث الهنائي: "... ولم ير أنس رضي الله عنه أن يقطع من المسافة الطويلة هذا، لأن السائل سأله عن قصر الصلاة وهو سؤال عما يقصر فيه، ليس سؤالاً عن أول صلاة يقصرها، ثم إنه لم يقل أحد: إن أول صلاة لا يقصرها إلا في ثلاثة أميال أو أكثر من ذلك، فليس في هذا جواب لو كان المراد ذلك، ولم يقل ذلك أحد، فدل على أن أنسًا أراد أنه من سافر هذه المسافة قصر، ثم ما أخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم فعل من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين هل كان ذلك الخروج هو السفر، أو كان ذلك هو الذي قطعه من السفر، فإن أراد به أن ذلك كان سفره فهو نص، وإن كان ذلك الذي قطعه من السفر فأنس بن مالك استدل بذلك على أنه يقصر إليه إذا كان هو السفر، يقول: (إنه لا يقصر إلا في السفر) فلولا أن قطع هذه المسافة سفر لما قصر".

وقال السروجي في الغاية شرح النهاية (5/26) بعد أن ذكر حديث الهنائي: "قيل له: تأويله أنه قصد مسافة تقصر فيها الصلاة، فلما قطع هذا القدر من المسافة حضرت الصلاة عند بلوغ تلك المسافة، قلت: تأويلهم هذا مردود بقول الراوي: (إنه كان إذا خرج ثلاثة أميال...) فإنه يدل على أن قطع هذا العدد كان عادته في القصر".    

وقال المغربي في البدر التمام (2/103): "قوله: (ذا خرج): ظاهره في أنه إذا كان قصده مسافة هذا القدر، لا أنه إذا أراد السفر الطويل، فلا يقصر إلا بعد هذه المسافة".

وقال الصنعاني في سبل السلام (1/388): "المراد من قوله (إذا خرج ) إذا كان قصده مسافة هذا القدر، لا أن المراد أنه كان إذا أراد سفرًا طويلاً فلا يقصر إلا بعد هذه المسافة".

قال ابن رشيد في بداية المجتهد (1/326): "والسبب في هذا الاختلاف: معارضة مفهوم الاسم لدليل الفعل، وذلك أنه إذا شرع في السفر فقد انطلق عليه اسم مسافر فمن راعى مفهوم الاسم قال: إذا خرج من بيوت القرية قصر، ومن راعى دليل الفعل (أعني فعله عليه الصلاة والسلام) قال: لا يقصر إلا إذا خرج من بيوت القرية بثلاثة أميال لما صح من حديث أنس قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين)".

وأجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأنه محمول على ابتداء القصر في السفر الطويل، لا أن ذا الحليفة كانت منتهى سفره، وعليه فلا حجة لما ذهب إليه أهل الظاهر.

قال ابن عبدالبر في الاستذكار (6/94): "وقد يحتمل أن يكون أراد ما تقدم ذكره من ابتدأ قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال".

وقال النووي في شرح مسلم (5/199): "وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لأن المراد أنه حين سافر صلى الله عليه وسلم إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعًا، ثم سافر فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره، فلا دلالة فيه قطعًا".

وقال ابن قدامة في المغني (2/94): "يحتمل أنه أراد به إذا سافر سفرًا طويلاً قصر إذا بلغ ثلاثة أميال كما قال في لفظه الآخر (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين)".

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/14): "ولعله أراد ابتداء القصر في السفر الطويل".

وقال المحب الطبري في غاية الأحكام (6/494): "وهو عند من منع ذلك محمول على أن ابتداء قصره في غالب أحواله صلى الله عليه وسلم في آخر هذه المسافة لا يقصر قبل مجاوزتها، لا أنها مسافة القصر".

وقال ابن الحوزي في كشف المشكل (3/316): "وإنما يحمل هذا الحديث على أحد شيئين، أحدهما: أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بنية السفر الطويل فلما سار ثلاثة أميال قصر، ثم عاد من سفره، فحكى أنس رضي الله عنه ما رأى، والثاني: أن يكون منسوخًا".

والنسخ لا يمكن القول به هنا، لأن ذلك كان في حجة الوداع([9])، وهو لم يخرج من المدينة بعد عودته من الحج حتى توفاه الله بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام كما ذكر ذلك أهل العلم.

وقال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/476): "وسبب القصر في حديث أنس رضي الله عنه توجهه صلى الله عليه وسلم إلى مكة ...  لا أنه كان سفره إلى ذي الحليفة فقط، فلا حجة لمن أجاز القصر في قليل السفر، ولمن خرج إلى بستانه، لأن الحجة في السنة لا فيما خالفها".

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (3/245): "وقد استدل بذلك على إباحة القصر في السفر القصير، لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب: بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر، وإنما خرج إليها حيث كان قاصدًا إلى مكة واتفق نزوله بها، وكانت أول صلاة حضرت صلاة العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع".

وهذا الحمل كما سبق وأن قال الحافظ بعيد، فمن صحح الحديث لازمه القول به ولابد.

وممن قال به الألباني رحمه الله، قال في الصحيحة (1/308): "يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخ (والفرسخ نحو ثمان كيلو مترات) جاز له القصر".

 

ثانيًا: القصر يبدأ بمجاوزة البيوت لمن نوى سفرًا.

قال ابن المنذر في الأوسط (4/351): "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي منها يخرج".

وقال (4/353): "وممن قال إنه يقصر إذا خرج من بيوت القرية: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور".

وقال (354): "يلزم المقيم ما دام مقيمًا إتمام الصلاة، فإذا عزم على السفر وخرج من منزله ولم يبرز عن قريته، واختلفوا في أمره، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يبرز عن بيوت القرية، فإذا برز عنها قصر إذا كان سفره يقصر في مثله الصلاة، إذ لا أعلم أحدًا يمنعه من ذلك، ولا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة".

وقال الطبري في تهذيب الآثار (2/911): "فبين بذلك أن لمن خرج مسافرًا إلى غاية يجوز له قصر الصلاة إليها، أن له القصر حين يخرج من البلدة التي ابتدأ منها سفره فيخلفها وراءه حتى لا يكون شيء منها أمامه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصر بذي الحليفة صلاته، وقد خرج من مدينته يريد سفرًا تقصر في مثله الصلاة، كان معلومًا بذلك أن ما كان خارجًا عن مدينته مما ليس هو منها في معنى ذي الحليفة، في أن له قصر الصلاة عنده، إذا كان قد ابتدأ سفرًا إلى غاية تقصر إليها الصلاة، وبذلك جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعت على القول به علماء الأمة".

وقال النووي في شرح مسلم (5/200): "وأما ابتداء القصر: فيجوز من حين يفارق بنيان بلده، أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام .... هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة".

وقال ابن قدامة في المغني (2/96): "ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته، ويجعلها وراء ظهره".

وقال القاضي عياض في المعلم (3/15): "وقد اختلف العلماء متى يبدأ المسافر الذي يباح له القصر، فذهب جمهور السلف والعلماء: أنه إذا خرج من بيوت المدينة قصر، وإذا دخلها راجعًا من سفره أتم، وهو قول أئمة الفتوى، ومحصول مذهب مالك ومشهوره".

وقال القرطبي في المفهم (2/332): "فذهب جمهور السلف والعلماء إلى أنه إذا خرج من بيوت المدينة قصر".

وقال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/475): "وقام الإجماع على أن المسافر لا يقصر الصلاة حتى يبرز عن بيوت القرية التي يخرج منها".

وقال الحافظ في الفتح (2/569): "ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة، بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها".

 

ثالثًا: المسافة التي تقصر الصلاة فيها لمن خرج ناويًا السفر.

وهذه من المسائل الشائكة والمحيرة. قال ابن تيمية في مجموع الفتوى (43/38): "المقام الثاني: حد السفر الذي علق الشارع به الفطر والقصر، وهذا مما اضطرب الناس فيه".

وقال الشوكاني في الدراري (124): "... هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابًا شديدًا، وتباينت فيها الأنظار تباينًا زائدًا".

قال ابن المنذر في الأوسط (4/346): "وأجمع أهل العلم على أن لمن سافر سفرًا تكون مسافته مثل ما بين المدينة إلى مكة أن يقصر الصلاة إذا كان خروجه فيما تقدم وصفنا له".

وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال، أهمها ما يلي:

القول الأول: فذهب بعضهم إلى أنها أربعة برد:

قال ابن المنذر في الأوسط (4/346): "واختلفوا فيمن سافر أقل من هذه المسافة([10])، فقالت طائفة: من سافر مسيرة أربعة برد فله أن يقصر الصلاة، كذلك قال: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بالأخبار التي رويت عن ابن عمر([11])، وابن عباس رضي الله عنهما".

وقال محمد بن نصر المروزي في الاختلاف الفقهاء (120): "وقال مالك وأهل المدينة: يقصر في مسيرة ستة عشر فرسخًا كذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق، واحتجوا بحديث ابن عمر وابن عباس (أنهما كانا يقصران في مسيرة أربعة برد) وهي ستة عشر فرسخًا".

وبعض أهل العلم عبر عن ذلك فقال: يقصر مسيرة اليوم التام.

قال الأوزاعي: "وعامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام، وبهذا نأخذ([12])"([13]).

وقال الزهري: "يقصر مسيرة يوم تام ثلاثون ميلاً"([14]). وتساوي (55، 44 كم).

قال ابن المنذر في الأوسط (4/348): "وثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (يقصر في اليوم ولا يقصر فيما دون ذلك).

وكلام ابن عبدالبر يشير إلى أن اليوم التام: أربعة برد، فقال في الاستذكار (6/82): "مسيرة اليوم التام بالسير الخفيف هي أربعة برد أو نحوها".

وقال (6/86): "اختلف الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار في مقدار ما يقصر إليه الصلاة من المسافة: فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد إلى أن الصلاة لا يقصرها المسافر إلا في سيره اليوم التام بالبغل الحسن السير، وهو قول أحمد وإسحاق والطبري ... قدره مالك بأربعة برد (ثمانية وأربعون ميلاً)، وقال الشافعي والطبري: (ستة وأربعون ميلاً)، وهذا أمر متفاوت".

و48 ميلاً = (704، 88 كم  و46 = ( 008، 85 كم)، والأمر قريب بينهما.

 

القول الثاني: قال المروزي في الاختلاف الفقهاء (120): "قال سفيان: إذا سافرت سفرًا يكون ثلاثة أيام فاقصر الصلاة".

وقال عبدالرزاق في المصنف (2/527): "عن الثوري ... قال: وقولنا الذي نأخذ به مسيرة ثلاثة أيام، قلت: من أجل ما أخذت به؟ قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة فوق ثلاث، إلا مع ذي محرم)".

وقال معلى بن منصور في النوادر (273): "قال أبو يوسف: قال أبو حنيفة: إذا سافر مسيرة ثلاثة أيام بسير الإبل ومشي الأقدام قصر([15]) ... وهذا قول أبي يوسف([16])".

وقال ابن المنذر في الأوسط (4/349): "وفيه قول رابع: وهو أن من سافر ثلاثًا قصر، روينا هذا القول عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وسعيد بن جبير، والنخعي، وسويد بن غفلة([17]) ... وبه قال الثوري، والنعمان، ومحمد بن الحسن، قال النعمان: ثلاثة أيام ولياليها، سير الإبل ومشي الأقدام".

وقال ابن عبدالبر في الاستذكار (6/87): "قال سفيان وأبو حنيفة: أقل ذلك ثلاثة أيام، لا يقصر الصلاة مسافر في أقل من ثلاثة أيام كاملة".

وقال السروجي في الغاية شرح الهداية (5/8): "قال أصحابنا والكوفيون: أقل مسافة تقصر فيها الصلاة مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن، سير الإبل ومشي الأقدام، والقصر إنما يكون لمن سار من أفق إلى أفق، ولم يريدوا به السير ليلاً ونهارًا".

واستحبه بعض أهل القول الأول احتياطًا.

قال الشافعي في الأم (2/362): "وأما أنا فأحب ألا أقصر في أقل من ثلاث احتياطًا لنفسي"([18]).

قال ابن عبدالبر في الاستذكار (6/97): " ... هو كما قال الأوزاعي، وجمهور العلماء لا يقصرون الصلاة في أقل من أربعة برد، وهو مسيرة يوم تام، بالسير القوي الحسن الذي لا إسراف فيه، ومن احتاط فلم يقصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام كاملة فقد أخذ بالأوثق".

القول الثالث: يجوز القصر في السفر مطلقًا دون تحديد لمسافة.

قال ابن قدامة في المغني (2/94): "ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر، خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه، لوجهين: أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها، ولظاهر القرآن، لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض، لقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}، وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية رضي الله عنه، فبقي ظاهر الآية متناولاً  كل ضرب في الأرض، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام)، جاء لبيان أكثر مدة المسح، فلا يصح الاحتجاج به هاهنا، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرًا، فقال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)، والثاني: أن التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه".

وقال ابن تيمية في قاعدة في الحكام التي تختلف بالسفر والإقامة (229): "فالتحديد بالمسافة لا أصل له في الشرع ولا لغة، ولا عرف ولا عقل، ولا يعرف عموم الناس مساحة الأرض، فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقًا بشيء لا يعرفونه".

وقال (227): "بل نفس تحديد السفر بالمسافة باطل في الشرع واللغة".

وقال (209): " وكلام الصحابة أو أكثرهم رضي الله عنهم في هذا الباب يدل على أنهم لم يجعلوا السفر قطع مسافة محدودة أو زمان محدود يشترك فيه جميع الناس، بل كانوا يجيبون بحسب حال السائل، فمن رأوه مسافرًا أثبتوا له حكم السفر وإلا فلا([19])".

وقال في مجموع الفتوى (24/38): "وقد قال أبو محمد المقدسي: لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجهًا، وهو كما قال رحمه الله، فإن التحديد بذلك ليس ثابتًا بنص ولا إجماع ولا قياس، وعامة هؤلاء يفرقون بين السفر الطويل والقصير، ويجعلون ذلك حدًا للسفر الطويل، ومنهم من لا يسمي سفرًا إلا ما بلغ هذا الحد، وما دون ذلك لا يسميه سفرًا ..."

ثم قال: "وإذا كان كذلك فنقول: كل اسم ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفرًا في عرف الناس فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم".

وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/463): "ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصح عنه منها شيء البتة، والله أعلم".

وقال صديق حسن خان في فتح العلام لشرح بلوغ المرام (2/468): "لا يوجد دليل صحيح صريح على تحديد مسافة السفر، فكل ما سمي في العرف سفرًا أبيحت فيه الرخص".

وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح المتمتع (4/351): "والصحيح أنه لا حد للسفر بالمسافة ... وإذا كان لم يرو عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم تقييد السفر بالمسافة، وليس هناك حقيقة لغوية تقيده كان المرجع فيه إلى العرف".

ونقل كلام ابن قدامة وابن تيمية رحمهما الله، ولعل ما ذهبوا إليه هو الأقرب، والله أعلم.

 

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 



([1]) قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/395): كان صدوقًا.

([2]) هذا على رأي القاضي عياض ومن تبعه، وهو الراجح.

([3]) وقع سقط في طبعة السلفية، واستدركته من شرح الزرقاني.

([4]) تنظر: زاد المسافر لعلام الخلال (2/218). والمغني لابن قدامة (2/90).

([5]) وهذا مروى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. قال البخاري في الصحيح: وكان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخًا.

وهي تساوي: 704، 88 كم.

([6]) قال السَّروجي في الغاية شرح الهداية (5/23): لعمري إنه لم يبعد فيما قاله -يعني ابن حزم- من المقادير، لكن تناقض في كلامه، فإنه قال في أول المسألة: (إن من خرج من بيوت مصره أو قريته أو موضع سكناه فمشى ميلاً صلى ركعتين ...)، فيقال له: فهذا التقدير والتقييد بالميل هل هو في الكتاب أو السنة الصحيحة أو السقيمة أو الإجماع أو القياس أو في قول صاحب لا مخالف له كما ذكرت؟ فسقط قولك أيضًا.

والجواب عن ابن حزم: أنه بين حجته في ذلك، فقال في (5/16): والسفر: هو البروز عن محلة الإقامة، وكذلك الضرب في الأرض، هذا الذي لا يقول أحد من أهل اللغة -التي بها خوطبنا وبها نزل القرآن- سواه، فلا يجوز أن يخرج عن هذا الحكم إلا ما صح النص بإخراجه، ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى، وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصروا ولا أفطروا، ولا أفطر ولا قصر، فخرج هذا عن أن يسمى سفرًا، وعن أن يكون له حكم السفر، فلم يجز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفرًا، فلم نجد ذلك في أقل من ميل.

ثم إن السروجي نقل كلامه هذا وقال بعده: وهذا برهان صحيح ... ثم قال: فثبت أن ما ذكره من تقدير الميل لاستحقاق اسم السفر باطل لا أصل له.  

([7]) قال ابن تيمية في الفتوى (24/105): ... فمنهم من قال: لا يقصر إلا في حج أو عمرة أو غزو، وهذا قول داود وأصحابه إلا ابن حزم.

([8]) قال السَّروجي في الغاية (5/14): قد ذكر ابن حزم في المحلى: أنه لا يقصر في أقل من ميل عند الظاهرية وهو منهم، فإطلاق أبي عمرو في التمهيد، وإطلاق أبي حامد وشمس الأئمة منا غير صحيح، فإن ابن حزم أَخْبَرُ بمذهبه من غير أهل مذهبه.

([9]) وكان ذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر، وعاش بعدها عليه الصلاة والسلام قرابة 80 يومًا. ينظر: التوضيح لابن الملقن (8/474)، وجمع الآثار في السيرة ومولد المختار لابن ناصر الدين الدمشقي (6/303).

([10]) بين المدينة ومكة.

([11]) وهي أصح الروايات عن ابن عمر رضي الله عنهما كما قال الخطابي في معالم السنن (1/262)، والبغوي في شرح السنة (4/173)، ورد ابن عبدالبر في الاستذكار (6/83) ما خالفها، وأما ابن تيمية فقد صحح تلك الروايات كما في قاعدة في الحكام التي تختلف بالسفر والإقامة (81، و215، و216، و219، و223).

([12]) هكذا جاء في الأوسط، وفي الإشراف له 2/104)، وقال السفاريني في كشف اللثام (3/129): وإليه ذهب الأوزاعي، قال ابن المنذر: عامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام، وبه نأخذ. هكذا وقع عنده، وهو سهو منه عفا الله عنه. وينظر: مختصر الكفاية في اختلاف الفقهاء للميورقي (1/502).

([13]) ينظر: الأوسط لابن المنذر (4/351)، ومعالم السنن لخطابي (1/262)، والاستذكار لابن عبدالبر (6/97).

([14]) السابق.

([15]) ينظر الفتوى لابن تيمية (24/119).

([16]) ينظر أدلتهم: المسائل الشريفة في أدلة أبي حنيفة للديري (2/666). 

([17]) ينظر: مصنف عبدالرزاق (2/526، و527).

([18]) وجاءت عبارة الشافعي في المهذب: وأحب أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام، وإنما استحب ذلك ليخرج من الخلاف، فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يبيح القصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام.

([19]) قال السفاريني في كشف اللثام (3/129): وهذا القول مختار شيخ الإسلام ابن تيمية، وله إليه ميل كلي، وذكر على صحته أدلة متعددة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق